د.أسعد عبد الرزاق الأسدي
تختلف حركة المجتمع عن حركة الفرد, ووجود الافكار الاجتماعية ليس كوجود الأفكار الفردية, تأخذ الأفكار الاجتماعية حيزها في الوجود الذهني للمجتمع بنحو مغاير عما هو عليه الوجود الذهني الفردي, فالفرد يتفاعل مع الأفكار بتأثير من مزاجه وذوقه, مما يؤدي إلى تميز رأيه عن الآخرين على المستوى الطبيعي والعادي, في حين تتفاعل المجتمعات مع الأفكار من وحي الخبرة والتجربة والعاطفة, وبوسعنا تقرير أن المجتمعات لا تفكر بعقل بقدر ما تفكر بعاطفة ووجدان يتشكلان عبر تجارب وتراكمات حية في عمق الشعور الجمعي.
وعند تتبع أثر المعرفة في المجتمعات يتضح تأثير المعتقد ذلك أن المعرفة هي العنصر الأساسي للحضارة وهي العامل الكبير في ارتقائها المادي والمعنوي واما المعتقد فهو الذي يرسم وجهة الأفكار, ومن ثم وجهة السير, بحيث تبدو الأفكار مفرغة من تأثير المعتقد لكنها تتجه نحو مقاصده بنحو لا شعوري, فإيمان الجماعة ينطوي على تفاصيل مختلفة وفي الوقت ذاته يشترك في هيكل عام يتمثل بقضايا كلية وقد تبدو سطحية إلى حد ما لتكون موضوعا للإيمان العام, والإيمان العام من العسير أن يتم رصده إلا عبر تراكم إجمالي للتجارب والأحداث, ووما يثير الدهشة أن ما يؤمن به المجتع غالبا ما يكون غير قابل للتبرير المعرفي, في حين ما يفكر في إطاره المجتمع من المعارف غالبا ما تكون مبررة من جهة الاعتقاد, بمعنى أن أغلب أفكار المجتمع ذات أساس اعتقادي, يشحنها بالعاطفة لان المجتمعات لاتتحرك بعقلها كما تتحرك بعواطفها, وهو ما يمثل سلاحا ذو حدين, فتارة تمثل العواطف عنصر قوة, وأخرى نقطة ضعف يمكن استغلالها أو توظيفها من قبل السياسة, إلى هنا ثمة تساؤل.. ما هو واجب المجتمع تجاه تلك الثنائية على المستوى العملي وما ينبغي أن يكون, وما هو حال المجتمع تجاه تلك الثنائية على المستوى النظري وما هو كائن؟؟
ربما ليس من اليسير الإجابة بنحو دقيق, لكن الذي يبدو أن المجتمعات غالبا ما ترتقي بالوعي, وعليه ما ينبغي أن يكون على المستوى العملي هو ضرورة إرساء الوعي على سلوك المجتمع لكي تخف وطأة العاطفة وتتسع مساحة التأثير للمعارف التي يمتلكها المجتمع بنحو من الوعي وتغيير التصورات التي من شأنها أن تقبع أزدهار المجتمع, وهو ديدين الثورات الناجحة عبر تاريخ الشعوب التي حظيت بتلك القفزة على مستوى الوعي والأفكار, وبالتأكيد سوف لن تكون مهمة إرساء الوعي مقتصرة على الجهود الإصلاحية بقدر ما يتم تحقيقها بشكل تلقائي عبر التجارب المؤلمة التي يمر بها المجتمع, وهو ما يشكل سنة حتمية ضمن سنن التغيير الاجتماعي, تحت وطأة الشعور الجمعي بحجم المعاناة والنزوع إلى التغيير الجذري وعدم تكرار الأخطاء, ومن هنا يمكن تلمس الإجابة عن الشق الثاني من التساؤل السابق الذي يطرح حول ما يمكن أن يكون عليه حال المجتمع في ضوء تلك الثنائية, (المعتقد والمعرفة), وملخصها هو السير الطبيعي من تأثير العواطف إلى تأثير الأفكار والمعارف, والذي يمثل سيرا دائريا يمكن أن يعود إلى الاتجاه المعاكس أي من الأفكار إلى العواطف, وذلك نتيجة لنزعة تقديس المنجز التاريخي للمجتمعات, فالتجارب الناجحة تؤول إلى نحو من أنحاء المقدس, بحيث تصبح التجربة مقدسة بذاتها, بالنحو الذي يؤول بها إلى أن تصبح مشكلة جديدة تعيشها أجيال لاحقة.
وفي مجمل تلك الحركة يبقى تأثير المعتقد على المعرفة أشد من تأثير المعرفة على المعتقد, فتأثير الأول مستمر ويمثل الحال الطبيعي, في حين يقتصر التأثير الثاني على منعطفات التغيير, ومنافذ التاريخ التي يمكن أن يتطلع المجتمع من خلاها إلى تجديد واقعه, لكن ذلك لا يعني سلبية تأثير المعتقد على الأفكار, بل يعني أن المعتقد لدى الجماعة يختلف عما هو حقيقي, بسبب سطحيته وفوفضويته الناتجة عن مؤثرات كثيرة يتعرض لها المجتمع من قبيل السياسة والإعلام والتداخل الثقافي بين المجتمعات, كذلك لا يكون تأثير المعارف على المعتقدات إيجابيا دائما, لان المعارف المؤدلجة تضر بالمعتقدات بخلاف المعارف الموضوعية المتسقة منطقيا وقيميا, لأن القيم هي المعامل الموضوعي الحاسم تاريخيا ومنطقيا لجدليات العلاقة بين المعتقد والمعرفة, وهي الرافد الوحيد لحقانية أحد التأثيرين (تأثير المعتقد في المعرفة وتأثير المعرفة في المعتقد) فصحة كل منهما موكول إلى حجم الانسجام مع الواقع القيمي الإنساني المشترك.







وائل الوائلي
منذ 5 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN