حسن الهاشمي
علاج قطيعة الرحم يبدأ من النية الصادقة، والتواضع، والإيمان بفضل الصلة، ويُترجم إلى المبادرة بالصلة، والتغافل والتسامح، والتواصل بالكلمة الطيبة، والإحسان المادي والمعنوي، والدعاء للرحم بالهداية وان قاطعوك، وتذكير النفس بفضل الصلة وعواقب القطيعة، ابدأ أنت، ولا تنتظر الطرف الآخر، من وصل رحمه فقد فاز بمحبة الله، وراحة القلب، وبركة الحياة.
تقدَّم الكلام في القطيعة، وأضرارها وأثارها المدمِّرة على الفرد والمجتمع، وأنّها توجب الابتعاد عن الله تعالى في الدنيا والآخرة، وبيان بعض الأسباب الموجبة للقطيعة، وأن يعرف بأن قطيعة الرحم هي كترك الواجب في العبادات المفروضة، فإذا كان الأمر كذلك، فعلى المؤمن أن يحذر قطيعة الرحم، وأن يتجنّب الأسباب الداعية إليها، ويسعى في علاجها، وأن يصل الرحم، وأن يعرف عظيم شأن الرحم، ويتحرى أسباب وصلها، ويرعى الآداب التي ينبغي مراعاتها مع الأقارب.
ألا ترغب بأن تكون أقرب الى الخير وأعجل وصولا اليه تواصل مع الأقرباء وأحسن إليهم سواء بالكلام الطيب، أو المساعدة، أو الزيارة، ودع مهلكات القطيعة وراء ظهرك، لماذا صلة الرحم سريعة الأثر لأنها تُرضي الله وتقرّب بين القلوب، وتجلب البركة في العمر والرزق، وتدفع البلاء، وتُدخل السرور على الآخرين، فإذا أردت خيرا عاجلا في الدنيا، فابدأ بصلة رحمك، فإن الله يُعجّل لك ثوابها، فقد روي عن رسول الله (ص): (إن أعجل الخير ثوابا صلة الرحم) بحار الانوار للمجلسي، ج2 ص152 ح15. وبما إن الإنسان خلق عجولا فإن باستطاعته تلمس آثار صلة الرحم بالسرعة المذهلة، فهي وكما جاءت في الروايات المتعددة تزيد في العمر وتنفي الفقر وتعمّر الديار وتزيد في الأعمار وإن كان أهلها غير أخيار، وإنها تهوّن الحساب وتقي ميتة السوء وتعصم من الذنوب، وحثت الروايات على صلة الأرحام وبر الإخوان ولو بحسن السلام ورد الجواب.
وبقي أن نعرف ما لصلة الرحم وقطيعتها من أثر بالغ في عمر الإنسان، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين، فيصيّرها الله عز وجل ثلاثين سنة، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيّرها الله ثلاث سنين) الكافي للكليني، ج2، ص150. هذه الرواية تُبيّن أثر صلة الرحم أو قطيعتها في زيادة أو نقصان العمر بإذن الله، صلة الرحم تجلب بركة العمر، فيُطيل الله حياة الإنسان بسبب برّه بأرحامه، وقطيعة الرحم تُنزع البركة، ويُقصر عمر الإنسان عقوبة له، اذ ان الأعمار ليست أرقاما جامدة فقط، بل هي مرتبطة بالأعمال والسلوك، واعلم ان برّك بأهلك وأقاربك سبب لطول العمر، وسعة الرزق، ودفع البلاء، فلا تستصغر صلة الرحم، فهي باب من أبواب رضا الله وطول الحياة.
العلاج هو بيد الإنسان، بعد أن عرف ما لصلة الرحم من خير وافر يقطف ثماره سريعا في الدنيا، ناهيك عما ينتظره من نعيم في الآخرة، أما قطيعة الرحم فلا تجلب سوى الفقر وحلول النقم وفناء العمر وما ينتظره في الآخرة أشد وأخزى، فالطريق السالك والمأمون من المخاطر هو صلة الأرحام والتواصل معهم والحذر من قطيعتها، لأن فيها قطيعة لسبل الخير في حياة الإنسان.
الأرض أم رؤوم، والسماء أب حنون، وما بينهما يتقلب الإنسان ما بين خيرات الأرض وبركات السماء لينهل من عطاؤهما الثر ويرتقي مناهل الكرامة، وجرت العادة إن الدنيا بأسبابها ومسبباتها تطبع على سلوكيات الأفراد بصماتها التي تكون خالدة فيما إذا تمخضت بقيم السماء، ومبتورة فيما إذا تلوثت بلوث الأرض، وشتان ما بين نقاء السماء ولوث الأرض فالعواطف والأفكار واللذة والألم والصدق والكذب وسواها كل هذه تُدان وتُستدان، فالعاقل منا أن يوفي دينه ويستوفي كيله من بضاعته المسجاة قبل فوات الأوان.
ربما الواحد منّا قد يقف حائرا إزاء ما يعتوره من تراكمات طالما ظلت تراوده كهاجس لا ينفك يطلب منه حثيثا المداولة والمزاولة والمطاوعة، التعامل الأمثل مع مفردات الحياة بما تتمخض عنه من معطيات الخير وتداعيات الشر، هو التقلّب فيهما بما يتناسب مع تطلّعات الواحد منّا في مختبرات الدنيا الفانية، ربما تتوق الى العلياء ولكنها بحاجة إلى همم عالية ومساع حثيثة لتخطي كل ما هو عائق أمام مسيرة الحياة الصاعدة الفائقة، أما العقبات الكأداء معنوية كانت ام مادية لابد من معالجتها وتخطّيها قبل الوصول إلى المبتغى النبيل.
"ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر" إن أردت الحياة الحرة الكريمة ما عليك إلا أن تترك تداعيات الانحطاط وتحمل مقومات النجاح على كاهلك لبلوغ القمم السامقة، وهذا الحمل وإن كان يرهقك في بعض محطاته، بيد أن نتائجه نافعة وثماره حلوة وعواقبه حسنة، فالوسائل مهما اكتنفتها المشاق فان حلاوة الوصول إلى الهدف النبيل تقضي على تبعاتها المرة وصعوبتها الشاقة وحزونتها المؤلمة، إن لم تتحول تلك المنغصات إلى ملذات في مجسات الدنيا الهادفة.