الخوض في غمار النهضة الحسينية وشعاراتها الخالدة المدوّية التي أيقظت الأمّة -وما زالت- من سباتها العميق، يفتح لنا آفاقاً جديدة من الفهم والتصوّر العام عن التحدّي والمقاومة ومقارعة الظالمين، لذا كان شعار (يا ليتني كنت معكم فأفوز معكم) المجسّد الحقيقي لرغبة الجماهير في ركوب صهوة التاريخ، وحضور واقعة الطفّ بقلوبهم ومشاعرهم، ولمعرفة هذا الشعار وماذا يعني أجابت المرجعيةُ العُليا على لسان ممثّلها سماحة الشيخ عبدالمهدي الكربلائيّ من خلال خطبة صلاة الجمعة التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف يوم (9محرّم الحرام 1437هـ) هذا المعنى، حيث بيّن الشيخ الكربلائيّ قائلاً:
"(يا ليتني كنت معكم فأفوز معكم)، أيّها الإخوة والأخوات ماذا تعني هذه العبارة؟ وهل الواحد منّا يجسّدها الآن أم لا.. لا يجسّدها بل مجرّد أنّه يردّدها بلسانه؟ هذه العبارة تعني أنّني أتمنّى أو أنّ لديّ الرغبة والشوق أن أكون حاضراً عند الإمام الحسين(عليه السلام) وما أجمل هذا التمنّي والرغبة، أن أكون حاضراً في معركة كربلاء يوم العاشر وما قبله، وماذا يعني هذا الحضور عند الإمام الحسين(عليه السلام)؟ أن يكون لديّ الاستعداد أن أضحّي بنفسي بأهلي بعشيرتي بدنياي بمناصبي بامتيازاتي بمالي بكلّ شيءٍ في حياتي من أجل أن أقاتل مع الإمام الحسين(عليه السلام) وأضحّي معه، لا أن يدفعني حبُّ الدنيا وحبُّ المال وحبُّ الزوجة وحبُّ الأولاد أو العشيرة أو التجارة أو غير ذلك أن أخذل الإمام الحسين(عليه السلام)، ثمّ بعد ذلك نأتي هنا ربّما يقول قائل: الإمام الحسين(عليه السلام) استُشهِدَ قبل أكثر من ألف وثلاثمائة سنة، ولا يمكن أن أدرك ذلك الوقت وأرجع الى الوراء، فماذا تعني؟ هل يعني هذا أنّه تمنّي في القلب في العواطف في الأحاسيس فقط؟ أم أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) يريد من هذا التمنّي أن يتحوّل الى شيءٍ آخر؟!!".
مضيفاً: "هذا التمنّي يقول لك: في كلّ زمانٍ وفي كلّ مكانٍ هناك من يمثّل منهج الإمام الحسين(عليه السلام) وهناك من يُمثّل خطّ يزيد في الظلم والفساد والانحراف، متى ما وقفتَ وكان لك الاستعداد أن تقف مع هذا المنهج في هذا الزمان وفي كلّ مكان ولديك الاستعداد أن تضحّي بكلّ شيء في سبيل نصرة هذا المنهج حينئذٍ تكون صادقاً في تمنّيك، وفي هذا الزمان وفي كلّ مكان هناك منهج يمثّل يزيد في الظلم والانحراف والفساد متى ما كان لديك الاستعداد أن تقف بوجه هذا المنهج وتدافع عن الإسلام حينئذٍ تكون صادقاً في تمنّيك".
وأوضح الشيخ الكربلائي: "وها هو الاختبار لنا جميعاً يتجلّى في هذا الزمان في هذه المعركة مع داعش هناك منهجٌ يمثّل الإسلام الحقيقيّ ومبادئ الإسلام، وهناك منهجٌ يمثّل خطّ يزيد في الانحراف والضلال، متى ما كان لديك الاستعداد أن تضحّي بنفسك أو بمالك أو بتجارتك أو بامتيازاتك في سبيل أن تنصر هذا المنهج حينئذٍ تكون صادقاً في تمنّيك، ومتى ما وقفت أمام الفساد وأمام الانحراف وأمام المفسدين وأمام الضالّين وكان لديك الاستعداد أن تضحّي بكلّ شيء في سبيل أن تنتصر في هذه المعركة ضدّ الفساد والانحراف والضلال والفسق والفجور في أيّ موقع كان حينئذٍ تكونُ صادقاً في تمنّيك، وإلّا إن دعاك حبُّ الدنيا أو حبُّ المال أو حبُّ المنصب أو غير ذلك من هذه الأمور أو كنت عبداً للشيطان أو الهوى ولم تنصر هذا المنهج تكون كاذباً في هذا التمنّي الذي تردّده ولا تُرضي الإمام الحسين(عليه السلام)، وإن كنت ملتزماً بأداء الطاعات والعبادات مبتعداً عن المعاصي والذنوب والآثام تكون صادقاً في هذا التمنّي"..