اقتحم الشيخ الاحسائيّ المسائل الفلسفيّة بلا أُستاذ فضلَّ السبيل
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص330-334
2025-09-21
276
لقد كان الشيخ الأحسائيّ عالماً وزاهداً، إلّا أنّ السبب في انحراف عقيدته، برأي الحقير من خلال ما توصّلتُ إليه في مطالعاتي، يرجع إلى عاملين:
الأوّل: أنّه لم يدرس الحكمة ولم يسمع بالفلسفة، وعَمَدَ بدلًا من ذلك إلى الاعتماد على فهمه الناقد وذهنه الوقّاد دون اتّخاذه لُاستاذ، فشرع بدراسة كتب الحكمة والفلسفة ومطالعتها والاطّلاع على عالم الأسرار ورموز العالم الربوبيّ والفلسفة الاولى وماوراء الطبيعة.
الثاني: أنّه مارس أنواع الرياضات الشاقّة مستهدفاً من ذلك الوصول إلى الغايات العرفانيّة الراقية والمكاشفات الربّانيّة دون اتّخاذه لُاستاذ أو خضوعه لتعليمه.
وقد تسبّب هذان العاملان معاً إلى وقوعه في الخطأ في الآراء والمسائل الفلسفيّة، ولم يكن في مكاشفاته مصاناً من همزات الشياطين، ولم تصطبغ جميع مدركاته ومشاهداته بصبغة رحمانيّة؛ مع أنّهم ذكروا أن الشرط الأساس والخطوة الاولى في الحكمة النظريّة والعرفان العمليّ يكمن في استاذ كامل ومربٍّ ماهر على الإطلاق.
وعلى هذا يكون قد سهى وغفل عن قول الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام الذي يقول: هَلَكَ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَكِيمٌ يُرْشِدُهُ[1].
ويبدو أنّه لم يسمع بغزليّة الخواجة لسان الغيب:
مرا به رندى وعشق آن فَضول عيب كند *** كه اعتراض بر اسرار علم غيب كند
كمال سِرّ محبّت ببين نه نقص گناه *** كه هر كه بى هنر افتد نظر به عيب كند
زعِطر حور بهشت آن نفس برآيد بوى *** كه خاك ميكدة ما عبيرِ جَيب كند
چنان بزد ره اسلام غمزة ساقى *** كه اجتناب ز صَهبا مگر صُهَيب كند[2]
كليد گنج سعادت قبول اهل دل است *** مباد كس كه درين نكته شكّ وريب كند
شبان وادى ايمن گهى رسد به مراد *** كه چند سال به جان خدمت شُعيب كند
ز ديده خون بچكاند فسانة حافظ *** چو ياد وقت وزمان شباب وشَيب كند[3]
و كأن لم يمرّ هذا البيت الذي هو لحافظ عليه أيضاً:
گذرت بر ظلمات است بجو خضر رهى *** كه در اين مرحله بسيار بود گمراهى[4]
وهذا البيت كذلك:
گر در سرت هواى وصال است حافظا *** بايد كه خاك درگه اهل هنر شوي[5]
أو هذا البيت:
قطع اين مرحله بى همرهى خضر مكن *** ظلمات است بترس از خطر گمراهى[6]
أو البيت التالى:
به كوى عشق منه بى دليلِ راه قدم *** كه من به خويش نمودم صد اهتمام ونشد[7]
وكان الشيخ الأحسائيّ يمتلك ذهناً وقّاداً وذكاءً حادّاً وذاكرة عجيبة، وكان مضافاً إلى ذلك مثلًا يُحتذى به في الزهد وترك الأهواء الدنيويّة، إذ كان يُشار إليه بالبنان في ذلك.
وجاء ذكره في «ريحانة الأدب» على النحو التالى: «هو الشيخ أحمد ابن زين الدين بن الشيخ إبراهيم الأحسائيّ البحرانيّ المتوفّى حوالى سنة 1242 ه. كان ماهراً في الحكمة والفقه والحديث والطبّ وعلم النجوم والرياضيّات وعلم الحروف والقراءة والأعداد والطلسمات، وكان وحيد عصره وفريد دهره في معرفة اصول الدين»[8].
لكن ما الذي يمكن فعله مع العمى، وخاصّة إذا هذا العمى عمى باطناً؟! فما تُظهره الآية التالية لا يحتاج إلى توضيح: ومَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ.[9]
[1] - هَلَكَ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَكيمٌ يُرشِدُهُ؛ وذَلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ سَفِيهٌ يَعْضُدُهُ. «كشف الغمّة في معرفة الأئمّة» لعليّ بن عيسى الإرْبِليّ، ص 209، الطبعة الحجريّة، سنة 1294 ه-، وفي الطبعة الوزيريّة، تبريز سنة 1381 ه-: ج 2، ص 325.
[2] - يقول: «يُعيبني الفضول على إخلاصي ووفائي؛ وهو في الحقيقة لا يُعيب إلّا أسرار عِلم الغيب. انظر إلى كمال سرّ حُبّي وغضّ النظر عن قلّة ذنوبي وقبحها؛ فإنّ عيون من خلا من الفنّ والكمال لا ترى إلّا القبح والنقص.
لن يفوح عبير أنفاس حوريّات الجنّة؛ حتى يتعطّرن بتراب حانتنا». أن غمزة الساقي تصيب قلوب المسلمين بشكل تُغري حتى صُهَيباً (أي أبو يحيى صهيب بن سنان الروميّ، الصحابيّ الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وآله: نِعَم العبدُ صُهيب؛ لو لم يَخفِ الله لم يَعصِه) إلى شُرب الخمر».
[3] - يقول: «إن مفاتيح الكنوز والسعادة والاقبال هي بِيَد العُشّاق؛ ولا يجب على أحد الشكّ أو الارتياب في هذه المسألة.
إن راعي الوادي الأيمن (كناية عن موسى عليه السلام) ما كان ليصل إلى مراده (في النبوّة)؛ إلّا بعد أن خدم شعيباً النبيّ عليه السلام عدّة سنوات.
لقد نزفت عينا (حافظ) دماً؛ لتذكّره أيّام شبابه (ومقايسة ذلك مع ما هو عليه الآن من الشيخوخة)». «ديوان حافظ الشيرازيّ» ص 57، الغزليّة 125، طبعة حسين پژمان.
[4] - يقول: «عند مرورك في الظلمات اطلُب الخضر؛ فهذه المرحلة محفوفة بالمتاهات والطرق الملتوية». «ديوان حافظ الشيرازيّ» ص 213 الغزليّة 466.
[5] - يقول: «إذا كان هوي الوصال والقُرب يداعب خيالك يا حافظ؛ عليك أن تكون تراب عتبة أهل هذا الفنّ». « ديوان حافظ الشيرازيّ» ص 230، الغزليّة 499.
[6] - يقول «لا تقطعنّ هذه المرحلة (الصعبة والمحفوفة بالمخاطر) دون صُحبة الخضر؛ لأنّ فيها من الظلمات ما قد يُعرّضك إلى خطر الضياع والضلال». «ديوان حافظ الشيرازيّ» ص 347، تصحيح محمّد القزوينيّ والدكتور قاسم غني؛ وهذا البيت موجود في تلك الغزليّة المذكورة بتصحيح (پژمان) وقد ورد فيها البيت:
*** قطع اين مرحله بي همرهي خضر مكن ***
مع البيت القائل:
*** گذرت بر ظلمات است بجو خضر رهي ***
لكنّ طبعة محمّد القزوينيّ اكتفت بإيراد البيت الثاني هذا فقط.
[7] - يقول:« لا تَطأ سبيل العشق دون (اتّخاذك) دليلًا معك؛ فإنّي قد اعتمدتُ على نفسي واتّكلتُ عليها كثيراً ومع ذلك فلم يُجْدِ ذلك شيئاً». «ديوان حافظ الشيرازيّ» تصحيح پژمان، ص 103، الغزليّة 230.
[8] «ريحانة الأدب» ج 1، ص 78.
[9] - ذيل الآية 40، من السورة 24: النور.
الاكثر قراءة في فرق واديان ومذاهب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة