أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد، قال:
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن حبيش الكاتب، عن الحسن بن علي الزعفراني، عن أبي
إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي، عن حبيب بن نصر، عن أحمد بن بشير بن سليمان، عن
هشام بن محمد، عن أبيه محمد بن السائب، عن إبراهيم بن محمد اليماني، عن عكرمة ،
قال :
سمعت عبد الله بن العباس يقول لابنه علي بن
عبد الله:
ليكن كنزك الذي تدخره العلم، كن به أشد
اغتباطا منك بكنز الذهب الأحمر، فإني مودعك كلاما إن أنت وعيته اجتمع لك به خير
أمر الدنيا والآخرة، لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة لطول الامل،
ويقول في الدنيا قول الزاهدين، ويعمل فيها عمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع،
وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما يؤتى، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ويأمر بما
لا يأتي.
يحب الصالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض الفجار
وهو أحدهم، ويقول: لم أعمل فأتعنى، ألا أجلس فأتمنى، فهو يتمنى المغفرة وقد دأب في
المعصية، قد عمر ما يتذكر فيه من تذكر، يقول فيما ذهب: لو كنت عملت ونصبت كان ذخرا
لي، ويعصي ربه (تعالى) فيما بقي غير مكترث، إن سقم ندم على العمل، وإن صح أمن
واغتر وأخر العمل، معجب بنفسه ما عوفي، وقانط إذا ابتلي، إن رغب أشر، وإن بسط له
هلك، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن، لا يثق من الرزق بما قد
ضمن له، ولا يقنع بما قسم له، لم يرغب قبل أن ينصب، ولا ينصب فيما يرغب، إن استغنى
بطر، وإن افتقر قنط، فهو يبتغي الزيادة وإن لم يشكر، ويضيع من نفسه ما هو أكثر.
يكره الموت لإساءته، ولا يدع الإساءة في
حياته إن عرضت شهوته، واقع الخطيئة ثم تمنى التوبة، وإن عرض له عمل الآخرة دافع،
يبلغ في الرغبة حين يسأل، ويقصر في العمل حين يعمل، فهو بالطول مدل، وفي العمل
مقل، يتبادر في الدنيا تعبا لمرض، فإذا أفاق واقع الخطايا ولم يعرض، يخشى الموت،
ولا يخاف الفوت، يخاف على غيره بأقل من ذنبه، ويرجو لنفسه بدون عمله، وهو على
الناس طاعن، ولنفسه مداهن، يرجو الأمانة ما رضي، ويرى الخيانة إن سخط، إن عوفي ظن
أنه قد تاب وإن ابتلي طمع في العافية وعاد، لا يبيت قائما، ولا يصبح صائما، (يصبح)
وهمه الغذاء، ويمسي ونيته العشاء، وهو مفطر، يتعوذ بالله منه من هو فوقه، ولا ينجو
بالعوذ منه من هو دونه، يهلك في بغضه إذا أبغض، ولا يقصر في حبه إذا أحب، يغضب في
اليسير، ويغضي على الكثير، فهو يطاع ويعصي والله المستعان.
المصدر : الأمالي
المؤلف : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
الجزء والصفحة : ص 110
تاريخ النشر : 2023-05-28