تكملة للحلقة السابقة جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن أموال "قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ" هود 87 أَمْوَالِنَا: أَمْوَالِ اسم، نَا ضمير، قالوا: يا شعيب أهذه الصلاة التي تداوم عليها تأمرك بأن نترك ما يعبده آباؤنا من الأصنام والأوثان، أو أن نمتنع عن التصرف في كسب أموالنا بما نستطيع من احتيال ومكر وقالوا استهزاءً به: إنك لأنت الحليم الرشيد. قوله عز وجل "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا" الإسراء 64 وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ: هو ما أمرهم به من إنفاق المال في معاصي الله تعالى، واستَخْفِف كل مَن تستطيع استخفافه منهم بدعوتك إياه إلى معصيتي، واجمع عليهم كل ما تقدر عليه مِن جنودك من كل راكب وراجل، واجعل لنفسك شِرْكة في أموالهم بأن يكسبوها من الحرام، وشِرْكة في الأولاد بتزيين الزنى والمعاصي، ومخالفة أوامر الله حتى يكثر الفجور والفساد، وعِدْ أتباعك مِن ذرية آدم الوعود الكاذبة، فكل وعود الشيطان باطلة وغرور. قوله عز من قائل "سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" الفتح 11 شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا: ألهتهم عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيقول لك أيها النبي الذين تخلَّفوا من الأعراب عن الخروج معك إلى "مكة" إذا عاتبتهم: شغلتنا أموالنا وأهلونا، فاسأل ربك أن يغفر لنا تخلُّفنا، يقولون ذلك بألسنتهم، ولا حقيقة له في قلوبهم، قل لهم: فمن يملك لكم من الله شيئًا إن أراد بكم شرًا أو خيرًا ليس الأمر كما ظن هؤلاء المنافقون أن الله لا يعلم ما انطوت عليه بواطنهم من النفاق، بل إنه سبحانه كان بما يعملون خبيرًا، لا يخفى عليه شيء من أعمال خلقه. قوله عز من قائل "وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَـٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ" هود 29 مالا اسم، قال نوح عليه السلام لقومه: يا قوم لا أسألكم على دعوتكم لتوحيد الله وإخلاص العبادة له مالاً تؤدونه إليَّ بعد إيمانكم، ولكن ثواب نصحي لكم على الله وحده، وليس من شأني أن أطرد المؤمنين، فإنهم ملاقو ربهم يوم القيامة، ولكني أراكم قومًا تجهلون، إذ تأمرونني بطرد أولياء الله وإبعادهم عني. قوله سبحانه "وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا" الكهف 34 مالا اسم، أَكْثَرْ مِنْكَ مَالاً: أكثر خدما وحشما، وكان لصاحب الحديقتين ثمر وأموال أخرى، فقال لصاحبه المؤمن، وهو يحاوره في الحديث، والغرور يملؤه: أنا أكثر منك مالا وأعز أنصارًا وأعوانًا. قولع عز وجل "وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا" الإسراء 34 مال اسم، ولا تتصرَّفوا في أموال الأطفال الذين مات آباؤهم، وصاروا في كفالتكم، إلا بالطريقة التي هي أحسن لهم، وهي التثمير والتنمية، حتى يبلغ الطفل اليتيم سنَّ البلوغ، وحسن التصرف في المال، وأتموا الوفاء بكل عهد التزمتم به. إن العهد يسأل الله عنه صاحبه يوم القيامة، فيثيبه إذا أتمه ووفَّاه، ويعاقبه إذا خان فيه. قوله عز وعلا.
و المتقي الصادق يتصف بالبر الذي ليس هو فقط ان يصلي باتجاه القبلة بل تطبق بحقه الاية الكريمة "لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة 177). ورد عن قوله تعالى "وءاتى المال على حبة ذوى القربى واليتامى والمساكين" (البقرة 177) عن العطاء المالي البشري. و يقول الله سبحانه "ولا يحل لكم ان تأخذوا مما اتيتموهن شيئأ" (البقرة 229) عن الصداق وهنا الإتيان مادى ايضا. وقوله تعالى "فإن ارضعن لكم فئاتوهن أجورهن" (الطلاق 6) عن نفقة الرضاعة. و قوله عز وجل "الذى يؤتى مالة يتزكى" (الليل 18) عن العمل الصالح. وهذه الأيات عن العطاء البشرى من البشر إلى البشر كلها تتحدث عن المادة المنقولة من يد إلى يد آخرى. ووردت التعبيرات عن ءاتى تبين العطاء والحقوق مع عدم التبذير وهي امور مالية.
