1- (الدَُعابة حاجبة لـ"علي" من ان ينتخب للإمرة"الخلافة")
لم يجدوا في "عليّ" شيئا حتى يُقصى عن الامرة - الخلافة - غير انّ فيه دُعابة
لان الحاكم والامير في نظرهم يجب ان يكون عبوسا قمطريرا ينظرُ شزرا لعمّاله وسوطه ودرّته تهوي على رؤس الرعيّة، ومقطبا حاجبيه ويتكلم من وراء انفه بينما "علي"كان رجلا اريحيا سهلا لينا يصغي للجميع هشا بشا بوجه اصحابه ورعيته مو " متنك ومشمخر "
وبوصف ضرار بن ضمرة له :(كان والله كأحدنا ، يُجيبنا إذا سأَلناه، ويبتدئنا إذا أتيناه ويَأتينا إذا دعَوناه ، ونحنُ والله مع قربه منَّا ودُنوّه الينا لا نكلِّمهُ هيبةً له ، ولا نبتديه لعظمه ، فإن تبسّم فعن مثل اللُؤلؤ المنظوم ) المهابة والكارزما من " الله " مو مصطنعة
فــ"علي" يجيد سياسة الناس ويتعامل معهم بمنتهى اللطف والمدارة وتطييب خواطرهم ولهذا يقول الامام علي عمن وصفه بالدعابة :(عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة، وأنى امرؤ تلعابة، أعافس وأمارس)
وابن النابغة المقصود به عمر بن العاص لانه يُلبّس على اهل الشام ويقدح في شخص الامام بانه ذو دعابة : اي يمازح ، واما قول الامام علي إمرء تلعابة كثير اللعب ، أعافس أعالج الناس وأضاربهم مزاحا.
لم تكن الادارة والقيادة والسلطة والامرة منطلقا لاظهار السطوة وفرض المهابة على الناس وانما هي وسيلة لخدمة العباد في احقاق الحق ودفع الباطل وتيسير امورهم لا انّ تكون منصة لتصفية الخصوم او اخافة الناس وارعابهم .
(قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان فينا كأحدنا، لين جانب، وشدة تواضع، وسهولة قياد، وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه.
وقال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أبا حسن، فلقد كان هشا بشا، ذا فكاهة، قال قيس: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح ويبتسم إلى أصحابه، وأراك تسر حسوا في ارتغاء -(اي كما في المثل: " هو يسر حسوا في ارتغاء "، يضرب لمن يظهر أمرا وهو يريد غيره.)،- وتعيبه بذلك أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى، تلك هيبة التقوى، وليس كما يهابك طغام أهل الشام.)
يقول ابن ابي الحديد ( وعمرو بن العاص إنما أخذها عن عمر بن الخطاب لقوله له لما عزم على استخلافه: لله أبوك لولا دعابة فيك إلا أن عمر اقتصر عليها، وعمرو زاد فيها وسمجها.)
ويبدو ان المعايير مقلوبة منذ ذلك الوقت حيث يعاب على الفرد السهل اللين الطيب الممازح الهش البش ، وصار هذا حاجبا ومانعا من ان يتسنم علي الامرة ويقود الامة نحو الصلاح والفلاح .
2- (النّعل أحبُّ اليه من الإمرة)
فرقٌ بين مقام الولاية ومنصب الأَمْرَة- ومؤسف: ان هناك من لا يراعي الفرق فيعتبر مقام "الولاية" و"الإمرة" على انّهما شيئا واحدا-"وهذا ليس طرف الحديث- وانما هل أحبّ الامام عليّ الإمرة - اي السلطة والنّفوذ
يقول عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ
فَقُلْتُ لَا قِيمَةَ لَهَا
فَقَالَ عليه السلام وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا ...
يستظهر من النّص المشهور عن الامام علي عليه السلام بانّ لا رغبة حقيقة للامام في الإمرة - الخلافة بمفهومها الشائع وليس بمفهومها الخاصّ - وفي نصّ آخر يعبر عنها ب(متاع أيّام قلائل ، يزول منها ما كان ، كما يزول السّراب ، أو كما يتقشّع السّحاب ..) [تصنيف نهج البلاغة (/ 5)
نعم كان الامام يرى ذاته الرفيعة الطاهرة احق في هذا المقام لانه يمثل امتداد لسياسة النبوة في العباد فهو تراث لاهل البيت دون غيرهم فهم ورثة النبي الاكرم بالعلم والسيادة والدين ...الخ
وصرّح الامام في الخطبة المعروفة بالشقشقية بان تراثه قد نُهب ، فسدل دونها ثوبا وطوى عنها- الإمرة-كشحا ورجّح الصبر فهو احجى
ويبدو انّ الامام عليه السلام مدهوشا بسلوك الامة بعد رحيل الخاتم فما كان يخطر على باله بان الامّة ستقصيه ويتقمص الامرة فلان وفلان (فيقول (ع)
(فو اللّه ما كان يلقى في روعي ( أي قلبي ) و لا يخطر ببالي ، أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن أهل بيته ، و لا أنّهم منحّوه عنّي من بعده فما راعني إلاّ انثيال النّاس على فلان ..)[تصنيف نهج البلاغة (/ 4)]
الامام عليه السلام لم يعد يرى في الإمرة اهمية غير انها طريق لاقامة الحق ودفع الباطل ، فالسلطة عنده مسؤولية وليست غنيمة لهذا يقيم ادائه ودوره فيقول(فنهضت في تلك الأحداث حتّى زاح الباطل و زهق ، و اطمأنّ الدّين و تنهنه) [تصنيف نهج البلاغة (/ 2)]
النعل التي كان يعالجها الامام علي احب اليه من منصب زائل ولنعم ما قال في هذا المجال المرحوم الوائلي :
وَأَراك أكبر من حديث خلافة يستامها مروان أَو هارون
لك بالنُّفوس إمامةٌ فيَهُون لو عصفت بك الشُّورى أو التعيين
ولان " علي" هو علي لا تزينه امرة بل هو زينة قلوب المؤمنين به .
صلوات الله وسلامه عليه .....







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN