روى [ ابن ابي
الحديد ]...عن محمد بن جرير الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما
قبض اجتمعت الانصار في سقيفة بني ساعدة ، وأخرجوا سعد بن عبادة ليولوه الخلافة وكان
مريضا ، فخطبهم ودعاهم إلى إعطائه الرياسة والخلافة ، فأجابوه، ثم ترادوا الكلام
فقالوا : فان أبى المهاجرون وقالوا نحن أولياؤه وعترته؟ فقال قوم من الأنصار نقول
: منا أمير ومنكم أمير ، فقال سعد فهذا أول الوهن.
وسمع عمر الخبر
فأتى منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وفيه أبو بكر فأرسل إليه أن أخرج إلي
فأرسل أني مشغول ، فأرسل عمر إليه أن أخرج فقد حدث أمر لابد أن تحضره ، فخرج
فأعلمه الخبر ، فمضيا مسرعين نحوهم ، ومعهما أبو عبيدة فتكلم أبو بكر فذكر قرب
المهاجرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وأنهم أولياؤه وعترته، ثم قال : نحن
الامراء وأنتم الوزراء، لا نفتات عليكم بمشورة ، ولا نقضي دونكم الامور.
فقام الحباب بن
المنذر بن الجموح فقال : يا معشر الانصار املكوا عليكم أمركم ، فان الناس في ظلكم
ولن يجترء مجتريء على خلافكم ، ولا يصدر أحد إلا عن رأيكم أنتم أهل العزة والمنعة، وأولوا العدد والكثرة ، وذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس ما تصنعون ، فلا
تختلفوا فتفسد عليكم أموركم ، فان أبى هؤلاء إلا ما سمعتم ، فمنا أمير ومنهم أمير.
فقال عمر :
هيهات لا يجتمع سيفان في غمد ، والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم ،
ولا تمنع العرب أن تولى أمرها من كانت النبوة منهم ، من ينازعنا سلطان محمد ونحن
أولياؤه وعشيرته؟ فقال الحباب بن المنذر : يا معشر الأنصار املكوا أيديكم ، ولا
تسمعوا مقالة هذا وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الامر فان أبوا عليكم فأجلوهم
من هذه البلاد ، فأنتم أحق بهذا الامر منهم ، فانه بأسيافكم دان الناس بهذا الدين
، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، أنا أبو شبل في عريسة الاسد ، والله إن شئتم
لنعيدها جذعة.
فقال عمر : إذن
يقتلك الله فقال : بل إياك يقتل ، فقال أبو عبيدة : يا معشر الانصار إنكم أول من
نصر ، فلا تكونوا أول من بدل أو غير ، فقام بشير بن سعد والد النعمان بن بشير فقال
: يا معشر الانصار ألا إن محمدا من قريش ، وقومه أولى به ، وأيم الله لا يراني
الله أنازعهم هذا الامر ، فقال أبو بكر : هذا عمر وأبو عبيدة بايعوا أيهما شئتم ،
فقالا : والله لا نتولى هذا الامر عليك ، وأنت أفضل المهاجرين وخليفة رسول الله
صلى الله عليه وآله في الصلاة ، وهي أفضل الدين ، أبسط يدك ، فلما بسط يده
ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه ، فناده الحباب بن المنذر : يا بشير عقتك
عقاق أنفست على ابن عمك الامارة؟ فقال أسيد بن حضير رئيس الاوس لأصحابه: والله لئن
لم تبايعوا ليكونن للخزرج عليكم الفضيلة أبدا ، فقاموا فبايعوا ابا بكر ، فانكسر
على سعد بن عبادة والخزرج ما اجتمعوا عليه ، وأقبل الناس يبايعون ابا بكر من كل
جانب.
ثم حمل سعد بن
عبادة إلى داره فبقى أياما فأرسل إليه أبو بكر ليبايع فقال : لا والله حتى أرميكم
بما في كنانتي ، وأخضب سنان رمحي ، وأضرب بسيفي ما أطاعني وأقاتلكم بأهل بيتي ،
ومن تبعني ، ولو اجتمع معكم الجن والانس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي ، فقال عمر :
لا تدعه حتى يبايع ، فقال بشير بن سعد : إنه قد لج وليس بمبايع لكم حتى يقتل ،
وليس بمقتول حتى يقتل معه أهله ، وطايفة من عشيرته ، ولا يضركم تركه ، إنما هو رجل
واحد ، فتركوه وجاءت أسلم فبايعت فقويت بهم جانب أبي بكر ، وبايعه الناس ثم قال : وروى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز ، عن
أحمد بن إسحاق بن صالح عن عبد الله بن عمر ، عن حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ،
عن القاسم بن محمد قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وآله اجتمعت الانصار إلى
سعد بن عبادة ، فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ، فقال الحباب بن المنذر : منا
أمير ومنكم أمير ، إنا والله لا ننفس هذا الامر عليكم أيها الرهط ولكنا نخاف أن
يليه بعدكم من قتلنا أبناءهم وآباءهم وإخوانهم ، فقال عمر بن الخطاب إذا كان ذلك ،
فمت إن استطعت ، فتكلم أبو بكر فقال : نحن الامراء وأنتم الوزراء والامر بيننا
نصفان كقد الابلمة ، فبويع وكان أول من بايعه بشير بن سعد والد النعمان بن بشير.
فلما اجتمع
الناس على أبي بكر قسم قسما بين نساء المهاجرين والانصار فبعث إلى امرأة من بني
عدي بن النجار قسمها مع زيد بن ثابت ، فقالت : ما هذا قال : قسم قسمة أبو بكر
للنساء ، قالت : أتراشوني عن ديني؟ والله لا أقبل منه شيئا فردته عليه.
ثم قال ابن أبي
الحديد : قرأت هذا الخبر على أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي قال : لقد صدقت فراسة
الحباب بن المنذر ، فان الذي خافه وقع يوم الحرة ، واخذ من الانصار ثأر المشركين
يوم بدر ، ثم قال لي رحمه الله : ومن هذا خاف أيضا رسول الله صلى الله عليه وآله
على ذريته واهله ، فانه كان عليه السلام قد وتر الناس ، وعلم أنه إن مات وترك
ابنته وولدها سوقة ورعية تحت أيدي الولاة ، كانوا بعرض خطر عظيم ، فما زال يقرر لابن عمه قاعدة الامر بعده ، حفظا
لدمه ودماء أهل بيته ، فانهم إذا كانوا ولاة الامر ، كانت دماؤهم ، أقرب إلى
الصيانة والعصمة ، مما إذا كانوا سوقة تحت يد وال من غيرهم ، فلم يساعده القضاء
والقدر وكان من الامر ما كان ، ثم أفضى أمر ذريته فيما بعد إلى ما قد علمت.
قال : وروى أحمد
بن عمر بن عبد العزيز ، عن عمر بن شبة عن محمد بن منصور عن جعفر بن سليمان عن مالك
بن دينار قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث أبا سفيان ساعيا
فرجع من سعايته وقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلقيه قوم فسألهم
فقالوا : مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : من ولي بعده؟ قيل أبو
بكر ، قال : أبو الفصيل؟ قالوا : نعم ، قال : فما فعل المستضعفان علي والعباس؟ أما
والذي نفسي بيده ، لأرفعن لهما من أعضادهما.
قال أبو بكر
أحمد بن عبد العزيز : وذكر جعفر بن سليمان أن أبا سفيان قال : شيئا آخر لم تحفظه
الرواة ، فلما قدم المدينة قال إني لأرى عجاجة لا يطفيها إلا الدم ، قال : فكلم
عمر ابا بكر فقال إن أبا سفيان قد قدم ، وإنا لا نأمن شره ، فدع له ما في يده
فتركه فرضى.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 28 / صفحة [ 344 ]
تاريخ النشر : 2025-07-27