الحقب التاريخية لتطور علم الاحياء 

يمكن تتبع علم الاحياء تاريخيا كما يأتي :

اولا . الحقب ما قبل التاريخ Prehistoric Era

كانت للإنسان رغبة ملحة ، وحاجة كبيرة إلى الحيوانات التي يراها ، والنباتات التي كان يقتات عليها ، ويستعملها لقضاء حاجاته اليومية وكان الإنسان القديم يعيش جنبا إلى جنب مع الحيوانات والنباتات البرية ، وقد حاول الاستفادة منها وتسخيرها لتوفير الغذاء والكساء والتنقل لذا بدأ يقترب من الحيوانات ، ويحاول تعرفها عن كثب ولاسيما غير المفترسة منها ، وقد استطاع ان يحول بعضا منها تدريجيا إلى حيوانات أليفة تعيش معه ليستفيد منها باستمرار. وقد اصبح لبعض منها مكان مؤثر في حياته اليومية وفي عباداته وطبه وفنه.

لقد عثر على رسوم ونقوش وتخطيطات وتماثيل الحيوانات في كهوف في جنوب غريب أوربا مثل كووف لاسكو Lascaux في فرنسا التي سكنها إنسان كروماكنون Cro-Magnon People الذي عاش فيها قبل نحو 37000 سنة ، وبعد انقضاء فترات زمنية طويلة وقيام الحضارات القديمة Ancient Civilizations في مناطق مختلفة من شرق البحر المتوسط. وقد تركت تلك الحضارت منحوتات ونقوش تمثل الحيوانات في تلك البقاع.

ثانيا . الحقب التاريخية Historic Era

تضم هذه الحقب عددا من الحضارات العريقة التي أسهمت في نشوء علم الاحياء وترسيخ أسسه منها :

حضارة يا بين النهرين أو حضارة (وادي الرافدين) Civilization of Mesopotamia

تعد حضار ما بين النهرين أو (حضار وادي الرافدين) من الحضارت الإنسانية العريقة. وقد اشتهر سكان بابل القدامى بالعلوم المختلفة كالرياضيات والطب والفلك ، وتدل المنحوتات والكتابات والوثائق المحفورة على الألواح  الطينية المكتشفة من التنقيبات الآثارية على ذلك. وكان البابليون على درية بمعرفة عدد كبير من النباتات والحيوانات وقد استطاع أحد الباحثين وهو الأب شايل في أثناء فحصه الواحاً يرجع عهدها إلى سنة (1912-1901) ق . م . ان يكشف ان البابليين القدامى كانوا يعرفون ثلاثين نوعاً من الاسماك.

عثر على قوائم تحتوي اسماء حيوانات معروفة في تلك الحقبة الزمنية. وان بعض هذه القوائم يدل على وجود تصنيف بسيط وبدائي لهذه الحيوانات اذ قسمت على مجموعات رئيسية ورتبت الحيوانات إلى مجموعة الأسماك وغيرها مما يعيش في الماء ، والى ذوات مفاصل ، وافاع ، وطيور ، وذوات أربع . ثم قسمت بعض المجموعات الكبيرة إلى مجموعات صغيرة ومتقاربة نوعا ما ، فمنها ما يضم الكلاب والضباع والأسود وهي حيوانات ضارية آكلة لللحوم ، ومجموعات أخرى تضم للحمير والخيل والجمال ، وهي حيوانات تستخدم في الركوب ونقل الأحمال وثمة وثيقة مكتوبة بالخط المسماري يعود عهدها إلى سنة 1360 ق . م . جاء فيها وصف دقيق لتدريب الخيل ، ثم اختبار أفضلها للجري والسباق.

لقد اعتنى البابليون بالطب البشري والبيطري ، بحسب ما تشير إليه الألواح الطينية التي اكتشفها السير هنري 849ام في مكتبة آشور بانيبال ( 668_—626 ق.م.) في مدينة نينوى. أما شريعة حمورابي فقد حوت ست فقرات خاصة بمهنة الطب وقد أشارت بوضوح إلى مكافأة الطبيب عند تقديمه علاجا جيدا أو بمعاقبته عند فشله في ذلك.

حضارة وادي النيل او  (نهر النيل)  Civilization of Nile River

لقد برز المصريون القدامى في الطب وتشير الآثار إلى انهم مارسوا عملية الختان منذ ما لا يقل عن 4000 سنة قبل الميلاد. واتضح ان اقدم طبيب معروف باسمه هو ( سارتون ايمحتب) وزير الملك ( روسر ) مؤسس الأسرة الثالثة في الألف قبل الميلاد ، وقد عده المصريون إلاها للطب وعبدوه ولذا يمكن أن يقال إن ايمحتب هو أبو الطب ، وليس أبو قراط (سقراط) 370-460) Hippocrates ق.م.) إذ يأتي ابو قراط عند منتصف الفترة الزمنية بين سارتون ايمحتب وبيننا.

كما وقد اشتهر المصريون بفن التحنيط الذي أتقنو ، اتقاناً دقيقا وأجادوا فن التشريح وكانت لهم معلومات عن علم وظيفة الأعضاء أو علم الفسلجة. وفي عهد الأهرامات كان هناك اختصاص في بعض الفرع من العلوم الطبية كطب الأسنان والعيون والجلد والباطنية. أشارت بعض التقارير إلى انهم درسوا أدوار استحالة الضفدع ودورة حياة عدد من الديدان الطفيلية. وفضلا عن انهم كانوا على معرفة ببعض الآفات الزراعية كالجراد والجرذان والفئران.

حضارة الإغريق  Greek Civilization

يعد الاغريقيون أو (اليونانيون القدامى) في نظر اغلب العلماء والباحثين ، الرواد الذين قدموا الإسهام الجاد الأول في مجال علم الاحياء ، إذ امتازوا بتفكيرهم الحر الثاقب. ويعد الفلاسفة الاغريق أول رجال غربيين وضعوا توقعاتهم وتصوراتهم وافتراضاتهم عن اصل الكون والأرض وما عليها من حيوانات ونباتات ومن اشهر المفكرين أو الفلاسفة الإغريق المعروفين :

ثاليس Thale's  (640 – 548 ق.م) :

ولد هذا العالم في ميلاتس في اسيا الصغرى ، وهو فيلسوف ورياضي يوناني اشتهر بالمبدأ الهندسي المعروف بإسمه ، وقد ربط اصل الحياة بالماء ، إذ قال ان الماء هو المبدأ الأساس لكل شيء.

انكسمندر  Anaximander (611 – 546 ق.م) :

فيلسوف اغريقي اعتقد ان الكائنات الحية قد نشأت من الطين الاولي  ، ثم كونت بعدئذ اشكال الحياة الدنيا. اما الإنسان فحسب ظنه من أشباه الاسماك.

زينوفنس Xenophanes (القرن السادس قبل الميلاد) :

ميز المتحجرات كباقي الحيوانات ، وعلل سبب وجودها فوق قمم الجبال ، وذكر ان هذا الجبال كانت قاعا للبحار التي كانت تغمرها يوما ما .

اميبدوكليس Ampedocles  (القرن الخامس قبل الميلاد) :

لقد اعتقد هذا الفيلسوف الاغريقي انه إذا ما اريد انقاذ مدينة من مرض الملاريا فيجب بزل المستنقعات القريبة منها.

ابو قراط (سقراط) Hipocrates  (470 – 399 ق.م) :

فيلسوف وطبيب اغريقي ينتمي إلى اسرة طبية ، تدرب على يد والده الطبيب هرقليدس وبسبب شهرته وعنايته بالطب في زمانه ( أبي الطب ) وما زل خريجو الدراسة الطبية يرددون القسم البو قرطي. درس أبو قرط العلوم الحياتية لعلاقتها بالطب ، وتعمق فيها لذا سمي ( أبو علم الأحياء) له عدة مؤلفات في علم التشريع ، وعلم وظائف الأعضاء والطب والطب النفسي وعلاقة المناخ بالصحة.

ارسطو ( ارسطوطاليس Aristotle )  (322-384 ق.م) :

فيلسوف إغريقي انحدر من عائلة طبية ، وكان والده نيقوماخوس طبيبا لملك مقدونيا يعد أول عالم حيوان حقيقي ، إذ وضع أسس علم الحيوان ، وأكد على قيمة المشاهدة المباشرة ، واتخذ الطريقة العلمية في التفكير ، لذا عد ( أبا علم الحيوان) وكان ارسطو تلميذا لافلاطون Plato وهو معلم اسكندر الكبير ، ودرس في رواق الليسيوم Lyceum في أثينا. ويد كتب في موضوعات شتى ، منها السياسية والفلسفة فضلا عن علم الحيوان. صنف نحو 540 نوعا من الحيوانات ، وقسمها إلى قسمين رئيسيين حيوانات ذوات الدم Enaima (الفقريات) ، وحيوانات عديمة الدم Anaima (اللافقريات) على الرغم من انه لم يشر إلى ذلك أي الفقريات واللافقريات صراحة وقد بقى هذا التصنيف مدة تزيد عن الفي سنة ، ولم يغير نظرا لمكانته العلمية وشهرته الواسعة مع كون هذا التصنيف غير صحيح اذ ان للكثير من اللافقريات دما احمر. له كتاب في علم الحيوان يسمى تاريخ الحيوان Historia Animalium يتألف من تسعة مجلدات تطرق فيها إلى التراكيب المختلفة للحيوانات وبيئاتها وعاداتها وتكاثرها وتصنيفها. وقد تتبع مراحل التكوين الجنيني للكتكوت ويد اعتقد أرسطو مستندا إلى العقل (المرشد الأعظم) إن الكائنات الحية الدنيا (الواطئة) قد تطورت إلى الكائنات العليا (الراقية) ، ويحمل هذا للاعتقاد بوضوح في طياته فكرة التطورEvolution وكانت استنتاجاته مبنية على الملاحظة ، على الرغم من ذلك لم يخل تفكيره قط من تأكيد القوى الخارقة وفي الكون.

ثيوفراستس Theophrastus   (288 - 371  ق.م) :

لقب هذا الفيلسوف الإغريقي بـ (أبي عالم النبات) بسبب رغبته الشديدة في درسة النباتات وتعرفها عن كثب. وقد قسم النباتات إلى أشجار Trees ، وشجيرت Shrubs ، وأعشاب Herbs ، وعرف الخصائص الوظيفية للجذور والسيقان والأورق ووصف تحو خمسمائة نوع من النباتات واغلبها ذات فائدة طبية. وله كتابان معروفان في النبات هما : تاريخ النبات Historia de Plantis وعلل النبات Coasis de Plantarum .

 حضارة الرومان Roman Civilization

كان للرومان ميل شديد للقتال والحروب وكانت إسهاماتهم العلمية قليلة ومن اشهر علماء الحياة الرومان :

بليني الكبير (الأرشد ، الاس) 79-23) Pliny The Elderم) :

تمكن بليني من أعداد موسوعة في التاريخ الطبيعي مؤلفة من 37 جزءا غطت جميع الظواهر الطبيعية وتطبيقاتها والحيوانات البرية والأليفة وتربية وتحسين الحيوانات وغيرها من الموضوعات ، وقد اعتمد بليني في أعداد موسوعته الضخمة على كتابات الآخرين ، و القصص المتداولة مع إضافة شيء قليل من المعلومات الأصلية إلى جانب الخرافات والعجائب التي شكلت الجز الأكبر من مؤلفه الكبير. وقد استعمل هذا المؤلف على الرغم مما فيه من الأخطاء مدة تزيد عن 1500 سنة مرجعا أساسيا في التاريخ الطبيعي.

جالين (جالينوس) 200-130) Claudius Galen م) :

يعد آخر علماء الحياة القدامى ، وهو طبيب وتأتي استقر أخيرا في روما في العصر الروماني. وكاف طبيبا للإمبراطور ماركوس. كتب عن تشريح الإنساف ووصل إلى معلومات دقيقة مأخوذة من تشريح القردة ، فقد كان تشريح الإنسان محرما آنذاك. وقام ببعض التجارب الفسيولوجية ، واهتم بدارسة وظائف القلب ، وانها تحتوي الدم ، وليس الهواء كما كاف يعتقد آنذاك فضلا عما قدمه من معلومات علمية جيدة عن الدماغ والأعصاب ، واستطاع تمييز الأعصاب الحسية عن الحركية. وظن جالينوس أن الغذاء ينتقل من المعدة إلى الكبد ، وفيه يتحول إلى الدم. وظن ان هناك عدة أنواع عدة أنواع من الأرواح توجد في أجزاء الجسم ومن ابرز أعماله كتابه المعروف (حول التحضيرات التشريحية On Anatomical Preparations ) الذي درس مدة تزد عن ألف سنة وقد أنجز 256 رسالة ذات طابع طبي في أثناء حياته.

العصور المظلمة Dark Ages

قبل نهاية الفترة الاغريقية ، دب الفتور العلمي في مجالات العلوم كافة واستمر الجمود في عهد الإمبراطورية الرومانية في الغرب في الوقت الذي كانت فيه البرابرة تغزو اوربا. ومرت مدة طويلة تقرب من ألف سنة بعد جالينوس ، لم تظهر أية إسهامات علمية مهمة عدا القيام بأعمال محددة كتجديد الكتابات العلمية القديمة واستنساخها من دون التأكد من مدى صحتها ، وكانت كتابات بليني الكبير الاسن وجالين وارسطو المصدر الرئيس للمعلومات الخاصة بعلوم الحياة.

في الوقت نفسه كان المفكرون في الشرق يرجعون الكتابات الإغريقية ، ويترجمونها ، ويضيفون إليها الكثير من الإسهامات الجديدة واسهموا ايضا في تطوير علوم الرياضيات والفلك والكيمياء وقد كانت إسهاماتهم واضافاتهم في علوم الحياة قليلة نسبيا وقد انشرت علوم الحياة الإغريقية التي ترجمت الى العربية في الشرق ، ووصلت فيما بعد إلى أوربا بعد ظهور الجامعات في القرن 11و 12 و13 وترجمت العلوم إلى اللغة اللاتينية.

الحضارة العربية الاسلامية Arabian and Islamic Civilization

تفخر الشعوب التي أسهمت في تقديم العلوم في العالم بترثها ويحق للعرب ان يفخروا بما قدمه أجدادهم من إسهامات جادة في حقول العلوم المختلفة التي كان لها الفضل في تقدم العلوم في العالم. وعلى الرغم من ذلك لم يعترف عالميا بهذه الحقيقة ، ولم يذكر فضل العرب في تقدم العلوم إلا ما ندر ، ويعزى سبب ذلك إلى التعصب الأعمى ضد العرب أو إلى الجهل وعدم الإلمام باللغة العربية . وهكذا لم يتمكن الغريب الاطلاع بصفاء ووضوح على هذه الحقيقة، حقيقة الإسهامات العلمية المهمة للعرب ، فقد تعرض فضل العرب إلى كبير من المغالطة والتجني غير إن بعض المنصفين من الأجانب قد اعترفوا بفضل العرب وجهودهم وإسهاماتهم العلمية في تقدم العلوم في أوربا.

قد أصبحت الحقيقة واضحة ، وظهر العلم العربي الإسلامي براقا مشرقا في الميادين المختلفة ، إبان مدة الحصار العربية الزاهية التي امتدت اشراقاتها اكثر من سبعة قرون ، وانارت أرجاء واسعة من القارات الثلاث آسيا واروبا وأفريقيا. ومن العلماء العرب والمسلمين المشهورين اللذين برزوا في مجال علوم الحياة والطب والعلوم ذات العلاقة :

الجاحظ (أبو عثمان عمر بن بحر الكناني الفقيمي ، 665- 868 م) :

الجاحظ بصري المولد والنشأة ، وهو عالم باللغة والنحو ، ويعد أول من وضع كتابا عربيا جامعا في علم الحيوان سما ، (كتاب الحيوان) ويتألف من سبعة أجزء يضم كل فرع منها قربة 400 صفحة ، ويبحث عن مجموعة معينة من الحيوانات. واهم ما جاء في متنه هو طرائق حركة الحيوان : شيء يمشي ، وشيء يطير ، وشيء يسبح ، وشيء ينساح ، مع محاولة تصنيف الحيوانات بحسب عاداتها وتغذيتها وبيئتها ، وبيان اثر البيئة كالماء والهواء والتربة في الكائنات ، وقد اعتبرها أهم العوامل المؤثرة في الكائن الحي. فمثلا جراد الحقول وديدانها تكون خضراء في حين جراد الصحراء يكون اصفر.

يعد الجاحظ أول من قارن بين يد الإنسان وجناح الطير ، وذكر ان الضفادع لا تنشأ من الطين ، وان كل حي ينشأ من حي ، وليس من جماد. وقام بمحاولة بسيطة لتقسيم الطيور ، كما قال ليس كل عائم في الماء سمكة ، فهنالك السلحفاة والضفدع والسرطان والتمساح والدولفين . لقد ميز بوضوح ودقة بين أصوات الحيوانات واهتم بوصف الحيوانات من الخارج فقط ، وقلما لجا إلى التشريح. وكان شديد الملاحظة ، إذ سجل ملاحظات دقيقة عن حياة النمل ، والحمام وتزاوجه ، وعنايته بفراخه. قام بأعمال علمية تجريبية بسيطة على الحيوانات لذا يعد من رواد العلماء التجريبيين ايضا_ً.

الرازي  (أبو بكر محمد بن زكريا ، 861  - 923م) :

ولد في الريف في خراسان ، وسافر إلى بغداد ، ودرس الطب ، ونبغ فيه وهو طبيب وكيميائي وفيلسوف. وقد عرف عند الغرب باسم Rhasis وهو أول من نادى بالعدوى الوراثية ، وأول من طبق عمليا علم البيئة في الطب ، وأجرى درسة مفصلة للمواقع المختلفة للمدن والأقاليم من حيث الحرارة والرطوبة والرياح وغيرها من العوامل البيئية. وذلك من اجل الوصول الى اكتشاف مختلف الأمراض وعلاجها وقد دعاه  الخليفة عضد الدولة البويهي ليستشيره في الموضع الذي يجب أن يبنى فيه مستشفى بغداد ، وعندها سلك طريقة علمية ومبتكرة ، فعلق قطعا من اللحم في مناطق مختلقة من بغداد ، ثم اختار المكان الذي لم يتأثر فيه اللحم كثيرا لبناء المستشفى لانه افضل صحيا للمرضى ويكون هواؤه شبه خال من الاحياء المسببة للأمراض والتعفن. وتشير هذه التجربة إلى أن الرازي كان يؤمن بان الاحياء هي التي تسبب تعفن اللحم ، وانها تأتي من المحيط الخارجي ، وليس من قطعة اللحم تفسها ، وقد سبقه الجاحظ في ذلك بنحو . 100 سنة. وهكذا فان العرب والمسلمين قد سبقوا الغرب في الوصول إلى هذا الرأي الذي يعزى عادة وخطاً الى العالم الفرنسي لويس باستور بنحو ثمانية قرون.

ابن سينا (أبو علي حسين عبد الله 980 - 1037 م) :

لقب بــ (الشيخ الرئيس) وعرف عند الغرب باسم Avicenne ولد في افشنة قرب بخاري ، وتوفى في همذان ، برع في الطب ودرس الفلسفة الارسطوطالية ، وتأثر بالافلاطونية المستحدثة ، ودريس العلوم الطبيعية والهندسة والفلك وله مؤلفات فيها. ويعد ابن سينا من كبار فلاسفة العرب وأطبائهم وشعرائهم ، ومن مؤلفاته القيمة كتاب (القانون في الطب Canone (de Medicine اللذي ترجم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر ، ثلم اعيد طبعه عدة مرات إلى اللاتينية ، ومرة إلى العبرية في القرن الخامس عشر ، وكتابه في الفلسفة (الشفاء) ، وكتابه في المنطق (الإشارات والتنبيهات).

ابن رشد ( أبو الوليد محمد بن احمد 1126 - 1198م) :

ولد في قرطبة (الأندلس) ، وهو طبيب وفقيه أندلسي ، وهو اعظم فلاسفة العربب مكانة في الغريب ، وقد عرفة باسم Averroes. اشتهر في أوربا في القرون الوسطى، وذاع صيته كأكبر معلق وناقد لنظريات ارسطو. ودرس الفلسفة والفقه والطب والرياضيات، وقد اهتم بالقضايا الطبيعية ، فدرس العلاقة بين القوة الكامنة والظاهرة وكان ارسطو يعتقد ان الرخام ذو طاقة كامنة وانه يصبح ذا طاقة ظاهرة إذ مانحته الإنسان ، وحوله إلى تمثال. وقد طبق ارسطو هذه النظرية على الاحياء في الطبيعة ، فقال : ان البذرة والجنين يعدان من الأشياء ذات الطاقة الكامنة ، أما النبات والحيوان فهما ذو وجود فعلي وقد عارض ابن رشد هذه  النظرية بقوله لا يمكن تطبيق هذه النظرية على الكائنات الحية ، وبهذا الاتجاه استطاع أن يخطو بالعلم خطوة واسعة تحو النظرة المعاصرة التي تؤمن بالتطور الطبيعي.

موفق الدين عبد اللطيف البغدادي (1162 - 1231م) :

هو طبيب وفيلسوف عربي. درس الطب والفلسفة في دمشق وحلب ،وهو اول من درس الهيكل العظمي دراسة دقيقة ، وكشف بعض الأخطاء التي وقع فيها جالينوس في وصفه لهذه  الهياكل وكانت له اهتمامات بالتشريع المقارن ايضا_ً.

ابن البيطار (عبد الله بن احمد 1197 - 1248 م) :

ولد في أسبانيا، وقام بجولة واسعة في بلدان مختلفة بحثا وراء الأعشاب والنباتات، وقد وصف قربة ألف وأربعمائة نبات أثناء سفره إلى تونس ومصر وسوريا والحجاز والعراق واليونان ، اشتهر ابن البيطار في مجال الصيدلة وألف كتبا في ذلك ووصف في بعضها كثيرا من العقاقير الطبية التي لم يسبقه احد في وصفها.

القزويني (زكريا محمد بن محمد 1203 - 1283م) :

ولد في قزوين وعاش في دمشق ، وتولى القضاء في واسط والحلة ،وكان يلقب بهيوودوتس القرون الوسطى وبليني العرب ، ومن اشهر مؤلفاته كتاب ( عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) وهو عبار عن استطرادات متنوعة في علم الحيوان والطبيعة والسياسة والتاريخ والأدب ، ويقع في 282 صفحة. وصنف للحيوانات البرية إلى ستة مجموعات هي : الدواب والنعم والسباع والطيور والهوام ، والحشرات ، اعتماداً على شكل الحيوان وحجمه وقسم الحيوانات المائية إلى قسمين اثنين هما : حيوانات ليس لها رئات. لا تستطيع العيش إلا في الماء كالأسماك. وحيوانات رئوية ، تجمع بين العيش في الماء والهواء كالضفادع .

أبو خرج بن يعقوب بن القف (توفي 1286م) :

ألف في دمشق كتاب كميات القانون لابن سينا في ستة مجلدات وقد اكتشف ابن القف عدد الاغشية القلبية (الصمامات القلبية) ووظيفتها واتجاه فتحاتها لمرور الدم.

أبن النفيس (1210 - 1298 م) :

ولد في دمشق ودرس الطب ، ثم سافر إلى القاهرة ، واصبح مديرا لمستشفى الناصري واعتمد في دراسته على التشريح الحقيقي لجسم الإنسان على الرغم من عدم جهره بذلك خوفا من سخط رجال الدين. ويعد ابن النفيس أول من اكتشف الدورة الدموية الصغرى (الدورة الرئوية). وقد تمكن من وصفها وصفا دقيقا ، وبذلك يكون قد سبق وليم هارفي 1578(  William Harvey- 1657) في هذا الاكتشاف ، وصف الدورة الشريانية وأشار إلى وجود أوعية دموية داخل عضلات القلب تقوم بتغذيتها ووضح ايضا_ً مرور الدم في الأوعية الشعرية الدموية Blood Capillaries فضلا عن مخالفته ابن سينا في عدد تجاويف القلب وأكد وجود بطينين فقط وليس ثلاث كما ظن ابن سينا.

ثمة اعتقاد أن سيرفيتس (1011 - 1003)  وكولومبو(1516 - 1559 م)  وهارفي Harvey  (1578 - 1657م) الذي وصفوا الدورة الدموية ، اطلعوا على نظرية ابن النفيس ، وقرعوا مؤلفاته التي ترجمت الى اللاتينية.

الدميري (كمال الدين محمد بن موسى بن علي 1341 - 1405 م) :

نشأ في القاهرة وامتهن الخياطة في بداية حياته ، ثم اقبل على العلم ، ومن اشهر أعماله كتابه المعروف حياة الحيوان الكبرى ( الذي يقع في جزأين ويحتويان تصنيف اكثر من ألف حيوان من الحيوانات المختلفة) وذلك حسب الحروف الأبجدية. وعلى الرغم من الأخطاء التي ظهرت في هذا الكتاب إلا انه يحوي حقائق ممتازة ، ولاسيما تلك المتعلقة منها بالمظهر الخارجي للحيوانات ، وطريقة معيشتها. وقد تحدث فيه عن الأرضة ( النمل الأبيض) Termites ومستعمراتها فوصفها بأنها (( دويبة صغيرة كنصف العدسة ، تأكل الخشب ، وهي ليست من النمل ، بل من أعدائه ( يفتك النمل بالأرضة ، وتعد غذاءا_ً مفضلا له) ولها بيوت خاصة )).