أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/أهل البيت (عليهم السلام)/ظلامة أهل البيت (عليهم السلام) ومصائبهم والبكاء والحزن عليهم/النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
ابن موسى ، عن
الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن
سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إن رسول الله (ص) كان جالسا ذات يوم إذا أقبل
الحسن عليه السلام فلما رآه بكى ثم قال : إلي إلي يا بني ، فما زال يدنيه حتى
أجلسه على فخذه اليمنى ، ثم أقبل الحسين عليه السلام فلما رآه بكى ثم قال إلي إلي
يا بني فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى ، ثم أقبلت فاطمة عليها السلام
فلما رآها بكى ثم قال إلي إلي يا بنية فأجلسها بين يديه ، ثم أقبل أمير المؤمنين
عليه السلام فلما رآه بكى ، ثم قال إلي إلي يا أخي فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى
جنبه الايمن.
فقال له أصحابه
: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت ، أوما فيهم
من تسر برؤيته؟ فقال عليه السلام : والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية
إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عزوجل ، وما على وجه الأرض نسمة أحب إليّ منهم.
أما علي بن أبي
طالب عليه السلام فانه أخي وشقيقي ، وصاحب الامر بعدي وصاحب لوائي في الدنيا
والاخرة ، وصاحب حوضي وشفاعتي ، وهو مولى كل مسلم وإمام كل مؤمن ، وقائد كل تقي ،
وهو وصيي وخليفتي على أهلي وامتي في حياتي وبعد موتي ، محبه محبي ، ومبغضه مبغضي ،
وبولايته صارت أمتي مرحومة ، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة ، وإني بكيت
حين أقبل لأني ذكرت غدر الامة به بعدي حتى أنه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له
بعدي ، ثم لا يزال الامر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل
الشهور « شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ».
وأما ابنتي
فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الاولين والأخرين ، وهي بضعة مني ، وهي نور
عيني ، وهي ثمرة فؤادي ، وهي روحي التي بين جنبي ، وهي الحوراء الانسية متى قامت في محرابها بين
يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الارض ،
ويقول الله عزوجل لملائكته يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين
يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي ، أشهدكم أني قد آمنت
شيعتها من النار ، وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأني بها وقد دخل الذل
بيتها وانتهكت حرمتها ، وغصبت حقها ، ومنعت إرثها ، وكسرت جنبتها ، وأسقطت جنينها
، وهي تنادي يا محمداه ، فلا تجاب ،
وتستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن
بيتها مرة ، وتتذكر فراقي اخرى ، وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت
تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة
، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مريم بنت
عمران فتقول : يا فاطمة « إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين » يا
فاطمة « اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ».
ثم يبتدي بها
الوجع ، فتمرض فيبعث الله عزوجل إليها مريم بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علتها ،
فتقول عند ذلك : يا رب إني قد سئمت الحياة ، وتبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي ،
فيلحقها الله عزوجل بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم على محزونة مكروبة
مغمومة مغصوبة مقتولة ، فأقول عند ذلك « اللهم العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها ،
وذلل من أذلها ، وخلد في نارك من ضرب جنبيها ، حتى ألقت ولدها » فتقول الملائكة
عند ذلك آمين.
وأما الحسن عليه
السلام فانه ابني وولدي ، ومني وقرة عيني ، وضياء قلبي ، وثمرة فؤادي ، وهو سيد
شباب أهل الجنة ، وحجة الله على الامة ، أمره أمري ، وقوله قولي، من تبعه فانه مني
، ومن عصاه فليس مني ، وإني لما نظرت إليه تذكرت ما يجري عليه من الذل بعدي ، فلا
يزال الامر به حتى يقتل بالسم ظلما وعدوانا فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد
لموته ، ويبكيه كل شيء حتى الطير في جو السماء ، والحيتان في جوف الماء ، فمن بكاه
لم تعم عينه يوم تعمى العيون ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، ومن
زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط ، يوم تزل فيه الاقدام.
وأما الحسين
عليه السلام فانه مني ، وهو ابني وولدي ، وخير الخلق بعد أخيه وهو إمام المسلمين
، ومولى المؤمنين ، وخليفة رب العالمين ، وغياث المستغيثين ، وكهف المستجيرين ، وحجة الله على خلقه أجمعين ،
وهو سيد شباب أهل الجنة وباب نجاة الامة ، أمره أمري ، وطاعته طاعتي ، من تبعه
فانه مني ، ومن عصاه فليس مني ، وإني لما رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي ، كأني به
وقد استجار بحرمي وقربي فلا يجار ، فأضمه في منامي إلى صدري وآمره بالرحلة عن دار هجرتي
، وأبشره بالشهادة فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه ، أرض كرب وبلاء ، وقتل
وفناء ، تنصره عصابة من المسلمين أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة ، كأني
أنظر إليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعا ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما ، ثم بكى
رسول الله صلى الله عليه وآله وبكى من حوله ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج ثم قام
عليه السلام وهو يقول اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي ، ثم دخل منزله.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 28 / صفحة [ 37 ]
تاريخ النشر : 2025-07-17