تفسير: وَلَمْ يَكُن لَهُو وَلِيّ مِنَ الذُّلّ وكَبِّرْهُ تَكْبِيرا
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص323-325
2025-09-24
186
ما يخصّ تفسير ومفاد: ولَمْ يَكُن لَهُ وَلِيّ مِنَ الذُّلِ، فقد فسّرها المرحوم الحاجّ قدّس الله نفسه بما يلي: أيْ لَمْ يَتَّخِذْ وَلِيَّاً يُعَاوِنُهُ لِمَذَلَّةٍ فِيهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوَّاً كَبيراً.[1]
ولمّا كان وجود الحقّ تعالى مطلق ووحدته وحدة بالصرافة، فلا يمكن لأيّ شيء تحقّق أيّ شيء خارج ذاته تعالى وإنّيّته حتى يكون وجوده كاملًا ومكمّلًا به أو تزول حاجته.
وقال كذلك في تفسير: يَا مَنْ هُوَ عَزِيزٌ بِلَا ذُلٍّ، يَا مَنْ هُوَ غَنِيّ بِلَا فَقْرٍ، يَا مَنْ هُوَ مَلِكٌ بِلَا عَزْلٍ!
لأنّ كلّ عزيز وكلّ غنيّ وكلّ سلطان اكتسب هذه العزّة وهذا الغنى وذلك المُلك بالاستعارة وأودعت عنده كأمانة. فنواصيهم مُسخّرة بِيَد قدرة الحقّ تعالى.
يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، ويُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، ويَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ، ويَقْدِرُ عَلَى مَن يَشَاءُ، ويُؤْتِي المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، ويَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ.
وهو الله القادر القاهر الذي لا قدرة ولا قهر تعلوان على قدرته وقهره، وأن هذه الصفات وإن وُجدت عند مالكيها فهي مشوبة بصفات مقابلة لها كالذلّ والفقر والعزل، بل أن هذه الصفات هي عين صفاتهم المتقابلة.
وَهُوَ البَسِيطُ الصِّرْفُ والوَاحِدُ المَحْضُ الثَّابِتُ لَهُ أشْرَفُ طَرَفَيِ المُقَابِلَاتِ.[2]
وقال أيضاً في تفسير العبارة: يَا مَنْ لَا شَرِيكَ لَهُ ولَا وَزِيرَ، يَا مَنْ لَا شَبِيهَ لَهُ ولَا نَظِيرَ!
ثبت بالعلوم الحقيقيّة أن الاتّحاد بالجنس يُدعى «المجانسة»، وبالنوع يُدعى «المماثلة» وبالكيفيّة «المشابهة» وبالكمّيّة «المساواة» وبالوضع «المطابقة» وبالإضافة «المناسبة».
وليس للحقّ تعالى شريك في الوجوب، بل وليس له شريك في حقيقة الوجود كذلك، لأنّه لا يمكن تصوّر وجود موجود في نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ إلّا ذاته.
وأمّا سبب عدم وجود شريك له في الجنس فذلك لأنّه لا جنس له، ولا وجود لموجود يكون مثله أو نظيره، لأنّه لا نوع له، ولا شبيه له لأنّه لا يمتلك كيفيّة، ولا وجود لموجود يساويه لأنّه لا يمتلك كمّيّة، ولا وجود لوجود يطابقه، لأنّه لا يمتلك وضعاً، ولا وجود لوجود مناسب له لأنّه لا يمتلك إضافة مقوليّة.
وعلى هذا فإنّ جميع تلك الأقسام لا تقبل الشريك بل تنفيه، لأنّ المشابِه أو المساوي أو غيرهما هما (في الواقع) بمثابة شريك في الكيفيّة والكمّيّة ونحوهما.[3]
وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرا، اي عَظّمه ما استطعتَ وكلمَتَي الكبر والعظمة هما حسب اختيارك واستخدامك! وقال أيضاً في تفسير الفقرة: يَا مَنْ هُوَ الكَبِيرُ المُتَعَالِ: «الكبير هنا تعني العظيم وهي من باب «كَبُرَ» بالضمّ، اي عظيم، وليست من باب «كَبِرَ» بالكسر، اي كبر في السنّ وشاخ. ووصف الكبير في هذه الجملة محصور بالضمير «هُوَ»، اي هو الموجود الكبير المتعال وحسب ولا موجود كبير ومتعال غيره على الإطلاق، لأنّ المُسند المُعَرَّف باللام يفيد الحصر في المسند إليه كما هو معروف في علم المعاني»[4].
وعلى هذا الأساس فالحصر موجود في معنى ومفهوم المسند في المسند إليه في مناجاة أمير المؤمنين عليه السلام مع الحقّ المتعال حيث يقول: مَوْلَايَ يَا مَوْلَايَ! أنْتَ العَزِيزُ وأنَا الذَّلِيلَ وهَلْ يَرْحَمُ الذَّلِيلَ إلَّا العَزِيزُ؟[5]
[1] «شرح الأسماء»، ص 609، طبعة جامعة طهران، ضمن تفسير الفصل 62 (سب) من ذلك الدعاء المبارك.
[2] «شرح الأسماء» ص 657، ضمن تفسير الفقرة 74(عد) من ذلك الدعاء المبارك.
[3] «شرح الأسماء» ص 675 و676، ضمن تفسير الفقرة 79 (عط) من الدعاء المبارك.
[4] «شرح الأسماء» ص 151، ضمن تفسير الفقرة 4 (د) من الدعاء المبارك.
[5] «البلد الأمين» للكفعميّ، ص 319، الطبعة الحجريّة، سنة 1383.
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة