سلسلة في مفاهيم الفيزياء
الجزء الثاني والثلاثين: الوعي الكوني وسؤال المراقبة في ميكانيكا الكم
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
3/8/2025
سواء عُبّر عن هذه الفكرة بمصطلحات لاهوتية أو علمية، فإن الاقتراح بأن العقول الواعية مرتبطة بطريقة ما وربما تُشكّل معًا نوعًا من "الوعي الكوني الشامل" يبدو كحل ممكن لإشكالية المراقبة في ميكانيكا الكم.
مع ذلك، من الصعب تحديد المعنى الدقيق لهذه الفكرة، إذ إن معرفتنا بطبيعة الوعي ما زالت محدودة.
إن وجود روابط من نوع ما بين العقل الواعي والمادة الفيزيائية يتضح ببساطة من حقيقة أن القرارات الواعية تُفضي إلى تأثيرات فيزيائية. وبالتالي، يمكن القول بوجود علاقات بين العقول الواعية تنقلها الوسائط المادية.
أما ما إذا كانت هناك روابط من نوع مختلف تعتمد على الطبيعة غير المادية أو غير الموضعية للوعي فذلك لا يزال محل تساؤل.
قد يشير البعض إلى ما يُعرف بالتخاطر أو الحواس فوق العادية كأدلة على هذا النوع من التواصل، لكن من الأفضل تأجيل البتّ في هذه القضايا حتى تتوفر دلائل أكثر صلابة.
طريقة أخرى للتعبير عن هذه التصورات هي القول إن في ميكانيكا الكم جوانب "كلية" أي أنها لا تُختزل بسهولة إلى مكوّنات منفصلة.
في المقابل، تتصف الفيزياء الكلاسيكية بطابع اختزالي، حيث تُفسَّر الأنظمة من خلال تفكيكها إلى وحدات أصغر وأبسط. غير أن الدالة الموجية في ميكانيكا الكم تمثل كيانًا غير محلي، إذ لا يمكن أن تُحدَّد قيمتها بناءً فقط على موقع منفرد في الفضاء.
وسنرى لاحقًا أن هذا "اللامحلية ليس مجرد مفهوم نظري، بل له تبعات تجريبية تم التحقق منها، وسنناقشها في أجزاء قادمة.
رغم أن هذه الأفكار قد تبدو غير واضحة أو غير أصيلة بالكامل، فإن من اللافت أنها تنشأ من التأمل في سلوك أبسط الأنظمة الفيزيائية.
والحقيقة أن هناك أمورًا في الطبيعة بل في الوجود ذاته تتجاوز حدود الفهم البشري، وهذا أمر يعترف به معظم العلماء والفلاسفة.
فالفيزياء لا تدّعي تفسير كل شيء، بل تسير نحو المجهول.
ينبغي أن يكون تركيزنا دائمًا على حدود معرفتنا، على الغموض، على ما لا يمكن التعبير عنه إلا مجازيًا عبر الشعر، أو الدين، أو الرموز.
مع ذلك، ينبغي الحذر من الوقوع في تأويلات ساذجة للواقع، مثل التنجيم أو الادعاءات غير المدعومة علميًا.
وفي هذا السياق، يُحسن بنا التذكير بكلمات الفيزيائي والفيلسوف الفرنسي برنار ديسبنيا:
"كيف لنا أن نعتقد أن اللغة اليومية قادرة على التعبير، إلا بشكل رمزي، عن الحقيقة المتعلقة بالوجود ذاته، إذا لم تكن قادرة حتى على التعبير عن حقيقة شيء تافه مثل الذرّة، إلا من خلال المجاز"
من كتاب In Search of Reality، ص. 109
قد تكون الحقيقة مختلفة تمامًا عن كل ما طُرح. وربما تكون خارجة عن نطاق اللغة البشرية أساسًا.
فرغم أن العقل البشري يستطيع تفسير كثير من الظواهر حوله، فإنه ما يزال في حيرة عندما يحاول فهم ذاته.
الوعي يظل واحدًا من أعمق الألغاز الفلسفية والعلمية وهذا ما سيكون محور مقالتنا القادمة.
نتابع في الجزء الثالث والثلاثين







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN