يدّعي الكثير حبّ أهل بيت النبي (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم) ولكن من دون اتّباعٍ لسنّتهم، وهذا الصنف لن ينفعَه ادّعاؤه أبداً؛ لأنّه عبارة عن لقلقةٍ باللسان، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].
فاعلم أنّ المحبّة الحقيقيّة لهم (عليهم السلام) لا يمكن تحصيلها إلا بالعلم والعمل.
فالأوّل: يكون من خلال معرفتهم وذلك بدراسة سيرتهم وعلومهم.
رُويَ عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنّه قال: " نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَبَيْتُ الرَّحْمَةِ، وَمَفَاتِيحُ الْحِكْمَةِ، وَمَعْدِنُ الْعِلْمِ، وَمَوْضِعُ الرِّسَالَةِ، وَمُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ، وَمَوْضِعُ سِرِّ اللَّهِ، وَنَحْنُ وَدِيعَةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ، وَنَحْنُ حَرَمُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ، وَنَحْنُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَنَحْنُ عَهْدُ اللَّهِ، فَمَنْ وَفَى بِعَهْدِنَا فَقَدْ وَفَى بِعَهْدِ اللَّهِ، وَمَنْ خَفَرَهَا [خفرها أي: خفر ذمّتنا، والخفر: نقض العهد] فَقَدْ خَفَرَ ذِمَّةَ اللَّهِ وَعَهْدَهُquot (1).
والثاني: يكون من خلال الاستنان بسنّتهم بما صدر منهم من قول أو فعل أو تقرير؛ فهم أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وخلفاؤه من بعده، فكما أنّ قول النبي الأكرم وفعله وتقريره حقّ فهم كذلك، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].
وقد أمرنا الله (عزّ وجلّ) باتّباع رسوله المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، وقرن طاعته بطاعته، فقال سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31، 32]، وأمر باتّباع أولي الأمر من بعد نبيّه الكريم، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]. وأولو الأمر هم آل محمد (عليهم السلام).
وقد دلّ على وجوب مطابقة القول العمل والملازمة بينهما الكثير من النصوص الروائيّة، منها ما روى الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاريّ (رضي الله عنه) عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنّه قال: quotيَا جَابِرُ أَ يَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ [انتحال الشيء: ادّعاؤه] أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَوَاللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ، وَالتَّخَشُّعِ، وَالْأَمَانَةِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ، وَالتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ، مِنَ الْفُقَرَاءِ، وَأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَالْغَارِمِينَ، وَالْأَيْتَامِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَفِّ الْأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ، وَكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ. قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَداً بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَقَالَ: يَا جَابِرُ لَا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ، حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيّاً وَأَتَوَلَّاهُ ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالًا فَلَوْ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ فَرَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ (عليه السلام) ثُمَّ لَا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَلَا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ، أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ.
يَا جَابِرُ وَاللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَمَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النّار وَلَا عَلَى اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ، مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ، وَمَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِquot (2).
الأقلّ: أحمد الخرسان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي، الشيخ الكلينيّ: ج1، ص 221، (ط ـ الإسلاميّة).
(2) المصدر نفسه: ج2، ص 74 ـ 75.







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN