عرف الأنبياءُ والأولياءُ والأئمّةُ الله عن طريق الشهود والوجدانيّ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص262-264
2025-08-28
414
إن المذهب الذي سلكه الأنبياء والأولياء والأئمّة عليهم السلام مذهب تفوق مرتبته هذه المرتبة وترقى عليها، والأكثر انسجاماً واطمئناناً؛ ألا وهو مذهب الشهود.
إن ذلك النمط من السير والتحرّك نحو معرفة الحقّ تعالى ينطق قائلًا: أن هناك حاسّةً أخرى أرقى من أذهاننا وأسمى من القوى المفكّرة لأيّ إنسان مُفكِّر؛ أنا شخصيّاً لا أعلم ما تُسمّونها؛ ربّما الحاسّة السادسة أو غير ذلك! ما اريد قوله، هو أنّه توجد حاسّة أخرى في الإنسان هي الوجدان، ويدعونه بالقلب والفؤاد أو الضمير. قولوا عنه ما شئتم؛ على الإنسان أن يدرك الله بتلك الحاسّة.
توجد هذه الحاسّة في جميع أفراد البشر وهي حاسّة قويّة وفعّالة جدّاً؛ لكنّ الابتلاء بالمادّيّات والجري وراء الآمال الخسيسة والدنيئة والبهيميّة والشيطانيّة، والغوص في الخيالات والاهتمام بأوهام عالَم الاعتبار والكثرات، كلّ تلك أضحت حُجُباً غَطّت تلك الحاسّة بالكامل، وأدّت إلى إضعافها وخنقها.
وهنا يكمن السبب في عجز الإنسان عن الاستفادة من تلك الحاسّة؛ فلو سلك طريق العبوديّة الحقّة فإنّ وصوله به سيكون سهلًا يسيراً.
إن أيّ نبيّ بُعِثَ كان يقول: أيُّها الناس! اتقوا الله وأطيعون. وقد وردت هذه العبارة على لسان عدّة من الأنبياء في سورة الشعراء حيث كان كلّ واحد منهم يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ.
أي: افعلوا كلّ ما آمُركم به، وانتهوا عن كلّ فعلٍ أنهاكم عنه، حتى يتولّاكم الله برحمته ويغفر لكم خطاياكم! أقيموا الصلاة! آتوا الزكاة! صوموا! مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر! اثبتوا في البأساء والضرّاء! حِجّوا بيت الله الحرام! جاهدوا! افعلوا كذا وكذا! قوموا في ليالى الشتاء القارص وأدّوا النوافل! صوموا صياماً مستحبّاً في أيّام الصيف القائظ! هذا هو الطريق! طريق الجهاد مع النفس! طريق اكتساب مرضاة الله تعالى ومحاربة النفس البهيميّة السبُعيّة الإبليسيّة؛ حتى يسترقّ حجاب الوجدان شيئاً فشيئاً، ذلك الحجاب الذي أدّى بتلك الحاسّة إلى الانزواء والاختفاء. فإذا استرقّ الحجاب سيُضيء ما قد كان أودعه الله في القلب، وسيشعّ النور الوضّاء في القلب ومصباح الباطن.
وقد نرى أن القوى الذهنيّة لبعض الناس عاطلة عن العمل، وأن دماغهم خَرِب قد تشابكت الأسلاك فيه مع بعضها، فصار ينبغي أخذهم إلى طبيب نفسانيّ أو مَصحّ الأمراض العقليّة. وكم من اناس يملكون الوجدان إلّا أنّه مُعطَّل عندهم تماماً. ففي قلوبهم مصباح لكنّهم غَطّوه بستارٍ مُظلِم. وهنا لا بدّ من إزالة ذلك الستار حتى يشعّ النور الباطن. لا بدّ من التطلّع نحو الافق حتى يكون بالإمكان رؤية شمس الأحديّة.
لقد وهب الله كلّ واحد من أفراد البشر مصباحاً مُضيئاً وسراجاً مُنيراً؛ وقد جَبَلَ سبحانه وتعالى طينتهم جميعاً بنور الباطن وحقيقة المعنى. إنّكم خلفاء الله! إنّكم بشر! أن ما اعطيتم من القابليّات لم يُعطَ إلى مخلوق آخر؛ ولقد مَنّ عليكم برابطة وعلاقة وآصرة تصلكم به لم يمنحها أيّ موجود سواكم.
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة