أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الامامة/فضل الامام ومنزلته وكرامته/الامام الباقر عليه السلام
إرشاد القلوب
بالإسناد إلى الباقر عليه السلام قال : لما كثر قول المنافقين وحساد أمير
المؤمنين عليه السلام فيما يظهره رسول الله (ص) من فضل علي عليه السلام وينص
عليه ويأمر بطاعته ويأخذ البيعة له على كبرائهم ومن لا يؤمن غدره ويأمرهم بالتسليم
عليه بإمرة المؤمنين ويقول لهم : إنه وصيي وخليفتي وقاضي ديني ومنجز عدتي والحجة
لله على خلقه من بعدي من أطاعه سعد ومن خالفه ضل وشقي قال المنافقون : لقد ضل محمد
في ابن عمه علي وغوى وجن ! والله ما أفتنه فيه وحبه إليه إلا قتل الشجعان والاقران
والفرسان يوم بدر وغيرها من قريش وسائر العرب واليهود ، وأن كل ما يأتينا به وظهر في
علي من هواه ، وكل ذلك يبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله حتى اجتمعت التسعة
المفسدون في الارض في دار الاقرع بن حابس التميمي ـ وكان يسكنها في ذلك الوقت صهيب
الرومي ـ وهم التسعة الذين إذا عد أمير المؤمنين معهم كان عدتهم عشرة ، وهم : أبو
بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف الزهري وأبو عبيدة
بن الجراح ، فقالوا : لقد أكثر محمد في حق علي حتى لو أمكنه أن يقول لنا : اعبدوه لقال!. فقال سعد
بن أبي وقاص : ليت محمدا أتانا فيه بآية من السماء كما آتاه الله في نفسه من
الآيات مثل انشقاق القمر وغيره ، فباتوا تلك ليلتهم ، فنزل نجم من السماء حتى صار
في ذروة بجدار أمير المؤمنين عليه السلام متعلقا ، يضئ في سائر المدينة حتى دخل
ضياؤه في البيوت وفي الآبار وفي المغارات وفي المواضع المظلمة من بيوت الناس ،
فذعر أهل المدينة ذعرا شديدا وخرجوا وهم لا يعلمون ذلك النجم على دار من نزل؟ ولا
أين هو متعلق؟ ولكن يرونه على بعض منازل رسول الله صلى الله عليه وآله فلما سمع
رسول الله صلى الله عليه وآله ضجيج الناس خرج إلى المسجد ونادى في الناس : ما
الذي أرعبكم وأخافكم؟ هذا النجم على دار علي بن أبي طالب؟ فقالوا : نعم يا رسول
الله ، قال : أفلا تقولون لمنا فقيكم التسعة الذين اجتمعوا في أمسكم في دار صهيب
الرومي فقالوا في وفي علي أخي ما قالوه ، وقال قائل منهم : ليت محمدا أتانا فيه
بآية من السماء كما أتانا بآية في نفسه من شق القمر وغيره؟ فأنزل الله عزوجل هذا
النجم متعلقا على مشربة أمير المؤمنين عليه السلام وبقي إلى أن غاب كل نجم في
السماء ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة الفجر مغلسا وأقبل الناس
يقولون : ما بقي نجم في السماء وهذا النجم معلق! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : هذا حبيبي جبرئيل قد أنزل على هذا النجم قرآنا تسمعونه ، ثم قرأ «
والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى
* علمه شديد القوى » ثم ارتفع النجم وهم ينظرون إليه ، والشمس قد بزغت ، وغاب
النجم في السماء. فقال بعض المنافقين : لوشاء الله لأمر هذه الشمس فنادت باسم علي
وقالت : هذا ربكم فاعبدوه ، فهبط جبرئيل فخبر النبي بما قالوا ، وكان ذلك في ليلة
الخميس وصبيحته فأقبل بوجهه الكريم على الناس وقال : استدعوا لي عليا من منزله ،
فقال له : يا أبا الحسن إن قوما من منافقي امتي ما قنعوا بآية النجم حتى قالو :
لوشاء محمد لأمر الشمس أن تنادي باسم علي وتقول : هذا ربكم فاعبدوه! فإنك يا علي
في غد بعد صلاة الفجر تخرج معي إلى بقيع الغرقد ، فقف نحو مطلع الشمس فإذا بزغت
الشمس فادع بدعوات أنا القنك إياها وقل للشمس : السلام عليك يا خلق الله الجديد ،
واسمع ما تقول لك وما ترد عليك ، وانصرف إلي به ، فسمع الناس ما قال رسول الله صلى
الله عليه وآله : وسمع التسعة المفسدون في الارض فقال بعضهم : لا تزالون تغرون
محمدا بأن يظهر في ابن عمه علي كل آية ، وليس مثل ما قال محمد في هذا اليوم ، فقال
اثنان منهم ـ وأقسما بالله جهد أيمانهما وهما أبو بكر وعمر ـ : إنهما ليحضران
البقيع حتى ينظروا ويسمعا ما يكون من علي والشمس.
فلما صلى رسول
الله صلى الله عليه وآله الفجر وأمير المؤمنين معه في الصلاة أقبل عليه وقال قم
يا أبا الحسن إلى ما أمرك الله به ورسوله فأت البقيع حتى تقول للشمس ما قلت لك ، وأسر
إليه سرا كان فيه الدعوات التي علمه إياها ، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام يسعى
إلى البقيع حتى بزغت الشمس ، فهمهم بذلك الدعاء همهمة لم يعرفوها ، وقالوا : هذه الهمهمة
ما علمه محمد من سحره! وقال للشمس : السلام عليك يا خلق الله الجديد ، فأنطقها
الله بلسان عربي مبين وقالت : السلام عليك يا أخا رسول الله ووصيه ، أشهد أنك
الاول و الآخر والظاهر والباطن ، وأنك عبد الله وأخو رسوله حقا ، فارتعدوا واختلطت
عقولهم وانكفؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مسودة وجوههم ، تفيض أنفسهم ،
فقالوا : يا رسول الله ما هذا العجب العجيب؟ لم نسمع من الاولين ولا من المرسلين
ولا في الامم الغابرة القديمة ، كنت تقول لنا : إن عليا ليس ببشر وهو ربكم
فاعبدوه! فقال لهم رسول الله بمحضر من الناس في مسجده : تقولون ما قالت الشمس
وتشهدون بما سمعتم؟ قالوا : يحضر علي فيقول فنسمع ونشهد بما قال للشمس وما قالت له
الشمس ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : لابل تقولون ، فقالوا قال علي
للشمس : السلام عليك يا خلق الجديد ، بعد أن همهم همهمة تزلزلت منها البقيع ،
فأجابته الشمس وقالت : وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه أشهد أنك الاول والآخر
والظاهر والباطن ، وأنك عبد الله وأخو رسول الله حقا.
فقال لهم رسول
الله صلى الله عليه وآله : الحمد لله الذي خصنا بما تجهلون وأعطانا مالا تعلمون
ثم قال : قد تعلمون أني واخيت عليا دونكم ، وأشهدتكم أنه وصيي ، فماذا أنكرتم عساكم
تقولون : « ما قالت له الشمس : إنك الاول والآخر والظاهر والباطن » قالوا نعم يا
رسول الله ، لأنك أخبرتنا بأن الله هو الاول والآخر والظاهر والباطن في كتابه المنزل
عليك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ويحكم وأنى لكم بعلم ما قالت له
الشمس؟ أما قولها « إنك الاول » فصدقت ، إنه أول من آمن بالله ورسوله ممن دعوته
إلى الايمان من الرجال ـ وخديجة من النساء ـ وأما قولها : « الآخر » فإنه آخر
الاوصياء وأنا خاتم الانبياء وخاتم الرسل ، وأما قولها : « الظاهر » فإنه ظهر على
كل ما أعطاني الله من علمه ، فما علمه معي غيره ، ولا يعلمه بعدي سواه ومن ارتضاه
لسره من ولده ، وأما قولها : « الباطن » فهو والله الباطن على الاولين والآخرين
وسائر الكتب المنزلة على النبيين والمرسلين ، وما زادني الله تعالى من علم مالم
يعلموه وفضل مالم يعطوه ، فماذا تنكرون فقالوا بأجمعهم : نحن نستغفر الله يا رسول
الله ، لو علمنا ما تعلم لسقط الاقرار بالفضل لك ولعلي ، فاستغفر الله لنا ، فأنزل
الله سبحانه « سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله
لا يهدي القوم الفاسقين » وهذا في سورة المنافقين فهذا من دلائله عليه السلام.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 35 / صفحة [ 450 ]
تاريخ النشر : 2025-11-13