تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
إمْكَانِيَّةُ رُؤْيَةِ اللهِ تعالى وَلِقَائِهِ مِنْ قِبَلِ المُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج1/ ص196-259
2025-07-12
40
التفسير الوارد في «الميزان» لآية: "فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ"
قَالَ اللهُ الحَكِيمُ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ: {قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}. (الآية 110، من السورة 18: الكهف).
قال حضرة استاذنا الأكرم آية الحقّ والعرفان وسند العلم والإيقان: آية الله العلّامة الطباطبائيّ تغمده الله بأعلى رضوانه، ورفع درجته بما لا يدرك به عقل بشر ولا مَلَك ولا جنّ ولا أحد سوى ذاته الأقدس، في تفسيره لهذه الآية الكريمة: «الآية خاتمة السورة وتلخّص غرض البيان فيها وقد جمعت اصول الدين الثلاثة وهي التوحيد والنبوّة والمعاد فالتوحيد ما في قوله: {أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ}. والنبوّة ما في قوله: {إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ}، وقوله: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً}- إلى آخره. والمعاد ما في قوله: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ}.
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٍ}.
القصر الأوّل قصره صلى الله عليه وآله في البشريّة المماثلة لبشريّة الناس لا يزيد عليهم بشيء ولا يدّعيه لنفسه قبال ما كانوا يزعمون أنّه إذا ادّعى النبوّة فقد ادّعى كينونة إلهيّة وقدرة غيبيّة، ولذا كانوا يقترحون عليه بما لا يعلمه إلّا الله ولا يقدر عليه إلّا الله، لكنّه صلى الله عليه وآله نفى ذلك كلّه بأمر الله عن نفسه ولم يثبت لنفسه إلّا أنّه يوحى إليه.
والقصر الثاني قصر الإله الذي هو إلههم في إله واحد وهو التوحيد الناطق بأنّ إله الكلّ إله واحد.
وقوله: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ}- إلى آخره، مشتمل على إجمال الدعوة الدينيّة وهو العمل الصالح لوجه الله وحده لا شريك له وقد فرّعه على رجاء لقاء الربّ تعالى وهو الرجوع إليه إذ لو لا الحساب والجزاء لم يكن للأخذ بالدين والتلبّس بالاعتقاد والعمل موجب يدعو إليه، كما قال تعالى: أن }الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ}.[1]
وقد رُتّب على الاعتقاد بالمعاد العمل الصالح وعدم الإشراك بعبادة الربّ، لأنّ الاعتقاد بالوحدانيّة مع الاشتراك في العمل متناقضان لا يجتمعان فالإله تعالى لو كان واحداً فهو واحد في جميع صفاته ومنها المعبوديّة لا شريك له فيها.
وقد رُتّب الأخذ بالدين على رجاء المعاد دون القطع به، لأنّ احتماله كاف في وجوب التحذّر منه لوجوب دفع الضرر المحتمل، وربّما قيل: أن المراد باللقاء لقاء الكرامة وهو مرجو لا مقطوع به.
وقد فرّع رجاء لقاء الله على قوله: {أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ}، لأنّ رجوع العباد إلى الله سبحانه من تمام معنى الالوهيّة، فله تعالى كلّ كمال مطلوب وكلّ وصف جميل ومنها فعل الحقّ والحكم بالعدل وهما يقتضيان رجوع عباده إليه والقضاء بينهم، قال تعالى: {وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ، أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار}.[2]
في «الدرّ المنثور» أخرج ابن مندة وأبو نعيم في الصحابة وابن عساكر من طريق السديّ الصغير عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام أو تصدّق فذكر بخير ارتاح له فزاد في ذلك لمقالة الناس، فلامه الله فنزل في ذلك: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.
و ورد نحو منه في عدّة روايات اخر من غير ذكر الاسم وينبغي أن يُحمل على انطباق الآية على المورد، فمن المستبعد أن يُنزل خاتمة سورة من السور لسبب خاصّ بنفسها.
و فيه عن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في الآية قال النبيّ صلى الله عليه [و آله] وسلّم: أن رَبَّكُمْ يَقُولُ: أنَا خَيْرُ شَرِيكٍ؛ فَمَنْ أشْرَكَ مَعِي في عَمَلِهِ أحَداً مِنْ خَلْقِي تَرَكْتُ العَمَلَ كُلَّهُ لَهُ، ولَمْ أقْبَلْ إلَّا مَا كَانَ لي خَالِصاً. ثُمَّ قَرَأ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وسَلَّمَ: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.
و في «تفسير العيّاشيّ» عن علي بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الله تبارك وتعالى: أنَا خَيْرُ شَرِيكٍ؛ مَنْ أشْرَكَ بِي في عَمَلِهِ لَمْ أقْبَلْهُ، إلَّا مَا كَانَ لي خَالِصاً!
قال العيّاشيّ: وفي رواية أخرى عنه عليه السلام قال: أن اللهَ يَقُولُ: أنَا خَيْرُ شَرِيكٍ؛ مَنْ عَمِلَ لي ولِغَيْرِي فَهُوَ لِمَنْ عَمِلَ لَهُ دُونِي.
وفي «الدرّ المنثور» أخرج أحمد وابن أبي الدنيا وابن مردويه والحاكم وصحّحه، والبيهقيّ عن شدّاد بن أوس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلّم يقول: مَنْ صلى يُرَائِي فَقَدْ أشْرَكَ، ومَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أشْرَكَ، ومَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فَقَدْ أشْرَكَ؛ ثُمَّ قَرَأ: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ}- (الآية).
وفي «تفسير العيّاشيّ» عن زرارة وحمران، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا:
لَوْ أن عَبْداً عَمِلَ عَمَلًا يَطْلُبُ بِهِ رَحْمَةَ اللهِ والدَّارَ الآخِرَةَ، ثُمَّ أدْخَلَ فِيهِ رِضَا أحَدٍ مِنَ النَّاسِ كَانَ مُشْرِكاً.
والروايات في هذا الباب من طرق الشيعة وأهل السنّة فوق حدّ الإحصاء، والمراد بالشرك فيها الشرك الخفيّ غير المنافي لأصل الإيمان، بل لكماله، قال تعالى: {وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وهُمْ مُشْرِكُونَ}.[3] فالآية تشمله بباطنها لا بتنزيلها.
وفي «الدرّ المنثور» أخرج الطبرانيّ وابن مردويه عن أبي حكيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى امَّتِي إلَّا خَاتِمَةُ سُورَةِ الكَهْفِ لَكَفَتْهُمْ.
أقول: تقدّم وجهه في البيان السابق. تَمَّ والحَمْدُ لِلَّهِ».[4]
إمكان لقاء الله منحصر في التوحيد الخالي من شوائب الشرك:
ومحصّل الكلام، أن هذه الآية الكريمة والروايات الواردة في تفسيرها تُفهمنا أن لقاء الله وزيارته تكون ممكنة فقط، للذين آمنوا بالله ولم يُشركوا به أحداً بأيّ وجه من الوجوه، سواء أ كان ذلك ظاهراً أم باطناً، ولا في مقام الوجود والذات، ولا في مقام الاسم والصفة، ولا في مقام الفعل والعمل، بل أن يُؤْثِروا الله وحده، ويعتبرونه المؤثّر الوحيد، إذ: لا مُؤَثِّرَ في الوُجودِ إلّا اللهُ، لا في منهاج الشرك الظاهر، ولا الباطن.
ومعنى الشرك، إعطاء صفة التدخّل لعمل الغير في عمل الله. فمثلًا، اعتبار الذهاب إلى الطبيب واستعمال الدواء والتعافي، يعتبر شركاً، إذا لوحظ ذلك من منظار التأثير الاستقلاليّ، وإن كان ذلك بمعيّة الله. وإذا لوحظ ذلك من منظار أن الطبيب محكوم بأمر وإرادة الله، وأن الدواء أيضاً محكوم بتأثير وأمر الله، وأن الحصول على الشفاء، هو بأمر الله ومشيئته، فإنّ ذلك هو ما يسمّى بالتوحيد، إذ لا توجد فيه شائبة شرك أبداً.
وعلى المؤمن أن ينفي جميع المؤثّرات الاستقلاليّة التي كان يعتبرها من قبل فاعلة، ويطرد ذلك عن نفسه وداخله في سبيل الوصول إلى الله، حتى يتسنّي له زيارة الله كما ينبغي له، وإلّا فإنّ ذلك ليس الله حتى وإن رآه من وراء حجاب الخيال والوهم.
والآن، فهل كانت تلك العجوز تعلم حقّاً، أن الله موجود أم لا؟ نعم، كانت تعلم ومن خلال مغزلها، بل كانت على يقين من ذلك، ولكن من وراء ألف حجاب. أن دين العجائز ذلك، ينفع العجائز أنفسهنّ، لا السالكين، فرُبّ شخص جالس وراء بوّابة المدينة العالي وسورها، وهو يعلم أن ما يصدر من المدينة من أصوات وضوضاء، دليل على وجود السكّان فيها، إلّا أن ذلك يختلف كثيراً عمّن تسوّر ذلك الجدار ونظر إلى المدينة بمنظار قويّ، وأفضل من هذا وذاك، من فتح بوّابة المدينة، وسار في شوارعها وأزقّتها وأسواقها ومساجدها، ثمّ دخل المساجد والمدارس، وتعرّف على أفرادها، واستعلم من العلماء والمدرّسين والطلّاب عن مناهجهم الدراسيّة، وتعرّف على معابدها ومدارسها والمستوى العلميّ لعلماء العرفان فيها، ومساحة مصلّاهم، وهل يتبع سكنتها النصائح الإسلاميّة في الطبّ، أم أنّهم بحاجة إلى مستشفى ومستوصف وطبيب ودواء؟ فما الفرق إذاً بين الشخص الواقف وراء الجدار، وذلك الذي دخل المدينة وتعرّف على أهلها واستأنس إلى أصحابها؟ الحقّ، أن الفرق بينهما، كالبعد بين المشرق والمغرب، وإن كان هذان الشخصان أخوين جلسا في مكان واحد، وكانا يعيشان في زمان واحد، وينحدران من أصل واحد، ونسب وسبب مشتركين.
فلنخرج الآن من دين العجائز ومن التعرّف على البعير بالبعرة وبها كذلك على الحيوان الحيّ، وعلينا الاستزادة من المعلومات، وذلك أن هذا النوع من المعارف، خاصّ بالضعفاء، وبالمعرفة الإجماليّة دون التفصيليّة. فعلينا الحصول على المعرفة التفصيليّة، وأن نتأسّى بأمير المؤمنين عليه السلام، وعلينا البحث في «نهج البلاغة» و«التوحيد» للصدوق.
يَا مَنْ دَلَّ على ذَاتِهِ بِذَاتِهِ، وتَنَزَّهَ عَنْ مُجَانَسَةِ مَخْلُوقَاتِهِ:
علينا أن ننهج منهج امّهات التفاسير للقرآن الكريم، والبحث عن حلّ جدّي، وأن نرجع إلى «الصحيفة العلويّة» و«الصحيفة السجادية»، ولِنَستعين بهما في طريق معرفة الله. علينا أن نفهم جيّداً معنى: «يَا مَنْ دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ بِذَاتِهِ، وتَنَزَّهَ عَنْ مُجَانَسَةِ مَخْلُوقَاتِهِ، وجَلَّ عَنْ مُلَائمَةِ كَيْفِيَّاتِهِ. يَا مَنْ قَرُبَ مِنْ خَطَرَاتِ الظُّنُونِ، وبَعُدَ عَنْ لَحَظَاتِ العُيُونِ، وعَلِمَ بِمَا كَانَ قَبْلَ أن يَكُونَ»
لَا إلَهَ إلَّا أنتَ، سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وبِحَمْدِكَ! مَنْ ذَا يَعْرِفُ قَدْرَكَ فَلَا يَخَافُكَ؟! ومَنْ ذَا يَعْلَمُ مَا أنْتَ فَلَا يَهَابُكَ؟! فَيَا مَنْ تَوَحَّدَ بِالعِزِّ والبَقَاءِ، وقَهَرَ العِبَادَ بِالمَوْتِ والفَنَاءِ![5]
و معنى: بِكَ عَرَفْتُكَ، وأنْتَ دَلَلْتَنِي عَلَيْكَ ودَعَوْتَنِي إلَيْكَ، ولَوْ لَا أنْتَ لَمْ أدْرِ مَا أنْتَ!
و هذه فقرات من دعاء سيّد الساجدين الإمام علي بن الحسين عليهما السلام وأفضل الصلوات، التي تبدأ بـ: إلَهِي! لَا تُوَدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ، ولَا تَمْكُرْ بِي في حِيلَتِكَ! مِنْ أيْنَ لي الخَيْرُ يَا رَبِّ ولَا يُوجَدُ إلَّا مِنْ عِنْدِكَ، ومِنْ أيْنَ لي النَّجَاةُ ولَا تُسْتَطَاعُ إلَّا بِكَ! لَا الذي أحْسَنَ اسْتَغْنَى عَنْ عَوْنِكَ ورَحْمَتِكَ؛ ولَا الذي أسَاءَ واجْتَرَأ عَلَيْكَ ولَمْ يُرْضِكَ خَرَجَ عَنْ قُدْرَتِكَ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِ! و قد كرّر الإمام عليه السلام كلمة «يَا رَبِّ» حتى انقطع نفسه، ثمّ قال: بِكَ عَرَفْتُكَ ... إلى آخر الدعاء الشريف والعالي المضامين، الذي يدلّ على أن الإمام ينادي من أقصى نقاط التوحيد في حرم معبوده المحبوب ومحرابه، ويناجي في حرم الذات أن لَا يَسَعُنِي فِيهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولَا نَبِيّ مُرْسَلٌ.[6]
فإذا أمعنّا النظر في العبارات «يَا مَنْ دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ بِذَاتِهِ»، و«بِكَ عَرَفْتُكَ وأنْتَ دَلَلْتَنِي عَلَيْكَ ودَعَوْتَنِي إلَيْكَ، ولَوْ لَا أنْتَ لَمْ أدْرِ مَا أنْتَ» فسنخلص أوّلًا إلى أن طريق لقاء ذات الله وزيارتها مفتوح؛ وثانياً، لا يمكن أن يكون معرّف تلك الذات المقدّسة، إلّا الذات المقدّسة نفسها؛ وثالثاً، أن جميع الموجودات الآفاقيّة والأنفسيّة والملكيّة والملكوتيّة، لا يمكنها أن تدلّ على ذات الله، فعليه هو أن يعرّف نفسه ويدلّ عليها.
فقرات من مناجاة تاج الدين ابن عطاء الله الإسكندريّ:
إلَهِي! كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ في وُجودِهِ مُفْتَقِرٌ إلَيْكَ؟! أ يَكونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيْسَ لَكَ حتى يَكونَ هُوَ المُظْهِرَ لَكَ؟!
مَتَى غِبْتَ حتى تَحْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ؟! ومتى بَعُدْتَ حتى تَكُونَ الآثَارُ هي التي تُوصِلُ إلَيْكَ؟!
