حسن الهاشمي
الإقراض يساعد على الكد والعمل، الصدقة قد تساعد على التثاقل والكسل لاسيما للقادر على العمل تراه يلجأ الى الحل الأسهل، عادة الإقراض يحفظ كرامة المقترض وهيبته في الأوساط، الصدقة قد تودي بكرامة السائل خصوصا اذا ما جرت على يد المرائي، الإقراض يؤمن رأس المال للاستفادة المتعددة، الصدقة انما يتم استهلاكها من السائل ولا يمكن تداولها الى غيره، الإقراض بثمانية عشر أمثالها، الصدقة بعشرة أمثالها، الإقراض يصلح لكل فئات المجتمع، الصدقة لكبار السن غير القادرين على العمل وأصحاب الأمراض المزمنة والإعاقة والبلوى.
ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام أن الإقراض (أي إعطاء القرض) أحيانا أفضل من الصدقة، والسبب يعود إلى عدة أبعاد أخلاقية واجتماعية، منها حفظ كرامة المحتاج، ومن المعلوم ان القرض يُعطى على أساس الثقة والرجوع، لا على أساس العوز والذل، فيحفظ ماء وجه المحتاج، بينما الصدقة قد يشعر معها الإنسان بالضعف أو المنّة لاسيما اذا بذلت من المرائي أو صاحب النوايا المسيسة والشخصية والحزبية.
وقبل ذلك ان القرض يحفّز على العمل والجدّية، فمن يأخذ القرض غالبا ما يكون عنده نيّة السداد، فيدفعه للعمل والحرص على ردّ المال، ولأجل الحثّ على العمل، وتلبية لتمشية حاجة الآخر، وصوناً لتعفّفه، وترغيبا له على الكدح والسعي والارتزاق، كان هناك عمل أفضل من الصدقة هو الإقراض، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوباً: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت: يا جبريل، ما بال القرض أفضل من الصدقة قال لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة) ميزان الحكمة، الري شهري، ج3، ص 2549.
القرض يُضاعف أكثر من الصدقة من حيث الأجر، رغم أن الصدقة في ظاهرها أوسع في النفع، ربما السائل قد يسأل لحاجة فعلا أو تعوّدا أو احتياطا، وقد يكون عنده ما يكفيه، أما المستقرض، فلا يطلب القرض إلا عند ضيق وضرورة، وفيه حياء وكرامة وقبل ذلك عادة ما يكون فيه نية ردّ، مما يُظهر صدقه واحتياجه، فيكون أجر الإعانة عليه أعظم، أما اذا لم يكن عنده نية الرد أو يضمر في داخله نية النكران والتملص من القرض، وللحيلولة دون الدخول في هكذا معامع فان الله تعالى يذكّرنا بالإشهاد على حالة القرض؛ لدفع كل ما يعكّر سلامة الترابط الاجتماعي بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) البقرة: 282.
الإسلام يحثّ على سدّ حاجة الناس بأسلوب يحفظ كرامتهم، وإعطاء القرض للمعوز، يُعبّر عن ثقة ورحمة وعون حقيقي بين المقرض والمستقرض، لكن يبقى لكلٍّ من القرض والصدقة فضله ومجاله حسب الموقف والحال والظروف والعلاقات الاجتماعية، المهم ان النيّة فيهما الإحسان الى الآخرين، وكسب رضا الله تعالى في هذا العطاء.
وطالما نرى ان أثر القرض يمتد الى غير المقترض، حيث ان نفس المال قد يُقرض لعدة أشخاص في أوقات مختلفة، فيكون له أثر متكرر، وفي ذلك تأمين فرص العمل لأكبر عدد من المحتاجين، وهذا يؤكد على روحية تفضيل الإقراض على الصدقة، وكذا من الفضل الكبير لقضاء حوائج الناس تأتي أهمية تأمين فرص العمل للمحتاجين الذين يسعون للكدّ على عيالهم، فيكون سعيهم كالجهاد في سبيل الله تعالى، أليس (الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله) تحرير الأحكام، الحلي، ج2، ص 247. والقرض في هذه الحالة بمثابة المؤسسات الاقتصادية والمصرفية والاجتماعية لتسهيل حاجة الفرد وحثّه على التسديد شهريا أو ما شابه ذلك، وهو ما يشجّع المستقرض على الكد والكدح والعمل للالتزام بمضامين العقود الملزمة في هذا الاطار.
الكادّ هو الذي يسعى ويجتهد في العمل والتعب لإعالة أسرته وعياله، حاله كحال المجاهد في الأجر والثواب، لما فيه من جهاد النفس والمشقة والنية الصالحة، فالإسلام ينظر إلى العمل والكسب الحلال من أجل النفقة على الأهل كعمل عظيم، يعادل الجهاد، فانه يربط العبادة بالحياة اليومية ويكرّم العامل الشريف، وفيه تحفيز للمؤمن أن لا يحتقر العمل مهما كان، مادام فيه قصد إعالة العيال بالحلال، وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام: (من طلب الرزق في الدنيا استعفافا عن الناس، وسعيا على أهله، وتعطفا على جاره، لقي الله عز وجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر) الكافي، الشيخ الكليني، ج 5 ص 78. هذا يبيّن أن النية الصالحة في العمل ترفعه إلى مقام العبادات العظيمة.
من يؤمِّن فرصة عمل لهذا الكادّ فهو كمن يسعى لتحقيق عمل جهادي في سبيل الله، وكمن كان عنده مؤسسة تجارية يعمل فيها الناس، فعليه أن ينوي القربة في تأمين فرص عملهم، وعندها يمكن له حينما يحتسب أرباحه السنوية أن يلتفت إلى هذا الربح المعنوي الكبير، ولا يزال هو في بحبوحة من العيش مادام يعيش في مدار حديث الامام الحسين عليه السلام: (اعلموا إن حوائج الناس إليكم، من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم فتتحول الى غيركم، ومن نفّس كربة مؤمن فرّج الله تعالى عنه كرب الدنيا والاخرة) بحار الأنوار، للمجلسي، ج ٧٨، ص ١٢٧
لأجل هذا تبيّن الفرق الكبير في الأجر بين الإقراض والصدقة لا يزال القرض يجمع بين الإعانة الفعلية، والثقة بالمحتاج، والستر والكرامة، والنفع المتكرر، بيد ان القرض قد يتحول الى صدقة فيما إذا كان المحتاج فقيرا جدا ولا قدرة له على السداد، فبعد نظرة الى ميسرة فان بقي حاله تعيسا فهنا يتحول الإقراض الى صدقة، فتكون هنا أَولى، فالميزان في كل ذلك هو حال المحتاج، وهدف المعطي، والله تعالى المستعان على كل حال.







وائل الوائلي
منذ 5 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN