أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير مجمع البيان
قال الطبرسي رحمه
الله: " فلما أحس " أي وجد، وقيل: أبصر ورأى، وقيل: علم " عيسى
منهم الكفر " وأنهم لا يزدادون إلا إصرارا على الكفر
بعد ظهور الآيات والمعجزات امتحن المؤمنين من
قومه بالسؤال والتعرف عما في اعتقادهم من نصرته " قال من أنصاري إلى الله
" وقيل: إنه لما عرف منهم العزم على قتله
قال: من أنصاري إلى الله، وفيه أقوال:
أحدها: أن معناه: من أعواني على هؤلاء
الكفار مع معونة الله تعالى ؟ عن السدي وابن جريح.
والثاني: أن معناه: من أنصاري في
السبيل إلى الله ؟ عن الحسن لأنه دعاهم إلى سبيل
الله. والثالث: أن معناه: من أعواني على إقامة الدين المؤدي إلى الله ؟ أي إلى نيل
ثوابه كقوله: " إني ذاهب إلى ربي سيهدين " ومما يسأل على هذا أن عيسى
إنما بعث للوعظ دون الحرب فلما استنصر عليهم
؟ فيقال لهم: للحماية من الكافرين الذين أرادوا
قتله عند إظهار الدعوة، عن الحسن ومجاهد، وقيل أيضا: يجوز أن يكون طلب النصرة
للتمكين من إقامة الحجة ولتميز الموافق والمخالف. " قال الحواريون " واختلف
في سبب تسميتهم بذلك على أقوال: أحدها: أنهم سموا بذلك لنقاء ثيابهم، عن سعيد
بن جبير. وثانيها: أنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب، عن أبي نجيح، عن أبي
أرطاة.
وثالثها: أنهم كانوا صيادين يصيدون
السمك، عن ابن عباس والسدي. ورابعها: أنهم كانوا خاصة
الانبياء، عن قتادة والضحاك، وهذا أوجه لانهم مدحوا بهذا الاسم كأنه ذهب إلى نقاء
قلوبهم كنقاء الثوب الابيض بالتحوير، وقال الحسن: الحواري: الناصر، والحواريون:
الانصار، وقال الكلبي: الحواريون: أصفياء عيسى عليه السلام وكانوا اثني عشر
رجلا، وقال عبد الله بن المبارك: سموا حواريين لانهم كانوا نورانيين، عليهم أثر العبادة
ونورها وحسنها، كما قال تعالى: " سيماهم في وجوههم من أثر السجود ".
" نحن أنصار الله " معناه: نحن
أعوان الله على الكافرين من قومك، أي أعوان رسول الله أو
أعوان دين الله " آمنا بالله " أي صدقنا أنه واحد لا شريك له "
واشهد " يا عيسى " بأنا مسلمون " أي كن شهيدا
لنا عند الله، اشهدوه على إسلامهم لان الانبياء شهداء الله
على خلقه يوم القيامة، كما قال سبحانه: " ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ".
" ربنا " أي يا ربنا " آمنا
بما أنزلت " على عيسى " واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين
" أي في جملة الشاهدين بجميع ما أنزلت لنفوز بما فازوا به، وننال ما نالوا من
كرامتك، وقيل: معناه: واجعلنا مع محمد صلى الله عليه وآله وأمته، عن ابن عباس، وقد
سماهم الله شهداء بقوله: " لتكونوا شهداء على الناس " أي من الشاهدين
بالحق من عندك، هذا كله حكاية قول الحواريين.
وروي أنهم اتبعوا عيسى وكانوا إذا جاعوا قالوا:
يا روح الله جعنا، فيضرب بيده على الارض سهلا كان أو جبلا فيخرج لكل إنسان منهم
رغيفين يأكلهما، فإذا عطشوا قالوا: يا روح الله عطشنا، فيضرب بيده على الأرض سهلا
كان أو جبلا فيخرج ماء فيشربون قالوا: يا روح الله من أفضل منا ؟ إذا شئنا أطعمتنا
وإذا شئنا سقيتنا، وقد آمنا بك واتبعناك، قال: أفضل منكم من يعمل بيده، ويأكل
من كسبه، فصاروا يغسلون الثياب بالكراء.
" في قلوب الذين اتبعوه " في
دينه، يعني الحواريين وأتباعهم اتبعوا عيسى عليه السلام " رأفة " وهي
أشد الرقة " ورهبانية ابتدعوها " هي الخصلة من العبادة يظهر فيها معنى
الرهبة إما في لبسة، أو انفراد عن الجماعة، أو غير ذلك من الأمور التي يظهر فيها
نسك صاحبه، والمعنى: ابتدعوا رهبانية لم نكتبها عليهم، وقيل: هي رفض النساء،
واتخاذ الصوامع، وقيل: هي لحاقهم بالبراري والجبال في خبر مرفوع عن النبي صلى الله
عليه وآله فما رعاها الذين من بعدهم حق رعايتها، وذلك لتكذيبهم بمحمد صلى الله
عليه وآله وقيل: إن الرهبانية هي الانقطاع عن الناس للانفراد بالعبادة " ما
كتبناها " أي ما فرضناها عليهم. وروي عن ابن مسعود قال: كنت رديف رسول الله
صلى الله عليه وآله على حمار فقال: يا ابن أم عبد هل تدري من أين أحدثت بنو
إسرائيل الرهبانية ؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال: ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى
عليه السلام يعملون بمعاصي الله فغضب أهل الايمان فقاتلوهم، فهزم أهل الايمان ثلاث
مرات فلم يبق منهم إلا القليل، فقالوا: إن ظهرنا هؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد
يدعو إليه فتعالوا نتفرق في الارض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليه
السلام - يعنون محمدا صلى الله عليه وآله - فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا
رهبانية، فمنهم من تمسك بدينه، ومنهم من كفر، ثم تلا هذه الآية: " ورهبانية
ابتدعوها " الآية، ثم قال: يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي ؟ قلت: الله
ورسوله أعلم، قال: الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة. " من أنصاري
إلى الله " أي مع الله، أو فيما يقرب إلى الله " نحن أنصار الله "
أي أنصار دينه " فآمنت طائفة " أي صدقت بعيسى عليه السلام " وكفرت
طائفة " أخرى به، قال ابن عباس: يعني في زمن عيسى عليه السلام، وذلك أنه لما
رفع تفرق قومه ثلاث فرق: فرقة قالت: كان الله فارتفع، وفرقة قالت: كان ابن الله
فرفعه إليه، وفرقة قالوا: كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه وهم المؤمنون، واتبع كل
فرقة طائفة من الناس فاقتتلوا وظهرت الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بعث محمد
صلى الله عليه وآله، فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرين وذلك قوله: " فأيدنا
" إلى قوله: " ظاهرين " أي عالين غالبين، وقيل: معناه: أصبحت حجة
من آمن بعيسى عليه السلام ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وآله بأن عيسى كلمة
الله وروحه، وقيل: بل أيدوا في زمانهم على من كفر بعيسى عليه السلام، وقيل: فآمنت
طائفة بمحمد صلى الله عليه وآله وكفرت طائفة به، فأصبحوا قاهرين لعدوهم بالحجة
والقهر والغلبة.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 14 / صفحة [275]
تاريخ النشر : 2024-08-14