جاء في تفسير الكتاب المبين: قوله تعالى "سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَ" (الفتح 11): حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون معه في هذه العمرة أكبر عدد من المسلمين، فتخلف عنه قوم من الأعراب وآخرون من المنافقين، وتعللوا كذًبا ونفاقًا بتدبير الأهل والأموال، ولما عاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة طلبوا الصفح "يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ" (الفتح 11): لا شيء في قلوبهم كي يعبِّروا عنه، بل يتقلبون تبعًا للمنافع والمطامع "قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا" (الفتح 11): من الذي يرد أمره تعالى خيرًا كان أم شرًا.
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (التوبة 24) قيل: نزلت هذه الآية في حادثة خاصة ، وقد يكون هذا حقا ، ولكن لفظها عام ، وكذلك حكمها ، فهي تحدد المؤمن بحد واضح ودقيق ، فمن آثر الحق على مصلحته الخاصة عند صراعهما واصطدامهما فهو مؤمن وطيب ، ومن آثر مصلحته على الحق فهو منافق وخبيث. هذا هو مفترق الطريق بين المؤمن وغير المؤمن ، كما حددته الآية ، وما جاء فيها من ذكر الأرحام والأموال والمساكن انما ذكر على سبيل المثال لمن قدم منفعته على الحق الذي عبر عنه تعالى بحب اللَّه ورسوله ، وإلا فإن هناك منافع أخرى كالحرص على الحياة ، وحب الجاه والسلطان ، وما إليهما. والإنسان بفطرته يحب نفسه وأهله وأمواله ، والدين لا يأبى ذلك ، ولا يحجر على أحد ان يستمتع بما يشاء ، ويحب من يريد ، شريطة أن يتقي اللَّه في هذا الاستمتاع والحب ، وأن يكون على حساب جهوده ، لا على حساب الآخرين. فعن البخاري ان عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وآله: (لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا نفسي التي بين جنبي ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا والذي نفسي بيده ، حتى أكون أحب إليك من نفسك التي بين جنبيك). ولا معنى لحب النبي صلى الله عليه وآله الا طاعته والعمل بشريعته. قوله جل جلاله "ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا" (الاسراء 6) الخطاب لبني إسرائيل ، والضمير في عليهم للبابليين ، والمعنى ان بني إسرائيل يكرّون ويتحررون من أسر البابليين وإذلالهم. والمعروف ان بني إسرائيل لم يحاربوا البابليين في ديارهم ، ولم ينتصروا عليهم ، ولكن في سنة 538 قبل الميلاد فتح ملك الفرس بلاد بابل ، وحرر من فيها من الأسرى الإسرائيليين ، وعليه تكون الكرة من بني إسرائيل على البابليين بواسطة ملك الفرس ، قال أبوحيان الأندلسي في تفسيره المحيط: (إن ملكا غزا أهل بابل ، وكان بختنصر قد قتل من بني إسرائيل أربعين ألفا ، وأبقى منهم بقية عنده ببابل في الذل ، فلما غزاهم ذلك الملك ، وغلب على بابل تزوج امرأة من بني إسرائيل ، فطلبت منه أن يرد قومها إلى بيت المقدس ، ففعل). ولما عاد بنوإسرائيل إلى فلسطين أمدهم اللَّه بالمال والبنين ، وجعلهم أكثر عددا مما كانوا ، ولكن ما ان استردوا قوتهم حتى عادوا إلى أسوأ مما كانوا عليه من الإفساد والانحراف عن الدين ، وقتلوا زكريا ويحيى ، وهمّوا بقتل السيد المسيح عليه السلام. قوله عز وجل "وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" (النساء 161) "وأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وقَدْ نُهُوا عَنْهُ". معطوف على بظلم من الذين هادوا. وقيل: ان اليهود أول من سنّ الربا وشرّع تحليله. "وأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ" (النساء 161) كالرشوة وغيرها من الوجوه المحرمة ، وقد وصفهم سبحانه في الآية 42 من سورة المائدة بأنهم "سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ" (المائدة 42). أما الطيبات التي حرمها عليهم فهي التي أشار إليها سبحانه بقوله "وعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ومِنَ الْبَقَرِ والْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وإِنَّا لَصادِقُونَ" (الانعام 146).







وائل الوائلي
منذ 13 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN