أصحاب التنزيه يعدّون الحقّ خالياً من الحياة والعلم والقدرة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص216-219
2025-08-20
422
صحيح أنّنا ننزّه الله؛ لكنّنا ننزّهه من صفات النقص التي توجب الإمكان والحدوث؛ ومن العيب والنقصان، من العجز والفقر والضعف. فنقول: أن الله ليس بعاجز ولا ميّت ولا نائم ولا جاهل. فكلّ هذا صحيح. أمّا أن ننزّه الله إلى درجة أنّنا ننزع عنه مفهوم الوجود بحيث لا نطلق عليه كلمة موجود أصلًا أو كلمة حيّ أو قادر ومقتدر، أو عالم وخبير؛ فهذا خطأ.
يقول هؤلاء: لا سبيل لنا إلى معرفة الله: لا إجمالًا ولا تفصيلًا، لا مفهوماً ولا مصداقاً، لا إلى ذاته ولا إلى صفته واسمه أو فعله.
فمن شدّة التنزيه قد عميت إحدى أعينهم، فهُم ينظرون إلى الله بعين واحدة؛ اي كالأعور. فعينهم المُبصرة هي أنّهم ينزّهون الله عن جميع صفات النقص والتقييد والتحديد، أمّا عينهم العوراء فهم لا يَرَون أن للّه تأثيراً ووجوداً وقدرة وقوّة إفاضة في جميع عوالم الوجود والخِلقة؛ فهم يُسقطون عنه كلّ الصفات العليا والأسماء الحُسنى.
فهم يحصرونه (أي الله) في زاوية معيّنة من السماء؛ إلهٌ مُنزّه وطاهر ليس له أيّة علاقة بعالم الوجود والإيجاد. والمشبّهة من ناحيتها تقول: أن خصائص الله هي نفس خصائص الموجودات.
ولكنّ قول الحقّ هو أن لا التنزيه الصِّرف صحيح ولا التشبيه الصِّرف.
فالذات المقدّسة منزّهة وطاهرة إلى ما شئتَ، من القبائح والشنائع التي هي من لوازم الإمكان وتوجب تقييد الحقّ. أمّا إذا قلنا: أن مفاهيم العلم، القدرة، والحياة في الأسماء والصفات تكون بشكل بحيث لا نستطيع إطلاقها عليه وننزّهه كذلك عن دلالة هذه المعاني الراقية والمفاهيم السامية عليه، ومن هذا المنطلق نقيم بينونة وعزلة بين صفات وأسماء الحقّ وبين مخلوقاته؛ فهذا أيضاً خطأ.
إن صفات الله العالية وأسماءه الحسنى قد ملأت عالم الوجود كلّه؛ فكلّ هذا الضجيج الذي يزخر به عالم المُلك والملكوت، وعالم المادّة وماوراء المادّة، كلّ ذلك ينطق بصفاته وأسمائه.
فجبرائيل هو اسم الله، وكذلك الأنبياء هم أسماء الله، وكذا الملائكة والبشر وكلّ الموجودات الأخرى من الحيوانات مثل: الطيور، البهائم، الزواحف، الأحياء المائيّة وكلّ الجمادات هي أسماء الله. لكنّ هذا الاسم هو على نوعين:
اسم كلّيّ، وهو الذي تمتلكه الموجودات الملكوتيّة والنوريّة، واسم جزئيّ وهو ما للموجودات المُلكيّة والمادّيّة والظلمانيّة. فكلّ هؤلاء أسماؤه وصفاته وقد برزت في هذه المجالات والمظاهر.
فعالم الوجود برمّته هو الحقّ وشئونه المتمثّلة في ظهوره في شبكات الإمكان، ولا شيء غير ذلك أبداً.
عكس روى تو چو در آينه جام افتاد *** صوفى از خنده مِى در طمع خام افتاد
حسن روى تو به يك جلوه كه در آينه كرد *** اين همه نقش در آئينه اوهام افتاد[1]
اين همه عكس مى ونقش ونگارى كه نمود *** يك فروغ رخ ساقى است كه در جام افتاد
غيرت عشق زبان همه خاصان ببريد *** كز كجا سرّ غمش در دهن عام افتاد
آن شد اي خواجه كه در صومعه بازم بينى *** كار ما با لب ساقيّ ولب جام افتاد
من ز مسجد به خرابات نه خود افتادم *** اينم از عهد ازل حاصل فرجام افتاد
چه كند كز پى دوران نرود چون پرگار *** هر كه در دايرة گردش ايّام افتاد
هر دمش با من دلسوخته لطفى دگرست *** اين گدا بين كه چه شايسته إنعام افتاد[2]
زير شمشير غمش رقص كنان بايد رفت *** كآنكه شد كشتى او نيك سرانجام افتاد
در خم زلف تو آويخت دل از چاه زنخ *** آه كز چاه برون آمد ودر دام افتاد
صوفيان جمله حريفند ونظر باز ولى *** زين ميان حافظ دلسوخته بدنام افتاد[3]
[1] - يقول:« يا من كان سيّد الأفلاك( عطارد) وصفاً لجلالك وبهائك؛ ويا من وُضع عقل الكلّ وهو( مجمع العقلاء واولي الألباب) صاحب ديوان أختامه. ويا من طغي علوّه وسموّ منزلته على جلال شجرة طوبي وبهائها؛ ويا من بعثت ساحة بستانك الواسعة الحسد في نفس جنّة الخلد. إن كلّ شيء في عالم الأمر بما في ذلك الحيوانات والنباتات والجمادات تأتمر بأمرك وسلطانك. لقد أصبح حافظ المنهك مادحك المخلص؛ فليدم لطفك الشامل شفاءً لمادحك هذا». «ديوان «حافظ الشيرازيّ» ص 74، الغزليّة رقم 164، طبعة حسين پژمان بختياري.
[2] - يقول:« لمّا تجلّت صورتك في الكأس الزجاجيّة، فقد طمع الصوفيّ- من ضحكة الخمرة- في الشراب. وتجلّي جمال وجهك وحُسنُه في مرآة الوجود وكوّن ذلك التجلّي كلّ هذا التغيير والاختلاف في الخيال والظنّ».
[3] - يقول:« ما الصور الجميلة التي انعكست في مرآة قلوب العارفين إلّا إشعاعة من جمال الساقي الأزليّ والمنعكس في كأس الوجود. مع أن غيرة وحميّة العشق قد منعت المقرّبين والخواصّ من التحدّث؛ لا أدري كيف عَلِمَ الجميع هذا السرّ. لقد مضت تلك الأيّام التي كنتَ تراني فيها قابعاً في صومعتي أيّها الخواجة! فقد صارت شفتا الساقي والكأس شغلي الشاغل. إنّي ما تركتُ الزهد والتقوي وتوجّهتُ إلى الخمّارة والسُّكْر برغبتي وملء إرادتي؛ بل أن تقدير الخالق لي كان هكذا منذ اليوم الأوّل. إن كلّ واحد (من البشر) قد ابتُلي بصروف الدهر؛ فإن لم يكن لعبة الأقدار فما ذا عساه أن يكون غير ذلك. إن كلّ نَفَس( من أنفاس الحبيب) بمثابة لطف ومنّة على أنا العاشق الولهان؛ فيا لي من مسكين حظيّ بكلّ تلك النعم».
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة