الشيخ الاحسائيّ هو مبدأ فرقتَي الشيخيّة والبابيّة البهائيّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص325-330
2025-09-22
313
لقد هوى الشيخ أحمد الأحسائيّ، وهو أساس وأصل الفرقَتَيْن المعروفَتَين: الشيخيّة الكريمخانيّة، والبابيّة البهائيّة، في شِباك ومصيدة التفويض البحت مع تنزيهه الصرف للحقّ تعالى.
فالشيخ أحمد الأحسائيّ يقول صراحة أن صفات الحقّ تعالى بما في ذلك العلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر وسائر الصفات الكمالية، هي حادثة ومخلوقة، ولا علاقة لها إطلاقاً مع ذاته المقدّسة. وأن حقيقة تلك الصفات هي نفسها الأسماء الحسنى والتي تُمثَّلُ في الأئمّة الأثني عشر للشيعة وجميع عبادات الناس وأفعالهم ومقاصدهم وسائر المخلوقات والتي تعود إليها وتنتهي فيها. أن الله القديم لا علاقة له بأسمائه وصفاته؛ فذاته بحتة وبسيطة، في حين أن أسماءه وصفاته الكماليّة هي من الممكنات والحادثات.
هذا، ويستحيل عرفان الإنسان الله؛ وغاية عبادة الخلائق في عبوديّتهم تكمن في تلك الأسماء والصفات العينيّة والتي هي من الحوادث لكنّها ليست قديمة. ولا وجود لقديم غير ذات الحقّ تعالى؛ كلّ ذلك بواسطة قِدَمِه وعدم تناهيه وتجرّده، وأنّه بمعزل عن جميع ما سواه بما في ذلك صفاته الكماليّة وأسمائه الجلاليّة وهي الأهم؛ وكذا انعزال الموجودات عنه.
وعلى هذا، فإنّ أصل العالَم هو غير الذات البحتة والبسيطة، الجافّة والخاوية من كلّ الصفات والأسماء- وبالنتيجة، وعلى إثر ذلك، فهو فاقد لكلّ ذلك ومُتّصف بالنقيض كالجهل والعجز والصم والعمى والفقدان والنقص- ولا يمكن تصوّر شيء غير هذا.
هذا هو كلام الشيخ بعينه والذي نراه ونشاهده في شرحه لعرشيّة الملّا صدرا الحكيم، وكذلك في شرحه زيارة الجامعة الكبيرة، وفي كتاب «جوامع الكَلِم» الّف للإجابة على أسئلة كثير من الأشخاص، وفي شرح «الرسالة العلميّة» في الردّ على الملّا محمّد محسن الفيض الكاشانيّ بشكل واف ومفصَّل.
وقد علّق صديقنا العالِم والأخ الأقدَم المرحوم آية الله الشهيد الحاجّ السيّد محمّد على القاضي الطباطبائيّ أسكنه الله بحبوحة جنانه على كلام آية الله المحقّق الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء الذي ورد في كتاب «جنّة المأوى» وذلك عند التطرُّق إلى النفس الإلهيّة الملكوتيّة وذِكره أن أعلى درجاتها هي الروح القُدس والمتّصلة بالمبدأ الأعلى والتي هي عبارة عن أرواح الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، والتي هي أيضاً عبارة عن «العقل الأوّل الكلّيّ» و«أوّلُ ما خَلقَ الله»، وأنّها هي نفسها «الحقيقة المحمّديّة» التي تظهر في تحمّل الرسالة العظيمة والزعامة الكبيرة، والسيادة والرئاسة على جميع الخلائق؛ حيث لا نرى في نقلها هنا بأساً. يقول المرحوم آية الله الشهيد الحاجّ السيّد محمّد على القاضي الطباطبائيّ: «وبمناسبة ذِكر شيخنا للحقيقة المحمّديّة أثناء كلامه، يتوجّب علينا بيان شيءٍ من هفوات بعض الذين صدرت عنهم آراء سخيفة: فهو يقول: لا يجوز إطلاق أيّ اسم من أسماء الله تعالى وصفاته العليا عليه (على الله تعالى)، لا على سبيل الحقيقة ولا على سبيل المجاز؛ ولا يجوز وقوع اسم أو صفة على الله تعالى؛ لأنّ جميع الأسماء والصفات وكلّ أنواع العبادة والأذكار والخطابات عبارة عن مجرّد ألفاظ وهي مخلوقة وحادثة. وعلى هذا لا يمكن أن تكون هناك علاقة أو رابطة بين الامور الحادثة وبين الواجب تعالى؛ ولا يمكن أن يكون مرجع الحادث إلى واجب الوجود.
والسبب في ذلك كلّه يعود إلى أن ارتباط الأمر الحادث بذات الله تعالى وإيجاد العلاقة والارتباط بين هذين الاثنين هو أمر غير معقول. وعلى هذا لن تكون هناك سبيل أخرى إلّا بربط الحادث بحادث آخر مثله، ولا يمكن أن يكون ذلك الحادث إلّا فعل الله سبحانه.
فالحادث هو المعنى والمقصود من هذه الألفاظ من خلال أسمائه الحسنى والصفات العليا والتي نذكرها في كلامنا. وكلّ هذه الأسماء المشحونة بألفاظ الأسماء والصفات تدلّ دلالة واضحة على ذلك الحادث، فيكون ذلك الحادث مدلولها.
ومدلول ذلك الحادث عبارة عن الحقيقة المحمّديّة ونورانيّة محمّد وآل محمّد صلى الله عليهم أجمعين.
ويقول أيضاً: وحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أن يُدْعَى بِذَاتِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ ذَلِكَ، تَعَيَّنَ أن يُدْعَى بِالأسْمَاءِ الحسنى. فَانْحَصَرتِ العِبَادَةُ التي هي فِعْلُ مَا يَرْضَى والعُبُودِيَّةُ التي هي رِضَي مَا يُفْعَلُ، فِيهِمْ عليهم السَّلَامُ وبِهِمْ. لأنَّ التَّقْدِيسَ والتَّحْمِيدَ والتَّكْبِيرَ والتَّهْلِيلَ والخُضُوعَ والخُشُوعَ والرُّكُوعَ والسُّجُودَ وجَمِيعَ الطَّاعَاتِ وأنْوَاعَ العِبَادَاتِ وكَذَلِكَ العُبُودِيَّةَ، كُلُّ ذَلِكَ أسْمَاءٌ ومَعَانِيهَا تِلْكَ الذَّوَاتُ المُقَدَّسَةُ والحَقَائِقُ الإلَهِيَّةُ التي خَلَقَهَا اللهُ لِنَفْسِهِ وخَلَقَ خَلْقَهُ لَهَا.
وَهي أسْمَاؤُهُ الحسنى وأمْثالُهُ العُلْيَا ونِعَمُهُ التي لَا تُحْصَى. وهي التي اخْتَصَّ بِهَا وأمَرَ عِبَادَهُ أن يَدْعُوهُ بِهَا. قَالَ تَعَالَى: ولِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها.[1]
وهناك الكثير من هذه الكلمات السخيفة في كلامه، وإنّما كان ذلك جانباً من ما يريده ويقصده وهو ممّا يُوصِل إلى الهلاك الأكيد والفَناء الحتميّ. وأساس هذه العقيدة وأمثالها مأخوذ عن تعاليم الباطنيّة التي لا تمت إلى تعاليم الإسلام بصلة مطلقاً.
وأمّا أقبح ما هو موجود في هذه العقيدة الباطلة فهو نسبة الشرك والكفر والعياذ بالله إلى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلّم وأوصيائه المعصومين عليهم السلام.
إذ يلزم ذلك، حسب هذا المذهب، أن يخاطب الرسول الأكرم والأئمّة المعصومين عليهم السلام أنفسهم المقدّسة في صلواتهم وأدعيتهم وجميع عباداتهم، وأن يقصد رسول الله مثلًا في كلامه عند صلاته التي يقول فيها: إيَّاكَ نَعْبُدُ بدلًا من ذلك إيَّايَ أعْبُدُ.
وكذا الحال مع سائر أسماء الله وصفاته التي يتفوّهون بها ويعبدونه بمقتضاها، وهي عودتها إلى نفوسهم الشريفة. فيكون على هذا الأساس أنّهم دأبوا على أمر الناس بعبادة نفوسهم المقدّسة ودعوهم إلى ذلك والعياذ بالله.
ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ والْحُكْمَ والنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ.[2]
ولمّا لم يكن بإمكان صاحب هذه العقيدة الفاسدة إدراك كيفيّة ربط الحادث بالقديم جيّداً وعجزه عن استنباط ذلك بالتحليل العلميّ الصحيح بواسطة البحث والبرهان، لذا نراه قد غطس في وحل تلك الطرق الصعبة وابتُلي بالمواضيع المنبوذة والمهجورة في ظُلُمات موحشة ودياجير حالكة.
وأمّا معتقداته التي ذكرناها إجمالًا فهي من أسوأ الأباطيل وأقبح الضلالات، وأخطاؤه وهفواته أكثر من أن تُعدّ. ولإبطال معتقداته وبيان فساد أفكاره وجوه كثيرة وسُبُل عديدة لا مجال لذكرها هنا. وقد أطنب آية الله المجتهد الكبير السيّد إسماعيل النوريّ الطبريّ رحمة الله عليه في كتابه «كفاية الموحّدين» في الجزء الأوّل في كلامه حول هذا الموضوع وأوفى حقّه من التحقيق.
وأمّا ما ورد عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام في بعض الأخبار من أنّهم قالوا نحن الأسماء الحسنى، أو قولهم نحن المقصودون بالصلاة في كتاب الله، أو قولهم نحن وجه الله؛ أو ما ورد في بعض الزيارات مثل: السَّلَامُ عَلَى اسْمِ اللهِ الرَّضِيّ ونظير هذه العبارات؛ فإمّا أن يكون ذلك من قبيل المجازات والكنايات، أو هي إشارة إلى معانٍ أخرى صحيحة ذات مضمون رفيع؛ وليس المراد بها هذه الخزعبلات والتلفيقات السفيهة كما ذُكرت في الكتب المفصّلة والشروحات المطوّلة»[3].
[1] - صدر الآية 180، من السورة 7: الأعراف. هذه العبارات موجودة في كتاب «شرح الزيارة الجامعة الكبيرة» للشيخ أحمد الأحسائيّ (طبعة الناصريّ الحجريّة، تبريز، خطّ محمّد علي بن ميرزا محمّد شَفيع) ص 123، السطر الثالث إلى السادس.
[2] - صدر الآية 79، من السورة 3: آل عمران. والآيتان اللتان تليانها هما: وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ* ولَا يَأمُرَكُمْ أن تَتَّخِذُوا الْمَلآئِكَةَ والنَّبِيّينَ أرْبَاباً أ يَأمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أنتُم مُسْلِمُونَ.
[3] «جنّة المأوى» ص 115 إلى 117، طبعة تبريز، مطبعة شركة چاپ؛ تعليقة آية الله القاضي رحمه الله.
الاكثر قراءة في فرق واديان ومذاهب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة