معنى (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) يدلّ بأبلغ دلالة على وحدة الوجود
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص283-285
2025-08-29
322
أمّا تفسير الآية الشريفة الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ومفادها فهو نفس تفسير ومفاد الآية الشريفة لَمْ يَلِدْ الواردة في سورة الإخلاص.
أي أن الله سبحانه لم يلد مولوداً أو ولداً؛ ومعلوم أن كلمة «وَلَد» بناءً على جعل الألفاظ للمعاني العامّة، تُطلق على تولُّد الشيء من الشيء الممتلك لصفة الأصالة والواقعيّة تماماً كوالده، ثمّ حصوله الاستقلال في وجوده بعد ذلك وانقطاع علاقته به؛ سواءٌ تحقّق ذلك في الإنسان أو الحيوان أو النبات أو الجماد أو الجِنّ أو سائر الموجودات الأخرى التي يمكن حصول ذلك فيها.
ولا يختصّ ذلك الأمر بالتوالد الخاصّ بالبطن خارجاً وإخراج المولود على النحو المتعارف عليه بين البشر الذي يتوالد أو الحيوان الذي يبيض، لأنّها جميعاً من مختصّات المصاديق والامور؛ ولا دخل لها مطلقاً في تحقُّق المعنى العامّ لذلك. وعلى هذا، فلو فرضنا أن موجوداً ملوكتيّاً كالملاك مثلًا أو موجوداً آخر يفوق في جنسه وخلقته كلّ الموجودات المجرّدة التي يعلمها الله تبارك وتعالى قام بمحض إرادته ومشيّته بإنتاج أو ولادة موجودات مستقلّة في وجودها أو صفتها أو أفعالها أو بدايتها أو نهايتها أو أصل تكوّنها أو إدامتها أو بقائها؛ موجودات تمتلك جميعها وجوداً مستقلًّا بذاتها، فإنّ هذا الإيجاد أو الإنتاج سيحمل معنى التوالد ومفهومه، وستحمل عُنوان التوالد من لدن ذلك المبدأ المجرّد النورانيّ.
والآية المباركة الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً والآية لَمْ يَلِدْ وباقي الآيات الواردة في حقّ عيسى ابن مريم على نبيّنا وآله وعليه السلام وحقّ بعض الملائكة المقرّبين (بزعم المشركين) والتي عمل القرآن الكريم على إبطالها ونفيها جميعاً، تُشير كلّها إلى الحقيقة القائلة بأنّ تلك المخلوقات لا تملك وجوداً مستقلًّا، وأن ذواتها وصفاتها وأفعالها هي مجرّد مظاهر ومجالى للذات الإلهيّة المقدّسة.
وعلى هذا، فإنّ جميع عوالم الإمكان التي تحمل أسماء مختلفة وشئون متفاوتة هي ظهورات ذلك الظاهر ومجالى تجلّيات ذلك المجلى.
ولمّا كان ظهور الظاهر ومجلى الوجود ليس سوى أصل الوجود وذاته، وأن الألقاب والأسماء العديدة لا تنجم عنها كثرات واقعيّة له؛ فلا يمكن تصوّر وجود وكمال خارج هذا العالم، ولا يمكن أن يكون كلّ هذا الوجود وليد الحقّ الأصيل وأصل الوجود. وعلى هذا فإنّ أصل الوجود لهذه العوالم الإمكانيّة الواسعة ليس سوى الوجود الأقدس لواجب الوجود؛ فإذا ازيل عنوان الإمكان والآية والظهور والتجلّي فلن تبقى هناك أصالة أو حقيقة أو وجود غير الحقّ تبارك اسمه وتعالى مجده. اي أن جميع العوالم تمثّله هو ولا شيء غير الحقّ.
هذا هو معنى لَمْ يَلِدْ والذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً والذي يُثبت وحدة الوجود بصريح العبارة وبليغ البرهان.
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة