حسن الهاشمي
يستشف من تحريم الله عز وجل لحم الخنزير قوله تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام:145. وبيّن ربنا عز وجل وهو العليم الخبير أن العلة في تحريم لحم الخنزير هي (فإنه رجس) أي نجس، ضار ومؤذ ونتن، وهذه علّة ذاتيّة قائمة لا تنفكّ عن لحم الخنزير أبدا.
نعم، القرآن الكريم بيّن في عدة مواضع أن علة تحريم لحم الخنزير هي لأنه رجس، أي نجس وقذر ومعيب شرعا وطبعا، ما معنى "رجس"؟ أي قذر وخبيث في ذاته أو أثره، ويُطلق على ما يُنجّس النفس والبدن ويُورث الضرر.
بعض العلماء قال: "رجس" إشارة إلى النجاسة المعنوية والخلقية للخنزير، وآخرون قالوا: هو قذر طبّا وشرعا، لأن لحمه يحمل أمراضا وطفيليات، ويعتاد الخنزير على الاختلاط الجنسي وانعدام الغيرة.
ومن الواضح ان علة التحريم الأولى في القرآن هي كونه رجسا، ولكن قد تكون هناك حِكم طبّية ونفسيّة وأخلاقية أيضا، وإن لم تُذكر كلها بالتفصيل، لأن التحريم توقيفي يتّبع أمر الله وحكمته.
وهذا يبيّن أن العلة في التحريم ليست عارضة أو مكتسبة، والعلة العارضة كأكله القاذورات والقمامة وهو يحدث في بعض البلدان دون غيرها، لأن الغرب يطعمون الخنازير أعلافا طيبة ويربونها في حظائر نظيفة مغلقة ومكيّفة وهنالك تنتفي هذه العلّة العارضة، كما أن العلّة أيضا ليست مكتسبة تزول بزوال سببها كإصابته ببعض الأمراض الطفيلية والبكتيرية والفيروسية، لأن كل هذه الأمراض مكتسبة ومن الممكن السيطرة عليها إما بالعلاج بالمضادات الحيوية ضد مسببات هذه الأمراض أو باستخدام اللقاحات وهى الآن شائعة وتستخدم على نطاق واسع وبذلك تنتفى هذه العلل المكتسبة، واذا قلنا انه بانتفاء العلة العارضة أو العلة المكتسبة ينتفي الحكم، ولكن هذا تكذيب لكتاب الله تعالى الذي يتلى إلى أن تقوم الساعة، وبذلك تبقى العلة الذاتية التي لا تنفكّ عن لحم الخنزير في كونه نجساً وضاراً ومؤذياً لمن يأكله هي الأصل في بقاء الحكم الشرعي، وقد تحققت نجاسة لحم الخنزير كما تحقق الضرر من أكل لحمه من خلال الأبحاث العلمية العديدة وهذه بعض نتائجها:
1. ان الخنزير حيوان سبعي له أنياب يأكل الجيف والفئران وهذا عكس الأنعام تماما فهي بدون أنياب ولا تتغذى إلا على العشب والكلأ فقط.
2. ان عدم وجود انزيمى (Xanthin oxidase &Uricase ) في بلازما الخنزير وقلة وجوده في الكليتين يجعله يحتفظ بكمية كبيرة من حمض البوليك في أنسجته فالخنزير يتخلص من 2% فقط من هذا الحمض والباقي يختزن في جسده وهذا عكس الأنعام فهي تتخلص من حمض البوليك بكميات كبيرة لوجود (Xanthin oxidase ) في بلازما الأبقار وهو يقوم بتكسير حمض البوليك إلى آلنتوين والذى يفرز في بول الأبقار بكميات عالية جدا، وبالتالي تتخلص الأبقار منه عن طريق البول وينقى الدم منه وبالتالي ينقى اللحم فيكون لحم الأبقار طاهرا طيبا، كما يوجد في بلازما الأغنام انزيم اليوريكاز (Uricase) والذى يقوم بتكسير حمض البوليك وتتخلص الأغنام منه عن طريق الكليتين مما يجعل لحم الأغنام أيضا طاهرا طيبا.
3. ان كثرة وجود حمض البوليك في دم ولحم الخنزير دليل على نجاسته ولهذا وصفه ربنا عز وجل بأن رجس.
4. ان كمية انزيم اليوريكاز في كلى الأبقار حوالى ستة أضعاف الموجود في كلى الخنازير.
5. ان الخنزير بطبعه الخبيث يأكل روثه المختلط ببوله وما به أيضا من حمض البوليك يجعل تراكم هذا الحمض في لحمه بكميات كبيرة تضر بصحة الإنسان وهذا يدل على نجاسة لحمه كما بيّن ربنا عز وجل في علة التحريم للحم الخنزير وهى أنه رجس وهذا من الإعجاز العلمي لهذه الآية ولتحريم لحم الخنزير.
6. ان الخنزير يحتوى على 50% من لحمه دهنيات وأن هذه الدهنيات منها 38% دهون مشبعة (تراى جلسريد) ولا يستطيع الإنسان هضمها، بينما الأبقار تحتوى على 6% فقط من الدهون وهى سهلة الهضم، والأغنام تحتوي على 17% دهون أيضا سهلة الهضم، وهذا يدل أيضا على الضرر المحقق من تناول لحم لخنزير.
والفرق بين لحم الخنزير وبين باقي اللحوم إنه يحتوي على كمية كبيرة من الدهون ويمتاز باندماج الدهن ضمن الخلايا العضلية للحمه، علاوة على تواجدها خارج الخلايا في الأنسجة الضامة بكثافة عالية، في حين أن لحوم الأنعام تكون الدهون فيها مفصولة عن النسيج العضلي ولا تتوضع خلاياه وإنما تتوضع خارج الخلايا وفي الأنسجة الضامة.
7. ان الخنزير يحتوى على كميات عالية من هرمونات النمو وهى تسبب ستة أنواع من السرطانات بينما تفتقر الأنعام إلى هذه الهرمونات مقارنة بالخنزير وهذا أيضا ضررا آخرا محققا من تناول لحم الخنزير وعلة ذاتية على التحريم.
8. ان لحم الخنزير يحتوى على كميات كبيرة من الكبريت على عكس الأنعام وهذه علة أخرى ذاتية لتحريم لحم الخنزير.
9. ان لحم الخنزير يحتوى على كميات كبيرة من (الهستامين والإميدازول) المسبب للحساسية واكزيما الجلد لمن يأكله، بينما لحم الأنعام لا تحتوى على هذا الهرمون.
10. ان نسبة الكوليسترول في لحم الخنزير خمسة عشر ضعفاً لما في البقر، ولهذه الحقيقة أهمية خطيرة لأن هذه الدهنيات تزيد مادة الكوليسترول في دم الإنسان، وهذه المادة عندما تزيد عن المعدل الطبيعي تترسب في الشرايين، ولاسيما شرايين القلب، وتسبب تصلب الشرايين وارتفاع الضغط، وهو السبب الرئيسي في معظم حالات الذبحة القلبية، وهذه تسبب أضرار شديدة بصحة الإنسان. (من أبحاث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بتركيا 1432هـ - 2011م د/ حنفى محمود مدبولى).
من خلال النقاط الآنفة الذكر يتضح بيان الإعجاز العلمي في حرمة لحم الخنزير حيث إن كل هذه الأضرار الموجودة في لحم ودهن ودم الخنزير تجعل الخنزير محرما لذاته وليس لعلل عارضة أو مكتسبة، وهذا الذي بيّنه ربنا عز وجل من قوله (فإنه رجس) أي نجس، ضار ومؤذ ونتن، ومن هنا يتضح وجه الإعجاز العلمي في هذا النص القرآني لحرمة لحم الخنزير.