جميع ردود الشيخ الاحسائيّ على كتاب «العرشيّة» فاسدة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص335-339
2025-09-25
228
أن الشرح الذي كتبه الشيخ الأحسائيّ على «العرشيّة» كان مُسهباً جدّاً، ويقع في ثلاثمائة وخمسين واثنتين من الصفحات بالقطع الرحليّ، وقد تمّ طبعه طبعة حجريّة منذ أكثر من قرن. ولغرض توضيح طريقة بحثه ومواضع تزييفه وعيوبه الموجودة في ذلك الشرح نكتفي هنا بإيراد بحث واحد من أوائل بحوثه، ثمّ سنأتي على ذكر بعض من أقواله الأخرى في ردّه على الحكيم المتألّه وذلك بنقل نصّ عباراته في ذلك الشرح.
فأمّا البحث الذي نحن بصدده، فيقول فيه: «قَالَ: المَشْرِقُ الأوَّلُ، في العِلْمِ بِاللهِ وصِفَاتِهِ وأسْمَائِهِ وآيَاتِهِ؛ وفِيهِ قَوَاعِدُ: قَاعِدَةٌ لَدُنِّيَّةٌ، في تَقْسِيمِ وإثْبَاتِ أوَّلِ الوُجُودِ: إن المَوْجُودَ إمَّا حَقِيقَةُ الوُجُودِ أوْ غَيْرُهَا، ونَعْنِي بِحَقِيقَةِ الوُجُودِ مَا لَا يَشُوبُهُ شَيءٌ غَيْرُ الوُجُودِ مِنْ عُمُومٍ أوْ خُصُوصٍ أوْ حَدٍّ أوْ نِهَايَةٍ أوْ مَاهِيَّةٍ أوْ نَقْصٍ أوْ عَدَمٍ؛ وهُوَ المُسَمَّى بِوَاجِبِ الوُجُودِ.
فَنَقُولُ: لَوْ لَمْ تَكُنْ حَقِيقَةُ الوُجُودِ مَوْجُودَةً لَمْ يَكُنْ شَيءٌ مِنَ الأشْيَاءِ مَوْجُوداً؛ لَكِنَّ اللَّازِمَ بَاطِلٌ بَدِيهَةً فَكَذا المَلْزُومُ».
«أقول» (ويعني أنّه يتحدّث في الشرح والردّ عن الملّا صدرا).
وهنا وبعد إيراده بعضاً من الشرح والبيان في تحليل وتركيب عبارات الحكيم ونواحيه الأدبيّة يصل به القول إلى: «يَكُونُ أوَّلُ الوُجُودِ عِنْدَهُ هُوَ مَحَلُّ التَّقْسِيمِ، ولَا إشْكَالَ فِيهِ عَلَى رَأيِ المُصَنِّفِ. لأنَّ أوَّلَ الوُجُودِ هُوَ حَقِيقَةُ الوُجُودِ، وحَقِيقَةُ الوُجُودِ عِنْدَهُ في نَفْسِ الأمْرِ هي مَحَلُّ التَّقْسِيمِ؛ بِأنْ يَكُونَ الخَالِصُ مِنْهُ وَاجِبَ الوجُودِ والمَشُوبُ عَنْهُ بِالنَّقَائِصِ مُمْكِنَ الوُجُودِ لِمَا لَحِقَهُ مِنْ عَوَارِضِ مَرَاتِبِهِ.
وَلِهَذَا صَدَقَ إطْلَاقُ الوُجُودِ عَلَى الخَالِصِ والمَشُوبِ مِنْ بَابِ الاشْتِرَاكِ المَعْنَوَيّ، ويَكُونُ إطْلَاقُ لَفْظِ الوُجُودِ عَلَى الوَاجِبِ والمُمْكِنِ كَإطْلَاقِ البَيَاضِ عَلَى بَيَاضِ القِرْطَاسِ وبَيَاضِ الثَّوبِ والتُّرَابِ.
وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَهُ إلَّا أنَّهُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُ أفْرَادِهَا وَاجِبُ الوُجُودِ وهُوَ خَالِصُهَا قَبْلَ تَنَزُّلِهِ، وبَعْضُ أفْرَادِهَا مُمْكِنُ الوُجُودِ إذْ بَعْدَ تَنَزُّلِهَا اخْتَلَطَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهَا بِعَوارِضِ رُتْبَةِ تَنَزُّلِهِ.
وَهَذَا وأمْثَالُهُ هُوَ الجَوَاهِرُ الزَّوَاهِرُ والعِلْمُ اللَّدُنِّيّ؛ «فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيّ الْكَبِيرِ».[1]
وَأمَّا عَلَى رَأيِنَا المُسْتَفَادِ مِنْ مَذْهَبِ سَادَتِنَا ومَوَالِينَا عليهم السَّلَامُ أن مَحَلَّ التَّقْسِيمِ هُوَ الوُجُودُ الحَادِثُ الذي أحْدَثَهُ بِفِعْلِهِ لَا مِنْ شَيْءٍ؛ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِنَا وعِنْدَ المُصَنِّفِ ومَنْ يَقُولُ بِقَوْلِهِ.
وَأمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ، وأمَّا عِنْدَ المُصَنِّفِ وأتْبَاعِهِ فَيَلْزَمُ أن مَحَلَّ التَّقْسِيمِ لَا يَكُونُ إلَّا حَادِثاً لأنَّهُ مُكْتَنَهٌ ولَوْ إجْمَالًا. فَإنَّ مَنْ أدْرَكَ فَرْداً مِنْ أفْرَادِ الحَقِيقَةِ الواحِدَةِ الصَّادِقَةِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ لِذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، أيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عَوَارِضِ التَّرَتُّبِ اللَّاحِقَةِ لَهُ؛ فَقَدْ أدْرَكَ صِرْفَ تِلْكَ الحَقِيقَةِ.
وَمَا يُشِيرُونَ إليه لَيْسَ إلَّا كَالخَشَبِ؛ فَإنَّ صِرْفَهُ هُوَ هَذَا الهَيُولَى والصُّورَةُ النَّوْعِيَّتَانِ، وأمَّا الأفْرَادُ التي لَحِقَتْهَا العَوَارِضُ الغَيْرِيَّةُ كَالبَابِ والصَّنَمِ والسَّرِيرِ، فَإنَّ حِصَصَهَا هي بِعَيْنِهَا تِلْكَ الهَيُولَى والصُّورَةُ النَّوْعِيَّتَانِ؛ وإنَّمَا لَحِقَتْهَا عَوَارِضُ مَرَاتِبِ تَنَزُّلُاتِهَا فَتَغايَرَتْ بِالمُشَخِّصَاتِ.
وَالعِبَارَةُ الصَّرِيحَةُ عَنْ مَقَاصِدِهِمْ أن الحَقَّ تَعَالَى مَادَّةُ كُلِّ شَيءٍ كَمَا قُلْنَا في الخَشَبِ، والصُّورَةُ المَوْهُومَةُ هي العَبْدُ مِنْ حَيْثُ نَفْسِهِ.
وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: أنَا اللهُ بِلَا أنَا. يَعْنِي أن الأنَانِيَّةَ هي العَبْدُ. وهي في الحَقِيقَةِ حُدُودٌ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الحِصَّةِ المَحْدُودَةِ.
وَاسْمَعْ قَوْلَ إمَامِهِمْ مُمِيتِ الدِّينِ في «الفُتُوحَاتِ المَكِّيَّةِ» نَقَلْتُهُ مِنِ انْتِخَابَاتِهَا لِلشَّيْخِ أبِي حَيَّانِ الطَّبِيبِ الشِّيَرازِيّ: قَالَ في البَابِ المِائَتَيْنِ وإحدى وثَّمَانِينَ في مَعْرِفَةِ مَنْزِلِ الضَّمِّ وإقَامَةِ الوَاحِدِ مَقَامَ الجَمَاعَةِ مِنَ الحَضْرَةِ المُحَمَّدِيَّةِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ:
صَلَاةُ العَصْرِ لَيْسَ لَهَا نَظِيرُ *** لِضَمِّ الشَّمْلِ فِيهَا بِالحَبِيبِ
هي الوُسْطَى لأمْرٍ فِيهِ دَوْرٌ *** مُحَصِّلَةً عَلَى أمْرٍ عَجِيبِ
وَ مَا لِلدَّوْرِ مِنْ وَسَطٍ تَرَاهُ *** ولَا طَرَفَيْنِ في عِلْمِ اللبِيبِ
فَكَيْفَ الأمْرُ فِيهِ فَدَتْكَ نَفْسِي *** فَخُصَّ العَبْدُ بِالعِلْمِ الغَرِيبِ[2]
فَإنَّ الأسْمَاءَ في حَقِّ الكَامِلِ تَتَمَانَعُ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ التَّمَانُعُ إلى عَدَمِ تَأثِيرِهَا فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ. فَيَبْقَى مُنَزَّهاً عَنِ التَّأثِيرِ مَعَ الذَّاتِ المُطْلَقَةِ التي لَا تُقَيِّدُهَا الأسْمَاءُ ولَا النُّعُوتُ.
فَيَكُونُ الكَامِلُ في غَايَةِ الصَّحْوِ كَالرُّسُلِ وهُمْ أكْمَلُ الطَّوَائِفِ؛ لأنَّ الكَامِلَ في غَايَةِ القُرْبِ يَظْهَرُ بِهِ في كَمَالِ عُبُودِيَّتِهِ مُشَاهِداً كَمَالَ ذَاتِ مُوجِدِهِ. وإذَا تَحقَّقْتَ مَا قُلْنَاهُ عَلِمْتَ أيْنَ ذَوْقُكَ مِنْ ذَوْقِ الرِّجَالِ الكُمَّلِ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمُ اللهُ فِيهِ واخْتَارَهُمْ مِنْهُ ونَزَّهَهُمْ عَنْهُ. فَهُمْ وهُوَ، كَهُوَ وهُمْ. فَسَمَّاهُ الكَامِلُ مِنْهُمُ العَصْرَ. لأنَّهُ ضَمُّ شَيءٍ إلَى شَيءٍ لِاسْتِخْرَاجِ مَطْلُوبٍ. فَضُمَّتْ ذَاتُ عَبْدٍ مُطْلَقٍ في عُبُودِيَّتِهِ لَا يَشُوبُهَا رُبُوبِيَّةٌ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، إلَى ذَاتِ حَقٍّ مُطْلَقٍ لَا يَشوبُهَا عُبُودِيَّةٌ أصْلًا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، مِنِ اسْمٍ إلَهيّ بِطَلَبِ الكَوْنِ.
فَلَمَّا تَقَابَلَتِ الذَّاتَانِ بِمِثْلِ هَذِهِ المُقَابَلَةِ، كَانَ المُعْتَصَرُ عَيْنَ الكَمَالِ لِلْحَقِّ والعَبْدِ. وهُوَ كَانَ المَطْلُوبُ الذي لَهُ وُجِدَ العَصْرُ.
فَإنْ فَهِمْتَ مَا أشَرْنَا إليه فَقَدْ سَعَدْتَ، وألْقَيْتُكَ عَلَى مَدْرَجَةِ الكَمَالِ فَارْقَ فِيهَا. ولِهَذَا المعنى الإشَارَةُ في نَظْمِنَا في أوَّلِ البَابِ:
صلَاةُ العَصْرِ لَيْسَ لَهَا نَظِيرُ *** لِضَمِّ الشَّمْلِ فِيهَا بِالحَبِيبِ[3]
[1] - ذيل الآية 12، من السورة 40: غافر.
[2] - وهنا يورد محيي الدين بحثاً مُسهباً إلى أن يصل إلى قوله: «وسبب أهمّيّة صلاة العصر هو كون الصلوات الأربع الأخرى محدودة الوقت باستثناء صلاة العصر، فوقت صلاة المغرب مثلًا محدود بغروب الشمس وهو أمر محسوس ومحقّق، وأوّل العشاء محدود بغيبوبة الشفق وهو أمر محسوس ومحقّق أيضاً، وصلاة الفجر محدود أوّلها بالبياض الظاهريّ عرضاً في الافق بشكل مستطير لا مستطيل، وهو كذلك أمر محسوس ومحقّق، وصلاة الظهر محدودة بزوال الشمس والظلّ الشاخص وهو أمر محسوس ومحقّق أيضاً. لكنّنا لا نشهد مثل هذه الحدود في صلاة العصر، فهي منزّهة عن الحدود المحقّقة؛ ولذلك عيّن الرسول صلى الله عليه وآله وقتها وحدّد موعدها بالشكل التالي وهو ظهور الشمس بشعاعها الأبيض والنقيّ في كبد السماء، ولأنّ هذا الحدّ الوارد في صلاة العصر لا يظهر فيها مثل بقيّة الحدود في الصلوات الأخرى لهذا عظّمها الرسول لأنّها تنفي تحديد الحدود وتحقيقها».
وهنا يصل الشيخ محيي الدين في شرحه إلى النقطة التي يقول فيها: فإنّ الأسماء... إلى آخره.
[3] - قمنا بنقل نصّ كلام محيي الدين مع تفصيل أكثر من «الفتوحات المكّيّة»، ج 2، ص614 و615، لأنّ عبارة الأحسائيّ هنا على «شرح العرشيّة» فيما يتعلّق بمواضيع محيي الدين مغلوطة ومختصرة.
الاكثر قراءة في فرق واديان ومذاهب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة