تعريف الاستجواب البرلماني
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص126-130
2025-12-18
53
اذا كان السؤال البرلماني يحمل معنى الاستفهام ، والتحقيق يحمل معنى الشك والرغبة بإنهاء هذا الشك بأجراء التحقيق والتأكد من المعلومات المقدمة من الحكومة ، فأن حق الاستجواب يحمل معنى المحاسبة والاتهام تجاه رئيس مجلس الوزراء أو الوزير الموجه اليه الاستجواب ، لذلك يعد هذا الحق من اخطر حقوق البرلمان تجاه الحكومة أو الوزير لذا يحاط استعماله بكثير من الأحكام والضوابط حتى ينتج اثره الرقابي من جهة(1). وحتى لا يؤدي اساءة استعماله الى تهديد استقرار واستمرار العلاقات التي ينبغي لها إن تستمر بين الحكومة والبرلمان(2). والاستجواب استثناء من وسائل الرقابة البرلمانية ذو نشأة فرنسية وليست بريطانية ، حيث ظهر مع قيام الثورة الفرنسية وصدور دستور 1789(3). أما بالنسبة لتعريف الاستجواب البرلماني : فأنه يقتضي تحديد المعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة الاستجواب ، فالاستجواب لغة : يأتي من الفعل (جوّب) ، (اجابة) و(اجَاب) عن سؤاله . والمصدر (الاجابة) والاسم (الجابة) كالطاعة والطاقة . يقال اساء سمعاً فأساء اجابةٌ . و(الاجابة) و(الاستجابة): بمعنى استجاب الله دعائه و(المجاوبة) و(التجاوب): التحاور(4). أما الاستجواب اصطلاحا : فهو وسيلة دستورية للمحاسبة السياسية في النظم البرلمانية ، ويتضمن اتهاما للحكومة أو لأحد الوزراء ، ويقدم من عضو أو اكثر من اعضاء البرلمان بأتهام الحكومة أو احد الوزراء بالتقصير في مسألة معينة أو ارتكاب مخالفات محددة . حيث يتم سماع اتهام مقدم الاستجواب كما يتم سماع دفاع المستجوب ويعقب ذلك طرح الثقة ، فاذا لم تحصل الحكومة على ثقة البرلمان وجب على رئيس الوزراء تقديم استقالة الحكومة ، وكذلك يجب إن يقدم الوزير استقالته اذا لم يحصل على ثقة البرلمان(5). وأما التعريفات التي قال بها فقهاء القانون الدستوري فيه متعددة ، ولكنها تتفق فيما بينها على إن الاستجواب هو اتهام ونقد وتجريح لسياسة الحكومة أو الوزير المستجوب ، فمنهم من عرفه بأنه " حق عضو البرلمان في اتهام الحكومة ومسألتها في مجموعها أو احد اعضائها عن تجاوزات وأخطاء معينة تم ارتكابها أو حدوثها ، يثبتها مقدم الاستجواب امام البرلمان بالوقائع والمستندات وجميع الادلة الثبوتية لينتهي بعد ذلك الى فتح باب المناقشة امام المجلس النيابي بهدف تحريك المسؤولية السياسية في مواجهة الحكومة أو احد الوزراء ، وذلك كله بعد سماع دفاع الحكومة عن هذه الاتهامات"(6). واخر عرفه بأنه " اتهام للوزير الموجه اليه "(7). بينما عرفه البعض الأخر بأنه " استفسار ينطوي على اتهام يتقدم به النائب الى رئيس مجلس الوزراء أو احد نوابه أو الوزراء بقصد محاسبته بتوجيه النقد اليه ، ولا تنحصر المناقشة في الاستجواب بين مقدميه وإنما يجوز لكل اعضاء البرلمان الاشتراك فيها ، وقد ينتهي الاستجواب بطرح الثقة بمن وجه اليه أو بالحكومة بأكملها "(8). واستثناء من هذا الاتفاق فقد عرفه أحدهم بأنه " اجراء من اجراءات تقصي حقيقة أو حقائق معينة تتعلق بأوضاع معينة في احد الأجهزة التنفيذية ، يجري على اساس تبادل الاسئلة من مقدم الاستجواب أو بعض الاعضاء يقابله اجابة الوزير أو رئيس الحكومة على الاسئلة ، ويستهدف تحريك المسؤولية السياسية في مواجهة الحكومة أو احد الوزراء "(9). ويؤخذ على هذه التعريفات عدة مآخذ منها : إنها أما أن تضيق من نطاق حق الاستجواب بحيث تقصر توجيهه للوزير دون الحكومة ممثلة برئيسها . أو بالعكس إنها توسع هذا النطاق ليشمل أيا من اجهزة السلطة التنفيذية ، وهذا التوسع غير جائز ويجب حصره بأضيق الحدود بحيث يقتصر على أعضاء الحكومة بمعناها الضيق الذي يشمل رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ، كما إنها تنظر للاستجواب على انه يحمل طابع الاتهام والمحاسبة وتحريك المسؤولية السياسية ، بينما يمكن إن ينتهي الاستجواب نهاية ايجابية بتوجيه الشكر للحكومة أو للوزير المستجوب وتجديد الثقة بها أو به . ويؤاخذ على التعريف الاخير انه يخلط ما بين الاستجواب والتحقيق البرلماني حيث إن تقصي الحقائق يمارسه البرلمان من خلال تشكيل اللجان التحقيقية ، ولعل التعريف الراجح للاستجواب ويتضمن جميع أركانه ويتلافى المآخذ المذكورة آنفا هو انه " محاسبة الوزارة كوحدة أو احد الوزراء عن تصرف معين مما يتصل بالمسائل العامة وفي مثل هذا الحالة يتضمن الاستجواب تجريح الوزارة ونقد سياستها والتنديد بها أو تجريح وزير بذاته وانتقاد سياسته ، ويؤدي الى مناقشة عامة تنتهي باتخاذ البرلمان قرارا في موضوعه وهذا القرار قد يكون في صالح الحكومة أو ضدها ، بما ينتج عنه في الغالب اثارة مسألة الثقة بالحكومة ككل أو احد الوزراء بما يؤدي الى سحب الثقة منها والإطاحة بها "(10).
ويمتاز الاستجواب البرلماني عن غيره من وسائل تحريك مسؤولية الحكومة السياسية :- بكونه يتفق مع غيره من الوسائل السابق بيانها في المباحث السابقة بأن كل منها يعد وسيلة من وسائل الرقابة البرلمانية الا إن ذلك لا ينفي الاختلاف بينه وبين تلك الوسائل من النواحي الاتية :-
1- من حيث الطبيعة :- فالاستجواب – كطرح موضوع عام للمناقشة والتحقيق البرلماني - لا يعتبر حقا ذي صفة شخصية للمستجوب ، وإنما هو حق للبرلمان ككل وهذا يتضح من خلال عدة مظاهر منها إمكانية تقديمه من قبل اكثر من عضو(11). وهو بمجرد تقديمه وادراجه في جدول الاعمال يصبح حقا للمجلس بكامل أعضائه ويتجاوز العلاقة بين مقدمه والموجه اليه ولا يناقش بينهما فقط وإنما يشترك في مناقشته والتصويت عليه الاعضاء الاخرين(12). ويترتب على ذلك عدم سقوط طلب الاستجواب لعدم حضورهم في الجلسة المحددة أو انتهت عضويتهم لأي سبب ، وكذلك اذا قام هؤلاء بالتنازل عنه ما لم يتبناه عدد من الاعضاء الآخرين بما يقابل عدد الاعضاء الغائبين أو المتنازلين أو الذين انتهت عضويتهم(13). كما يتضح ذلك من خلال إن الاستجواب يفتح باب المناقشة لكل اعضاء البرلمان وذلك بعد إن يشرح مقدم الاستجواب استجوابه وبعد إن يفرغ المستجوب من الاجابة ، بخلاف السؤال البرلماني الذي يعتبر حقا ذي صفة شخصية أي لا يجوز إن يقدم من قبل اكثر من عضو واحد ويجوز لمقدمه التنازل عنه في أي وقت شاء بحيث لا يجوز لغيره التمسك به(14).
2- من حيث النطاق :- يمتاز الاستجواب بكونه وسيلة تفتح الباب لمناقشة موضوعه لمن يشاء من اعضاء البرلمان وذلك نظرا لكون الاستجواب ينطوي على اتهام للحكومة أو الوزير المستجوب ، ومن ثم لابد من مناقشة هذا الاتهام وتفنيده لكي تتضح الحقيقة لدى البرلمان ويتخذ القرار المناسب بشأنه(15). فهو ليس مجرد علاقة بين طرفيه كالسؤال البرلماني وإنما يؤدي الى مناقشات واسعة يشترك فيها سائر الاعضاء كما هو الحال بالنسبة لطرح موضوع عام للمناقشة والتحقيق البرلماني . ويترتب على ذلك إن المناقشة لا تنحصر بين العضو مقدم الاستجواب وبين المستجوب . بخلاف السؤال البرلماني الذي لا يثير موضوعه مناقشة عامة وإنما يقتصر النقاش فيه فقط ما بين العضو السائل والشخص الموجه اليه السؤال بحيث لا يجوز للأعضاء الاخرين التدخل بينهما .
3- من حيث الغرض :- اذا كان السؤال البرلماني يراد منه تحقيق اغراض متعددة ؛ كالاستفهام عن امر لا يعلمه العضو أو للتحقق من حدوث واقعة معينة أو الوقوف على ما تنوي الحكومة القيام به بشأن امر معين(16). وطرح موضوع عام للمناقشة يراد منه الاستيضاح عن امر معين أو تبادل وجهات النظر بين الحكومة والبرلمان للوصول لأفضل سياسة ، والتحقيق البرلماني يحمل معنى الشك والرغبة بإنهاء هذا الشك بأجراء التحقيق والتأكد من المعلومات المقدمة من الحكومة أو الوزير . لذا فإن الاستجواب يختلف عن تلك الوسائل بأن الهدف منه المحاسبة والاتهام عن الخطأ في تطبيق الدستور أو القانون أو التقصير في تطبيقهما ، سواء كان هذا الخطأ أو التقصير صادرا من الوزير أو من رئيس مجلس الوزراء(17).
4- من حيث الاثار :- يمكن إن يترتب على الاستجواب اثار متعددة من ابرزها التصويت على طرح مسألة الثقة بالحكومة بأكملها أو بالوزير المستجوب ، وذلك اذا ثبت من مناقشة الاستجواب ما يدين الحكومة أو الوزير ، ومن ثم فإن الاستجواب يعقبه دائما تصويت وينتهي باتخاذ قرار يعبر عن رضا البرلمان بالشروحات التي قدمتها الحكومة أو الوزير او استيائه منها(18). لذلك يعتبر من الوسائل المباشرة لتحريك المسؤولية السياسية ، وفي هذه الصفة فأنه يقترب من التحقيق البرلماني من حيث وجوب التصويت على التوصيات الواردة في التقرير المقدم من قبل اللجنة التحقيقية ، ولكنهما يختلفان من حيث الاثر المباشر فالتحقيق البرلماني لا يؤدي بذاته الى طرح مسألة الثقة وإنما يجب إن يسبق ذلك جلسة استجواب(19). وأما السؤال البرلماني وطرح موضوع عام للمناقشة فلا يعقبهما أي تصويت ولا يؤديان بذاتهما الى طرح مسألة الثقة ، اي إن استعمال البرلمان للوسائل الثلاثة السابقة يمكن إن تعد من الادوات التمهيدية لتقديم الاستجواب(20).
________________
1- د. جورجي شفيق ساري ، اصول وأحكام القانون الدستوري ، ط (4) ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2002- 2003 ، ص 1011.
2- د. علي السيد الباز ، السلطات العامة في النظام الدستوري الكويتي ، مجلس النشر العلمي ، جامعة الكويت ، الكويت ، 2006 ، ص 338.
3- د. محمد انس جعفر ، القانون الدستوري ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1997 ، ص 67 ، وكذلك د. رمزي طه الشاعر ، النظرية العامة للقانون الدستوري ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2005 ، ص 516.
4- الرازي محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح ، مكتبة لبنان ، بيروت ، لبنان ، 1995 ، ص 49. وكذلك أبن منظور جمال الدين محمد بن مكرم ، لــــــســان الــــعــــرب ، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان ، 2005 ، ص 689 وما بعدها.
5- معجم القانون ، اصدار الهيئة العامة لشؤون المطابع الاميرية ، القاهرة ، 1999 ، ص 4.
6- جلال السيد بنداري عطية ، الاستجواب كوسيلة من وسائل الرقابة البرلمانية في مصر(دراسة تحليلية) ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة القاهرة ، 1996 ، ص 37.
7- د. فتحي فكري ، وجيز القانون البرلماني في مصر (دراسة نقدية تحليلية) ، شركة ناس للطباعة ، القاهرة ، 2006، ص 478 .
8- د. ماجد راغب الحلو ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 2000 ، ص 765.
9- أيهاب زكي سلام ، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة القاهرة ، 1983 ، ص 86-87.
10- د. محمد كامل ليله ، النظم السياسية (الدولة والحكومة) ، دار النهضة العربية ، بيروت ، لبنان ، 1969 ، ص925.
11- ينظر المادة (134) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي لسنة 1963. والمادة (61/سابعا/ج) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والمادتان (56 و 58) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي لسنة 2007.
12- صادق احمد علي ، الاستجواب كوسيلة للرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة (دراسة مقارنة) ، المكتب الجامعي الحديث ، الاسكندرية ، 2008، ص 77.
13- ينظر المادتان(141 و 142) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي لسنة 1963.
14- أيهاب زكي سلام ، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة القاهرة ، 1983 ، ص 97.
15- د. رمزي طه الشاعر ، النظرية العامة للقانون الدستوري والنظام الدستوري للجمهورية العربية المتحدة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1970، ص 205.
16- د. فتحي فكري ، وجيز القانون البرلماني في مصر (دراسة نقدية تحليلية) ، شركة ناس للطباعة ، القاهرة ، 2006 ، ص 444.
17- د. يسري العصار ، الاستجواب الوزاري (نظرة تقويمية) ، الندوة العلمية لكلية الحقوق ، جامعة الكويت ، مجلة الحقوق ، جامعة الكويت ، السنة الخامسة والعشرون ، ملحق العدد الثاني ، 2001، ص 15.
18- د. موريس دوفرجيه ، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري (الأنظمة السياسية الكبرى) ، ترجمة د. جورج سعد ، الطبعة الثانية ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 2014 ، ص 117.
19- د. فارس محمد عمران ، التحقيق البرلماني (لجان تقصي الحقائق البرلمانية( في الدول العربية والأمريكية والأوربية ) دراسة مقارنة) ، المركز القومي للإصدارات القانونية ، القاهرة ، 2008 ، ص 551 وما بعدها . وكذلك د. نبيل شنطاوي ، دور لجان التحقيق البرلماني في فعالية الرقابة البرلمانية في الأردن ، مجلة الحقوق ، كلية الحقوق ، جامعة البحرين ، المجلد (1) ، العدد الثاني ، 2004. ، ص 215.
20- د. سليمان محمد الطماوي ، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة وفي الفكر السياسي الإسلامي دراسة مقارنة ، ط (6)، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1996 ، ص 481.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة