الأحسائيّ لا يعلم الفرق بين القديم الزمنيّ والقديم الربّيّ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص347-349
2025-09-21
222
الكلّ يعلم من خلال الإشكال الأخير الذي أورده الشيخ الأحسائيّ على الحكيم المتألّه الصمدانيّ الشيرازيّ أن الأحسائيّ كان بحقّ أجرد وأجوف من حيث فهم اصطلاحات العرفاء والفلاسفة الإلهيّين، وهو ما يبعث بالفعل على الدهشة والغرابة والأسف والعار على الإسلام معاً، ويثير تساؤلًا في أنّه كيف دخل الإسلام بعقله الأجوف والتافه هذا ومذهبه وعقيدته الحشويّة؟! كيف سمح لنفسه بوضعها في مصافّ علماء كبار مِن أمثال الملّا صدرا والشيخ إسماعيل الخواجوئيّ الأصفهانيّ والحكيم المتألّه الحاجّ السبزواريّ تغمّدهم الله برضوانه بانتحاله هذا الدين الحنيف وهذه القواعد الحِكميّة المرصوصة؟! حتّى أن الذي يدرس مقدّمات الحكمة المتعالية ليعلم أن هناك فرقاً بين القديم الزمانيّ والقديم الرُّتبيّ، وفَرقاً كذلك بين الواجب بالذات والواجب بالغير.
ولو تأنّى هذا الشيخ الضالّ والمستبدّ برأيه الأعمى للحظات ووقف أمام مدرسة الحكمة المتعالية متأمّلًا وإن قلّ تأمّله، وأنصتَ إلى الأدب شيئاً يسيراً لعَقِلَ أن جميع الموجودات الممكنة الوجود تمتلك حدوثاً ذاتيّاً لا زمانيّاً، لأنّ الزمان نفسه هو أحد الحادثات كذلك. كيف يُعقَل أن يكون حادثاً زمانيّاً؟ ولعَقِلَ أيضاً أن جميع الموجودات الممكنة الوجود التي تمتلك إمكاناً ذاتيّاً هي واجبة بالغير. ولا يمكن تصوّر تعارض بين الإمكان بالذات والوجوب بالغير على الإطلاق، بل يربط بينهما منتهى الكمال.
وليس لكلمة الوجود عند الناس إلّا معنى واحداً وهو الدارج والمعروف بينهم؛ ألا وهو ما يعنيه الوجود في مقابل العدم. أن ذات واجب الوجود والحقّ تعالى تمتلك وجوداً بنفس معنى ومفهوم الوجود الذي تمتلكه سائر الموجودات.
إنّنا، ومهما فكّرنا أو عصرنا مُخّنا، عاجزون عن إيجاد حقيقة أو حقائق متباينة لمعنى الوجود، فنتمكّن بذلك من تسمية أحدها مثلًا بالوجود الحقّ وتسمية البقيّة بوجود المخلوقات والأشياء ممكنة الوجود. فذلك المفهوم هو نفسه المفهوم البسيط والبديهيّ وهو أوّل ما يخطر ببالنا في مقابل العدم؛ سواء أ كان ذلك في الذات الأزليّة أم في الصادر الأوّل في العقول العالية المجرّدة المفارقة أم في النفوس والطبائع والأشياء والهيولى الأوّليّة التي يسمّونها بمادّة الموادّ.
فلفظة الوجود تُطلَق على كلّ تلك الأشياء جميعاً بعناية واحدة وجِهة واحدة. هذا من جهة مفهومها البسيط، وأمّا بلحاظ إدراك حقيقة الوجود وسَبر أغوارها فذلك مقام رفيع ومرتبة عالية ليس بإمكان كلّ أحد الوصول إليهما. ذلك هو كنه الوجود وواقعه والذي يؤول في النهاية إلى الاختفاء والتستُّر؛ ولا تفاوت كذلك في تلك الجهة بين إدراك حقيقة وكنه وجود الحقّ تعالى وفهمها وبين حقيقة وكنه سائر وجودات الممكنات.
لا شكّ أن إدراك كنه الوجود، أنّى كان، هو من أصعب المصاعب وأعقد المشاكل؛ لكنّ مفهومه على نحو معنويّ مُشتَرَك، سهل ويسير على جميع الموجودات.
يقول الحكيم العظيم الحاجّ الملّا هاديّ السبزواريّ تغمّده الله برضوانه:
مُعَرِّفُ الوُجُودِ شَرْحُ الاسْمِ *** ولَيْسَ بِالحَدِّ ولَا بِالرَّسْمِ
مَفْهُومُهُ مِنْ أعْرَفِ الأشْيَاءِ *** وكُنْهُهُ في غَايَةِ الخَفَاءِ[1]
[1] - وهنا انقطع سلسبيل المصنّف العَطِر الجيّاش الطافح بشلّال المسك والعنبر، وتوقّف بنانه الشامخ عن نثر اللآلئ البرّاقة والدُّرر اللامعة في المعارف الإلهيّة الحقّة. نعم، لقد سكتَ ذلك القلب وأحجم عن النبض، بعد أن قضى عمراً في إعلاء كلمة التوحيد وتبيين مقام ولاية الله الكلّيّة والذود عن حياض التشيّع والمبادئ الثقافيّة الإسلاميّة الأصيلة: فهوى ساكناً لساعتين بقيتا لوقت الظُّهر من يوم السبت في التاسع من صفر الخير، سنة ألف وأربعمائة وستّة عشر هجريّة، عند الأعتاب المقدّسة لثامن الأئمّة علي بن موسى الرضا عليه آلاف التحيّة والثناء؛ ملبّياً بذلك نداء ارْجِعِي، نشواناً ب (سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) معانقاً شاهِدَ الوصال. ومُحَلِّقاً نحو رياض القُدس في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ. رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ رَحْمَةً واسِعَةً
الاكثر قراءة في فرق واديان ومذاهب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة