عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام أنه دعا بنيه وبني أخيه فقال:
إنكم صغار قوم، ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلموا العلم، فمن يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه، وليضعه في بيته.
هذا القول النبوي العلوي الحسنيّ، لم يكن مجرّد وصيّة أبوية، بل كان بيانًا حضاريًا لرؤية مدرسة أهل البيت عليهم السلام في بناء الجيل الرسالي الذي يصون الدين ويقود الأمة.
الطفولة... مهد النبوغ والمعرفة
افتتح الإمام حديثه بقوله: "إنكم صغار قوم"، وهو تنبيه تربوي عميق إلى أن مرحلة الصغر ليست محطة انتظار، بل هي لحظة البناء. ففي مدرسة أهل البيت، يبدأ التأسيس الفكري والعقائدي في سن مبكرة، لأن قلب الطفل كالأرض الخالية، يقبل كل ما يُلقى فيه، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.
إنها دعوة إلى اغتنام سن الطفولة لا باللهو، بل بالعلم، لا بالتسلية العابثة، بل بالتربية الرسالية.
استشراف المستقبل وصناعة القادة
ثم قال عليه السلام: "ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين".
وهنا يكشف الإمام عن بعد نظره وتفكيره العميق في سنن التحوّل الاجتماعي، حيث أن الأدوار تتبدّل، وصغار اليوم هم من سيتسلّمون مقاليد الأمة غدًا. فإعدادهم علميًا وعقائديًا واجبٌ لا يحتمل التأجيل.
لقد علّمنا أهل البيت أن القيادة لا تُمنح فقط، بل تُصنع بالعلم، وتُكتسب بالوعي، وتُزكّى بالإخلاص.
العلم رأس المال
ثم كانت وصيته الذهبية: "فتعلموا العلم".
طلبُ العلم في فكر أهل البيت ليس تكليفًا نخبويًا، بل هو واجب عام على كل مؤمن، كما قال الإمام الصادق عليه السلام:
اطلبوا العلم وتزيّنوا به، فإن العلم قُربة بينكم وبين الله.
ولا يقف الإمام عند حدود التعلُّم، بل يُشير إلى أدوات حفظ العلم، فيقول: "فمن يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه".
الحفظ مطلوب، لكن الكتابة ضمانة. فكم من علمٍ ضاع بالنسيان، وكم من حقّ اندثر لغياب التوثيق.
البيت... منبر نور لا جدار صمت
وختم وصيّته بالقول: "وليضعه في بيته".
إنه نداء لتحويل البيت إلى محراب علم، وإلى مكتبة تُشرق منها أنوار الفهم والمعرفة. فليس البيت في عرف أهل البيت جدرانًا فقط، بل بيئة لصياغة العقول، ولغرس البصيرة، ولنقل القيم للأبناء.
فما أجمل أن يكون في كل بيتٍ أوراق تحوي حديثًا للإمام، أو شرحًا لآية، أو كلمات نورٍ من نهج البلاغة والصحيفة السجادية
بهذا الحديث، لا يوجّه الإمام الحسن عليه السلام أبناءه وحدهم، بل يوجّه كل أب وأم، وكل راعٍ لرعية، أن العلم هو الحصن والحارس، وأن الجيل القادم يجب أن يُسلّح بالوعي لا بالغرائز، بالمعرفة لا بالشعارات، بالقلم لا بالصوت العالي.
إنه مشروع بناء أمة، يبدأ من بيت صغير فيه كُتيب... وقلب صغير فيه نور.







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN