الاثار المترتبة على قرار سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص187-191
2025-12-18
56
بعد مراعاة الإجراءات المذكورة يتخذ المجلس قراره في موضوع الطلب وهو إما أن يكون رفضا لطلب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء . أو أن يكون قبولا لطلب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء ، وهذا القرار الاخير هو الاهم ، لان قد تترتب عليه اثار خطرة لا تقتصر على رئيس مجلس الوزراء بمفرده وإنما تمتد للحكومة بكامل اعضائها ، لأنه يؤدي الى استقالتهم جميعا ، وهذه الاثار تتمثل بما يأتي :-
اولا : استقالة الحكومة بإكمالها :- يترتب على موافقة مجلس النواب على سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء استقالة الحكومة بكامل اعضائها ، بحيث لا تقتصر هذه الاستقالة على رئيس مجلس الوزراء بمفرده ، لأن مسؤوليته تثير دائما مسؤولية الحكومة التضامنية ولا يمكن تصور قيام مسؤوليته الفردية . وهذا ما صرحت به المادة (61/ثامنا/ج) من الدستور والمادة (65) من النظام الداخلي للمجلس بقولهما " تعد الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء " ، ويترتب على سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بقرار من المجلس اعتباره (وبالتالي الوزراء) مستقيلا من منصبه فور صدور قرار عدم الثقة ، ويجب عليه تقديم استقالة حكومته الى رئيس الجمهورية ، والتي تكون نافذة بمجرد صدور قرار المجلس بسحب الثقة وليس من تاريخ الاستقالة مهما تراخى هذا التاريخ ، لان تقديم تلك الاستقالة ما هو الا استيفاء للشكل الدستوري فقط والتي تعتبر مقبولة حكما ، أي إن الاستقالة مجرد اجراء شكلي لا غير.
ولكن هناك اشكال يثار بشأن قيام رئيس مجلس الوزراء بالجمع بين منصبه في رئاسة المجلس وإدارته وزارة أو اكثر بالوكالة(1). وهل أن سحب الثقة منه كوزير بالوكالة (أي اذا تحققت مسؤوليته السياسية الفردية عن أعمال تلك الوزارة) يؤدي الى سحب الثقة منه كرئيس مجلس الوزراء (وبالتالي الوزراء جميعا) (أي تتحقق المسؤولية السياسية التضامنية للحكومة) ؟ بغض النظر عن مدى تأثير مسؤوليته الفردية على اثارة المسؤولية التضامنية لكونه امر مختلف بشأنه . فإن الحل الامثل لتلك المسألة (من وجهة نظر الباحث) يكمن في ايراد نص في الدستور يحظر على رئيس مجلس الوزراء ان يتولى مع الرئاسة اية وزارة ، بحيث يتم اسناد ادارة أي وزارة شاغرة لأحد نوابه أو لأحد الوزراء الاخرين بالوكالة لحين تعيين وزير جديد - وهو الحكم الذي تبناه المشرع الدستوري الكويتي – وذلك للأسباب التي نصت عليها المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي ، ومنها أن لهذا الحظر اهميته من ناحية سير عمل الحكومة ، وبمراعاة ضخامة اعباء رئاستها في التوجيه العام للحكم ، والتنسيق بين الوزارات واتجاهاتها ، وتحقيق رقابة ذاتية يمارسها رئيس مجلس الوزراء على الوزارات المختلفة ، مما يضاعف اسباب الحرص على الصالح العام والتزام هذه الوزارات للحدود الدستورية والقانونية .
ثانيا : قيام حكومة تصريف أعمال :- بعكس حالة الوزير الذي صدر قرار من مجلس النواب بسحب الثقة منه - بما يترتب على ذلك عدم جواز اتخاذه أي قرار بحجة تصريف العاجل من شؤون وزارته لحين تعيين وزير جديد - فإن الامر مختلف بالنسبة لسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء (وبالتالي الوزراء) ، لأنه يطبق في هذه الحالة الحكم القاضي باستمرار الحكومة المستقيلة في تصريف الشؤون اليومية لحين تأليف الحكومة الجديدة(2). ويقصد بالأمور العادية أو العاجلة - كما تطلق عليها بعض الدساتير - الأمور التي تقتصر على ممارسة الاختصاصات الضرورية لاستمرار اداء المرافق العامة بانتظام واضطراد ولا تنطوي على خيار سياسي(3). ولكن لم يوضح هذا الدستور ولا النظام الداخلي للمجلس آلية سد الفراغ الحكومي بعد اعتبار الحكومة مستقيلة نتيجة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء ، لذا فمن الافضل اجراء تعديل للمادة (61/ثامنا/ج) من الدستور بإضافة العبارة التالية في نهايتها ليكون نصها هو " تعد الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء ، ويطبق في هذه الحالة الحكم الوارد في الفقرة (د) من هذا البند – أي البند ثامنا من المادة 61 - " . وذلك لان ما نصت عليه الفقرة (د) من المادة (61/ثامنا) من الدستور يتعلق بحالة سحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله وليس من رئيس مجلس الوزراء(4). فرغم أن الحكومة تعد مستقيلة في الحالتين الا انهما تختلفان ، لان في الحالة الاولى يصعب تكليف أحد اعضاء الحكومة المستقيلة في الحكومة الجديدة على عكس الحالة الثانية لأنها تنص على ان " .... يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأمور اليومية لمدة لا تزيد على ثلاثين يوما الى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقا لأحكام المادة (76) من هذا الدستور " .
ولكن يلاحظ بأن هذه الفقرة قد نصت على حالة سحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله ، ولكنها لم تبين الإجراءات المطلوبة في هذه الحالة . وهي بحاجة لتعديلها ليكون ذلك بنفس الإجراءات المتعلقة بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء ، ويكون نصها كما يأتي " في حالة التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله وفقا للإجراءات المنصوص عليها في الفقرة (ب) من البند (ثامنا) من هذه المادة .. الخ ".
ولكن الحكومة قد لا تقتنع بقرار المجلس بسحب الثقة من رئيسها أو من أحد وزرائها ، لذا فأنها تلجأ الى حقها في حل المجلس ، وذلك استنادا للقواعد العامة للنظام البرلماني التي تجعل لكل من الحكومة والبرلمان قبل الاخر وسائل تأثير متعادلة كفيلة بتحقيق التوازن بينهما ، ويعتبر حق الحل أحدى تلك الوسائل فقد منح هذا الحق للحكومة في مقابل حق البرلمان في سحب الثقة منها ، وهذا ما نصت عليه المادة (64) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 بقولها " اولا : يحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه ، بناء على طلب ثلث اعضائه ، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية ، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء . ثانيا : يدعو رئيس الجمهورية عند حل مجلس النواب الى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة اقصاها ستون يوما من تاريخ الحل ، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلا ويواصل تصريف الامور اليومية ". ويتضح من هذه المادة بأن المشرع الدستوري العراقي قد قيد حق الحكومة في حل مجلس النواب بعدة قيود ، منها انه أعطى أمر حل مجلس النواب للمجلس ذاته - أي انه اخذ بالحل الذاتي - اي يستطيع المجلس حل نفسه بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه ، بناء على طلب يقدم من ثلث أعضائه أو من رئيس مجلس الوزراء بعد موافقة رئيس الجمهورية ، وان لا يتم حل المجلس أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء . مما يترك خللا واضحا في موضوع التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، ويؤدي إلى رجحان كفة مجلس النواب على كفة الحكومة ويخل بمبدأ الفصل بين السلطات(5). ومن جهة اخرى يلاحظ بأن هذه المادة لم تتضمن ضمانات الحل التي تبناها المشرع الدستوري الكويتي ، ومنها عدم جواز حل المجلس مرتين لنفس السبب ، ولا الاثر القانوني المترتب على عدم اجراء الانتخابات خلال موعد (60) يوما . لذا (نؤيد الرأي) الذي يؤكد على عودة المجلس المنحل لممارسة صلاحياته الدستورية وإكمال مدته المنصوص عليها في الدستور(6).
كما يلاحظ بأن هذه المادة قد اخذت بالحل الوزاري دون الحل الرئاسي ، أي أن رئيس الجمهورية لا يستطيع حل المجلس بإرادته المنفردة دون موافقة الحكومة ، اما اشتراطها موافقة رئيس الجمهورية على طلب الحل المقدم من قبل رئيس مجلس الوزراء ، ما هو الا اختصاص شكلي يقتصر دوره فيه على اصدار مرسوم الحل ولا يتمتع بصلاحية الرفض ، لان ذلك يتفق مع القواعد التقليدية للنظام البرلماني ، ويحقق التوازن المطلوب بين مجلس الوزراء ومجلس النواب ويؤدي الى ابعاد رئيس الجمهورية عن المجازفات والمراهنات السياسية وجعله يلعب دوره الاساسي كحكم بين السلطات(7). وفي كلا الحالتين - أي حالة سحب الثقة من الحكومة وحل البرلمان - يتم تقليص اختصاصات الحكومة المستقيلة واقتصارها على تسيير الأمور اليومية فقط استنادا لمبدأ استمرارية الإدارة(8). ويقصد بتلك الأمور أعمال الإدارة البحتة للدولة والتي لا تنطوي على الالتزام بسياسة جديدة ولا تعرض الحكومة أو أحد أعضائها للمساءلة السياسية(9). وسبب ذلك يكمن في أن هذه الحكومة قد استقالت من قبل ، ومن ثم فلا يمكن ممارسة الرقابة البرلمانية على اعمالها ، إذ لا يمكن اسقاط الحكومات المستقيلة مرة اخرى ، بما يترتب عليه عدم خشيتها من البرلمان لعدم قدرته على محاسبتها ، أي يمكنها اتخاذ ما تشاء من القرارات دون أن يكون بالإمكان تحميلها أي مسؤولية ، وهذا بلا شك يشكل تجاهل تام للنظام البرلماني . ولكن لا يجوز أن يؤدي ذلك الى تجريد الحكومة المستقيلة من ممارسة اية سلطات بحجة أن لا حكم دون مسؤولية ، ذلك لان الازمة السياسية – المتمثلة باستقالة الحكومة فضلا عن حل البرلمان احيانا - يجب أن لا يؤدي الى توقف الحياة السياسية والادارية للدولة . بما يترتب على ذلك ضرورة الجمع بين هذين الامرين المتعارضين عن طريق تبني قاعدة " الاختصاص الجزئي للحكومة المستقيلة " استثناء من قاعدة " عدم الاختصاص الكلي للحكومة المستقيلة " ، لحين تشكيل الحكومة الجديدة التي تتمتع بثقة البرلمان(10). واستنادا للقاعدة الاولى فهناك بعض الأمور تخرج عن نطاق تصريف الأمور اليومية ، ولا يجوز للحكومة المستقيلة مباشرتها ، ومن هذه الامور ما يأتي :-
1- الاختصاصات التي تخرج عن نطاق تصريف الاعمال في المجال الدستوري :- في المجال الدستوري يجب على الحكومة المستقيلة أن تمتنع عن كل ما من شأنه أن يثير مسؤوليتها السياسية تجاه البرلمان ومن بين هذه الاختصاصات على سبيل المثال لا الحصر الاقتراح بتعديل الدستور ، واقتراح مشروعات القوانين ، وإصدار المراسيم والقرارات التي تتضمن تعديلا للنصوص التشريعية(11).
2- الاختصاصات التي تخرج عن نطاق تصريف الاعمال في المجال الاداري :- في المجال الاداري يجب على الحكومة المستقيلة الامتناع عن ممارسة الاختصاصات التي تثير مسؤوليتها السياسية تجاه البرلمان ، ومن بين هذه الاختصاصات على سبيل المثال لا الحصر ، القرارات التي تعدل في وضع المؤسسات والمرافق العامة ، والقرارات التي تتضمن تعديلا للأنظمة ، والقرارات التي تتضمن تعديلا أو مساسا بالحقوق التي يعترف بها القانون ، وقرارات التعيين في الوظائف العليا والقيادية التي تتضمن طابعا سياسيا لا يمكن انكاره(12).
___________
1- ينظر بهذا الخصوص قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (93/اتحادية/2010) المؤرخ في 19/12/2010 ، مصدر سابق الذي اجاز لرئيس مجلس الوزراء الجمع بين منصبه اصالة وإشغاله بالوكالة المناصب الوزارية التي لم يسم لها وزير بصورة مستقلة وهي (وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني) . وكذلك ينظر المرسوم الجمهوري رقم (94) المؤرخ في 30/12/2010 بتشكيل الحكومة الثانية . منشور في ا(لوقائع العراقية) ، العدد (4173) ، في 10/1/2011.
2- غسان لعيبي مناتي ، حكومة تصريف الاعمال ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة النهرين ، 2010، ص 40.
3- ربيع مفيد الغصيي ، الوزير في النظام السياسي ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2003 ، ص 127. وكذلك د. ساجد محمد الزاملي ، مبادئ القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق ، ط (1) ، دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع ، القادسية ، 2014 ، ص 471.
4- د. حميد حنون خالد ، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق ، مكتبة نور العين ، بغداد ، 2011 ، ص 280.
5- د. حميد حنون خالد ، السلطات الاتحادية في دستور العراق لسنة 2005 ، مجلة العلوم القانونية ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، المجلد (20) ، العدد الأول ، 2005 ، ص 66 – 67 . وكذلك د. عامر عياش ، طبيعة النظام البرلماني في العراق في ظل دستور جمهورية العراق لعام 2005 النافذ ، مجلة الحقوق ، كلية القانون ، الجامعة المستنصرية ، السنة السادسة ، المجلد الرابع ، العددان (13-14) ، 2011 ، ص 26.
6- د. رأفت دسوقي ، هيمنة السلطة التنفيذية على أعمال البرلمان ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2006 ، ص 160. وكذلك د. حسين عذاب السكيني ، الموضوعات الخلافية في الدستور العراقي (النظام البرلماني/ السلطة التنفيذية) ، الجزء الرابع ، الغدير للطباعة ، البصرة ، 2009 ، ص 96.
7- د. رافع خضر صالح شبر، فصل السلطتين التنفيذية والتشريعية في النظام البرلماني في العراق ، مكتبة السنهوري ، بغداد ، 2012 ، ص 173 -174. وكذلك د. علي يوسف الشكري , رئيس الجمهورية في العراق رئيس في نظام برلماني أم رئاسي ، ط (1) ، مؤسسة افاق للدراسات والأبحاث العراقية ، بغداد ، 2008 ، ص 285.
8- في حين جاءت المادة (6) من قانون تحديد مدة ولاية رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء رقم (8) لسنة 2013. لتنص على ان " اولا: يعد مجلس الوزراء حكومة تصريف اعمال في الحالات الاتية : أ- انتهاء الدورة الانتخابية لمجلس النواب . ب- حل مجلس النواب نفسه قبل انتهاء دورته الانتخابية . ج- استقالة مجلس الوزراء أو رئيسه . د- سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء ثانيا : تقتصر مهمة حكومة تصريف الاعمال على تصريف الامور الجارية الاعتيادية فقط".
9- د. احمد سعيفان , الأنظمة السياسية والمبادئ الدستورية العامة , ط (1) ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2008 ، ص 464 وما بعدها .
10- د. عادل الطبطبائي ، اختصاصات الحكومة المستقيلة (دراسة مقارنة) مراجعة وتقديم د. طعيمة الجرف ، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ، الكويت ، 1986 ، ص 32 -33.
11- د. عادل الطبطبائي ، اختصاصات الحكومة المستقيلة (دراسة مقارنة) مراجعة وتقديم د. طعيمة الجرف ، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ، الكويت ، 1986 ، ص 48 وما بعدها.
12- علي حميد كاظم ، حكومة تصريف الأعمال ، مجلس النواب ، دائرة البحوث ، بغداد ، شباط 2013 ، ص 7.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة