(ولادة القمر )
بقلم مجاهد منعثر منشد
كلَّما مَرَّت الليالي يَزدادُ الهِلالُ وضوحاً تسألُ خالقَها : رَبَّاُه.. ما هذا الهلالُ لا يَشبَهُ سِواهُ من أَهلَّةِ الشُّهورِ
تشرقُ بدمعِها حينَ تَرَى دَمعَ الإمامِ الأَمرُ سِرٌّ لعلَّها تَخشى أَنْ تسأَلهُ
انتصَفَ الشَّهرُ تَمَاثلَ الهلالُ بدراً يرتجفُ فؤادُها كلَّما تَذكَّرتْ رؤياها تربطُ بينَ هذا القَمَرِ الحزينِ وقَمَرِ رؤياها التي تأَوَّل بشبلِ أَميرِ المؤمنينَ .
تتوالى الليالي مَرَّتِ السَّاعاتُ في شَعبانَ منَ السنةِ السَّادسةِ والعشرينِ للهجرةِ تنتظرُ النِّداءَ يطرقُ مَسامعَها أُمَّاهُ
تبسَّمَتْ بدموعٍ أَهي دموعُ الفَرَحِ لبلوغ نَجلِهِ الحَبيبِ منَ الثلاثة والعشرين أَم ذكرى تلوحُ في أُفُقِ الغَيبِ تماماً كما تلوحُ الدَّمعةُ في عيني أَبي السِّبطينِ فتأبى النُّزولَ
انتصَفَ الليلُ ويكادُ ينصرمُ جَنينُها تأَهبَ للخروج استكانتْ بهدوءٍ ليخرجَ بلا ضَوضاء فلا يقضُّ مضجَعَ مولاها ومولاه إمامَ المتَّقينَ .
نهضَ أَميرُ المؤمنينَ قبلَ صَلاةِ الَفجرِ اصطَحَبَ الحسنينِ معه أُمُّ البنين صَمت
اشتدَّ الطَّلقُ وطأةً أَتقلَقُ حَبيبَتَها الحوراءَ وتزعجَها
لابدَّ من حضورِ مَنْ يتلقَّى الأَمانَةَ بين أَضلاعها قَدِمَتْ زينبُ على وَجهِ السُّرعةِ سَمِعَتْ بخَطَواتها سَأَلتها أَنْ تُمنِّي القدومَ عليها في حِجرَتِها
أَحسَّتْ أُمُّ البنينَ على غيرِ عَادتِهَا بضَعفِها وشُحوبِ لونِها عَلامَاتٍ لم تَرتَسِمْ على مَلامِحها من قبلُ تُجاهدُ نفسَها مبتسمَةً في وجهِ الحَوراءِ
سَأَلتها بلهفةٍ : أُمَّاهُ مِمَّنْ تَشتكينَ
سيِّدتي ومولاتي : أَظنُّها آلامَ المَخاضِ
اعتصَرَ قَلبُ زينب ابتهجَتْ لأُمٍّ حَبيبَةٍ نذرتْ نفسَها لَهُم قلقَتْ أَرسَلتْ بحضورِ القابلَةِ جهَّزتْ مكانَ ولوازمَ المولودِ عَادَتْ لأُمِّها تُلاطفُها بحديثها الرَّقيقِ المُحَبَّبِ.
شَقَّتِ الأَسماعَ المتلهفةَ صرخةٌ خَرَجَ نورٌ ساطعٌ ملأَ المَدى والصَّدى يجيبُه فرحًا...
ولدَ ناصرُ الحُسينِ نورُهُ يباهي الشَّمسَ في اشراقِها وهاهي الملائكةُ تَصعَدُ وتَهبطُ تباركُ أُمَّ البنينِ وزينبَ ولادةَ الكَنزِ الكبير .
قُرِعَ البابُ . هو قنبرُ غُلامُ الإمامِ يسأَلُ : ما سِرُّ الحَركةِ في أَرجاءِ البيتِ
وحَمَلَ طلباً للحوراءِ من أَبيها اعطتْهُ طلبَهُ الذي تعرفُ مكانَهُ سأَلها :
مولاتي هل أَزِفُّ البُشرى لمَولاي
أَجابتهُ بهدوءٍ وفرحٍ بَلى ياقَنبر إنَّها أُمُّ البنين.
خَطَواتٌ بلغَ الخَبرُ الإمامَ دَخَلَ بلهفةٍ واشتياقٍ أَقبلتْ عليهِ زينبُ يشعُّ في عينِها أَلقٌ لم تَعهدهُ حتَّى عند ولادةِ ولدِها وضَعَتهُ بينَ يديهِ هو الطفلُ الموعودُ ملفوفاً بقماطٍ أَبيضَ لا يزيدُ بياضُهُ على نُصوعِ طَلَّتهِ البهيَّةِ .
تلقى ولدَهُ حدَّقَ بين ثنايا قماطِهِ يشعُّ كالشَّمسِ تبرقُ أَساريرهِ تَتَلاقى عيناهُ بعينيهِ النَّجلاوينِ راحَ الإمامُ يمررُ لسانَهُ الشَّريفَ على عَيني الطفلِ وفَمِهِ وأُذنيهِ
أَقبلَ أَميرُ المؤمنينَ يَضمُّهُ يَلثمُهُ هَنَّأ الوليدَ بضَمَّةٍ فَتَنَهَّدَ أَنفاسُ الجنَّةِ تَشرحُ صدرَهُ فيتنشَّقَها مِلءَ أَنفاسِهِ وأَنوارُ الآخرةِ تنيرُ دربَهُ وناظريهِ.
أَذَّنَ في أُذُنِهِ اليُمنَى وأَقام في اليُسرى فأَدخلَهُ على زوجتِهِ التي ارتسمتْ علائمُ السُّرورِ على مُحياها هَنَّأَها بالمولودِ لعلَّهُ خاطبَها : بوركَ لكِ هذا المولودُ بوركَ لكَ هذا الشِّبلُ بوركت من لَبؤةٍ تَحمِي ذِمارَ العَرين .
تَمَطَّى المولودُ في قِمَاطِهِ قطَّعهُ
تذكرَ الإمام نزولَ جبرائيلُ على النَّبيِّ وأَخبرَهُ الخبرَ
تساقطتْ دموعُهُ انحدرتْ على كريمتِهِ تساقطَتْ على القِماطِ المَقطوع أَجهشَ بالبكاءِ سأَلتهُ بحرقةٍ :
ما يُبكيكَ يا أَميرَ المؤمنينَ أَليسَ هذا المولودُ الذي تَنتظرهُ
مَسَحَ دموعَهُ كيفَ يُخبرُها ما تَغيبهُ سجوفُ الغَيبِ
قد تموتُ غَمّاً إذا علمتْ ما سيجري على حبيبِها الصَّغيرِ أَجابَها برقَّةٍ وحزنٍ : لا يا أُمَّ البنينَ تذكرتُ ما جاء به جبرائيلُ لحبيبي محمَّدٍ بشأنِهِ علمتُ أَنَّهُ سيكونُ ناصراً للحسين
سأَلتهُ الحوراءُ : ما سَتُسَمِّيه
ـ نَطَقَ بصوتٍ هادئ :إنَّهُ العبَّاسُ كُنيتُهُ أَبو الفَضلِ .
هو قَمَرُ بَنِي هاشم وهو السَّقَّاءُ.
هل تحققتْ رؤيا أُمِّ البنينَ ويا ترى أَطابقَ الحدثُ تأويلَ ثمامة







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN