سلسلة في مفاهيم الفيزياء
الجزء الثالث والثلاثين: إيفرت وتفسير ميكانيكا الكم دون اختزال
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
4/8/2025
في عام 1957، كتب الفيزيائي الأمريكي هيو إيفرت الثالث مقالًا بعنوان "الصيغة النسبية لميكانيكا الكم"، قدّم فيه ما أصبح يُعرف لاحقًا بتفسير "العوالم المتعددة" لميكانيكا الكم. وقد مثّل هذا المقال نقلة فكرية كبيرة، لأنه اقترح طريقة راديكالية لحل واحدة من أكثر مشكلات الفيزياء غموضًا: مشكلة القياس في ميكانيكا الكم.
بدأ إيفرت ملاحظته من وجود نوعين مختلفين تمامًا من التغير في سلوك الأنظمة الكمومية.
التغير الأول يحدث بطريقة تدريجية ومتواصلة، وهو ما تنبأت به معادلة شرودنغر.
أما التغير الثاني فيحدث لحظيًا عندما يُجرى "قياس" على النظام، ويُفترض أن يؤدي إلى اختيار نتيجة واحدة فقط من بين عدة نتائج ممكنة. هذا التغير المفاجئ، الذي لا تحكمه آلية واضحة داخل النظرية، هو ما يثير الحيرة:
ما الذي يميّز "القياس" عن أي تفاعل آخر
ما الذي يجعل النظام يختار نتيجة معينة دون غيرها
ولماذا لا يمكننا توقع هذه النتيجة مسبقًا حتى لو عرفنا كل الظروف
كان دافع إيفرت أعمق من مجرد هذه الأسئلة، إذ أراد توسيع تطبيق نظرية الكم لتشمل الكون بأسره.
لكن إذا شملنا الكون كله، فمن هو "الراصد الخارجي" الذي يقوم بعملية القياس
لا أحد، حسب ما يقول إيفرت. وبالتالي، لا بد أن تكون هناك طريقة لتفسير الظواهر الكمومية دون الحاجة إلى اختزال مفاجئ أو تدخل خارجي.
الحل الذي اقترحه إيفرت كان أن الاختزال لا يحدث أصلًا.
العالم يتطوّر دائمًا بطريقة شاملة ومستمرة، وجميع النتائج الممكنة تحدث فعليًا، كل واحدة في فرع مختلف من الكون. في كل حالة قياس، لا يتم اختيار نتيجة واحدة، بل تتفرّع نسخ متعددة من الواقع، لكل منها نتيجة مختلفة، ونسخة من الراصد ترى تلك النتيجة تحديدًا.
تجربة الحاجز التي ناقشناها سابقًا توضح ذلك. فعندما يتفاعل الجسيم مع الحاجز، فإن له احتمالًا أن ينعكس واحتمالًا أن يمر.
يرى إيفرت أن كلا الاحتمالين يتحقق، ولكن في عالمين منفصلين لا يتداخلان. الراصد الذي يرى الانعكاس يوجد في فرع، والراصد الذي يرى المرور يوجد في فرع آخر.
وفقًا للتفسير التقليدي، الراصد الواعي هو من "يُجبر" النظام على اختيار نتيجة واحدة.
أما في تفسير إيفرت، فلا حاجة لهذا الدور، لأن كل الاحتمالات تتحقق بشكل متوازٍ. ويُعاد تعريف "أنا" كجزء من نظام أكبر يشمل الراصد والمرصود معًا.
قد تبدو هذه الفكرة غريبة، لكنها من منظور رياضي ومنطقي لا تتعارض مع النظرية الكمومية، بل تُزيل الحاجة إلى فرضيات إضافية عن طبيعة القياس.
ومع ذلك، فإنها تطرح أسئلة فلسفية عميقة حول طبيعة الواقع، والذات، وما إذا كان هناك بالفعل "نسخ" أخرى منا تعيش تجارب مختلفة في عوالم متوازية.
ويمكن تلخيص فكرة إيفرت بما يلي:
رفض حدوث "اختزال" نهائي للدالة الموجية.
كل النتائج الممكنة تحدث فعليًا، ولكن في فروع منفصلة من الكون.
عند إجراء القياس، يتفرّع الكون إلى نسخ متعددة، كل منها تحتوي على إحدى النتائج.
وقد اعترض البعض على تفسيره قائلين: "أنا لا أرى إلا نتيجة واحدة، إذًا الأخرى لم تحدث."
وكان رد إيفرت:
"أنت ترى نتيجة واحدة، لأنك ذلك الراصد المرتبط بها؛ بينما هناك راصدون آخرون يرون باقي النتائج."
نتابع تحليلًا أعمق لهذا الطرح في الجزء الرابع والثلاثين.







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN