بسم الله الرحمن الرحيم
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقه قولي.
والصلاة والسلام على خير الخلق محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع.
"السيدة الزهراء (ع) النموذج الأكمل للمرأة في الإسلام"
١- الغوص في التاريخ:
حينما نغوص في أعماق التاريخ الإسلامي، ونُمعن النظر في سير الشخصيات المؤثرة، لا نجد امرأةً بلغت منزلة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأثرها العميق في تشكيل المسارين الإنساني والإسلامي. فقد جمعت السيدة الزهراء (ع) بين الشرف النَّسَبي والمقام الروحي، والمنزلة العلمية والموقف السياسي، لتكون كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وإنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون : يا فاطمة إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ..." (1)
٢- سيدة نساء العالمين: التكريم الإلهي
لم تكن منزلتها (ع) مجرد امتداد لقرابتها النبوية من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكونها ابنته، بل كانت مقاماً إلهياً مُختَصاً بها.
روي عن رسول الله (ص): "يا فاطمة، إن الله تعالى غَضِبَ لِغَضَبِكِ وَرَضِيَ لِرِضَاكِ" (2). وهذا دليل على علوّ مكانتها عند الله تعالى، مما يجعلها القدوة الأمثل للمؤمنات عبر العصور.
٣- الشهيدة المظلومة: الحجة البالغة على الأمة
تمثل حياتها (ع) بعد أبيها (ص) الدرس الأعمق في التضحية والثبات على المبدأ. فما جرى عليها من ظلمٍ وغصبٍ لحقها في فدك الذي هو للزهراء عليها السلام من ابيها، واقتحام دارها وإسقاط جنينها المحسن، وكسر ضلعها، كلّ ذلك شهادة حية على ثباتها في طريق الحق. والروايات واضحة عن أهل السنة في الهجوم على دارها واحراق الباب.
٤- الأمّ المربيّة: منبع الأنوار العلوية
كانت (عليها السلام) المدرسة العظيمة التي خرّجت للأمة أئمة الهدى من ولديها الحسن والحسين (ع) وما بعدهم من الأئمة (عليهم السلام) ومولانا صاحب الزمان (عج)، والسيدة زينب الكبرى (ع) التي حفظت تراث الوحي بعد كربلاء تلك المجاهد العظيمة الصابرة المُبيّنة.
روي عن رسول الله (ص): "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً" (3).
فهي الأم التي قدّمت للبشرية أنموذج التربية الإلهية.
٥- الزوجة النموذج: شراكة في طريق الإيمان
ضربت (عليها السلام) أروع الأمثلة في التعاون مع زوجها الإمام علي أمير المؤمنين (ع) وإمام المتقين والخليفة الحق من رب العالمين ووصي رسول الله في سبيل إعلاء كلمة الله. فقد كانت تساعده في شؤون الحياة وتسانده، وتشجعه على الجهاد، وتقف معه في المحن، وتشاركه هموم الأمة.
روي عن الإمام علي (ع) أنه قال فيها: "فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتّى قبضها الله عزّ وجلّ ، ولا أغضبتني ولا عَصَت لي أمراً ، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان". (4)
٦- الخطیبة المفوهة: صوت الحق المدوي
خطبتها العظيمة التاريخية (عليها السلام) في مسجد النبي (صلّى الله عليه وآله) والتي عُرفت بالخطبة الفدكية، تُعدّ من أعظم الوثائق الإسلامية التي تدافع عن حقّ الإمامة والولاية، وتكشف عن المخطط الذي حيك بعد وفاة النبي (ص). وقد استشهدت فيها بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، مما يدل على عمق معرفتها وبلاغتها. هذا الصوت الذي كان للحق، لا يعني أن تقوم كل النساء بالظهور والتصدي أمام الناس بحجة الاستناد لهذه المسألة، كلا فهذا غير صحيح، لأن الزمان والمكان والكيفية تختلف، فمقام السيدة الزهراء عليها السلام عظيم ويختلف. الإقتداء بها يتم عن طريق السير على نهجها في كونها المرأة المؤمنة العالمة.
٧- الدفاع عن الولاية:
السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام لم تدافع في خطبتها عن الصلاة والصوم والحج وسائر العبادات الفردية، بل دافعت عن ما يحافظ على هذه العبادات من الإنحراف والعقائد من التشويه، حيث دافعت عن الولاية "ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)" تلك الولاية التي تحافظ على الإسلام وعباداته ومعاملاته وعقائده من الإنحراف التشويه، ودافعت عن الولاية التي هي التنصيب الإلهي لخليفة الله في أرضه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله). حيث أن الدفاع عن الولاية كان المحور.
٨- العابدة الزاهدة:
كانت السيدة (ع) مثالاً للعبادة والزهد، تقوم الليل حتى تتفطر قدماها، وتدعو للمؤمنين والمؤمنات. روي عن الإمام الحسن (ع) وهو يصف أمه: "رأيت أمي فاطمة عليها السلام قائمة في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت: يا أماه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك فقالت: يا بني، الجار ثم الدار". (5)
٨- الصدّيقة الكبرى: التجسيد العملي للتصديق
روي عن الإمام الكاظم أنه قال: "إن فاطمة عليها السلام صدّيقة شهيدة" (6).
والصدّيقة هي التي بلغت أعلى مراتب التصديق بالله ورسوله، فكانت (ع) تجسيداً حياً للإيمان الكامل، والشهيدة الشاهدة على الأمة، والتي أستشهدت ظلماً و في سبيل الله ولأجل الولاية والدفاع عن الحق.
٩- قولها منهج للنساء:
روي أنَّ رسول الله (ص) سأل عن أيِّ شيء خيرٌ للمرأة فقالت فاطمة (ع): "أن لا ترى رجلاً ولا يراها". فقال النبيُّ (ص) تعقيباً على كلام فاطمة (ع): صدقت إنَّها بضعةٌ مني" وفي رواية أنَّه ضمها إليه وقال: ذريَّةٌ بعضها من بعض". (7)
فتلك دلالة واضحة على أن عدم الإختلاط والظهور وكما يحصل اليوم للأسف في مواقع التواصل الإجتماعي وفي الواقع من ظهور وابراز للوجه وسماع للصوت وغيرهن فهو ليس خير للمرأة لما يستتبعه من أمور أخرى تؤثر عليها سلباً، لأن الإسلام والشريعة يريدان أن يحافظا على المرأة المسلمة المؤمنة.
وفي الخاتمة : إن سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) ليست شخصية تاريخية فحسب، بل هي منهج حياة، ونموذج كامل للمرأة المسلمة التي تجمع بين العلم والعمل، والعبادة والجهاد، والأمومة والزوجية، والقيادة والقدوة. فهي الشعلة التي تنير درب الهدى لكل من أراد أن يسير على طريق الحق والعدالة والدفاع عن الولاية.
وأما المقال فلا يعطي حق السيدة الزهراء، فكلما كتبنا من كلمات وسطور ولو تجاوزت مئات الآلاف لما وصفناها حق الوصف، فهي لها المكانة العظيمة عند أهل السماء قبل اهل الأرض، نسأل الله أن يعرفنا حق السيدة فاطمة الزهراء ويرزقنا شفاعتها في الدنيا والآخرة.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
مصادر الأحاديث في داخل المقالة:
1 - كتاب الامالي للشيخ الصدوق.
2 - كنز العمال للمتقي الهندي.
3 - رواه الترمذي وابن ماجه وابن حنبل.
4 - بحار الأنوار للعلامة المجلسي.
5 - علل الشرائع للشيخ الصدوق.
6 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للعلامة المجلسي.
7 - كنز العمال للمتقي الهندي، وبحار الأنوار للعلامة المجلسي.
وهذه جملة من الأحاديث المروية عن فضل السيدة الزهراء (عليها السلام) :
عن الإمام الصادق عليه السلام : هي فاطمة الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى (۱).
الإمام الحسين عليه السلام : أمّي ـ فاطمة ـ خير منّي (۲).
الإمام الحسن العسكري : وهي ـ فاطمة ـ حجّة علينا (۳).
عن علي عليه السلام : دخلت يوماً منزلي فإذا رسول الله صلّى الله عليه وآله جالس والحسن عن يمينه ، والحسين عن يساره ، وفاطمة بين يديه ، وهو يقول : يا حسن ويا حسين ، أنتما كفّتا الميزان وفاطمة لسانه ، ولا تعدل الكفّتان إلّا باللسان ، ولا يقوم اللسان إلّا على الكفتين ... أنتما الإمامان ولأمّكما الشفاعة (٤).
روي عن مجاهد ، أنّه قال : خرج النبي صلّى الله عليه وآله وهو آخذ بيد فاطمة ، فقال : من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد ، وهي بضعة منّي ، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله (٥).
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : فاطمة بهجة قلبي ، وأبناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمّة من ولدها أمناء ربّي وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه هوى (٦).
روي عن سعد بن أبي وقّاص ، أنّه قال : سمعت النبي صلّى الله عليه وآله يقول : فاطمة بضعة منّي ، من سرها فقد سرني ، ومن ساءها فقد ساءني. فاطمة أعزّ البريّة عليّ (۷).
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً (۸).
قال النبي صلّى الله عليه وآله : يا فاطمة ؛ ابشري فإنّ الله تعالى اصطفاك على نساء العالمين ، وعلى نساء الإسلام وهو خير الدين (۹).
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة (۱۰).
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إنّما سميت ابنتي فاطمة ، لأنّ الله فطمها وفطم من أحبّها من النار (۱۱).
قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا سلمان ؛ من أحبّ فاطمة بنتي فهو في الجنّة معي ، ومن أبغضها فهو في النار.
يا سلمان : حبّ فاطمة ينفع في مأة من المواطن أيسر ذلك المواطن : الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيتُ عنه ، ومن رضيتُ عنه رضي الله عنه ، ومن غضبت عليه غضبتُ عليه ، ومن غضبتُ عليه غضب الله عليه.
يا سلمان ؛ ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً ، وويل لمن يظلم ذريّتها وشيعتها (۱۲).
مصادر الأحاديث : https://research.rafed.net/D981D8A7D8B7D985D8A9-D8A7D984D8B2D987D8B1D8A7D8A1-D8B9D984D98AD987D8A7-D8A7D984D8B3D984D8A7D985/2964-D987D8B0D987-D987D98A-D8A7D984D8B2D987D8B1D8A7D8A1-D8B9D984D98AD987D8A7-D8A7D984D8B3D984D8A7D985.
والله أعلم.







وائل الوائلي
منذ 36 دقيقة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN