Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
أنماط في اتخاذ القدوة بين التبعية الواعية والذوبان المرضي

منذ 4 شهور
في 2025/08/03م
عدد المشاهدات :1166
أنماط في اتخاذ القدوة بين التبعية الواعية والذوبان المرضي
الأستاذ الدكتورنوري حسين نور الهاشمي
2/8/2025

في المجتمعات التي ما زالت تعيد إنتاج رموزها دون تمحيص، وتمنح الولاء قبل السؤال، يبرز موضوع "القدوة" بوصفه مفتاحًا أساسيًا لفهم البنية الثقافية والنفسية للفرد والجماعة. فليس اتخاذ القدوة أمرًا عابرًا، بل هو انعكاس عميق لنمط التفكير، ومؤشر حاسم على مستوى نضج الوعي الجمعي. وإذا ما أردنا تصنيف الناس من هذه الزاوية، وجدنا خمسة أنماط رئيسة:
القدوة القسرية: الخضوع اتقاءً لا اقتداءً
هو النمط الذي يُظهر صاحبه الولاء لشخص ما، لا لأنه يراه جديرًا بالاتباع، بل لأنه يخشى سلطته وسطوته. إنه ولاءٌ قسري، قناعٌ يرتديه المرء اتقاءً للشر أو طلبًا للسلامة. ويكثر هذا النمط في البيئات التي تُكمَّم فيها الأفواه وتُصادر الحريات، حيث يتحول الولاء إلى "واجب وظيفي" لا خيارًا أخلاقيًا.
القدوة النفعية: المصلحة تغيّر الوجوه
في هذا النمط، لا يكون الولاء للشخص أو للقيم التي يحملها، بل لما يقدمه من منفعة. إنه اتباع مشروط، يزدهر بالمديح حين تتدفق الفوائد، ويذبل إذا جفّت منابعها. يتصنع صاحبه الحماسة والتبجيل، لكنه سريع الانقلاب متى تبدلت المصلحة.
الذوبان في القدوة: ضياع الذات واضطراب الهوية
وهو النمط الأخطر ثقافيًا ونفسيًا، إذ يفقد فيه المرء استقلالية رأيه وشعوره، فيذوب تمامًا في شخصية "القدوة"، فيرفعها إلى مرتبة التقديس. كل ما يصدر عنها حق مطلق، وكل نقد موجه إليها باطل، ولو كان مبنيًا على الدليل والبرهان.
يصف علم النفس الثقافي هذا النمط بـ"التبعية التقديسية"، أو ما يقارب "الانصهار النفسي"، حيث يتحول الفرد إلى مرآة صامتة تعكس ما يصدر عن القدوة دون مراجعة أو تفكير. ويترتب على ذلك تعطيل الحس النقدي، وتبرير الانحرافات، ورفض كل صوت مخالف.
ولا تتوقف خطورة هذا النمط عند الفرد، بل تصنع بيئة ثقافية خانقة تقمع التنوع وتسكت العقل وتشيع ثقافة التبعية العمياء، فتنتج طغاةً وأوثانًا بشرية ترفض النقد والمراجعة. وكثيرًا ما يكون أتباع هذا النمط أسرى لثقافة مقيدة، حبيسة في مديح قدوتهم، يتألمون لأي إشارة نقدية تمسها، فيهاجمون المتحاورين ويتهمونهم بالجهل أو سوء النية، ويفرضون على النقاشات أن تدور بعيدًا عن رموزهم، وإلا انسحبوا أو أسكتوا الآخرين.
القدوة الرمزية: البحث عن بطل يكمل النقص الداخلي
هنا لا يُتخذ القدوة لذاته، بل بوصفه رمزًا نفسيًا يعوّض شعورًا بالفراغ أو الحاجة إلى الأمان والانتماء والقوة. يحمّل الأتباع قدوتهم صورة مثالية رسموها في خيالهم، غير أن هذا النمط هش وسريع الانهيار متى ظهرت صورة مناقضة لتوقعاتهم.
القدوة الواعية: اتباع بالعقل لا بالانفعال
وهذا هو النمط المنشود في المجتمعات الحية، إذ يتخذ الفرد قدوة يقتدي بها، دون أن يلغي عقله أو يقدّس صاحبها. إنه تقدير عقلاني، يضع حدودًا للبشرية، ويفرق بين الفكرة وصاحبها، ويمنح المرء شجاعة المخالفة حين تستدعي المواقف ذلك.
في ظل هذا النمط تزدهر ثقافة الحوار، ويتعزز النقد البنّاء، وتتحصن المجتمعات ضدّ عبادة الأشخاص والاستبداد الفكري.

تبقى طريقة اتخاذ القدوة معيارًا خفيًا لكنه بالغ الأهمية لقياس مدى تحرر المجتمع من رواسب الاستبداد الفكري والعاطفي. والثقافة الرشيدة لا تُبنى إلا حين يُسمح للناس بأن يحبوا دون أن يقدّسوا، وأن يتبعوا دون أن يذيبوا ذواتهم، وأن ينتقدوا دون أن يُخوَّنوا.
وإذا نظرنا إلى الواقع العربي، وجدنا حضورًا طاغيًا للأنماط الثلاثة الأولى؛ حيث الولاء القسري والنفعي وذوبان الذات في شخصية الزعيم أو الرمز، خاصة في الأنظمة السلطوية التي تكافئ الولاء المطلق وتقصي الأصوات الحرة. فالنظام المغلق لا يُنتج مواطنًا حرًا، بل يعيد إنتاج التبعية المبرمجة، يستبدل العقل بالمصلحة، والنقد بالتمجيد، والحرية بالخوف.
أما أولئك الذين يفقدون ذواتهم في شخصية "القدوة"، فإنهم يعرضون عقولهم وسلوكهم وعلاقاتهم لخطر الانزلاق في مسارات مدمرة. واللجوء إلى أهل الاختصاص النفسي حينها ليس ضعفًا، بل شجاعة داخلية وخطوة لاستعادة التوازن واستقلالية الرأي والقرار.
إن المجتمعات الحرة تبدأ بأفراد أحرار، لا يعبدون رموزهم، ولا يقدّمون الولاء على الوعي، ولا يسلمون عقولهم للآخرين تحت شعار المحبة أو الطاعة.

اعضاء معجبون بهذا

الغرفة الزجاجية بين الصخب الإعلامي وظلال الحقيقة
بقلم الكاتب : وائل الوائلي
في زمنٍ صار فيه الضوء يُسلَّط حيث الضجيجُ أعلى، لا حيث الحاجةُ أعمق، بتنا نشهد مشاهد إنسانية تُقدَّم على هيئة عروضٍ استعراضية، غرفٌ زجاجية تُشيَّد كأنها معابد عصرية للترند، لا يُعرَف من يديرها، ولا إلى أين تذهب الأموال التي تُسكَب عند عتبتها، ولا بأي روحٍ تُستثمر دموعُ الفقراء على منصاتها... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

الْتَّضَارِيْسُ إِنَّ الْـعُـيُوْنَ الَّـتِـيْ سَـالَـتْ تُـوَدِّعُـكُمْ ... المزيد
كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ...
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...


منذ 4 ايام
2025/12/05
هي أنهار تجري على السطح ثم تدخل إلى شقوق أو فتحات موجودة في الصخور، فتغوص داخل...
منذ 6 ايام
2025/12/03
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء التاسع والسبعون: اللحظة التي لا تعرفها الفيزياء:...
منذ اسبوعين
2025/11/28
الضمير: قراءة علمية في ماهية صوت الإنسان الداخلي الأستاذ الدكتور نوري حسين نور...