في زمنٍ تتهاوى فيه القيم كأوراق الخريف، وتُباع فيه المبادئ في سوق النخاسة الإعلامية، تُشنُّ حملةٌ شعواء على رموزنا المقدسة، على تلك العمامة الناصعة التي طالما كانت تاجَ الوقار، وذلك العقال الجنوبي الذي ظلَّ إكليلَ المروءة والشهامة.
يأتيك الإعلامُ المأجور بمسلسلاته الهابطة، يُلبس العقالَ رؤوسًا فارغة، ويضعُ العمامةَ على قرقوزاتٍ تتقافز كالقرود في سيركٍ رخيص. يُصوِّرون حاملَ العقال سفيهًا أخرق، وصاحبَ العمامة دجَّالاً محتالاً، في حملةٍ ممنهجة تستهدف تحطيم الثوابت، وتفتيت الأسس، وإشاعة الفوضى في مجتمعٍ طالما كانت هذه الرموز فيه منارةً للهداية وسدًّا منيعًا أمام الانحراف.
مئاتُ المحاولات، بل ألوفها، تُبثُّ في الأثير سمومَها، عبر أخبارٍ مُفبركة تُلوِّث الحقيقة، وروايات تهويلية تشوِّه الواقع، وبرامج ساخرة تستهدف التسخيف والتحقير. إنها حربٌ ناعمة، لكنها أشدُّ فتكًا من البارود والرصاص، تستهدف الوجدان قبل الكيان، وتُميت الروح قبل الجسد.
تلك المجالس التي كانت تُعقد تحت ظلال العمامة الشريفة، حيث تُذكر اخلاق أهل البيت عليهم السلام ونهجهم القويم، وتذكر أهوال يوم القيامة، ويُصحح المسار على المنابر. وتلك الديوانيات التي يزينها العقال المهيب، حيث يُكرم الضيف، ويُنصف المظلوم، ويُصان العرض، ويُحمى الجار.
العمامةُ والعقال لم يكونا مجرد غطاءٍ للرأس، بل كانا رمزًا للمسؤولية، وعهدًا على الكرامة، وميثاقًا من الشرف لا يُنقض.
ثم جاءت اللحظة الحاسمة، يومَ أن تدنَّست أرضُ الوطن بأقدام البرابرة، وصدحت فتوى الجهاد الكفائي من محراب المرجعية العليا، كصرخة حقٍّ في وجه الباطل.
هنا فضحتهم حقيقة العمامة والعقال!
انتفض صاحبُ العمامة ، فخلعها لِيلُفَّ بها كفنَه، وارتدى ثوبَ الشهادة مُختارًا. وقام حاملُ العقال الجنوبي الأبيّ، فشدَّه على رأسه أحكم ما يكون، وانطلق نحو ساحات الوغى لا يلوي على شيء.
لم يتساءلوا عن المكاسب، ولم يساوموا على الثمن، ولم يحسبوا العواقب. خرجوا بدمائهم الزكية، بأرواحهم الطاهرة، بكل ما يملكون من عزيمةٍ وإيمان. تركوا وراءهم الديار والأهل والأولاد، واستجابوا للنداء المقدس.
في سهول نينوى وجبال صلاح الدين، في صحراء الأنبار وأزقة الموصل، سُطِّرت ملحمةٌ من دمٍ وبطولة. العمامةُ تُضمِّد جراحَ المجاهدين، والعقالُ يُشدُّ على الرؤوس المُقبلة على الموت بشجاعةٍ أسطورية.
ومن يريد أن يعرف حقيقة العمامة والعقال، فليذهب إلى مقابر الشهداء، حيث ترقد تلك الرؤوس الشامخة تحت التراب، بعد أن رفعت راية الوطن عالية خفَّاقة. هناك يجد الإجابة، مكتوبةً بحروفٍ من نور ودماء.
فتحيةً لكل عمامةٍ شريفة ظلَّت نبراسًا للهداية، وسلامٌ على كل عقالٍ مهيبٍ بقي حارسًا للقيم والمبادئ. وخزيٌ وعارٌ على كل من باع ضميره لتشويه هذه الرموز المقدسة التي فدت الوطن بأغلى ما تملك.







وائل الوائلي
منذ 7 ساعات
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN