فاطمة عليها السّلام ، هي التي كان زواجها بأمر خالقها تبارك وتعالى ، وكان صداقها ثلث الدنيا والجنة ، بل شفاعة أمة أبيها ، والعاقد بينهما هو اللّه عز وجل ، والمبشّر بتزويجها صلصائيل ، وأول حفلة قامت لتزويجها كانت في البيت المعمور عند شجرة طوبى ، وكان نثارها الدر والياقوت والمرجان ، وهذا الزواج السماوي كان في بيت أمها خديجة في الملأ الأعلى ، وبيمنه غلقت أبواب النيران ، وزيّن العرش والكرسي وشجرة طوبى وسدرة المنتهى ؛ فحق أن نقول في زواجها : « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ * بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ » .
يأتي في هذا النص العناوين التالية في 41 حديثا :
إذا كان أولاد هذا الزواج الأئمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم فكفى به شرفا من بدئه وخلاله وختامه ، فلا تسأل عن كيفية عرسها وزفافها . نعم ، لما أدركت فاطمة عليها السّلام مدرك النساء ، خطبها أكابر قريش والمهاجرين والأنصار وردّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله واحدا بعد واحد ، وجاء بعضهم إلى علي عليه السّلام وحثّه على هذا الأمر ، فجاء علي عليه السّلام إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وخطبها ، فأجابه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالقبول والترحيب ، وأصدق درعه الذي يوازي أربعمائة وثمانين درهما على ظاهر الأمر ، ويأتي شرح حقيقة مهرها في الفصل الآتي .
وهيّئوا حجرة أم سلمة للزفاف ، وحملوا جهازها إلى هناك ، ونزلت الملائكة : نزل جبرئيل في سبعين ألف من الملائكة ، وميكائيل في سبعين ألف ، واجتمعوا حول موكب قدّيسة الوجود فاطمة عليها السّلام ، وسيد المرسلين صلّى اللّه عليه وآله راجلا يسوقها ، وسلمان يقودها .
وأقيمت حفلة الزفاف باجتماع أزواج النبي صلّى اللّه عليه وآله وسائر النسوان ، وحضرت فاطمة عليها السّلام وعريسها في الحجلة ، ودعا النبي صلّى اللّه عليه وآله عليّا وفاطمة عليها السّلام ، ومجّ الماء في جنبيهما وكتفيهما وعلى رأسيهما ، وعوّذهما ب : « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » والمعوّذتين ، وحضر في وليمتها أربعة آلاف من أهل المدينة .
المتن الأول:
عن أم سلمة وسلمان الفارسي وعلي بن أبي طالب عليه السّلام ، فكلّ قالوا : لمّا أدركت فاطمة عليها السّلام بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مدرك النساء ، خطبها أكابر قريش من أهل السابقة والفضل في الإسلام والشرف والمال . . إلى آخر الحديث .
ذكرنا مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 59 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الثاني:
قال قال علي بن الحسين عليه السّلام : لما أدركت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله خطبها رجال من قريش ، وكلّما خطبها رجل أعرض عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بوجهه . فلقي بعضهم بعضا ، وشكى بعضهم ما صنع بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، وكان رجل ممّن خطبها بينه وبين علي عليه السّلام خاصّية ، فقال ذاك الرجل : أنا أكفيكم هذا الأمر ، فأنطلق إلى علي عليه السّلام فأهيجه على أن يخطبها ؛ فإن هو زوّجه فعليه كان يحبسها ، وإن هو ردّه فالأمر فيهما واحد ، ينتظر فيها أمر اللّه .
فانطلق ذلك الرجل إلى علي عليه السّلام ، وعلي عليه السّلام في حائط له ينضح على نخل له ، فقال :
يا علي ! واللّه ما من خصال الخير خصلة إلا قد نلتها ، غير خصلة واحدة ما أدري ما يمنعك منها . قال له علي عليه السّلام : ما هي ؟ قال : فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بنت عمّك ، تزوّجها ! فقال له علي عليه السّلام : واللّه لقد هيّجتني على أمر إن كنت عنه لفي غطاء .
ثم قام إلى ربيع البئر فتوضأ منه ، ثم أخذ نعليه فعلّقهما بيده ، ثم قال للرجل : انطلق .
فانطلقا ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في بيت أم سلمة ، فدخل علي عليه السّلام على رسول اللّه فقال :
يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ! أنا من قد عرفت قرابتي وصحبتي وبلائي معك . قال : صدقت ، وما حاجتك يا علي ؟ قال : فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللّه عليه وآله تزوّجنيها .
فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ثم قال : وما عندك يا علي إن زوّجناك ؟ قال : عندي درعي وفرسي وناضحي . قال : أما فرسك فلا بد لك منه ، تجاهد عليه في سبيل اللّه ، وأما ناضحك فلا بد لك منه تنضح به على نخلك ، وأما درعك فقد قبلناها وزوّجناك . فانطلق وبعها وائتنا بثمنها .
فأخذ علي عليه السّلام الدرع فطرحها على عاتقه يريد السوق ، فمرّ بذلك الرجل فقال :
يا علي ! ما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ؟ قال : زوّجني فاطمة على درعي ، وأمرني أن أبيعها وآتيه بثمنها . فانطلق الرجل إلى أصحابه فقال : ليس علينا بأس فقد زوّجها عليا ، وعليه كان يحبسها .
فانطلق علي عليه السّلام فباع الدرع بثمان وأربعمائة سود هجرية . فجاء بها في طرف ثوبه ، فصبّها بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله على حصير ، فلم يسأله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كم هي ، ولم يخبره علي عليه السّلام كم هي ، فقبض قبضة فقال : يا بلال ! ابتع لنا بهذا طيبا لفاطمة . وقال لأم سلمة :
خذي هذه البقية فجهّزوا بها فاطمة . فأخذتها أم سلمة فوجدتها مائتين .
فلبثوا تسعا وعشرين ليلة ، ثم إن عليا عليه السّلام دخل على بعض أهله فقالوا له : يا علي ! ما يمنعك أن تدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فتسأله أن يدخل عليك أهلك ؟ فدخل علي عليه السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في ساعة ثلاث مرّات ، يسلّم ثم يخرج ثم يعود . فلما كان في الثالثة أنكر عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وظن وقال : ما لك يا علي ؟ لعلك تريد أن ندخل عليك أهلك ؟ ! قال : نعم يا رسول اللّه .
فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أم سلمة ففرغت من جهازها ، وأمر لها ببيت في حجرته ، وجعل لها في بيتها فراشين من خيوش مصر ، أحدهما محشوّ بليف ، وآخر بحدوه الحدابيين[1] ، وأربع وسائد : وسادتين بردين ، وحصيرين ، وستر صوف .
حتى إذا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله العشاء ، وقد ذهبت فاطمة عليها السّلام ، دعاها فأجلسها خلف ظهره ، ثم دعا عليا ، فأخذ بيد فاطمة فوضعها في يد علي ثم قال : انطلقا إلى بيتكما ولا تحدثا شيئا حتى آتيكما .
فقامت فاطمة عليها السّلام معه غير عاصية ولا متلكّئة ، حتى دخلا بيتهما وجلسا على فراشهما ، ثم قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فدخل عليهما ، فقال لعلي : قم فائتني بماء . فأخذ قعبا[2] وصبّ ماء من شكوة[3] فأتاه به ، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله القعب بيده ، ثم أخذ ملء فيه فمضمض ثم أعاده في القعب ، ثم أخذ قبضة من الماء فنضح به رأس علي عليه السّلام ووجهه ، ثم قال : اجلس واشربه .
ثم قال لفاطمة عليها السّلام : قومي فائتيني بماء . فأخذت العقب فأتته به ، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ملء فيه فمضمض به ثم أعاده في القعب ، ثم أخذ قبضة من الماء فنضح به رأس فاطمة عليها السّلام ووجها ونحرها ، ثم قال : اشربيه . ثم خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وخلّاهما ، فلبثا ثلاثا لا يدخل عليهما .
فلما كان في اليوم الرابع صلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الصبح في غداة شبمة[4] ، ثم دخل عليهما وهما على فراش واحد ، فلما سمعا خشخشة نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ذهبا يتفرقان ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : كما أنتما . فجاء فجلس عند رءوسهما ، ثم خلع نعليه وأدخل قدميه وساقيه بينهما ، فأخذ علي عليه السّلام إحداهما فوضعها على صدره وبطنه يدفئها ، وأخذت فاطمة فوضعتها على صدرها وبطنها تدفئها .
وقال علي عليه السّلام لفاطمة عليها السّلام - رويدا - : استخدميه . فقالت فاطمة عليها السّلام : يا رسول اللّه ! إني كنت في عيالك ، وكنت مكفيّة ، وقد أفردت بنفسي ، وقد شق عليّ العمل ، فأخدمني يا رسول اللّه . فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : أو لا خير من الخادم ؟ ! قال علي عليه السّلام : قولي : بلى يا رسول اللّه .
فقالت : بلى يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، خير من الخادم .
فقال : يا فاطمة ! إذا أخذت مضجعك من الليل فسبّحي اللّه ثلاثا وثلاثين ، وكبّريه أربعا وثلاثين ، واحمديه ثلاثا وثلاثين ، فذلك مائة هي أثقل في الميزان من جبل أحد ذهبا . نعم يا فاطمة ، نغزو فنصيب فنخدمك إن شاء اللّه .
فقال : فلبث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ستة أشهر ، ثم غزا ساحل البحر ، فأصاب سبيا فقسّمه ، فأمسك امرأتين إحداهما شابة والأخرى قد دخلت في السنّ ليست بشابة ولا قريبة ، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فاطمة عليها السّلام فأخذ بيد المرأة فوضعها في يد فاطمة وقال : يا فاطمة هذه لك خادمة فلا تضربيها ، فإني قد رأيتها تصلّي ، وإن جبرئيل قد نهاني أن أضرب المصلّين .
المصادر :
جزء فيه تزويج فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله للمنجد : من أول الكتاب إلى آخره .
الأسانيد :
أخبرنا الشيخ الثقة أبو القاسم يحيى بن أسعد بن بوش التاجر إذنا ، قال : أخبرنا الشيخ أبو سهل محمد بن إبراهيم بن محمد سعدويه الأصبهاني ، قراءة عليه ببغداد في صفر سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ، قال : أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار الرازي المقري بأصبهان ، قال : حدثنا أبو القاسم جعفر بن عبد اللّه بن يعقوب بن فناكي الرازي بالري ، قراءة عليه في ذي القعدة سنة اثنين وثلاثمائة ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن هارون الروياني إملاء ، قال : حدثنا يحيى بن محمد البصري ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن حماد بن شعيب الشعيثي البصري ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المدني ، عن محمد بن علي عليه السّلام ، عن أبيه ، قال .
المتن الثالث:
قال ابن شهرآشوب في تفضيل علي عليه السّلام على سليمان عليه السّلام : . . وأضاف الناس سليمان عليه السّلام فعجز عن ضيافتهم ، وعلي عليه السّلام قد وقعت ضيافته موقع القبول : « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ »[5] ، وتزوّج سليمان عليه السّلام من بلقيس بالعنف ، وزوّج اللّه عليّا عليه السّلام من فاطمة عليها السّلام باللطف .
المصادر :
المناقب لابن شهرآشوب : ج 3 ص 258 .
المتن الرابع:
قال ابن شهرآشوب : . . وقالوا : تزوّج النبي صلّى اللّه عليه وآله من الشيخين ، وزوّج من عثمان بنتين .
قلنا : التزويج لا يدل على الفضل وإنما هو مبني على إظهار الشهادتين ، ثم إنه تزوّج في جماعة .
وأما عثمان ففي زواجه خلاف كثير ، وإنه صلّى اللّه عليه وآله كان زوّجهما من كافرين قبله ، ليست حكم فاطمة عليها السّلام مثل ذلك ؛ لأنها وليدة الإسلام ، ومن أهل العبا والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت ، وورد فيها آية التطهير ، وافتخر جبرئيل بكونه منهم ، وشهد اللّه لهم بالصدق ، ولها أمومة الأئمة عليهم السّلام إلى يوم القيامة ، ومنها الحسن والحسين ، وعقب الرسول ، وسيدة النساء ، وهي سيدة نساء العالمين[6] ، وزوّجها من أصلها وليس بأجنبي .
وأما الشيخان فقد توسّلا إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله بذلك ، وأما علي عليه السّلام فتوسل النبي صلّى اللّه عليه وآله إليه بعد ما ورد خطبتها[7]، والعاقد بينهما هو اللّه تعالى ، والقابل جبرئيل ، والخاطب راحيل ، والشهود حملة العرش ، وصاحب النثار رضوان ، وطبق النثار شجرة طوبى ، والنثار الدر والياقوت والمرجان ، والرسول هو المشاطة ، وأسماء صاحبة الحجلة ، ووليد هذا النكاح الأئمة عليهم السّلام .
المصادر :
1 . المناقب لابن شهرآشوب : ج 2 ص 182 .
2 . بحار الأنوار : ج 43 ص 107 ح 22 ، عن المناقب .
المتن الخامس:
قال الضحاك بن مزاحم : سمع علي بن أبي طالب عليه السّلام يقول : أتاني أبو بكر وعمر فقالا :
لو أتيت . . . إلى آخر الحديث .
أوردنا مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 13 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن السادس:
عن جابر ، قال : لمّا أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن يزوّج فاطمة عليها السّلام عليّا عليه السّلام قال له : اخرج يا أبا الحسن إلى المسجد فإني خارج في أثرك ومزوّجك بحضرة الناس ، وأذكر من فضلك ما تقرّ به عينك .
قال علي عليه السّلام : فخرجت من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأنا لا أعقل فرحا وسرورا ، فاستقبلني أبو بكر وعمر قالا : ما وراءك يا أبا الحسن ؟ فقلت : يزوّجني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فاطمة ، وأخبرني أن اللّه قد زوّجنيها ، وهذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله خارج في أثري ليذكر بحضرة الناس ، ففرحا وسرّا ودخلا معي المسجد .
قال علي عليه السّلام : فو اللّه ما توسطناه حتى لحق بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وإن وجهه يتهلّل فرحا وسرورا ، فقال : أين بلال ؟ فأجاب : لبيك وسعديك يا رسول اللّه . ثم قال : أين المقداد ؟
فأجاب : لبيك يا رسول اللّه . ثم قال : أين سلمان ؟ فأجاب : لبيك يا رسول اللّه . ثم قال : أين أبو ذر ؟ فأجاب : لبيك يا رسول اللّه . فلمّا مثّلوا بين يديه قال : انطلقوا بأجمعكم فقوموا في جنبات المدينة ، وأجمعوا المهاجرين والأنصار والمسلمين .
فانطلقوا لأمر رسول اللَّه صلّى اللّه عليه وآله ، وأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فجلس على أعلى درجة من منبره ، فلمّا حشد المسجد بأهله قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فحمد اللّه وأثنى عليه ، فقال :
الحمد للَّه الذي رفع السماء فبناها ، وبسط الأرض فدحاها ، وأثبتها بالجبال فأرساها ، أخرج منها ماءها ومرعاها ، الذي تعاظم عن صفات الواصفين ، وتجلّل عن تحبير لغات الناطقين ، وجعل الجنّة ثواب المتقين ، والنار عقاب الظالمين ، وجعلني نقمة للكافرين ، ورحمة ورأفة على المؤمنين .
عباد اللّه ! إنكم في دار أمل ، وعدوّ أجل[8] ، وصحة وعلل ، دار زوال ، وتقلّب أحوال ، جعلت سببا للارتحال ، فرحم اللّه امرأ قصّر من أمله ، وجدّ في عمله ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوته ، قدّم ليوم فاقته ، يوم يحشر فيه الأموات ، وتخشع له الأصوات ، وتذكر الأولاد والأمهات ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، يوم يوفّيهم اللّه دينهم الحق ، ويعلمون أن اللّه هو الحق المبين . « يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً »[9] ، « مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ »[10]، يوم تبطل فيه الأنساب ، وتقطع الأسباب ، ويشتد فيه على المجرمين الحساب ، ويدفعون إلى العذاب ، « فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ » .[11]
أيها الناس ! إنما الأنبياء حجج اللّه في أرضه ، الناطقون بكتابه ، العاملون بوحيه ، إن اللّه عز وجل أمرني أن أزوّج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمّي وأولى الناس بي علي بن أبي طالب ، وأن اللّه قد زوّجه في السماء بشهادة الملائكة ، وأمرني أن أزوّجه وأشهدكم على ذلك .
ثم جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، ثم قال : قم يا علي ! فاخطب لنفسك . قال : يا رسول اللّه ! أخطب وأنت حاضر ؟ ! قال : اخطب ، فهكذا أمرني جبرئيل أن آمرك أن تخطب لنفسك ، ولولا أن الخطيب في الجنان داود لكنت أنت يا علي . ثم قال النبي صلّى اللّه عليه وآله : أيها الناس ! اسمعوا قول نبيكم ، إن اللّه بعث أربعة آلاف نبي ، لكل نبي وصي ، وأنا خير الأنبياء ، ووصيي خير الأوصياء . ثم أمسك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله .
وابتدأ علي عليه السّلام فقال : الحمد للَّه الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين ، وأنار بثواقب عظمته قلوب المتقين ، وأوضح بدلائل أحكامه طرق الفاصلين ، وأنهج بابن عمي المصطفى العالمين ، وعلت دعوته لدواعي الملحدين ، واستظهرت كلمته على بواطل المبطلين ، وجعله خاتم النبيين وسيد المرسلين ، فبلغ رسالة ربّه ، وصدع بأمره ، وبلّغ عن اللّه آياته ، والحمد للَّه الذي خلق العباد بقدرته وأعزّهم بدينه ، وأكرمهم بنبيّه محمد صلّى اللّه عليه وآله ، ورحم وكرم وشرف وعظم ، والحمد للَّه على نعمائه وأياديه ، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه ، شهادة تبلغه وترضيه ، وصلّى اللّه على محمد صلاة تربحه وتحظيه ، والنكاح مما أمر اللّه به وأذن فيه ، ومجلسنا هذا مما قضاه ورضيه ، وهذا محمد بن عبد اللّه زوّجني ابنته فاطمة على صداق أربعمائة درهم ودينار ، قد رضيت بذلك فاسألوه واشهدوا .
فقال المسلمون : زوّجته يا رسول اللّه ؟ قال : نعم . قال المسلمون : بارك اللّه لهما وعليهما وجمع شملهما .
المصادر :
1 . بحار الأنوار : ج 100 ص 269 ح 21 ، عن مسند فاطمة عليها السّلام .
2 . مسند فاطمة عليها السّلام ، على ما في البحار .
3 . نوادر المعجزات : ص 87 ، بتفاوت يسير .
4 . دلائل الإمامة : ص 16 ، بتفاوت يسير .
الأسانيد :
1 . في مسند فاطمة عليها السّلام ، على ما في البحار : عن محمد بن هارون بن موسى ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي العريب ، عن محمد بن زكريا بن دينار ، عن شعيب بن واقد ، عن الليث ، عن جعفر بن محمد عليه السّلام ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن جابر ، قال .
2 . في نوادر المعجزات : عن محمد بن زكريا الغلابي ، عن شعيب بن واقد ، عن الليث ، عن جعفر بن محمد عليه السّلام ، عن أبيه الباقر عليه السّلام ، عن جدّه عليه السّلام ، عن جابر .
3 . في دلائل الإمامة : مثل ما في مسند فاطمة عليها السّلام ، إلّا أن في الدلائل : أبي العرب بدل أبي العريب .
المتن السابع:
قال السيد ابن طاوس : ومن طرائف عصبية بعضهم لعثمان أنهم يسمّونه - بعد هذا الإجماع على خلعه وقتله واستحلال دمه - : « ذا النورين » ، أي إنه تزوّج بابنتي رسولهم ، أو ربيبتين لخديجة وربّاهما نبيهم ، ويكون علي بن أبي طالب عليه السّلام قد تزوّج بفاطمة عليها السّلام سيدة نساء العالمين بلا خلاف بينهم ، وولد منها الحسن والحسين عليه السّلام ، وهما سيدا شباب أهل الجنة ، كما شهدوا ، ويكون علي عليه السّلام أيضا أول هاشمي ولد من هاشميين ، وأنه أحد الثقلين المقدّم ذكرهما ، ومع ذلك كلّه فلا يكون علي بن أبي طالب عليه السّلام ذا النورين ولا ذا النور ، إن ذلك من طرائف العصبية وسوء الأغراض الدنيوية .
المصادر :
الطرائف : ج 1 ص 498 .
المتن الثامن:
روي في حديث صلصائيل المبشّر بتزويج فاطمة من علي عليه السّلام أنه قال صلّى اللّه عليه وآله : فلمّا عرج نظرت إليه ، وإذا بين كتفيه مكتوب : لا إله إلّا اللّه ، محمد رسول اللّه ، علي بن أبي طالب مقيم الحجة .
فقلت : يا صلصائيل ! منذ كم هذا بين كتفيك ؟ قال : من قبل أن يخلق اللّه آدم باثني عشر ألف عام .
المصادر :
المحتضر : ص 105 .
المتن التاسع:
قال الهاشمي : وبعد أن شاهد وسمع وعلم المسلمون بعظمة تلك السيدة الجليلة ، والمكانة التي تملكها في قلب رسول اللّه بأمر من اللّه تعالى ، حاول المشاهير من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وآله خطبتها . . . إلى آخره .
مرّ مثله في الفصل الثالث من المجلد الثالث ، رقم 60 ، متنا ومصدرا وسندا .
المصادر :
فاطمة الزهراء عليها السّلام من قبل الميلاد إلى بعد الاستشهاد : ص 27 .
المتن العاشر:
قال علي عليه السّلام : إن رسول اللّه حيث زوّجه فاطمة عليها السّلام دعا بماء فمجّه ، ثم أدخله معه فرشّه في جنبه وبين كتفيه وعوّذه ب : « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » والمعوذتين ، ثم دعا بفاطمة عليها السّلام ، فقامت على استحياء ، فقال : لم آل أن زوّجتك خير أهلي .
المصادر :
تاريخ دمشق : ج 42 ص 125 ح 8495 .
الأسانيد :
في تاريخ دمشق : أخبرنا أبو منصور بن زريق ، نا أبو الحسين بن المهتدي ، نا أبو حفص بن شاهين ، نا أحمد بن الحسن ، نا محمد بن يونس الأنصاري ، نا قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن عباية ، عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : قال رسول صلّى اللّه عليه وآله .
قال : ونا ابن شاهين ، نا محمد بن هارون بن عبد اللّه بن سليمان الحضرمي ، نا نصر بن علي الجهضمي ، أنا العباس بن جعفر بن زيد بن طلق ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي عليه السّلام .
المتن الحادي عشر:
عن أنس بن مالك ، قال : جاء أبو بكر إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه ! قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام ، وإني وإني . . . إلى آخر الحديث .
مرّ شطرا منه في الفصل الأول من المجلد الثالث ، رقم 18 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الثاني عشر:
قال الحسين بن علي عليه السّلام : بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في بيت أم سلمة إذ هبط عليه ملك . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الأول من المجلد الثالث ، رقم 83 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الثالث عشر:
في رواية أبي أيوب ، لمّا سأل النبي صلّى اللّه عليه وآله عن كيفية زواجها قال : يا أبا أيوب ! أمر اللّه الجنان فزخرفت . . . - إلى أن تم زفافها - إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الأول من المجلد الثالث ، رقم 97 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الرابع عشر:
عن أبي عبد اللّه عليه السّلام : لمّا زوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عليّا فاطمة عليها السّلام دخل عليها وهي تبكي . . .
إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 14 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الخامس عشر:
روي أنه أتى سلمان إلى علي عليه السّلام وقال : أجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 21 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن السادس عشر:
عن علي بن أبي طالب عليه السّلام أنه قال : هممت بتزويج فاطمة عليها السّلام حينا ولم أجسر . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 40 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن السابع عشر:
عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جدّه ، عن جابر ، قال : لما أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن يزوّج فاطمة عليها السّلام عليّا عليه السّلام . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 44 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الثامن عشر:
عن أنس بن مالك ، قال : كنت عند النبي صلّى اللّه عليه وآله فغشيه الوحي ، فلمّا أفاق . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 60 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن التاسع عشر:
عن ابن عباس ، قال : كانت تذكر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، فلا يذكرها أحد إلّا صدّ عنه حتى يئسوا منها . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 75 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن العشرون:
روى أصحاب السير عن أنس ، قال : خطب أبو بكر إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله ابنته فاطمة عليها السّلام . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 84 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الحادي والعشرون:
عن مولانا الصادق عليه السّلام ، قال : لمّا أظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فضل أمير المؤمنين عليه السّلام كان المنافقون يتخافتون بذلك . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 92 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الثاني والعشرون:
قال الفاضل الدربندي : قال الراوي : فلمّا كان صباح يوم الخميس ، عمد عقيل إلى جزور . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 94 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الثالث والعشرون:
قال صلّى اللّه عليه وآله : بينما أنا جالس إذ هبط علي ملك له عشرون رأسا . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 108 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الرابع والعشرون:
قال أبو نصر محمد بن عبد الرحمن الهمداني في السبعيات : المجلس السابع في يوم الجمعة : فلمّا بلغت فاطمة . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 130 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الخامس والعشرون:
قال في الروض الفائق : ولقد خطب فاطمة عليها السّلام أبو بكر وعمر ، فقال صلّى اللّه عليه وآله : أمرها إلى اللّه . .
إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 136 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن السادس والعشرون:
قال الشرقاوي : غدا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بعض كبار المهاجرين والأنصار ، يخطبون إليه ابنته فاطمة عليها السّلام . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثاني من المجلد الثالث ، رقم 139 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن السابع والعشرون:
إن أبا بكر أتى النبي صلّى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه ! زوّجني فاطمة . فاعرض عنه . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثالث من المجلد الثالث ، رقم 14 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الثامن والعشرون:
أخرج أبو داود السجستاني : إن أبا بكر خطبها فأعرض عنه صلّى اللّه عليه وآله ، ثم عمر فأعرض عنه . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثالث من المجلد الثالث ، رقم 16 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن التاسع والعشرون:
عن أنس : إن عمر بن الخطاب أتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر ! ما يمنعك أن تزوّج فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثالث من المجلد الثالث ، رقم 43 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الثلاثون:
قال عبد الوهاب الكاشي : بلغت فاطمة عليها السّلام مبالغ النساء في السنة الثانية من الهجرة ، فكانت آية الجمال . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثالث من المجلد الثالث ، رقم 50 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الحادي والثلاثون:
قال الفضل بن الحسن الطبرسي : وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حيث بنى منازله كانت فاطمة عليها السّلام عنده ، فخطبها أبو بكر . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الأول من المجلد الثالث ، رقم 46 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الثاني والثلاثون:
قال أبو عزيز الخطّي : فلمّا تم لها أحد عشر سنة من مولدها خطبها كثير من أكابر قريش . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثالث من المجلد الثالث ، رقم 60 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الثالث والثلاثون:
قال مأمون غريب : وفي هذه الظروف التي تحققت فيها هذه الاقتصارات . . . جاء أبو بكر . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثالث من المجلد الثالث ، رقم 64 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الرابع والثلاثون:
قال ملا داود الكعبي : وكان قد خطب فاطمة عليها السّلام جماعة كثيرة من أعيان العرب ووجوهها ، وسلاطين الأطراف وملوكها . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثالث من المجلد الثالث ، رقم 65 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن الخامس والثلاثون:
قال عباس محمود العقّاد : ومن جملة الأخبار يتضح أن النبي صلّى اللّه عليه وآله كان يبقيها لعلي عليه السّلام . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثالث من المجلد الثالث ، رقم 75 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن السادس والثلاثون:
قال عبد المنعم محمد عمر : تقدم أبو بكر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يخطب فاطمة الزهراء عليها السّلام فترفّق به . . . إلى آخر الحديث .
مرّ مثله في الفصل الثالث من المجلد الثالث ، رقم 77 ، متنا ومصدرا وسندا .
المتن السابع والثلاثون:
لما كانت ليلة أهديت فاطمة عليها السّلام إلى علي عليه السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : لا تحدثي شيئا حتى أجيء ، فجاء حتى قام على الباب ، فقال : ثمّ أخي ؟
فخرجت إليه أم أيمن فقالت : أخوك وزوّجته ابنتك ؟ فدعا عليّا ودعاها فقامت وإنها لتعثر ، ثم قال لها : أي بنية ! إني لم آل أن أزوّجك أحب أهلي .
قالت : ثم دعا بمخضب - قال حمّاد : وهو تور[12] من حجارة - من ماء فدعا فيه ، ثم أمر أن يصبّ عليه بعضه ، وعليها بعضه . فقالت أسماء : ثم قال لي : أجئت مع ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله تكرمينها ؟ قالت : فدعا لي .
المصادر :
تاريخ مدينة دمشق : 42 ص 133 ح 8509 .
الأسانيد :
في تاريخ مدينة دمشق : أخبرنا أبو غالب محمد بن إبراهيم الجرجاني - بفيد - أنا أبو عمرو بن مندة ، أنا أبي أبو عبد اللّه ، أنا عبد اللّه بن يعقوب بن إسحاق الكرماني ، نا أبو زكريا يحيى بن بحر الكرماني ، نا حمّاد بن زيد ، عن أيوب السختياني ، عن أبي بريد المدني ، أن أسماء بنت عميس قالت .
المتن الثامن والثلاثون:
قال بولس سلامة في زواج علي عليه السّلام :
عاد إثر القعية البكر ليث * رمقته القلوب بالإيماء
سار خلف النبي غير حفي * بالرياحين في أكفّ الإماء
ناقرات الدفوف بالراح حمرا * فالعذارى في موسم الحنّاء
قادمات من يثرب بالمثاني * بالزغاريد طلقة بالغناء
ساروا لوجه حائر كشريد * ضلّ في الليل موطن الأنواء
عابسا تارة وطورا تنمّ * العين عن بهجة وطيف هناء
يلمس الدرع فيئه وهو كنز * لفقير لم يلتفت للثراء
أتراها تفي بمهر عروس * أتراه يردّ ردّ جفاء ؟ !
وأبوها لو رام عدل صداق * مال قارون ظلّ دون الوفاء
دون ما تستحق إيوان كسرى * واللآلي وحلية الزباء
ولو أن الدهناء تبر لكانت * بعض شيء بجانب الزهراء
بضعة من أب عظيم يراها * نور عينيه مشرقا في رداء
فهي أحلى في جفنه من لذيذ * الحلم غبّ الهجود والإعياء
وهي قطب الحنان في صدر طه * واختصار البنات والأبناء
غيّب الموت من خديجة وجها * فإذا فاطم معين العزاء
تحسب الكون بسمة من أبيها * فهي أم تذوب في الإرضاء
هالها ما يناله من عذاب * وامتداد الكفار في الأسواء
وتراهم يرمونه بحجار * أو يكبونه على الدقعاء
فجراح كأنهن شفاه * شاكيات للَّه فرط البلاء
فاطم تمسح الجراح بعين * حين تنهل أختها بالبكاء
جاء بيت النبي والقلب خفق * فهو في مثل رجفة البرداء
قال : إني ذكرت فاطمة * وانبثّ صوت مكبّل بالحياء
فأجاب النبي أبشر عليّا * خير صهر مشى على الغبراء
بيعت الدرع في الصداق وزفّت * لعلي سليلة الأنبياء
هو خير الأزواج عفّة ذيل * هي خير الزوجات من حوّاء
في نقاء السحاب خلقا وطهرا * في صفاء الزنابق العذراء
يضمّ النبي تحت جناحيه * المديدين منية الأحشاء
فعلي وزوّجه منه بعض * شيمة الكلّ شيمة الأجزاء
رفرف السعد فوق كوخ حقير * لم يدنّس بقسوة الأغنياء
إن تكن قسمة الغني متاعا * فالإله الرحمن للأتقياء
ذلك البيت بعد غمدان باق * ذكره يملأ الزمان النائي
ويحول القصر المنيف رمادا * فيذوب الهباء إثر الهباء
ويصون الخلود دار شريف * زيّنتها بساطة الفقراء
مرّ عام فاستقبل الكوخ طفلا * بثّ فيه البهاء كلّ البهاء
فدعاه الأب الغضنفر حربا * يحسب الحرب أنبل الأسماء
حسن قال جدّه فالتماع * الحسن فيه تدفق اللألاء
حال حول فلاح فجر جديد * وصبي مغلّف بالسناء
وعلي يكاد يدعوه حربا * ألف الليث لذّة الهيجاء
فيجيب النبي هذا حسين * هو سبطي وخامس في الكساء
وعلت جبهة النبي طيوف * كوشاح الغمامة الدكناء
لمح الغيب يا لهول الليالي * مر عدات بالنكبة الدهياء
وكأن الجفون تنطق همسا * يا إله السماء صن أبنائي
المصادر :
عيد الغدير لبولس سلامة : ص 79 .
المتن التاسع والثلاثون:
قال في الإخوانيات : وروي عن بعض الرواة الكرام : إن خديجة الكبرى عليها السّلام تمنّت يوما من الأيام على سيد الأنام ، أن تنظر إلى بعض فاكهة دار السلام ، فجاء جبرئيل عليه السّلام إلى المفضّل على الكونين بتفاحتين ، وقال : يا محمد ! يقول لك من جعل لكل شيء قدرا :
كل واحدة وأطعم الأخرى لخديجة الكبرى ، واغشها ، فإني خالق منكما فاطمة الزهراء عليها السّلام . ففعل المختار ما أشار به الأمين وأمره به .
فلما سأله الكفار أن يريهم انشقاق القمر ، وقد بان على خديجة حملها بفاطمة عليها السّلام وظهر ، قالت خديجة : وا خيبة من كذّب محمّدا ، وهو خير رسول ونبي . فنادت فاطمة عليها السّلام من بطنها : يا أماه ! لا تحزني ولا ترهبي ، فإن اللّه مع أبي .
فلما تمّت أيام حملها وانقضى ، وضعت فاطمة عليها السّلام فأشرق بنور وجهها الفضاء ، وكان المختار كلما اشتاق إلى الجنة ونعيمها ، قبّل فاطمة وشمّ طيب نسيمها ، فيقول حين ينشق نسماتها القدسية : إن فاطمة حوراء إنسية .
فلما استنارت في السماء الدنيا له شمس جمالها ، وتمّ في أفق الجلالة بدر كمالها ، امتدت إليها مطالع الأفكار ، تمنّت النظر إلى حسنها أبصار الأخيار ، خطبها سادات المهاجرين والأنصار ، ردّهم المخصوص من اللّه بالرضى ، وقال : إني أنتظر بها القضا .
من مثل فاطمة الزهراء في نسب * وفي فخار وفي فضل وفي حسب
واللّه شرّفها حقا وفضّلها * إذ كانت ابنة خير العجم والعرب
ولقد خطبها - فاطمة عليها السّلام - أبو بكر وعمر ، فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : إن أمرها إلى اللّه تعالى ، ثم إن أبو بكر وعمر وسعد بن معاذ كانوا جلوسا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فتذاكروا أمر فاطمة عليها السّلام ؛ فقال أبو بكر : قد خطبها الأشراف فردّهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، وقال :
« أمرها إلى اللّه تعالى » ، وإن عليّا لم يخطبها ولم يذكرها ولا أرى يمنعه من ذلك إلّا قلّة ذات اليد ، وإنه ليقع في نفسي أن اللّه تعالى ورسوله صلّى اللّه عليه وآله إنما يحبسانها من أجله .
ثم أقبل أبو بكر على عمر وعلى سعد وقال : هل لكما في القيام إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام فنذكر له أمرها ؟ فإن منعه من ذلك قلّة ذات اليد واسيناه . فقال سعد : وفّقك اللّه يا أبا بكر .
فخرجوا من المسجد والتمسوا عليّا في المسجد فلم يجدوا عليّا ، وكان ينضح الماء على نخلة لرجل من الأنصار بأجرة ، فانطلقوا معه نحوه ، فلما رآهم قال :
ما وراءكم ؟ فقال أبو بكر : يا أبا الحسن ! إنه لم يبق خصلة من خصال الخير إلّا ولك فيها سابقة وفضل ، وأنت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالمكان الذي عرفت من القرابة ، وقد خطب الأشراف من قريش إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ابنته فاطمة عليها السّلام ، فردّهم وقال : إن أمرها إلى اللّه تعالى فما يمنعك أن تذكرها أو تخطبها ، فإني أرجو أن يكون اللّه عز وجل ورسوله صلّى اللّه عليه وآله يحبسانها عليك .
قال : فتغرغرت عينا علي عليه السّلام بالدموع ، وقال : يا أبا بكر ! لقد هيّجت عليّ ساكنا ، وأيقظتني لأمر كنت عنه غافلا ، واللّه إن لي في السيدة فاطمة لرغبة ، وما مثلي من يقعد عن مثلها ، ولكن أعز أن يمنعني من ذلك قلّة ذات اليد .
فقال أبو بكر : لا تقل كذا يا أبا الحسن ، فإن الدنيا وما فيها عند اللّه ورسوله لهباء منثور .
ثم إن عليّا عليه السّلام حلّ عن ناضحه وقاده إلى منزله ، فشيّده[13] « 1 » فيه وأخذه ليطله ، وأقبل إلى منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عند أم سلمة ، فطرق الباب ، فقالت : من بالباب ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله :
قومي وافتحي الباب له ، هذا رجل يحبه اللّه ورسوله ويحبهما . فقالت : فداك أبي وأمي ، ومن هذا ؟ فقال صلّى اللّه عليه وآله : هذا أخي وأحب الخلق إليّ .
قالت أم سلمة : فقمت مبادرة أكاد أعثر في مرطي ، ففتحت الباب فإذا أنا بعلي بن أبي طالب ، فو اللّه ما دخل علي عليه السّلام حتى علم أني قد رجعت إلى خدري ، فدخل فسلّم ، فردّ عليه النبي صلّى اللّه عليه وآله السلام ، ثم قال صلّى اللّه عليه وآله له : اجلس . فجلس بين يدي النبي صلّى اللّه عليه وآله ، وجعل يطرق إلى الأرض كأنه قاصد حاجة يستحيي منه ، فقال له النبي صلّى اللّه عليه وآله : يا علي ! كأنك قاصد حاجة ، فابدأ بما في نفسك فكلّ حاجتك عندي مقضية .
فقال علي عليه السّلام : فداك أبي وأمي يا رسول اللّه ، إنك لتعلم أنك أخذتني من عمّك أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد وأنا صبي لا عقل لي ، فهديتني وأدّبتني ، فكنت لي أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد في البرّ والشفقة ، وإن اللّه عز وجل هداني بك واستنقذني ممّا كان عليه آبائي وأعمامي من الشرك ، وإنك يا رسول اللّه ذخري ووسيلتي في الدنيا والآخرة ، وقد أحببت مع ما شدّ اللّه عز وجل بك عضدي أن يكون لي بيت وزوجة أسكن إليها ، وقد أتيت خاطبا ابنتك فاطمة ، فهل تزوّجني يا رسول اللّه ؟
قالت أم سلمة : فرأيت وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد تهلّل فرحا وسرورا ، ثم تبسّم في وجه علي عليه السّلام وقال : يا علي ! هل معك شيء تصدقها إياه ؟ قال : واللّه ما يخفى عليك حالي ولا من أمرى شيء ، ما أملك غير درعي وسيفي وناضحي .
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : يا علي ! أما سيفك فلا غنى لك عنه ؛ تجاهد به في سبيل اللّه ، وأما ناضحك فتنضح على أهلك وتحمل عليه رحلك في سفرك ، ولكن أزوّجك على درعك ، ورضيت به منك ، وأبشّرك يا أبا الحسن ، فإن اللّه قد زوّجك بها في السماء قبل أن أزوّجك بها في الأرض ، ولقد هبط عليّ ملك من السماء قبل أن تأتيني لم أر قبله في الملائكة مثله بوجوه شتّى وأجنحة شتّى ، فقال لي : السلام عليك يا رسول اللّه ! أبشر باجتماع الشمل وطهارة النسل . فقلت : وما ذاك أيها الملك ؟
فقال : يا محمد ! أنا الملك الموكّل بإحدى قوائم العرش ، سألت اللّه أن يأذن لي ببشارتك ، وهذا جبرئيل عليه السّلام على أثري يخبرك بكرامة اللّه عز وجل لك .
قال النبي صلّى اللّه عليه وآله : فما استتمّ الملك كلامه حتى هبط جبرئيل عليه السّلام فقال : السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته . ثم وضع في يدي حريرة بيضاء فيها سطران مكتوبان بالنور ، فقلت : حبيبي جبرئيل ، ما هذه الخطوط ؟
قال : إن اللّه عز وجل قد اطّلع على الأرض اطلاعة فاختارك من خلقه وبعثك برسالته ، ثم اطّلع عليها ثانية واختار منها لك أخا ووزيرا وصاحبا وحبيبا ، فزوّجه ابنتك فاطمة . فقلت : حبيبي جبرئيل ، ومن هذا الرجل ؟ !
فقال : أخوك في الدين ، وابن عمّك في النسب ، علي بن أبي طالب . وإن اللّه تعالى أوحى إلى الجنان أن تزخرفي ، وإلى الحور العين أن تزيّني ، وإلى شجرة طوبى أن احملي الحلي والحلل ، وأمر الملائكة أن تجتمع في السماء الرابعة عند البيت المعمور ، فهبطت ملائكة الصفح الأعلى ، وأمر اللّه تعالى رضوان أن ينصب منبر الكرامة على باب البيت المعمور ، وهو المنبر الذي خطب عليه آدم عليه السّلام حين علّمه الأسماء ، وأمر اللّه عز وجل ملكا من ملائكة الحجب يقال له « راحيل » ، فعلا على ذلك المنبر ، فحمد اللّه تعالى بجميع محامده وأثنى عليه بما هو أهله ، فارتجّت السماوات فرحا وسرورا .
قال جبرئيل عليه السّلام : وأوحى اللّه تعالى إليّ أن أعقد عقدة النكاح ، فإني زوّجت عليّا وليي بفاطمة أمّتي بنت رسولي وصفوتي من خلقي محمد صلّى اللّه عليه وآله ، فعقدت عقدة النكاح ، وأشهد على ذلك الملائكة وكتب شهادتهم في هذه الحريرة ، وقد أمرني ربي أن أعرضها واختمها بخاتم مسك أبيض ، وأدفعها إلى رضوان خازن الجنان .
إن اللّه تعالى لمّا أشهد على تزويج فاطمة عليها السّلام ملائكته أمر شجرة طوبى أن تنثر ما فيها من الحلل ، فنثرت ذلك والتقطته الحور العين والملائكة ، وأن الحور العين ليتهادونه إلى يوم القيامة ، وقد أمرني أن آمرك بتزويجها عليّا في الأرض ، وأن أبشّرها بغلامين زكيين نجيبين فاضلين جيدين في الدنيا والآخرة .
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : فو اللّه ما عرج الملك يا أبا الحسن حتى طرقت الباب ، ألا وإني مستنفذ فيك أمر ربي ، فامض يا أبا الحسن أمامي فإني ذاهب إلى المسجد ومزوّجك على رؤوس الناس ، وذاكر من فضلك ما تقرّ به عينك .
قال علي عليه السّلام : فخرجت من عنده مسرعا وأنا لا أعقل من شدّة الفرح ، فاستقبلني أبو بكر وعمر فقالا لي : ما وراءك يا أبا الحسن ؟ ! قلت : زوّجني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فاطمة عليها السّلام وأخبرني أن اللّه تعالى زوّجني بها في السماء ، وهذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله آت على أثري إلى المسجد فيقول ذلك في محضر من الناس . ففرحا بذلك ودخلا المسجد ، فو اللّه ما توسطاه حتى لحق بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ووجهه يتهلل سرورا ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : يا بلال ! اجمع المهاجرين والأنصار .
فانطلق بلال لأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، وجلس النبي صلّى اللّه عليه وآله قريبا من منبره حتى اجتمع الناس ، ثم قام فوق المنبر وحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : معاشر المسلمين ! إن جبرئيل أتاني آنفا فأخبرني أن اللّه تعالى استشهد الملائكة عند البيت المعمور أنه زوّج أمته فاطمة ابنتي من علي .
ثم قام علي عليه السّلام وحمد اللّه وأثنى عليه ، فقال : الحمد للَّه شكرا لأنعمه وأياديه ، وأشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ولا شبيه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ونبيّه النبيه وحبيبه الوجيه ، صلّى اللّه عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وبنيه ، صلاة دائمة ترضيه .
وبعد ، فإن النكاح سنّة ، أمر اللّه به وأذن فيه ، وقد زوّجني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ابنته فاطمة عليها السّلام ، وجعل صداقها درعي هذا ، وقد رضي ورضيت ، فسلوه واشهدوا . فقال المسلمون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : زوّجته يا رسول اللّه ؟ قال : نعم . فقال المسلمون : بارك اللّه لهما وعليهما وجمع شملهما .
ثم قال علي عليه السّلام : فأخذت درعي ومضيت به إلى السوق فبعته بأربعمائة درهم من عثمان بن عفان ، فلما قبضت الدراهم وقبض عثمان الدرع قال لي : يا أبا الحسن ! ألست الآن أولى منك بالدرع وأنت أولى منّي بالدراهم ؟ ! قال : فإن الدرع هدية منّي إليك .
قال علي عليه السّلام : فأخذت الدرع والدراهم وأتيت بها النبي صلّى اللّه عليه وآله ، وأخبرته بما كان من عثمان فدعا بخير . وقبض النبي صلّى اللّه عليه وآله قبضة من الدراهم ، ثم دعا بأبي بكر فقال : يا أبا بكر ! اشتر بهذه الدراهم ما يصلح لفاطمة في بيتها . وأرسل معه سلمان وبلال يعينانه على حمل ما يشتريه .
قال أبو بكر : وكانت الدراهم التي دفعها إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ثلاثة وستون درهما ، فاشتريت : فراشا من خيش محشو بالصوف ، وقطعا من أديم ، ووسادة من أديم حشوها ليف النخل ، وقربة للماء ، وكيزانا ، وسترا صوفه رقيق ، فحملت أنا بعضه وسلمان بعضه وبلال بعضه ، وأقبلنا فوضعناه بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله . فلما نظر إليه بكى ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم بارك لقوم شعارهم الخوف منك .
قال علي عليه السّلام : ودفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله باقي ثمن الدرع إلى أم سلمة وقال : ارفعي هذه الدراهم عندك .
فمكثت بعد ذلك شهرا لا أعاود رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله شيئا منه ، غير أني كنت إذا خلوت برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول لي : يا أبا الحسن ! زوّجتك سيدة نساء العالمين .
قال علي عليه السّلام : فلما كان بعد شهر دخل عليّ أخي عقيل فقال : يا أخي ! واللّه ما فرحت قط بشيء كفرحي بتزويجك فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، فإن تدخل قرّت أعيننا باجتماع شملكما . فقلت : واللّه إني لأحبّ ذلك ، وما يمنعني منه إلّا الحياء من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله . فقال :
أقسمت عليك إلّا ما قمت معي .
فقمت معه نريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، فلقينا في طريقنا أم أيمن مولاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فذكرنا لها ذلك ، فقالت : أمهلا ، ودعنا حتى نكلّمه في أمرها ؛ فإن كلام النساء أوقع في النفس من كلام الرجال .
ثم أتيت إلى أم سلمة فأعلمتها بذلك ، وأعلمت نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، فاجتمعن أمهات المؤمنين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وكان في بيت عائشة ، فأحدقن به وقلن : يا رسول اللّه ! فديناك بآبائنا وأجدادنا ، إنّا قد اجتمعنا لأمر لو أن خديجة في الأحياء لقرّت بذلك عيناها .
قالت أم سلمة : فلما ذكرنا خديجة بكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وقال : وأين مثل خديجة ؟ ! صدّقتني حين كذّبني الناس ، وأعانتني على ديني ودنياي بمالها .
فقالت أم سلمة : يا رسول اللّه ! إن خديجة كانت كذلك ، غير أنها مضت إلى ربّها عز وجل ، فا[14] اللّه تعالى أن يجمع بيننا وبينها في درجات الجنة ، وهذا أخوك في الدين وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب يريد أن يدخل على زوجته فاطمة .
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : يا أم سلمة ! أرسلي إلى أم أيمن وامريها أن تنطلق إلى علي فتأتيني به . فخرجت أم أيمن فإذا علي عليه السّلام ينتظرها ، فقالت له : أجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله .
قال علي عليه السّلام : فانطلقت معها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهو في حجرة عائشة ، فقمن أزواجه فدخلن البيت ، فجلست بين يديه مطرقا ، فقال : أتحب أن تدخل على زوجتك ؟ ! فقلت :
نعم ، فداك أبي وأمي يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله . فقال : حبّا وكرامة ، تدخل عليك في ليلتنا هذه إن شاء اللّه . قال علي عليه السّلام : ثم قمت من عنده فرحا مسرورا .
فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن تزيّن فاطمة عليها السّلام وتطيّب ويفرش لها ، ودفع النبي صلّى اللّه عليه وآله لعلي عليه السّلام عشرة من الدراهم التي كانت عند أم سلمة ، وقال له : اشتر بهذه تمرا وسمنا وأقطا .
قال علي عليه السّلام : فاشتريت ذلك وأتيت إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله ، فحسّر عن ذراعه ودعا بسفرة من أدم ، فجعل يشدخ التمر بالسمن ويخلطهما بالأقط حتى جعله حيسا .
ثم قال صلّى اللّه عليه وآله : يا علي ! ادع من أحببت . فخرجت من المسجد فوجدت أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فقلت : أجيبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله . فقام القوم بأجمعهم فأقبلوا نحوه ، فأخبرته أن القوم كثير ، فجلّل السفرة بمنديل ثم قال صلّى اللّه عليه وآله : ليدخل عشرة عشرة . ففعلت ذلك ، فجعلوا يأكلون ويخرجون والسفرة لا تنقص ، حتى أكل من ذلك الحيس سبعمائة رجل ببركة النبي صلّى اللّه عليه وآله .
ثم دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بفاطمة وعلي عليهما السّلام فأخذ عليّا عليه السّلام بيمينه وأخذ فاطمة عليها السّلام بشماله ، وجعلهما إلى صدره وقبّل بين عينيهما ، ثم رفعهما إليه وقال صلّى اللّه عليه وآله : « يا أبا الحسن ! نعم الزوجة زوجتك » . ثم قام يمشي معهما إلى البيت الذي لهما ، ثم خرج وأخذ بعضادتي الباب وقال : جمع اللّه شملكما ، استودعكما اللّه واستخلفه عليكما .
فأقبل علي عليه السّلام على فاطمة عليها السّلام يلاطفها بالكلام حتى جنّ الظلام ، فأخذت فاطمة عليها السّلام في البكاء ، فقال لها : ما يبكيك يا سيدة نساء العالمين ؟ ألم ترض أن أكون لك بعلا وتكونين لي أهلا ؟ !
فقالت عليها السّلام : يا ابن العم ! كيف لا أرضى وأنت الرضي وفوق الرضي ؟ ! وإنما فكّرت في حالي وأمري عند ذهاب عمري ونزولي في قبري ، فشبّهت دخولي إلى فراش عزّي وفخري كدخولي لحدي وقبري ، وأنا أسألك يا ابن العم بحق محمد إلّا ما بلغتني قصدي وإربي ، وقمت بنا إلى محرابنا نتعبّد في هذه الليلة ، فهو أحق وأحرى بنا . فنهضا إلى المحراب ، وقاما إلى التهجد في خدمة رب الأرباب .
المصادر :
1 . إحقاق الحق : ج 4 ص 474 ، عن كتاب الرقائق .
2 . كتاب الرقائق ، المعروف بالإخوانيات : ص 25 ، على ما في الإحقاق .
[1] في الحديث 10 : حذو الحذائين . الحذوة والحذاوة : ما يسقط من الجلود .
[3] الشكوة : وعاء من جلد يحفظ فيه الماء أو اللبن .
[5] سورة الدهر : الآية 9 .
[6] لعل العبارة الثانية بيان للأولى .
[9] سورة آل عمران : الآية 30 .
[10] سورة الزلزلة : الآية 8 .
[11] سورة آل عمران : الآية 185 .
[13] هكذا في المصدر ، ولعله « قيّده » .
[14] يظهر من سياق الكلام انّ هاهنا سقط ولعله كان هكذا : فادع اللّه .
الاكثر قراءة في مناقبها
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة