الإمامُ الكاظمُ (عليه السّلام) والإمامُ المهديُّ (عجّل الله فرجه الشريف) هما جزءٌ مِن سلسلةٍ نورانيّةٍ لأئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام)، الذينَ اصطفاهُم اللهُ تعالى لقيادةِ الأُمّةِ الإسلاميَّةِ وهدايتِهَا.
ورَغْمَ الفارقِ الزَّمنيِّ، فإنَّ العلاقةَ بينهما عميقةٌ وراسخةٌ، سواءٌ مِن حيثُ النسبِ؛ لكونِهِ (عليه السّلام) الجدَّ الأكبرَ للإمامِ (عجّل الله فرجه الشريف)، أو مِن حيثُ الرِّسالةِ المشتركةِ المتمثّلةِ في تحقيقِ العدالةِ الإلهيّةِ ونشرِ القِيَمِ الإسلاميَّةِ.
تمهيدُ الإمامِ الكاظمِ لفكرةِ الغَيبةِ:
عاشَ الإمامُ الكاظمُ (عليه السّلام) في ظروفٍ مجحفةٍ قاسيةٍ، حيثُ تعرَّضَ للاضطهادِ مِن قِبَلِ الحكّامِ العبّاسيّينَ الذين كانُوا يخشَونَ مِن نفوذِهِ الرُّوحيِّ بينَ النَّاسِ.
ونتيجةً لذلكَ، اضطرَّ الإمامُ الكاظمُ (عليه السّلام) إلى تبنِّي نهجٍ مِنَ السريَّةِ والحذرِ في إدارةِ شؤونِ الأُمَّةِ.
هذا النهجُ أسهمَ في تهيئةِ الأُمَّةِ لفكرةِ غيبةِ الإمامِ، التي ستتحقَّقُ لاحقًا للإمامِ المهديِّ.
الامامُ الكاظمُ يُجَسِّدُ مفهومَ الانتظارِ بالإمامِ المهديِّ:
مع كُلِّ ما لاقاهُ الإمامُ مِن ظُلْمٍ وسَجْنٍ ومُراقبةٍ شديدةٍ حُجِبَ فيها عن شيعتِهِ ومُحبِّيهِ ينسابُ إلى الأذهانِ تساؤلٌ وهو: كيفَ نفهمُ دورَ الإمامِ (عليه السّلام) في ترسيخِ مفهومِ الانتظارِ بالإمامِ المهديِّ (عجّل الله فرجه الشريف).
وللإجابةِ عن ذلكَ نذكرُ أربعةَ محاورَ:
الأول: السجن
كانَ الإمامُ (عليه السّلام) تحتَ المراقبةِ دائمًا/، وتمَّ سَجْنُهُ لسنواتٍ طويلةٍ/، مِمَّا علَّمَ أتباعَهُ الصبرَ على المِحَنِ والشدائدِ وعزَّزَ لديهِم مفهومَ القيادةِ الغائبةِ التي تعملُ بصمتٍ وفعاليةٍ، وهو نفسُ النهجِ الذي يحتاجُهُ المؤمنونَ في فترةِ غيبةِ الإمامِ المهديِّ، حيثُ يُنتظَرُ ظهورُهُ لتحقيقِ العدالةِ.
الثاني: التّواصلُ عِبْرَ الوكلاءِ
اعتمدَ الإمامُ (عليه السّلام) على شبكةٍ مِنَ الوكلاءِ الثِّقاتِ الذينَ كانُوا ينقلُونَ رسائلَهُ وتعاليمَهُ إلى شيعتِهِ.
وكانوا بمثابةِ حلْقةِ وَصْلٍ بينَ الإمامِ وأتباعِهِ، حيثُ يقومُونَ بإيصالِ تعاليمِهِ الدينيَّةِ والفكريَّةِ،
وتوجيهاتِهِ المتعلَّقةِ بالأمورِ الاجتماعيَّةِ،
والإجاباتِ عن الأسئلةِ الشرعيَّةِ، واستفساراتٍ أُخرى تتعلَّقُ بشيعتِهِ.
ومن الوكلاء: عليُّ بْنُ يقطين، الذي كانَ وزيرًا في حكومةِ هارونَ العبّاسيِّ، لكنَّهُ كانَ مِنَ المخلصِينَ للإمامِ الكاظمِ (صلوات الله عليه)، وبدورِهِ ينقلُ الكلامَ مِن خلالِ زيارتِهِ الرَّسميَّةِ للإمامِ إلى شيعتِهِ إمَّا بصورةٍ شفهيَّةٍ أو مِن خلالِ رسائلَ مُشَفَّرةٍ، وبشكلٍ سِرِّيٍّ للغايةِ، وبالتالي تمكَّنَ مِنَ التَّواصلِ معَ أتباعِهِ ونَقْلِ تعاليمِهِ إليهِم.
وهذا الخطُّ القويمُ امتدَّت آثارُهُ وثقافتُهُ إلى شيعةِ الإمامِ المهديِّ عِبْرَ أربعةِ سفراءَ قامُوا بدورِ الوسيطِ بينَ الإمامِ الغائِبِ ومُحبِّيهِ؛ ليترسَّخَ بعدَهَا مفهومُ الانتظارِ بالغيبةِ الكبرى من دونِ أن تهتزَّ قاعدةُ الأنصارِ أو يختلَّ إيمانُهُم بإمامِهِم الغائبِ حتَّى يومِنَا هذا.
الثالث: كثرةُ الانقطاعِ والاعتمادُ على النَّفسِ
الإمامُ وهو في السِّجنِ، علَّمَ شيعتَهُ أن يواجهُوا المِحَنَ بالصَّبرِ والثَّبَاتِ، وأن يكونُوا قادرِينَ على تحمُّلِ المسؤوليَّةِ في ظِلِّ غيابِهِ.
وحثَّهُم على التوكُّلِ على اللهِ فكانَ دائمًا يُشَدِّدُ على أنَّ الصَّبرَ مفتاحُ الفرجِ، ويُوصِيهِم بالاعتمادِ على اللهِ (سبحانَهُ وتعالى) في مواجهةِ الظلمِ.
بالإضافةِ إلى تعليمِهِم كيفَ يُديرُونَ شؤونَهُم وأمورَهُم بأنفسِهِم، بما في ذلكَ الجانبَ الماليَّ والدينيَّ، في حالِ انقطاعِ التواصلِ معَهُ.
وهذا الجانِبُ نجدُهُ اليومَ جليًّا وواضحًا مِن خلالِ الدورِ القياديِّ الذي يقومُ بِهِ العلماءُ الأعلامُ بتوجيهاتِهِم الحكيمةِ لقيادةِ الأمَّةِ والخروجِ مِن بوتقةِ الفِتَنِ الحاصلةِ في العالَمِ وكذلك بوجودِ طبقةٍ من الواعِينَ المنتظرِينَ للظهورِ الشَّريفِ.
الرابع: أحاديثُ الإمامِ المُمَهِّدَةِ للغَيبةِ الكُبرَى
كانَ للإمامِ (سلامُ اللهِ عليه) دورٌ كبيرٌ في تعزيزِ العقيدةِ المهدويَّةِ، وذلكَ مِن خلالِ ما رسَّخَهُ في أذهانِ أتباعِهِ مِن أهميَّةِ الإيمانِ بالعدلِ الإلهيِّ الذي سيحقِّقُهُ الإمامُ المهديُّ.
وهذا يبدُو جليًّا مِن خلالِ الرّوايةِ الشريفةِ الآتيةِ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَزْدِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ سَيِّدِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) عَنْ قَوْلِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ): {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظٰاهِرَةً وَباطِنَةً} فَقَالَ: اَلنِّعْمَةُ اَلظَّاهِرَةُ اَلْإِمَامُ اَلظَّاهِرُ وَاَلْبَاطِنَةُ اَلْإِمَامُ اَلْغَائِبُ. فَقُلْتُ لَهُ: وَيَكُونُ فِي اَلْأَئِمَّةِ مَنْ يَغِيبُ قَالَ: نَعَمْ، يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ اَلنَّاسِ شَخْصُهُ وَلاَ يَغِيبُ عَنْ قُلُوبِ اَلْمُؤْمِنِينَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ اَلثَّانِي عَشَرَ مِنَّا، يُسَهِّلُ اللهُ لَهُ كُلَّ عَسِيرٍ، وَيُذَلِّلُ لَهُ كُلَّ صَعْبٍ، وَيُظْهِرُ لَهُ كُنُوزَ اَلْأَرْضِ، وَيُقَرِّبُ لَهُ كُلَّ بَعِيدٍ، وَيُبِيرُ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَيُهْلِكُ عَلَى يَدِهِ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، ذَاكَ اِبْنُ سَيِّدَةِ اَلْإِمَاءِ، اَلَّذِي يَخْفَى عَلَى اَلنَّاسِ وِلاَدَتُهُ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فَيَمْلَأَ بِهِ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً.







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN