الأشعة فوق البنفسجية Ultra-Violet Radiation هي جزء من الطيف الكهرومغناطيسي الصادر من الشمس، وتنقسم إلى ثلاثة نطاقات رئيسية: UVA وUVB وUVC. تمتلك أشعة UVC أعلى طاقة وأكبر قدرة على إتلاف الخلايا والحمض النووي DNA، لكنها لا تصل إلى سطح الأرض بفضل طبقة الأوزون Ozone Layer التي تعمل كدرع طبيعي. أما UVB فتصل بنسبة أقل ولكنها ذات تأثير كيميائي حيوي قوي يؤدي إلى الطفرات الجينية وإنتاج الجذور الحرة Free Radicals، بينما تصل UVA بكمية كبيرة وهي المسؤولة عن شيخوخة الجلد Photoaging وضعف الكولاجين.
تكمن أهمية طبقة الأوزون في قدرتها الفريدة على امتصاص الإشعاع المؤذي عبر تفاعل كيميائي ضوئي يُسمى Photodissociation، حيث تتفكك جزيئات الأكسجين O₂ إلى ذرات منفردة O بفعل الأشعة عالية الطاقة، ثم تتحد هذه الذرات مع جزيئات أكسجين أخرى لتكوين الأوزون O₃. تمثل هذه العملية جزءاً من دورة الأوزون Ozone Cycle التي تُبقي التراكيز ثابتة نسبياً. فالأوزون نفسه يتعرض للتحلل Photodecomposition عند امتصاصه للأشعة فوق البنفسجية، مما يعيد تحويله إلى O₂ وO. هذا التوازن الكيميائي الديناميكي Dynamic Equilibrium هو الذي يمنع وصول الإشعاع القاتل إلى سطح الأرض.
بدأ الخلل حين دخلت الغلاف الجوي مركبات الإنسان الصناعية، أبرزها مركبات الكلوروفلوروكربون Chlorofluorocarbons (CFCs) والهالونات Halons ومركبات الهيدروفلوروكربون Hydrofluorocarbons (HFCs). تمتاز هذه المركبات بثبات حراري عالي Stability يجعلها قادرة على الصعود إلى الستراتوسفير Stratosphere دون تحلّل، وحين تتعرض هناك للأشعة فوق البنفسجية، تطلق ذرات الكلور Chlorine Radicals والبرووم Bromine Radicals التي تعمل كعوامل محفّزة Catalysts في سلسلة تدمير الأوزون. ذرة كلور واحدة تستطيع تدمير أكثر من مئة ألف جزيء أوزون قبل أن ترتبط بفاعل يعطل نشاطها، وبذلك تنشأ ظاهرة استنزاف الأوزون Ozone Depletion التي أدت إلى تكوّن ما يعرف بثقب الأوزون Ozone Hole فوق القطب الجنوبي.
ارتفاع معدل الأشعة UVB الواصلة إلى الأرض يسبب تأثيرات بيولوجية خطيرة، أهمها تحطيم بروتينات الجلد وإحداث طفرات في DNA تؤدي إلى سرطان الجلد Skin Cancer، إلى جانب إعتام عدسة العين Cataracts وتثبيط جهاز المناعة Immunosuppression. كما يتضرر النظام البيئي البحري، إذ تتأثر الطحالب الدقيقة Phytoplankton التي تُعد حجر الأساس في شبكة الغذاء البحرية. وفي النباتات تُعطل الأشعة فوق البنفسجية عمليات البناء الضوئي Photosynthesis وتقلل الإنتاجية الزراعية Crop Productivity.
على المستوى العالمي مثّل بروتوكول مونتريال Montreal Protocol نقطة تحول تاريخية في حماية البيئة، إذ ألزم الدول بإيقاف إنتاج CFCs ومعظم المركبات المستنزفة للأوزون Ozone-Depleting Substances (ODS). وتظهر القياسات الحديثة أن الطبقة بدأت بالتعافي تدريجياً Recovery نتيجة انخفاض المستويات الجوية لهذه المواد. ومع ذلك، يبقى التحدي قائماً لأن بعض البدائل الحديثة مثل مركبات HFOs وHFEs تحتاج مراقبة دقيقة بسبب ما قد تمتلكه من أثر محتمل على المناخ أو التفاعلات الجوية طويلة الأمد.
إن العلاقة بين الأشعة فوق البنفسجية وطبقة الأوزون ليست مجرد فصل في كتاب الكيمياء، بل نموذج حيّ يوضح حساسية الغلاف الجوي أمام التغيرات الكيميائية. فكل جزيء يُطلق إلى الهواء قد يشارك في سلسلة من التفاعلات التي تقرر سلامة البشر والكوكب. يؤكد هذا الواقع أن حماية الأوزون ليست عملاً حكومياً فقط، بل مسؤولية معرفية وأخلاقية تشمل الصناعة والبحث العلمي والممارسات اليومية، لأن استمرار هذا الدرع الطبيعي هو امتداد مباشر لاستمرار الحياة بشكلها الذي نعرفه اليوم.







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN