كلما حاول المجتمع تغيير وضعه لا ينجح بل يعود الى نقطة البداية بسبب الاعتماد على حلول لا تنتمي الى الضمير الاخلاقي في الافراد وانما تفرض قوانين من الخارج ان كان لها علاقة مع التغيير فتكون علاقة جزئية وهذا يجعل الحل جزئيا لا اكثر، بينما التغيير الحقيقي يكون من داخل النفوس البشرية، بتصفية النفوس وتزكيتها وتهذيبها، وبإزالة الأدران والرين من القلوب، وبإثارة دفائن العقول وتجرّدها، وبالرجوع للفطرة الإنسانية والإنطلاق مما تُمليه.
تعرّض القرآن الكريم في أكثر من موضع لسنة التغيير في المجتمع وأكد على أن التغيير لا يكون من الخارج بل من الداخل، وإن غيرت الداخل سينعكس التغيير على الخارج ويتجلى بأبهى صورة، يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] في هذه الآية قانون عام خاضع له المجتمع البشري ومفاده أن ما يصيبكم هو من عند أنفسكم فالأساس والقاعدة هي إرادة الأمة فأي تغيير خارجي للأمة مرتبط بالتغيير الداخلي لها، والباحث عن عامل خارجي ليبرر عمله وتصرفه مشتبه ومخطأ، فالإنسان جزء من مجتمعه وهو مختار بسعادته أو شقائه ونتيجة اختياره تنعكس تلقائيا على مجتمعه.
وللعلامة الطباطبائي رضوان الله عليه نصّ لطيف في ميزانه يقول فيه: (لا تزول نعمة من النعم الإلهية و لا تتبدل نقمة و عقابا إلا مع تبدل محله و هو النفوس الإنسانية، فالنعمة التي أنعم بها علی قوم إنما أفيضت عليهم لما استعدوا لها في أنفسهم، و لا يسلبونها و لا تتبدل بهم نقمة و عقابا إلا لتغييرهم ما بأنفسهم من الاستعداد و ملاك الإفاضة و تلبسهم باستعداد العقاب).
في آية أخرى يقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]
تطلق البركات على كل نعمة دائمة لا تزول وجاءت بالتنكير للدلالة على شمولها جميع أنواع البركات، الله تعالى يفتح علينا بركات من فوقنا وتحتنا إن آمنا واتقينا، لا يكفي الإيمان وحده بل التقوى ملازمة له، بمعنى آخر فالإيمان هو الجانب النظري والتقوى هي الجانب العملي، نحن في هذه الفترة من الزمن نشهد اسلاما صوريا، شكليا، اسميا، قشريا، اهتممنا بالجانب النظري وتركنا العملي لذلك تغيّرت النعم علينا كأفراد وكمجتمع، التقوى من أبسط معانيها ترك الذنوب كبيرة وصغيرة لذا جاء في الدعاء الشريف (اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ)
ما هي الذنوب التي تغيّر النعم
يُجيب الإمام السجاد عليه السلام عن ذلك بقوله : الذُّنُوبُ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ: الْبَغْيُ عَلَى النَّاسِ، وَ الزَّوَالُ عَنِ الْعَادَةِ فِي الْخَيْرِ وَ اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ، وَ كُفْرَانُ النِّعَمِ، وَ تَرْكُ الشُّكْرِ.
نحن في هذه الأيام بذروة العيش بهذه الحالات فالبغي على الناس أصبح ذكاءا واتباعا للمصلحة، وإزالة العادات الجيدة وعدم اصطناع المعروف ذهب بحجّة أن المجتمع غير صالح وكأن المتكلم ليس جزءا منه أما كفران النعم فحدث ولا حرج فلا يوجد احترام لنعم الله علينا فضلا عن الاستفادة منها، اما ترك الشكر فمن لديه نعمة يعتبر نفسه متفضلا على المنعم باعتباره قابلا بها وغير رافض
بالنتيجة فإن التمتع بالنعم الظاهرية والخفية منوط بالكمالات الذاتية والحالات الوجدانية فالفتح والاغلاق بيد الله جل جلاله لكنه انعكاس لأعمالنا {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 53] .







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN