افتراء الاحسائيّ على الائمّة عليهم السلام
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص343-346
2025-09-21
235
أما رأينا الصادق وعقيدتنا الحقّة في أن أصل مَحلّ التقسيم هو وجود ممكن الوجود وحسب، فيجب القول: أن اتّحاد حقيقة الوجود أمر غير صحيح ولا واقع.
وَإنَّمَا هُوَ بِلِحَاظِ صِدْقِ الاسْمِ مِنْ جَهَةِ الاصْطِلَاحِ لَا مِنْ جَهَةِ اللُغَةِ. فَإنَّ لَفْظَ الوُجُودِ لَمْ يُوضَعْ لِذَاتٍ وإنَّمَا وُضِعَ لِصِفَةٍ، أعْنِي المعنى المَصْدَرِيّ، اي الكَوْنَ في الأعْيَانِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ مِنْ أن الوُجُودَ عِنْدَ العَوَامِّ هُوَ الكَوْنُ في الأعْيَانِ وأمَّا عِنْدَنَا فَالوُجُودُ مَا بِهِ الكَوْنُ في الأعْيَانِ- انتهى.
أقُولُ: وكَلَامُ العَوَامِّ حَقٌّ بِحَسَبِ وَضْعِ اللُغَةِ؛ وأمَّا مَا بِهِ الكَوْنُ في الأعْيَانِ فَهُوَ المَوْجُودُ، وهُوَ حَقِيقَةُ مَادَّةِ الشَّيءِ. إذْ بِهَا مَعَ تَحَقُّقِهَا بِالمُعَيِّنَاتِ الجِنْسِيَّةِ أوِ النَّوْعِيَّةِ أوِ الشَّخْصِيَّةِ يَتَحَقَّقُ الكَوْنُ في الأعْيَانِ.
وَهَذَا أظْهَرُ مِنَ الشَّمْسِ لِمَنْ فَتَحَ عَيْنَهُ ونَظَرَ في نَفْسِ الأمْرِ. وأمَّا مَنْ غَمَضَ عَيْنَهُ ونَظَرَ إلَى مَنْ قَالَ، فَإنَّهُ يَرَى أن الوُجُودَ شَيءٌ هُوَ جَوْهَرٌ إلَّا أنَّهُ يَتَصَوَّرُ شَيْئاً غَيْرَ الشَّيءِ.
لأنَّهُ لَا يَفْهَمُ مَا يَقُولُ ولَكِنْ تَبِعَ مَنْ يَقُولُ تَبَعاً لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلَامُ: ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إلَى غَيْرِنَا إلَى عُيُونٍ كَدِرَةٍ يَفْرُغُ بَعْضُهَا في بَعْضٍ؛ وذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إلَيْنَا إلَى عُيُونٍ صَافِيَةٍ تَجْرِي بِأمْرِ اللهِ لَا نَفَادَ لَهَا.
ويُواصل الأحسائيّ الشرح والتفصيل على هذا المنوال في سبيل إكمال مراده وإضعاف رأي الملّا صدرا، فيُتابع الموضوع حتى يصل إلى حيث يقول:
«وأمّا ما ذهب إليه المصنّف فهو عبارة عن تصوّر الحقيقة البسيطة وتقسيمها مع وجود البساطة إلى صِرف الوجود اي خلوصه من الخلط والامتزاج، وأقرّه بأنّه الواجب تعالى؛ وإلى الوجودات المشوبة بالنقائص قائلًا إنّها وجودات الأشياء.
وقد بالغ في بيان الجواهر الزواهر وقال: ليست هذه الأعدام والنقائص الموجودة في ذات هذه الموجودات مُلحقة من جهة ذاتها، لأنّ ذواتها منزّهة عن ذلك؛ بل التحاق هذه بتلك من جهة عوارض مراتب تنزّلاتها.
ومن هنا يأتي تشبيههم العوارض بقطعة ثلج والله سبحانه بالماء. فإذا حدث انكسار في الثلج فإنّ ذلك لا يحصل للماء. وهكذا فإنّ الوجودات عندهم بغضّ النظر عن العوارض عبارة عن صِرف الوجود، وإذا طرأت عليها العوارض فإنّ ذلك الطروء واللحاق يكون في مراتب التنزّل.
فإن قلتَ هنا: ليس هذا مراد المصنّف أو هدفه؟ نقول في جواب ذلك: إن لم أكن قد فهمتُ، فرضاً، مراد المصنّف أو هدفه، فهل يمكن القول أن صهره الملّا محسن لم يفهم ذلك أيضاً، ولم يسِر على ذلك الممشي كذلك؟! كلا! ليس بإمكانك بالطبع إنكار كلامه! ولهذا سأبيّن لك أن صهره الملّا محسن قال في «الكلمات المكنونة» ما يلي: كما أن وجودنا هو بعينه وجوده سبحانه، مع اختلاف في كونه حادثاً بالنسبة لنا وقديماً بالنسبة له سبحانه؛ وكذا الحال مع صفاتنا الأخرى كالحياة والقدرة والإرادة وما إلى ذلك، لأنّ هذه هي عينها صفاته مع اختلاف في كونها صفات مُحدَثة بالنسبة لنا وصفات قديمة بالنسبة له. لأنّ هذه الصفات هي صفات منسوبة إلينا ومُلحقة بنا؛ والحدوث الملازم لذاتنا ملازم لصفاتنا. لكنّها قديمة بالنسبة له، وذلك لأنّ صفاته ملازمة لذاته وذاته قديمة.
وإن شئتَ فهم هذه الحقيقة واستيعابها جيّداً فانظر إذاً إلى حياتك كيف أنّها مملوكة لك ومنسوبة إليك ومقيّدة بك! لأنّك لا تجد هنا إلّا روحاً واحدة مختصّة بك، وتلك الروح هي حادثة. وإذا رفعت نظرك عن كونها مختصّة بك وتحسّستَ بقلبك من حيث الشهود والوجدان بأنّ حياة ووجود أيّ موجود حيّ إنّما تكون في حياة ووجود الحقّ كما كانت حياتك أنت هكذا أيضاً وشاهدت ولاحظتَ سريان وجريان تلك الحياة في جميع الموجودات؛ فستعلم أن حياتك هذه هي عينها الحياة القائمة بالموجود الحيّ والذي به يقوم العالَم كلّه. وتلك هي الحياة الإلهيّة.
وكذا الحال مع سائر الصفات مع اختلاف في كون أن الخلائق متباينة من جهة تباين قابليّاتها في اتّصافها بتلك الصفات، كما نشهد ذلك في كثير من الأماكن. وهذه هي إحدى المعاني الموجودة في كلام أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: كُلُّ شَيءٍ خَاضِعٌ لَهُ، وكُلُّ شَيءٍ قَائِمٌ بِهِ. غِنَى كُلِّ فَقِيرٍ، وعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، ومَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ[1]. انتهى.
وبناء على ما قلناه، فإن لم يكن معنى هذا القول هو القول ب«وحدة الوجود» والذي أجمع كلّ العلماء واتّفقوا على أن القائل بهذا هو كافر؛ إذاً، فأيّ قول غيره يعني القول ب«وحدة الوجود»؟! بل أن هذا الكلام يشير بوضوح إلى القول ب«وحدة الوجود» و«وحدة الموجود» معاً».
ويُطنب الأحسائيّ في الموضوع هنا كذلك حتى يصل إلى نهاية البحث حيث يقول: «وَ لَكِنْ لَوْ بَنَيْنَا عَلَى مَذْهَبِ المُصَنِّفِ وأتْبَاعِهِ قُلْنَا إفَاضَةُ الوُجُودِ الوَاحِدِ المُنْبَسِطِ عَلَى المُمْكِنَاتِ هَلْ هُوَ كَمَالٌ في حَقِّهِ تَعَالَى أمْ نَقْصٌ؟! فَإنْ كَانَ كَمَالًا كَانَ فَاقِدَ الكَمَالِ قَبْلَ الإفَاضَةِ؛ وأن كَانَ مُفِيضاً في الأزَلِ كَانَتِ المَوْجُودَاتُ غَيْبُهَا وشَهَادَتُهَا، جَوَاهِرُهُا وأعْرَاضُهَا أزَلِيَّةً.
وَأن كَانَ نَقْصاً في حَقِّهِ فَإنْ كَانَتِ الإفَاضَةُ في الأزَلِ شَابَهُ نَقْصٌ لِذَاتِهِ فَلَمْ يَكُنْ صِرْفَ الوُجُودِ، وأن كَانَتْ بَعْدَ الأزَلِ سَاوَى الوُجُودَاتِ المُمْكِنَةَ، لأنَّهَا عِنْدَ المُصَنِّفِ وأتْبَاعِهِ لَمْ يَلْحَقْهَا النَّقْصُ لِذَاتِهَا وإنَّمَا لَحِقَهَا مِنْ عَوَارِضِ مَرَاتِبِ تَنَزُّلَاتِهَا؛ فَيَكُونُ الوَاجِبُ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ لِتَقْسِيمِهِ مُحَصَّلٌ ولَا فَائِدَةٌ»[2]
[1] «الكلمات المكنونة» ص80 و81؛ الطبعة الحجريّة؛ وفي الطبعة الحروفيّة: ص84 و85.
[2] - شرح الشيخ أحمد بن زين الدين بن إبراهيم بن صفر بن داغر المطير في الأحسائيّ على كتاب «العرشيّة» للحكيم الملّا صدرا الشيرازيّ (القطع الرحليّ، الطبعة الحجريّة) والذي انتهى الشيخ أحمد من تأليفه في تمام الساعة السابعة والنصف من ليلة الأربعاء، السابع والعشرين من شهر ربيع الأوّل، سنة ألف ومائتين وستّة وثلاثين للهجرة، في بلدة كرمانشاهان، وبعد مرور فترة قصيرة من ذلك، اي في عهد ناصر الدين شاه، تمّت كتابته بخطّ السيّد محمّد رضا بن السيّد أبي الحسن الطباطبائيّ بهمّة الميرزا آقاى نوري العالية وعون الحاجّ الملّا محمود المعروف بنظام العلماء التبريزيّ في طهران. ولا توجد أرقام صفحات مطبوعة على الكتاب إلّا أنّ عدد صفحات الكتاب المذكور يبلغ 352 صفحة وذلك حسب الترقيم الخطّيّ عليه. وقد قمنا هنا بنقل النصوص أعلاه من ص 12 إلى 16، وذلك خلال بيان شرح المشرق الأوّل.
الاكثر قراءة في فرق واديان ومذاهب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة