جنايات الطبري في نقل حديث العشيرة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص100-104
2025-10-07
164
جنايات الطبري في حديث العشيرة: يقول العلّامة الأميني تحت عنوان (جنايات على الحديث): منها ما ارتكبه الطبري في تفسيره (ج 19، ص 74)، فإنّه بعد روايته له في تاريخه كما سمعت، قلّب عليه ظهر المجنّ في تفسيره فأثبته برمّته حرفيّاً متناً وسنداً، غير أنّه أجملَ القول فيما لهج به رسول الله صلى الله عليه وآله في فضل من يُبادر إلى تلقّي الدعوة بالقبول، قال: فَقَال: فَأيُّكُمْ يُوَازِرُني عَلَى هَذَا الأمْرِ عَلى أن يَكُونَ أخِي وكَذَا وكَذَا؟ وقال في كلمته صلى الله عليه وآله الأخيرة: ثم قَالَ: إنَّ هَذَا أخِي وكَذَا وكَذَا. (و يلاحظ مدى الجناية الفاضحة التي ارتكبها حين عمد، من أجل اخفاء الحق وطمسه ومن اجل اخفاء مقامات وفضائل أمير المؤمنين، إلى إجمال لفظ (وَصِيّي وخَليفَتِي فِيكُم) وإيراده على نحو الإبهام!) جناية ابن كثير في نقل حديث العشيرة: وتبعه على هذا التقلّب ابن كثير الشامي في البداية والنهاية (ج 3، ص 40) وفي تفسيره (ج 3، ص 351). فعل ابن كثير هذا وثَقُل عليه ذكرُ الكلمتين (وصيّي وخليفتي فيكم) وبين يديه تاريخ الطبري وهو مصدره الوحيد في تأريخه وقد فصّل فيه الحديث تفصيلًا، لأنّه لا يروق اثبات النصّ لأمير المؤمنين بالوصيّة والخلافة الدينية، والدلالة عليه والإرشارة اليه. وهل هذه الغاية مقصد الطبري حينما حرّف الكلم عن مواضعه في التفسير بعد ما جاء به صحيحاً في التأريخ على حين غفلة عنها؟! أنا لا ادري، لكنّ الطبري يدري، وأحسبك أيّها القارئ جِدّ عليم بذلك.
جناية هيكل في نقل حديث العشيرة: ومنها خزاية فاضحة تحمّلها محمّد حسنين هيكل[1]، حيث أثبت الحديث كما أوعزنا اليه في الطبعة الاولى من كتاب (حياة محمّد) ص 104 بهذا اللفظ (يذكر الحديث كما ورد ثم يختمه بهذه الكيفيّة): فَأيُّكُمْ يُوَازِرُني هَذَا الأمْرَ وأن يَكُونَ أخِي ووَصِيّي وخَليفَتِي فِيكُمْ؟ فَأعْرَضوا عَنْهُ وهَمُّوا بِتَركِهِ، لَكِنَّ عَلياً نَهَضَ ومَا يَزَالُ صَبِيّاً دُونَ الْحُلُم وقَالَ: أنَا يَا رَسُولَ اللهِ عَوْنُكَ، أنَا حَربٌ عَلى مَنْ حَارَبْتَ. فَابْتَسَمَ بَنُو هَاشِمٍ وقَهْقَهَ بِعضُهُمْ وجَعَلَ نَظَرُهُمْ يَنْتَقِلُ مِنْ أبي طَالِبٍ إلى ابنِهِ ثُمَّ انْصَرَفُوا مُسْتَهزِئِينَ[2].
فانّه أسقط من الحديث اوّلًا ما فرّع به رسولُ الله صلى الله عليه وآله كلامَه من قوله لعلي: فَأنْتَ أخِي ووَصِيَّي ووَارِثِي.
ثم نسب إلى أمير المؤمنين ثانياً انّه قال: (أنَا يا رسول الله عَوْنُكَ، أنا حَربٌ عَلي مَن حَارَبْتَ) ليته دلّنا على مصدر هذه النسبة في لفظ أي محدّث أو مؤرّخ من السلف؟ وراقه أن يحكم في الحضور في تلك الحفلة بتبسّم بني هاشم وقهقة بعضهم، ولم نجد لهذا التفصيل مصدراً يُعوّل عليه. وبما أنه لم يجد (هيكل) وراءه ممّن يأخذه بمقاله، ولم يَرَ هناك من يُناقشه الحساب في تقوّلاته وتصرّفاته، أسقط منه ما يرجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام في الطبعة الثانية[3] سنة 1354، ص 139. ولعلّ السرّ فيه لفتةٌ منه إلى غاية ابن كثير وأمثاله بعد النشر، أو انّ اللغط والصخب حول القول قد كثرا عليه هناك من مناوئي العترة الطاهرة، فأخذته أمواج اللوم والعتب حتى اضطرّته إلى الحذف والتحريف، أو انّ العادة المطّردة في جملة من المطابع عاثت في الكتاب فغضّ عنها الطرف صاحبه لاشتراكه معها في المبدأ أو عجزه عن دفعها. وعلى أي فحيّ الله الشعور الحيّ، والأمانة الموصوفة، والحق المضاع المأسوف عليه[4].
وأمّا الجهة الثانية من البحث التي تتناول مفهوم ودلالة الحديث، فقد جاء في هذا الحديث باختلاف المضامين التي نُقل بها جملة: "أنْتَ أخِي ووَصِيِّي وخَليفَتِي فِيكُمْ، واسْمَعُوا لَهُ وأطِيعُوا" وهو نصّ من رسول الله، بل هو نصّ جليّ ومُبين على خلافته بلا فصل وعلى وصايته عليه السلام، مثل حديث غدير خم، غاية الأمر انّ هذا التنصيص كان في بدء النبوّة والدعوة، وحديث الغدير في نهايتها، حيث وقع عند نزول جبرئيل واخباره النبيّ بقرب حلول أجله، هذا اذا ما أعرضنا عن بعض الروايات المذكورة آنفاً، والتي ورد فيها أيضاً عنوان: "وَارِثِي ووَزِيري، ووَليّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعْدِي، وهُوَ بمنزلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى، ويَقْضِي دَيني"، ولفظ ("اسمَعُوا لَهُ وأطِيعُوا")، التي يدلّ كلُّ منها على ولايته وخلافته صراحةً.
ولو فرضنا انّه لا يوجد في مجموع هذه الأحاديث غير جملة (أخِي ووَصِيِّي وخَليفَتي فِيكُم)، فانّ هذه الجملة- مع ذلك- ستدلّ بوضوح وصراحة على تنصيبه عليه السلام في مقام الخلافة والوصاية.
[1] وزير الثقافة الأسبق في مصر، ورئيس تحرير مجلّة الأهرام.
[2] يذكر في كتاب (على والوصيّة)، من ص 4 إلى ص 19، روايات كثيرة بطرق مختلفة مع ذكر اسنادها والعلماء الذين نقلوها في كتبهم، ثم يقوم في ص 337 ببيان اسناد هذا الحديث بالتفصيل. ثم انّه يذكر في ص 374 (و هي مستدركات الكتاب) تحت عنوان: الحديث الرابع، روايةً عجيبة في هذا الشأن عن أبي بكر يخاطب بها العبّاس بن عبد المطلب، ورد فيها انّ أبا بكر قال: فجمع رسول الله عشيرته وقال: "فمن يقوم منكم يُبايعني علي أن يكون أخي ووزيري ووصيّي وخليفتي في أهلي؟ فلم يقم ... الخ"؛ وينقل في ص 375 نظير هذا الحديث؛ ينقل هذين لحديثين عن التاريخ المخطوط لابن عساكر توجد له صورة فوتوغرافية في مكتبة الامام امير المؤمنين العامّة في النجف الأشرف. كما ينقل هذا الحديث عن أبي بكر في (المناقب) لابن شهر آشوب، ج 1، ص 544.
[3] يقول الشيخ محمّد جواد مغنية في كتاب(الشيعة والتشيّع) ص 14:
ونقل الشيخ محمد حسن المظفّر في كتاب (دلائل الصدق)، ج 2، ص 233 عن كتاب (كنز العمال) ج 6، ص 397 انّ النَّبيّ قَالَ لِعَشِيرَتِهِ: "قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وقَدْ أمَرَنِي رَبِّي أنْ أدْعُوكُمْ إلَيهِ؛ فَأيُّكُمْ يُوَازِرُنِي عَلَي أمْرِي هَذَا؟ قَالَ عَلِيّ: أنَا يَا نَبيّ الله أَكُونُ وَزِيرَكَ عَلَيْهِ. فَأخَذَ النَّبِيّ بِرَقَبَتِهِ وقَالَ: إنَّ هَذَا أخِي ووَصِيِّي وخَليفَتِي فيكُمْ؛ فَاسْمَعُوا لَهُ وأطِيعُوا! فَقَامَ الْقَوْمُ يَضْحَكُونَ ويَقُولُونَ لأبِي طَالِبٍ: قَدْ أمَرَكَ أَن تَسْمَعَ وتُطِيعَ لِوَلَدِكَ عَلِي".
يقول في التعليقة: ذكر هذه الحديث محمد حسين هيكل في كتاب (حيوة محمّد) الطبعة الاولى، ثمّ حذفه في الثانية لقاء 500 جنيه (الجُنية هو العُملة المتداولة في مصر) ودليلُنا المقابلة بين الطبعتين. انظر التعليق ص 114 من (أعيان الشيعة) ج 1، القسم الأول، طبعة 1960 انتهي.
[4] خلاصة ما جاء في (الغدير)، ج 2، ص 287 إلى 289.
الاكثر قراءة في فرق واديان ومذاهب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة