الروايات المجعولة في لزوم اطاعة الحاكم الجائر
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص131-134
2025-11-17
35
يستدلّ العامّة على وجوب إطاعة الخليفة والحاكم الجائر، كما أشار إلى ذلك الباقلّانيّ، بأخبار كثيرة رووها. ونحن نذكر فيما يلي بعضها: يقول العلّامة الأميني[1]: روى في «صحيح مسلم» و«سنن البيهقيّ» عن حذيفة بن اليمان أنّه قالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذا الْخَيرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وهَل وَراءَ هَذا الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: كَيْفَ يَكُونُ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدايَ ولَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي. وسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثمانِ إنسٍ». قُلْتُ: كَيْفَ أصْنَعُ يَا رَسولَ اللهِ، إنْ أدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأمير، وإنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وأخَذَ مَالَكَ فَاسْمَعْ وأطِعْ».
وفي «صحيح مسلم» و«سنن البيهقيّ» عن عوف بن مالك الأشجعيّ أنّه قال: سمعت رسول الله يقول: «خِيارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبَّونَهُمْ ويُحِبُّونَكُمْ وتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ ويُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ. وشِرارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبغِضُونَهُمْ ويُبْغِضُونَكُمْ وتَلْعَنُونَهُمْ ويَلْعَنُونَكُمْ». قَالَ: قُلنا: يَا رَسُولَ اللهِ! أ فَلا نُنَابِذُهُمْ عِندَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لَا، مَا أقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ ألَا ومَن وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأتِي شَيْئاً مِن مَعْصِيةِ اللهِ فلْيَكْرَهُ مَا يَأتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ ولَا تَنْزَعَنَّ يَداً مِن طَاعتِهِ».
وفي «صحيح مسلم» و«سنن البيهقيّ» أيضاً عن سلمة بن يزيد الجعفيّ أنّه سأل النبيّ: فقال: يَا رَسُولَ اللهِ! إِن قَامَتْ عَلَيْنَا امَراءُ يَسْألُونَنَا حَقَّهُمْ ويَمْنَعُونَنا حَقَّنَا. فَمَا تَأمُرُنَا؟ قَالَ: فَأعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وسَلّمَ ثُمَّ سَألهُ، فَقَالَ: «اسْمَعُوا وأطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيهِمْ مَا حُمِّلُوا وعَليْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ».
وفيهما أيضاً عن المقدام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال[2]: «أطِيعُوا امَرَاءَكُمْ ما كانَ، فَإن أمَرُوكُمْ بِمَا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ فَإنَّهُمْ يُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ وتُؤْجَرُونَ بِطاعَتِكُمْ، وإنْ أمَرُوكُم بِشيْءٍ مِمَّا لَم آمُركُمْ بِهِ فَهُوَ عَلَيْهِمْ وأنْتُمْ مِنْهُ بُرَاءُ. ذَلِكَ بَأنَّكُمْ إِذَا لَقِيتُمُ اللهَ قُلْتُم: رَبَّنا لا ظُلْمَ؟ فَيَقُولُ: لا ظُلْمَ. فَتَقُولُونَ: رَبَّنَا أرْسَلْتَ إِلَيْنَا رُسُلًا فَأطَعْنَاهُمْ بِإذنِكَ واسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا خُلَفاءَ[3]. فَأطَعْناهُمْ بِإِذْنِكَ، وأمَّرتَ عَلَيْنا امَراءَ فَأطَعْناهُمْ. قَالَ: فَيَقُولُ: صَدَقْتُمْ هوَ عَلَيْهِمْ وأنْتُمْ مِنْهُ بُرَاءُ».
وفي «سنن البيهقيّ» عن سويد بن غفلة أنّه قال: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ: يَا أبَا امَيّةَ! لَعَلَّك أنْ تَخْلُفَ بَعْدِي، فَأطِعِ الإمامَ وإن كانَ عَبْداً حَبَشِيّاً. إِن ضَرَبَكَ، فاصْبِرْ. وإنْ أمَرَكَ بَأمْرٍ، فَاصْبِرْ. وإنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ وإنْ ظَلَمَكَ، فَاصْبِرْ، وإنْ أمَرَكَ بِأمْرٍ يَنْقُصُ دِينَكَ فَقُلْ: سَمْعٌ وطَاعَةٌ، دَمِي دُونَ دِيني[4].
ويروي السيوطيّ أيضاً عن ابن جرير، عن ابن زيد في قوله، تعالى: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قَالَ: قَالَ امَيّ: هُمُ السَّلاطينُ: قَالَ: وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ: «الطَّاعَةَ وفي الطَّاعَةِ بَلَاءٌ». وقَالَ: «لَو شَاءَ اللهُ لَجَعَلَ الأمْرَ في الأنبياءِ- يعني لَقَدْ جَعَلَ إلَيْهِمْ والأنبِياءُ مَعَهُمْ- ألَا تَرى حِينَ حَكَمُوا في قَتلِ يَحْيَي بنِ زَكَرِيّا»[5].
ويروي أيضاً عن البخاريّ عن أنس: قَالَ: رَسُولُ اللهُ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلّمَ: «اسْمَعُوا وأطِيعُوا وإنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ حَبَشِيّ كَأنَّ رَأسَهُ زَبيبَةٌ»[6].
ويروي أيضاً عن أبي هريرة أنّ النبيّ قال: «سَيَليكُمْ بَعْدي وُلَاةٌ فَيَلِيكُم البَرُّ بِبِرِّهِ والْفَاجِرُ بِفَجْرِهِ فَاسْمَعُوا لَهُمْ وأطِيعُوا في كُلِّ مَا وَافَقَ الحَقَّ وصَلّوُا وَراءَهُمْ. فَإِنْ أحْسَنُوا فَلَهُمْ ولَكُمْ. وإِن أسَاءُوا فَلَكُمْ وعَلَيْهِم»[7].
أجل، فهذه نماذج من الروايات التي نقلها العامّة في كتبهم، وبنوا إطاعة أولي الأمر على أساسها. إنّهم يوجبون إطاعة الأمراء ما أقاموا الصلاة، مَنْ كانوا، ومهما فعلوا. ولا ريب- طبعاً- أنّ هذه الروايات كلّها موضوعة. فبعد أن استلم الحكم سلاطين الجور، بالأخصّ في عصر معاوية، وضع العلماء روايات حجّة للتغطيّة على قبائح اولئك السلاطين وكمّ الأفواه؛ وأذاعوها بين الناس؛ إنّهم نشروا تلك الأباطيل وبثّوا تلك الأحكام على خلاف النصوص الصريحة الواردة في الكتاب العزيز وسنّة نبيّنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم. ولقد أخبر رسول الله نفسه عن هذه المصيبة، فقال ما مضمونه: «ستظهر بين الناس بعدي أحاديث، فكلّ ما وجدتموه منها مخالفاً لكتاب الله، فاضربوه عرض الجدار». أي ألقوها جانباً، ولا تعيروا لها اهتماماً، فقد وضعها الوضّاعون فأضلّوا بها الناس المساكين، ونحن ينبغي أن نطبق تلك الروايات على كتاب الله قبل الرجوع إلى سندها.
[2] ذكرت هذه الرواية أيضاً في «الدرّ المنثور» ج 2، ص 178.
[3] هذا افتراء علي الله. إِنّ الله قطّ لم يستخلف ولم يُؤمّر على الامّة خلفاء الجور وامراءه، ولم يوجب طاعتهم.
[4] «الغدير» ج 7، ص 138. وجاءت هذه الرواية في «الدرّ المنثور» ج 2، ص 177.
[5] «الدرّ المنثور» ج 2، ص 176.
[6] «الدرّ المنثور» ج 2، ص 176.
[7] «الدرّ المنثور» ج 2، ص 177.
الاكثر قراءة في فرق واديان ومذاهب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة