Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
عتبات السماء

منذ 31 دقيقة
في 2025/11/28م
عدد المشاهدات :7
في زمان تعتقت فيه الأرواح بين أسر الغفلة وانعتاق اليقظة، كان ثمة رجل من أهل اليمن، قلبه كالمرآة المجلوة، وروحه كالطائر الحبيس ينشد آفاق الحرية. أويس القرني اسمه، لكن نسبه الأصيل كان إلى تلك السلالة النادرة من العاشقين الذين لا يرتوون إلا من كأس القرب الإلهي.
كانت الليالي تتوالى عليه كحبات المسبحة، وهو في محرابه يناجي خالقه بلسان الحال قبل المقال، دموعه كاللآلئ المنثورة على سجادة الخشوع، وأنفاسه كأنها صعدات من ضاقت به الدنيا بما رحبت، لا لفقر في الجيب، بل لغنى في القلب يستصرخ المزيد.
وفي ليلة ظلماء كأن السماء قد أرخت ستورها، جاءه النداء الذي طالما انتظره. لم يكن نداء بالصوت المسموع، بل كان هاتفا يصدح في أعماق الروح: "يا أويس، إن لك مع الله موعدا."
سافر أويس إلى المدينة المنورة، حيث يقيم ذلك الأسد الهزبر، باب مدينة العلم، علي بن أبي طالب عليه السلام. وحين وقف بين يديه، أحس كأنه يقف على عتبات السماء، فالرجل الذي أمامه ليس كسائر البشر؛ في عينيه بريق المعرفة، وفي كلامه رونق الحكمة، وفي صمته دوي الأسرار.
قال له الإمام بصوت كالنسيم الرقيق الذي يحمل عطر الجنان: "يا أويس، أتعرف ما الدعاء"
فأجاب أويس بتلعثم المحب الولهان: "أظنه يا مولاي سؤال العبد من ربه."
ابتسم الإمام ابتسامة كأنها شعاع اخترق ظلمات الجهل، وقال: "الدعاء يا أويس ليس مجرد سؤال، بل هو حوار العاشق مع معشوقه، وشكوى المكلوم إلى طبيبه، ورحلة الهارب من نفسه إلى مولاه. هو أن تقف على باب الملك الجبار وأنت تعلم أنك لا تستحق الدخول، لكن رحمته أوسع من ذنبك، وكرمه أعظم من فقرك."
ثم أخذ الإمام يلقنه كلمات كأنها قطرات من رحيق العرفان، كل كلمة منها كوكب يضيء في سماء الروح:
"قل: بسم الله الرحمن الرحيم..."
وبدأ أويس يردد خلفه، والحروف تتساقط من شفتيه كالدرر المكنونة. كل اسم إلهي يذكره كان يحدث في قلبه اهتزازا، كأن أوتار روحه تعزف بأنامل الحق سبحانه.
"اللهم إني أسألك ولا أسأل غيرك..."
مع هذه العبارة، شعر أويس كأن كل ما في الكون قد تلاشى، فلا سند إلا الله، ولا ملجأ إلا هو، ولا مجير سواه. انهمرت دموعه كسيل منهمر، يغسل أدران السنين وغبارات الغفلة.
"أنت الرب وأنا العبد، وأنت المالك وأنا المملوك..."
هنا، انكسر أويس انكسارا جميلا، لا انكسار الذل بل انكسار المعرفة. أدرك أنه في حضرة من لا ينبغي أن يرفع معه رأس، ولا يدعى أمامه استحقاق. فالعزيز هو الله، والذليل هو العبد. الغني هو الله، والفقير هو من سواه.
مضت ساعات تلك الليلة وكأنها لحظات خاطفة، وأويس يردد الدعاء مع الإمام، حتى حفظه حرفا حرفا، ونقشه في لوح قلبه نقشا لا يمحى.
قال له الإمام وهو يرنو إليه بعينين تفيضان حدبا وحنوا: "يا أويس، إذا دعوت الله بهذا الدعاء، فلا تدعه وأنت غافل. اجمع قلبك كله، واحشر روحك بكليتها، وقف بين يديه كما تقف يوم الحساب، ذليلا منكسرا، لكن واثقا بأن رحمته أقرب إليك من حبل الوريد. فالهارب منه إليه لا يرد خائبا، والمستجير بكنفه لا يسلم للهلاك."
عاد أويس إلى بلاده، لكنه لم يعد ذلك الرجل الذي رحل. صار كالمصباح الذي أوقد من شجرة مباركة، يضيء لمن حوله دون أن يطلب ثمنا أو ينشد جزاء.
وفي كل ليلة، كان يرفع يديه إلى السماء، ويناجي ربه بذلك الدعاء الذي صار روح روحه، ونبض قلبه:
"هربت منك إليك، معترفا غير مستنكف ولا مستكبر..."
وكان كلما ذكر هذه العبارة، يتذكر أن الهروب الحقيقي ليس إلى الجبال أو الكهوف، بل إلى الله نفسه. فالذنوب وإن كثرت، والخطايا وإن تراكمت، فإن باب التوبة مفتوح لا يوصد، ويد الرحمة ممدودة لا تقبض.
ومرت السنون، وأويس يردد دعاءه، حتى صار في الناس كالأسطورة، يحكى عنه أنه يكلم الله فيجيبه، ويسأله فيعطيه. لكن أويسا نفسه لم يكن يرى في نفسه إلا عبدا فقيرا، مذنبا كثير الخطأ، لولا لطف الله لهلك.
وفي ليلة من الليالي الأواخر من عمره، شعر بأن روحه تتهيأ للرحيل. لم يخف ولم يجزع، بل ابتسم ابتسامة المشتاق للقاء. رفع يديه للمرة الأخيرة، ودعا بذلك الدعاء الذي رافقه طوال حياته:
"يا أنس كل فقير مستجير... اغفر لي وتجاوز عني وارحمني..."
وانطلقت روحه كالطائر الذي كسر قفصه، تحلق في آفاق الرحمة الإلهية، تاركة خلفها جسدا خفيفا كأنه لم يكن إلا ثوبا مستعارا.
تلك كانت قصة أويس القرني، الرجل الذي علمه الإمام علي دعاء صار مفتاحا لأبواب السماء. وما زال ذلك الدعاء يتردد في أفواه العارفين، كل يناجي به ربه في جوف الليل، حين تسكن الأصوات وتصمت الألسنة، إلا لسان القلب الذي لا يكل ولا يمل.
فيا أيها القارئ الكريم، إن أردت أن تذوق حلاوة القرب، وتشعر بلذة المناجاة، فخذ هذا الدعاء واجعله رفيقك. ردده بقلب حاضر وروح خاشعة، واعلم أن الهارب من الله إلى الله، لن يضل طريقه أبدا.
علي وياك علي... هل هم على نهج علي
بقلم الكاتب : حسن الهاشمي
حسن الهاشمي أيها الساسة العراقيون بعد التغيير تدّعون انكم على نهج الامام علي عليه السلام، أينكم من الامام وهو يقول: (أتيتكم بجلبابي وثوبي هذا فأن خرجت بغيرهنّ فأنا خائن) نهج البلاغة لابن ابي الحديد. تدّعون أنكم على نهج السيد السيستاني حفظه الله، وهو يعيش في بيت بسيط قديم في أحد أزقة النجف، لا حراسات... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

الْتَّضَارِيْسُ إِنَّ الْـعُـيُوْنَ الَّـتِـيْ سَـالَـتْ تُـوَدِّعُـكُمْ ... المزيد
كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ...
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...


منذ 4 ايام
2025/11/24
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء الثامن والسبعون: فيزياء الذات والمصير: اختيار...
منذ 4 ايام
2025/11/24
هي استخدام تقنيات متقدمة مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة...
منذ 4 ايام
2025/11/24
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء السابع والسبعون: كونيات القياس: الوعي والاحتمال...