إلَهِي! عَمِيَتْ عَيْنٌ لَا تَرَاكَ عَلَيْها رَقِيباً، وخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً!
غزل «فروغي البسطاميّ» في ظهور الله تعالى في جميع العوالم:
و ما أروعَ القصيدة الغزليّة التالية للفروغي البسطاميّ والتي ضمّت في جَنَباتها هذه الحقيقة، حيث قال فيها:
كى رفتهاى ز دل كه تمنّا كنم ترا *** كى بودهاى نهفته كه پيدا كنم ترا
غائب نگشتهاى كه شوم طالب حضور *** پنهان نگشتهاى كه هويدا كنم ترا
با صد هزار جلوه برون آمدى كه من *** با صد هزار ديده تماشا كنم ترا
چشمم به صد مجاهده آئينه ساز شد *** تا با يكى مشاهده شيدا كنم ترا
بالاى خود در آينه چشم من ببين *** تا با خبر ز عالم بالا كنم ترا
مستانه كاش بر حرم ودير بگذري *** تا قبلهگاه مؤمن وترسا كنم ترا
خواهم شبى نقاب ز رويت برافكنم *** خورشيد كعبه، ماه كليسا كنم ترا[7]
گر افتد آن دو زلف چليپا به چنگ من *** چندين هزار سلسله در پا كنم ترا
طوبى وسدره گر به قيامت به من دهند *** يكجا فداى قامت رعنا كنم ترا
زيبا شود به كارگهِ عشق كار من *** هرگه نظر به صورت زيبا كنم ترا
رسواى عالمى شدم از شور عاشقي *** ترسم خدا نخواسته رسوا كنم ترا
با خيل غمزه گر به وثاقم گذر كني *** مير سپاه، شاهِ صفآرا كنم ترا[8]
نعم، أن هذين الدعاءين الأخيرين «إلَهِي! كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ»، و«إلَهِي! عَمِيَتْ عَيْنٌ»، هما الفقرتان 19 و20 من المجموعة الخامسة والثلاثين من مناجاة الشيخ تاج الدين أحمد بن محمّد بن عبد الكريم بن عطاء الله الإسكندريّ المتوفّى سنة 709 هـ.[9]
فقرات المناجاة التي تُخبر عن التوحيد المحض:
شرح مناجاة ابن عطاء الله الإسكندريّ
و أمّا البقيّة، فهي كما يلي:
1- إلَهِي! أنَا الفَقِيرُ في غِنَايَ، فَكَيْفَ لَا أكُونُ فَقِيراً في فَقْرِي؟!
(و هذا الغِنى هو عين الحاجة والعوز لأنّه منك أنتَ! فكيف إذن لا أكونُ فقيراً إليك ومُحتاجاً لك في عين فقري وحاجتي اللتين كانتا حالة عدمي؛ وكان أصل وجودي وأساسه ومنشأه هما الفقدان والعدم؛ والفَناء وكَتْم العدم كانتا المادّة الأوّليّة لحدوثي وتحقُّقي في المرحلة الماهويّة؟!).
2 - إلَهِي! أنَا الجَاهِلُ في عِلْمِي، فَكَيْفَ لَا أكُونُ جَهُولًا في جَهْلِي؟!
(و هذا العِلم هو عين الجهل لأنّه منك. فكيف إذن لا أكون ثابتاً على الجهل في نفس الوقت الذي تغمرني فيه جهالتي وجهلي واللتان كانتا لي حالة العدم الأصليّ والفقدان الماهويّ والعدم الذاتيّ؟!).
3 - إلَهِي! أن اخْتِلَافَ تَدْبِيرِكَ وسُرْعَةَ حُلُولِ مَقَادِيرِكَ، مَنَعَا عِبَادَكَ العَارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إلَى عَطَاءٍ واليَأسِ مِنْكَ في بَلَاءٍ!
(و ذلك لأنّ سرعة حلول البلايا في عقب النِّعَم والآلاء، وسرعة حلول النِّعَم والآلاء في عقب البلايا شديدة جدّاً ومستمرّة بالتناوب والتعاقب كالدولاب والعجلة اللتان تدوران باستمرار، وهي لا تهب أحداً سكوناً أو هدوءاً في مقابل النِّعَم والآلاء أو اضطراباً أو قلقاً في مقابل النِّقَم والبلايا، إلّا الجاهلين بمقام عزّة الربوبيّة والخاوية جعبهم من أسرار حَرَمه وحَريمه؛ وهي لا تطرأ على العارفين بك وبجلالك الأقدس وجمالك المُقدّس، والمؤمنين بإرادتك القاهرة ومشيّتك الظاهرة!).
4 - إلَهِي! مِنِّي مَا يَلِيقُ بِلُؤْمِي؛ ومِنْكَ مَا يَلِيقُ بِكَرَمِكَ!
(لأنّي لا شيء، وفقير وحادث وعاجز وجاهل؛ كلّ تلك العلامات السوداء والبقع الداكنة الناشئة ماهيّتي البائسة وهي ممّا يناسبني تماماً ويليق بي؛ وأمّا أنت، فأنت الوجود المطلق والغنيّ بالذات والقديم بالأصالة والقادر والعالِم؛ ولا تَدلّ هذه الصفات إلّا ازدياد مرتبة الشرف والفضيلة والكرامة والمجد والعظمة).
5 - إلَهِي! وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ والرَّأفَةِ بِي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِي؛ أ فَتَمْنَعُنِي مِنْهُمَا بَعْدَ وُجُودِ ضَعْفِي؟!
(و ذلك لأنّ الصفتين اللتين ذكرتهما أنت في القرآن الكريم: اللُّطف والرأفة، ليستا مختصّتين بالضعف أو غيره في عبادك).
6 - إلَهِي! أن ظَهَرَتِ المَحَاسِنُ مِنِّي، فَبِفَضْلِكَ ولَكَ المِنَّةُ عَلَيَّ؛ وأن ظَهَرَتِ المَسَاوِئُ مِنِّي، فَبِعَدْلِكَ ولَكَ الحُجَّةُ على!
(و ذلك لأنّ حسناتي وفضائلي إنّما هي جميعاً موهوبة لي لا عن استحقاق ذاتيّ، بل بفضل منك ورحمة، بعيداً عن المادّة الأوّليّة. وأمّا سيّئاتي ومساوئي فلم تكن من عندك، لأنّ النقص والعيب لا يعتريانك (أبداً)، ولا يصدر عنك ظُلم أو جور؛ والشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ! لأنّك المَلِكُ والمالك؛ تأتي بما تشاء في حوزة ملكك وسلطانك؛ ولَكَ الحُجَّةُ على في جَميِعِ ذَلِكَ! فلو بَدرتْ منّي المساوئ أو ظهر شيء منها فهي منّي، واستناداً إلى قانون العقوبات الخاصّ بالعبوديّة فإنّ تعزيرك وتأديبك لي ومعاقبتي لا يكون إلّا من جهة عدلك؛ ولو ظهرت منّي محاسن أو فضائل فهي لم تكن لتظهر لو لا فضلك على ومشيئتك في زيادة خيري والمَنّ على برحمتك وفضلك. وعلى هذا، ففضلك قائم وتفضّلك سابق!).
7 - إلَهِي! كَيْفَ تَكِلُنِي وقَدْ تَوَكَّلْتَ بِي؟! (بإيصال المنافع إلى ودفع المضارّ عنّي والتحرّك في مراحل الاستعداد في كلّ حال) وكَيْفَ اضَامُ وأنْتَ النَّصِيرُ لي؟! أمْ كَيْفَ أخِيبُ وأنْتَ الحَفِيّ بِي؟!
هَا أنَا أتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِفَقْرِي إلَيْكَ! وكَيْفَ أتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِمَا هُوَ مُحَالٌ أن يَصِلَ إلَيْكَ؟! (لأنّ كلّ ما هو موجود من مُلك وملكوت يرزح تحت أمرك؛ لا فوق أمرك ولا مساوياً له) أمْ كَيْفَ أشْكُو إلَيْكَ حَالِي وهي لَا تَخْفَي عَلَيْكَ؟! أمْ كَيْفَ اتَرْجِمُ لَكَ بِمَقَالِي وهُوَ مِنْكَ بَرَزَ إلَيْكَ؟! أمْ كَيْفَ تَخِيبُ آمَالِي وهي قَدْ وَفَدَتْ إلَيْكَ؟! أمْ كَيْفَ لَا تَحْسُنُ أحْوَالِي وبِكَ قَامَتْ وإلَيْكَ؟!
8 - إلَهِي! مَا ألْطَفَكَ بِي مَعَ عَظِيمِ جَهْلِي! ومَا أرْحَمَكَ بِي مَعَ قَبِيحِ فِعْلي!
(إن لطفك بدأ من لحظة جهلي بمقامك وقَدْركَ، فأرشدتني، ومن ظُلمات الجهل والفِتَن حرّرتني! وأن رحمتك بدأتْ ساعة اجتراحي للسيّئات والمعاصي، فكنتَ حليماً وكريماً «معي» في حين لا يبدر منّي إلّا التقصير في أداء واجباتي!).
9 - إلَهِي! مَا أقْرَبَكَ مِنِّي، ومَا أبْعَدَنِي عَنْكَ!
(إن تَقرّبك إلى ناجم عن أصل وجودك وذاتك المقدّسة وقدرتك وعِلمكَ ومشيّتك وإرادتك وسيطرتك وهيمنتك، التي لا تُوصَف؛ وما ابتعادي منك وبُعدي عنك إلّا نتيجة ظُلمة ماهيّة الإمكان والبون الشاسع بين عبوديّتي وربوبيّتك!).
10 - إلَهِي! مَا أرْأفَكَ بِي! فَمَا الذي يَحْجُبُنِي عَنْكَ؟!
(إن مظاهر عالَم الكون جميعاً هي دلائل وشواهد على رأفتك؛ ويتوجّب على أن أراك واشاهدك في جميع تلك المظاهر! فما السبب إذن وراء احتجاب قلبي (و بصيرتي) عن شرف التقرّب إليك، والكرامة والفضيلة في رؤيتك ومشاهدتك؟!).
11 - إلَهِي! قَدْ عَلِمْتُ بِاخْتِلَافِ الآثَارِ وتَنَقُّلَاتِ الأطْوَارِ أن مُرَادَكَ مِنِّي أن تَتَعَرَّفَ إلى في كُلِّ شَيءٍ حتى لَا أجْهَلَكَ في شَيءٍ!
نعم، لأنّ جميع موجودات العالم سوى الله، مرتبطة بظهوره، فهو ظاهر فيها بالذات أوّلًا، وبالعرض وظهور الإنّيّة والماهيّة عندها ثانياً.
در هر چه بنگرم تو پديدار بودهاى *** اى نانموده رخ تو چه بسيار بودهاى[10]
أبيات هاتف الإصبهانيّ في تجلّي الله تعالى في كلّ مكان:
يار بىپرده از در وديوار *** در تجلّى است يا اولى الأبصار
شمع جوئى وآفتابْ بلند *** روز بس روشن وتو در شب تار
گر ز ظلمات خود رهى، بيني *** همه عالم مشارق الأنوار
كوروَش قائد وعصا طلبي *** بهر اين راه روشن وهموار
چشم بگشا به گلستان وببين *** جلوهي آب صاف در گل وخار[11]
ز آب بىرنگ صد هزاران رنگ *** لاله وگل نگر در آن گلزار
پا به راه طلب نِه از ره عشق *** بهر اين راه توشهاى بردار
شود آسان ز عشق كارى چند *** كه بود نزد عقل بس دشوار
يار گو بالغُدُوّ والآصال *** يار جو بالعَشى والإبكار
صد رهت لَنْ تَرانى ار گويد *** باز مىدار ديده بر ديدار
تا به جائى رسى كه مىنرسد *** پاى اوهام وپايه افكار[12]
بار يابى به محفلى كآنجا *** جبرئيل امين ندارد بار
اين ره، آن زادِ راه، آن منزل *** مرد راهى اگر بيا وبيار
ورنه اى مرد راه چون دگران *** يار مىگوى وپشت سر مىخار
هاتف ارباب معرفت كه گهى *** مست خوانندشان وگه هشيار
از مى وبزم وساقى ومطرب *** وز مُغ ودير وشاهد وزُنّار
قصد ايشان نهفته اسرارى است *** كه به ايما كنند گاه اظهار[13]
پى برى گر به رازشان داني *** كه همين است سرّ آن اسرار
كه يكى هست وهيچ نيست جز او *** وَحْدَهُ لا إلَهَ إلّا هُو[14]
12 - إلَهِي! كُلَّمَا أخْرَسَنِي لُؤْمِي، أنْطَقَنِي كَرَمُكَ! وكُلَّمَا أيْأسَتْنِي أوْصَافِي، أطْمَعَتْنِي مِنَنُكَ!
13 - إلَهِي! مَنْ كَانَتْ مَحَاسِنُهُ مَسَاوِئَ، فَكَيْفَ لَا تَكُونُ مَسَاوِؤُهُ مَسَاوِئَ؟! ومَنْ كَانَتْ حَقَائِقُهُ دَعَاوى، فَكَيْفَ لَا تَكُونُ دَعَاوِيهِ دَعَاوى؟!
(لأنّ العيوب والنقصان والزلل وغير ذلك تتخلّل محاسنه، ولهذا فإنّ مَعاد تلك المساوئ إنّما يكون إلى القبح؛ فكيف إذا ما تطرّقنا إلى قبائحه ومساوئه التي يكون فيها القبح أصلًا لها ومادّة تتكوّن منها؟! وإذا ما تأمّلتَ حقائق كلامه وسلوكه لرأيت أن محاسنه قد امتزجتْ مع ادّعاءاته الكاذبة والباطلة؛ فكيف إذا تطرّقنا إلى ادّعاءاته التي هي باطلة وكاذبة من الأساس؟!).
14 - إلَهِي! حُكْمُكَ النَّافِذُ، ومَشيَّتُكَ القَاهِرَةُ، لَمْ يَتْرُكَا لِذِي مَقَالٍ مَقَالًا، ولَا لِذِي حَالٍ حَالًا!
(لأنّ كلّ صاحب حديث وكلام مهما كان حديثه جميلًا وكلامه ممتعاً، وكلّ صاحب حال مهما كان في يُسر ورخاء، قد يتحوّل كلّ ما لديه فجأةً إلى عدم وخراب وذلك على أساس الحكم النافذ للحقّ تعالى ومشيّته الغالبة).
15 - إلَهِي! كَمْ مِنْ طَاعَةٍ بَنَيْتُهَا، وحَالَةٍ شَيَّدْتُهَا، هَدَمَ اعْتِمَادِي عَلَيْهَا عَدْلُكَ! بَلْ أقَالَنِي مِنْهَا فَضْلُكَ!
(و ذلك لأنّ صفة العدل (التي تمتلكها) لم تترك لي طاعةً أو حالةً يمكنني الاتّكاء والاعتماد عليها، لكنّ اتّصافك بالفضل هو أملي وكلّ ما بقي لي؛ وها هي ذي يدي فارغة إلّا من النظر إلى فضلك الزائد ورحمتك الواسعة، إذ لم يبقَ لي شيء غيرهما).
16 - إلَهِي! إنَّكَ تَعْلَمُ: وأن لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنِّي فِعْلًا جَزْماً، فَقَدْ دَامَتْ مَحَبَّةً وعَزْماً!
17 - إلَهِي! كَيْفَ أعْزِمُ وأنْتَ القَاهِرُ؟! وكَيْفَ لَا أعْزِمُ وأنْتَ الآمِرُ؟!
(لأنّي عَرَفْتُ اللهَ بِنَقْضِ العَزَائِمِ. وأن ما يعتري الحالات من تبديل وتبدّل إنّما هما من الامور العجيبة والمدهشة ومن الأسرار الغامضة الرائعة التي لا يمكن لأحد غير الذات المقدّسة للحقّ تعالى الوصول إليها والعِلم بها).
18 - إلَهِي! تَرَدُّدِي إلَيْكَ في الآثَارِ، يُوجِبُ بُعْدَ المَزَارِ؛ فَاجْمَعْنِي عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِي إلَيْكَ!
19 - إلَهِي! كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِمَا هُوَ في وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إلَيْكَ- إلى آخره.
20 - إلَهِي! عَمِيَتْ عَيْنٌ لَا تَرَاكَ عَلَيْهَا قَرِيباً رَقِيباً- إلى آخره.
(و قد مرّ تفسير هاتين الفقرتَيْن).
21 - إلَهِي! أمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إلَى الآثَارِ، فَأرْجِعْنِي إلَيْهَا بِكِسْوَةِ الأنْوَارِ وهِدَايَةِ الاسْتِبْصارِ، حتى أرْجِعَ إلَيْكَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ إلَيْكَ مِنْهَا مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إلَيْهَا، ومَرْفُوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاعْتِمَادِ عَلَيْها؛ إنَّكَ عَلَى كُلِ شَيءٍ قَدِيرٌ!
22 - إلَهِي! هَذَا ذُلِّي ظَاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ! وهَذَا حَالِي لَا يَخْفَي عَلَيْكَ! مِنْكَ أطْلُبُ الوُصُولَ إلَيْكَ! وبِكَ أسْتَدِلُّ عَلَيْكَ! فَاهْدِنِي بِنُورِكَ إلَيْكَ! وأقِمْنِي بِصِدْقِ العُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ!
(لأنّه ثبت لدى وأصبح مشهوداً أن لا مُؤثِّرَ غير على الإطلاق، وأن جميع الأسباب محكومة بحكمك وتابعة لاختيارك وانتخابك ومشيّتك. ولذا، فأنت وحدك يمكنك أن تفتح لي طريق الوصول إلى حرم عزّتك (و حريم قدسك)! وهذه الآثار هي ظهوراتك، وأنت الظاهر من خلالها، فأطلبُ منكَ يا مَن تُمثّل تلك الظهورات أن توصلني إلى الظهورات التي هي وجودك المقدّس! وخَلّصني من دعاواى بقَدم الصدق النافية للدعاوى الباطلة، وأقِمني في عالَم التحقّق والواقعيّة بكلّ معنى الكلمة).
23 - إلَهِي! عَلِّمْنِي مِنْ عِلْمِكَ المَخْزُونِ، وصُنِّي بِسِرِّ اسْمِكَ المَصُونِ!
(فقد خصصتَ بذلك العِلم المخزون أولياءك الموثوق بهم من قِبَلِك المُتوكّلين عليك. وحفِظتَ بذلك الاسم الخاصّ كلّ محبّ صادق وحبيب مخلص وصُنتَه من كيد الأعداء كالشيطان والنفس الأمّارة بالسوء، واكتَنَفتَه بقدرتك وعزّتك! أسألك (إلهي) أن تُلحِقَني بهم).
24 - إلَهِي! حَقِّقْنِي بِحَقَائِقِ أهْلِ القُرْبِ، واسْلُكْ بِي مَسَالِكَ أهْلِ الجَذْبِ!
(إن الذين وقفوا على بساط الاضطرار لمواجهة الافتقار، يتوسّلون بك على الدوام وهم بك متمسّكون وبحبلك معتصمون، لأنّهم وجدوا طريقهم إلى معرفتك!).
25 - إلَهِي! أغْنِنِي بِتَدْبِيرِكَ عَنْ تَدْبِيرِي! وبِاخْتِيَارِكَ عَنِ اخْتِيَارِي! وَ أوْقِفْنِي عَلَى مَرَاكِزِ اضْطِرَارِي!
(حتّى لا أشكو حالي! ولا أكشف سِرّي بكلامي! وأجعلُ منك شاهداً على (في كلّ الأحوال) ورقيباً (على أعمالي وأورادي)، وصاحب الإرادة والاختيار. وأن أكون يقظاً في مواقع الضعف والحاجة حتى لا أجرأ، لا سمح الله، على نسبة الصفات الربوبيّة، التي هي من حقّك أنت، إلى نفسي وأنا عبدك المحتاج من رأسي إلى أخمص قدمَيّ!).
26 - إلَهِي! أخْرِجْنِي مِنْ ذُلِّ نَفْسِي! وطَهِّرْنِي مِنْ شَكِّي وشِرْكِي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِي! بِكَ أسْتَنْصِرُ فَانْصُرْنِي، وعَلَيْكَ أتَوَكَّلُ فَلَا تَكِلْنِي، ولِجَنابِكَ أنْتَسِبُ فَلَا تُبْعِدْنِي عَنْكَ، وبِبَابِكَ أقِفُ فَلَا تَطْرُدْنِي، وإيَّاكَ أسْألُ فَلَا تُخَيِّبْنِي!
27 - إلَهِي! تَقَدَّسَ رِضَاكَ أن تَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ، فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِّي! أنْتَ الغَنِيّ بِذَاتِكَ عَنْ أن يَصِلَ إلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ، فَكَيْفَ لَا تَكُونُ غَنيّاً عَنِّي؟!
28 - إلَهِي! أن القَضَاءَ والقَدَرَ غَلَبَنِي! وأن الهوى بِوَثَاقِ الشَّهْوَةِ أسَرَنِي! فَكُنْ أنْتَ النَّصِيرَ لي حتى تَنْصُرَنِي في نَفْسِي وتَنْصُرَ بِي! وأغْنِنِي بِجُودِكَ حتى أسْتَغْنِيَ بِكَ عَنْ طَلَبِي! أنْتَ الذي أشْرَقْتَ الأنْوَارَ في قُلُوبِ أوْلِيَائِكَ! وأنْتَ الذي أزَلْتَ الأغْيَارَ مِنْ قُلُوبِ أحْبَابِكَ! أنْتَ المُؤنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أوْحَشَتْهُمُ العَوالِمُ؛ وأنْتَ الذي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمُ المَعَالِمُ! مَا ذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ؟! ومَا الذي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟! لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلًا! ولَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغَي عَنْكَ مُتَحَوَّلًا!
29 - إلَهِي! كَيْفَ يُرْجَى سِوَاكَ وأنْتَ الذي مَا قَطَعْتَ الإحْسَانَ؟! وَ كَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وأنْتَ مَا بَدَّلْتَ عَادَةَ الامْتِنَانِ؟! يَا مَنْ أذَاقَ أحْبَابَهُ حَلَاوَةَ مُؤَانَسَتِهِ، فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ! ويَا مَنْ ألْبَسَ أوْلِيَاءَهُ مَلَابِسَ هَيْبَتِهِ، فَقَامُوا بِعِزَّتِهِ مُسْتَعِزِّينَ! أنْتَ الذَّاكِرُ مِنْ قَبْلِ ذِكْرِ الذَّاكِرينَ! وأنْتَ البَادِئُ بِالإحْسَانِ مِنْ قَبْلِ تَوَجُّهِ العَابِدِينَ! وأنْتَ الجَوَادُ بِالعَطَايَا مِنْ قَبْلِ طَلَبِ الطَّالِبِينَ! وأنْتَ الوَهَّابُ ثُمَّ أنْتَ لِمَا وَهَبْتَنَا مِنَ المُسْتَقْرِضِينَ!
30 - إلَهِي! اطْلُبْنِي بِرَحْمَتِكَ حتى أصِلَ إلَيْكَ! واجْذُبْنِي بِمِنَّتِكَ حتى اقْبِلَ عَلَيْكَ!
31 - إلَهِي! أن رَجَائِي لَا يَنْقَطِعُ عَنْكَ وأن عَصَيْتُكَ؛ كَمَا أن خَوْفِي لَا يُزَايِلُنِي وأن أطَعْتُكَ!
32 - إلَهِي! قَدْ دَفَعَتْنِيَ العَوَالِمُ إلَيْكَ؛ وأوْقَفَنِي عِلْمِي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ!
33 - إلَهِي! كَيْفَ أخِيبُ وأنْتَ أمَلِي؟! أمْ كَيْفَ اهَانُ وعَلَيْكَ مُتَّكَلِي؟!
34 - إلَهِي! كَيْفَ أسْتَعِزُّ وفي الذِّلَّةِ أرْكَزْتَنِي؟! أمْ كَيْفَ لَا أسْتَعِزُّ وإلَيْكَ نَسَبْتَنِي؟!
35 - إلَهِي! كَيْفَ لَا أفْتَقِرُ وأنْت الذي في الفَقْرِ أقَمْتَنِي؟! أمْ كَيْفَ أفْتَقِرُ وأنْتَ الذي بِجُودِكَ أغْنَيْتَنِي؟!
أنْتَ الذي لَا إلَهَ غَيْرُكَ! تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيءٍ فَمَا جَهِلَكَ شَيءٌ! وتَعَرَّفْتَ إلى في كُلِّ شَيءٍ فَرَأيْتُكَ ظَاهِراً في كُلِّ شَيءٍ! فَأنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَيءٍ! يَا مَنِ اسْتَوَى بِرَحْمَانيَّتِهِ عَلَى عَرْشِهِ فَصَارَ العَرْشُ غَيْباً في رَحْمَانيَّتِكَ [رَحْمَانيَّتِهِ]؛ كَمَا صَارَتِ العَوَالِمُ غَيْباً في عَرْشِهِ! مَحَقْتَ الآثَارَ بِالآثَارِ! ومَحَوْتَ الأغْيَارَ بِمُحِيطَاتِ أفْلَاكِ الأنْوَارِ! يَا مَنِ احْتَجَبَ في سُرَادِقَاتِ عِزِّهِ عَنْ أن تُدْرِكَهُ الأبْصَارُ! يَا مَنْ تَجَلَّى بِكَمَالِ بَهَائِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتَهُ الأسْرَارُ! كَيْفَ تَخْفَى وأنْتَ الظَّاهِرُ؟! أمْ كَيْفَ تَغِيبُ وأنْتَ الرَّقِيبُ الحاضر؟![15]
نعم، أن هذا الدعاء لا يمكن أن نجده في كتب أدعية الشيعة إلّا في النسخ المطبوعة لكتاب «الإقبال» للسيّد ابن طاووس رضوان الله عليه، وفي كتاب آخر، هو «مفاتيح الجنان» للمحدّث المعاصر المرحوم الحاجّ الشيخ عبّاس القمّيّ رحمة الله عليه، حيث نسباه إلى سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه أفضل الصلوات في تتمّة دعاء يوم عرفة وذيله.
نظر المجلسيّ رحمه الله في شأن دعاء عرفة وذيله:
«و محصّل الكلام أنّه وطبقاً لرواية الكفعميّ في حاشية كتاب «البلد الأمين» فإنّ السيّد حسيب (نسيب رضيّ الدين علي بن طاووس قدّس الله روحه) قال في كتاب «مصباح الزائر» ما قوله: روي بِشر وبشير (ابنا غالب الأسديّ) أن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام خرج من خيمته عصر يوم عرفة في عرفات في خضوع وخشوع وسار بهدوء حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وأولاده وغلمانه عند الجانب الأيسر لجبل عرفات [جبل الرحمة] مولّين وجوههم شطر البيت الحرام. ثمّ رفع يديه أمام وجهه كالمسكين الذي يطلب الطعام وبدأ بقراءة هذا الدعاء: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي لَيْسَ لِقَضَائِهِ دَافِعٌ- إلى آخر الدعاء والذي آخره يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِ، وليس في آخره العبارات إلَهِي! أنَا الفَقِيرُ في غِنَايَ- إلى آخره. (كان هذا ما ورد في حاشية «البلد الأمين» [و التوضيح الأخير هو لنا].
ثمّ روي السيّد ابن طاووس رواية بِشر وبَشير اللذين كانا من قبيلة «بني أسد» في كتاب «مصباح الزائر» في الكلام عن يوم عرفة بنفس الشكل الذي أوردناه نحن في حاشية «البلد الأمين»، ثمّ روي هذه الرواية حسب مضمون «البلد الأمين».[16]
كان ذلك هو كلام المجلسيّ رحمه الله في «بحار الأنوار». ثمّ ذكر عدّة أدعية أخرى عن السيّد ابن طاووس في يوم عرفة ثمّ قال: وقال السيّد: ومن الدعوات المشرّفة في يوم عرفة، دعاء مولانا الحسين بن على صلوات الله عليه وهو: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي لَيْسَ لِقَضَائِهِ دَافِعٌ ولَا لِعَطَائِهِ مَانِعٌ.
و هنا ينقل ابن طاووس هذا الدعاء المفصّل عنه (الإمام الحسين عليه السلام) مع هذه الإضافة: إلَهِي! أنَا الفَقِيرُ في غِنَايَ فَكَيْفَ لَا أكُونُ فَقِيراً في فَقْرِي- حتى يختم الدعاء بالعبارة: أمْ كَيْفَ تَغِيبُ وأنْتَ الرَّقِيبُ الحَاضِرُ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ والحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ- انتهى كلامه.
ثمّ يقول المجلسيّ رحمة الله عليه: قد أورد الكفعميّ رحمه الله عليه أيضاً هذا الدعاء في «البلد الأمين» وابن طاووس في «مصباح الزائر» كما سبق ذكرهما، ولكن ليس في آخره فيهما بقدر ورقة تقريباً وهو من قوله: إلَهِي! أنَا الفَقِيرُ في غِنَايَ إلى آخر هذا الدعاء.
و كذا لم توجد هذه الورقة في بعض النسخ العتيقة من «الإقبال» أيضاً، وعبارات هذه الورقة لا تلائم سياق أدعية السادة المعصومين أيضاً، وإنّما هي على وفق مذاق الصوفيّة. ولذلك قد مال بعض الأفاضل إلى كون هذه الورقة من مزيدات بعض مشايخ الصوفيّة ومن إلحاقاته وإدخالاته.
و بالجملة، هذه الزيادة إمّا وقعت من بعضهم أوّلًا في بعض الكتب، وأخذ ابن طاووس عنه في «الإقبال» غفلةً عن حقيقة الحال؛ أو وقعت ثانياً من بعضهم في نفس كتاب «الإقبال»؛ ولعلّ الثاني أظهر على ما أومأنا إليه من عدم وجدانها في بعض النسخ العتيقة وفي «مصباح الزائر»، والله أعلم بحقيقة الأحوال[17].
و أمّا المرحوم المحدّث القمّيّ، فقد ذكر بعد نقل هذا الدعاء إلى «يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ»، أن الإمام كان يكثر من قول «يَا رَبِ»، وأمّا الذين كانوا يستمعون إلى الدعاء، من الذين اجتمعوا من حوله، كانوا يكتفون بقول آمين.
ثمّ علت أصوات بكائهم مع الإمام عليه السلام حتى غروب الشمس، ثمّ حزموا أمتعتهم باتّجاه المشعر الحرام.
يقول المؤلّف (المحدّث القمّيّ) أن الكفعميّ نقل دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام في كتاب «البلد الأمين» إلى هذه الفقرة[18]، وأورد العلّامة المجلسيّ في «زاد المعاد»[19] هذا الدعاء الشريف كما في رواية الكفعميّ، إلّا أن السيّد ابن طاووس في كتابه «الإقبال» قد زاد على الدعاء المذكور بعد يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِ قائلًا: إلَهِي! أنَا الفَقِيرُ في غِنَايَ.
و قد نقل جميع تلك الفقرات بالتفصيل وزاد عليها في آخرها عبارة إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ والحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ[20].
المناجاة المشهورة لابن عطاء الإسكندريّ هي من تأليفه:
نعم، فإنّ هذه المناجاة والحِكَم المنقولة عن ابن عطاء الله هي في الحقيقة من تأليفه هو، وإسنادها إلى سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام غير صحيح.
فكيف يتسنّى للمرحوم السيّد ابن طاووس، وهو المتوفّى في 5 ذي القعدة سنة 664 هـ- أن يتصوّر أن هذه الفقرات من ابن عطاء الله، وهو المتوفّى في جمادي الآخرة سنة[21] [709]، وينسبها إلى الإمام عليه السلام؟ فالفاصل الزمنيّ بين وفاة هذين الشخصين هو 44 سنة وسبعة أشهر، وبذلك يكون السيّد خلال هذه المدّة، والتي تقرب من نصف قرن، قد توفّي قبل تأليف هذه الأدعية، وعلى هذا، يمكن الجزم، بأنّ إلحاق هذه الفقرات بدعاء الإمام في يوم عرفة في كتاب (الإقبال)، قد تحقّق بعد رحيل السيّد. وعليه، فإنّ الاحتمال الثاني للعلّامة المجلسيّ رحمه الله سيكون يقيناً، وأمّا الاحتمال الأوّل الذي يقول فيه: ربّما يكون قد ورد في كتب البعض، ثمّ قام ابن طاووس بنقل ذلك بدون دراية، فهو غير صحيح.
كلّا، وحاشا أن يكون السيّد وهو الذي يمتلك تلك العظمة والمنزلة، قد اقتبس هذا الكلام من كتاب عارفٍ، وألحقه في آخر دعاء الإمام، ثمّ نسبه إلى الإمام.
و الدليل على ذلك، عدم ذكر السيّد له في كتاب «مصباح الزاهر»، وعدم ورود ذلك في المخطوطات القديمة من كتاب «الإقبال»، اي أن هذه النسخ كانت موجودة في حياة السيّد، ونُسبت إليه بعد وفاته، إلّا أن المجلسيّ، ولعدم علمه بكتاب «الحِكَم العطائيّة»، ولا بمؤلّفه، أو زمان تأليفه، قد أخطأ في إسناده هذا. وأمّا خطأ المحدّث القمّيّ، وهو الخبير في فنّ البحث والتأليف، فهو أنّه، وبعد أن رأى كلام العلّامة المجلسيّ رحمه الله القائل: لم نعثر على هذه الفقرات من الدعاء في النسخ القديمة من كتاب «الإقبال»، قال في «مفاتيح الجنان»: ولكن ذكر السيّد ابن طاووس في «الإقبال» بعد كلمة «يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِ» هذه الزيادة؟ ذلك أن هذه العبارة، تؤكّد إسناد هذا الدعاء إلى السيّد ابن طاووس، وكان عليه أن يقول: وقد شوهدت هذه الإضافة في بعض نسخ كتاب «الإقبال».
و حصيلة الكلام، أن هذا الدعاء جيّد المضامين، ولطيف المعاني، وقراءته في كلّ وقت وحين مفيدة ونافعة. إلّا أنّه لا يجوز إسناده إلى سيّد الشهداء عليه السلام. والحَمْدُ لِلَّهِ أوَّلًا وآخِراً، وظَاهِراً وبَاطِناً.
نعم، فإنّ العرفاء الأفاضل يعبّرون عن التجلّي الذاتيّ المقرون بالجمال، بالطلعة البهيّة للمعشوق والمحبوب، أو إماطة الستار عن المحيّا، أو بإظهار الوجه.
و في ذلك يقول الخواجة شمس الدين محمّد حافظ الشيرازيّ أعلى الله رتبته:
ساقى بيا كه يار ز رخ پرده بر گرفت *** كار چراغ خلوتيان باز در گرفت
آن شمع سر گرفته دگر چهره بر فروخت *** وين پير سالخورده جوانى ز سر گرفت
آن عشوه داد عشق كه مفتى ز ره برفت *** وآن لطف كرد دوست كه دشمن حذر گرفت[22]
بار غمى كه خاطر ما خسته كرده بود *** عيسى دمى خدا بفرستاد وبر گرفت
زنهار از آن عبارت شيرين دلفريب *** گوئى كه پسته تو سخن در شكر گرفت
هر سرو قد كه بر مه وخور، حسن مىفروخت *** چون تو درآمدى پى كار دگر گرفت
زين قصّه هفت گنبد افلاك پر صداست *** كوته نظر ببين كه سخن مختصر گرفت
حافظ تو اين سخن ز كه آموختى كه يار *** تعويذ كرد شعر تُرا وبه بر گرفت[23]
و يجب القول، إنّه كلّما تقرّب العبد إلى الله عزّ وجلّ، زالت الحجب
إزالة الله تعالى الحُجب عن عين الإنسان إثر سلوكه الحسن:
و يجب القول، إنّه كلّما تقرّب العبد إلى الله عزّ وجلّ، زالت الحجب النفسانيّة. أن التقرّب إلى الله، يعني حالة كشف الحجاب، اي القيام بعملٍ ينتهي برفع الحجاب.
علينا أداء كلّ العبادات بنيّة التقرّب إلى الله، وإلّا، فإنّ تلك العبادات تكون باطلة، ولا قيمة لها، وإن كانت عظيمة.
إن التقرّب إلى الله، ليس المقصود به تقرّباً مكانيّاً أو زمانيّاً أو غير ذلك، لأنّ الله سبحانه وتعالى لا مكان محدّد له حتى يتقرّب الإنسان منه. ولا هو واقع في زمان معيّن حتى يقترب الإنسان إلى ذلك الزمان، أن المكان والزمان وسائر العوارض والجواهر، مخلوقات الله، وفي قبضة يمينه {وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}.[24]
إلّا أن هناك حجباً كثيرة بين النفس الإنسانيّة وربّها، تزيد على سبعين ألف حجاب، وعلى هذا، فإنّ أيّ عمل يقوم به الإنسان، سواء أ كان طاعةً، أم ترك معصية، يؤدّي إلى إزالة حجاب من تلك الحجب، شريطة أن يكون هذا العمل بقصد التقرّب إلى الله، اي أن النفس الإنسانيّة تقترب مرحلة نحو الله، فيتوضّح لها صفاؤها ونقاؤها وتطرح عن داخلها القسوة والظلمة، حتى تزول الحجب عن العبد رويداً رويداً، ولا يبقى أيّ بعدٍ نفسانيّ أو فاصلٍ مكانيّ بينه وبين ربّه.
و حينها، سيرى العبد بعين الله، ويسمع بإذنه، وينطق بلسانه، فتكون عيناه عيني الله، واذناه اذني الله، ولسانه لسان الله.
و بعبارة أوضح، حتى هذه اللحظة، كانت كلّ الصفات والأفعال
تنسب إلينا على سبيل الاستقلال، وأمّا الآن، فصفة الاستقلال هذه قد انتفت، وطُرحت في اتون النار، وتطاير رمادها في مهبّ رياح الفَناء، حيث لا يحمل العبد في وجوده وصفاته وأفعاله، غير الآيتيّة والمرآتيّة، ولهذا فالله تعالى يتلألأ في مرآة هذا العبد، ويُظهر وجوده من نافذته، وينظر بعينه، ويسمع باذنه، وينطق بلسانه، ويمشي على رِجليه، وعن أفكاره يعبّر، وبعقله يدرك، فإذاً، فالله موجود، ولا غيره، وهو يرى ويسمع ويتكلّم ويمشي ويفكّر ويدرك، وكفى.
و من هنا يقول العارف القدير الشيخ محمود الشبستري أعلى الله مقامه:
چو نيكو بنگرى در اصل اين كار *** هم او بيننده هم ديده است وديدار
حديث قدسى اين معنى بيان كرد *** فَبى يَسمَعْ وبى يُبصِرْ عيان كرد[25]
شرح اللاهيجيّ لحديث: «فَبِي يَسْمَعُ وبِي يُبْصِرُ»:
يقول الشارح المحترم لكتاب «گلشن»: وهو الشيخ محمّد اللاهيجيّ في شرحه لهذين البيتين: لأنّ كلّ ما موجود إنّما هو موجود بحقيقة كلّ وجود الحقّ، ولا شيء غير، فهذا معنى قوله: چو نيكو بنگرى در اصل اين كار *** هم او بيننده هم ديده است وديدار.
فلأنّ أصل الوجود هو الحقّ تعالى، ولا موجود غيره، فتفكّر وتأمّل مليّاً، فستعرف بأن لا وجود لغير الحقّ، فالناظر هو، والمنظور هو الإنسان، والنظرة هي للوجه الذي ينعكس في المرأة، فكلّهم الحقّ تعالى، وجميع الصور، إنّما هي مظاهر للحقّ، وقد تجلّى بكلّ صورة ومظهر، وتجلّيه الأقدس على هيئة صور الأعيان الثابتة، والتي هي الصور المعقولة للأسماء الإلهيّة المخزونة في العلم. حيث ظهر بصفة القابليّة، والتجلّي المقدّس هو المراد به التجلّي الشهوديّ، والذي يظهر جليّاً على صورة تلك الأعيان، وبحسب استعداداتها.
عشق هر دم ظهور ديگر داشت *** زان كند نقش مختلف پيدا
هر دم از كون سر برون آرد *** روى ديگر نمايد از هر جا[26]
وهذا «مقام أحديّة الجمع» و«المقام المحمّديّ» صلى الله عليه وآله وسلّم الذي تجلّت حقيقة الوحدانيّة في مظهر الفرديّة {وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ اللَّهَ رَمى}.[27] {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ}،[28] لأنّ استحكام المكشوفات ومتانتها بشهادة البراهين العقليّة، يقول:
حديث قدسى اين معنى بيان كرد *** فَبى يَسمَعْ وبى يُبصِرْ عيان كرد
والحديث القدسيّ هو أن ذلك المعنى نزل على النبيّ بدون واسطة[29]، ومعنى عبارة الحديث القدسيّ التي جاءت في البيت السابق هي: لَا يَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ، فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ ولِسَانَهُ ويَدَهُ ورِجْلَهَ. فَبِي يَسْمَعُ وبِي يُبْصِرُ وبِي يَنْطِقُ وبِي يَبْطِشُ وبِي يسعى.
وفي رواية: وبِي يَمْشِي.
اعلم أن محبّة الله الصمد من قبل العبد، عند العارفين، هي تجلٍّ لنفحات الألطاف الربّانيّة من مهبّ البوادي في غمرة تلاطم أمواج بحر الإرادة، والتي هي برزخ الغيب والشهادة، الهابّة من اسس وجود الأكوان ومفاتيح غيب الأعيان، والتي تخصّ المظاهر الظاهرة، والمجالي الزاكية، والتي هي مكمن الآثار القدسيّة، وحملة الأسرار الانسيّة، حيث تطهّر مرايا بواطن المستقبلين للفيض الجماليّ من كدورات الآثار المجالية الجسمانيّة، وظلمة الشهوات النفسانيّة، وعن طريق رفع حجاب العوائق والعلائق، ودفع عذاب القواطع والموانع، تقترب من بساط القُرب. وتُذيق متعطّشي زلال الوصال، لذّة شراب روح الانس.
ومحبّة طالب الحقّ، هي انجذاب سرّ السالك المشتاق، نحو تحصيل هذه المعاني التي هي منشأ سعادة الطالبين، ومنع كمال الراغبين، وميل باطن الطالب لدرك نتائج هذه الحقائق، حيث جمال الطالبين منها محروم وبسبب فقدان هذه الثروة والسلطان، فهم تحت نير الذلّ والعار.
شعر:
اين سعادت هر كه را در بر گرفت *** خاك پايش را فلك بر سر گرفت
هر كه او از خود به كلّى وا نرست *** نايدش درّى از اين دريا به دست
خود محبّت فارغ از ما ومن است *** هر كه او را دوست، خود را دشمن است[30]
و ما ذُكر في شرح المحبّة، هو بعينه عبارة قطب المحقّقين، الأمير سيّد على الهمدانيّ قدّس سرّه وعلى سبيل التبرّك والتيمّن نُقل بحذافيره بدون زيادة أو نقصان.
فهذا الحديث القدسيّ، أن الله تعالى، بالحقيقة، هو الناظر والمنظور، حيث «بِي يَسْمَعُ وبِي يُبْصِرُ» يوضّح هذا المعني، فالإنسان، في الواقع، هو تلك القوى والأعضاء والجوارح التي نسبها الله إليه، فإذاً كلّها هو. شطر بيت:، نامى است زمن بر من وباقي همه اوست،[31]
وهو ما يُعرف بـ مَقَامُ الفَنَاءِ بَعْدَ البَقَاءِ وإشارة لمرتبة: أطِعْنِي أجْعَلَكَ مِثْلِي ولَيْسَ كَمِثْلِي[32].
حديث: «كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ» متّفق عليه عند الفريقَينِ:
نعم، فلهذا الحديث أهمّيّة قصوى من حيث المعنى والدلالة، و أيضاً، من حيث سنده وطريقة روايته. يقول المرحوم آية الله وحجّته، العالم العظيم الشأن الحاجّ ميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ قدّس سرّه في كتابه القدير «لقاء الله»: «هذا الحديث القدسيّ، متّفق عليه من قبل جميع ملل الإسلام».[33]
أمّا عن طريق الشيعة، فقد روي الشيخ الثقة الجليل الأقدم أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ، والذي يتقدّم الشيخ الكلينيّ بالمنزلة، ومن جملة مشايخه في الإجازات، في كتابه «المحاسن» عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ، عن عبد الرحمن بن حمّاد، عن حنّان بن سدير، عن أبي عبد الله عليه السلام، أنّه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: قَالَ اللهُ: مَا تَحَبَّبَ إلى عَبْدِي بِشَيءٍ أحَبَّ إلى مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. وإنَّهُ لَيَتَحَبَّبُ إلى بِالنَّافِلَةِ حتى احِبَّهُ. فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ، ولِسَانَهُ الذي يَنْطِقُ بِهِ، ويَدَهُ التي يَبْطِشُ بِهَا، ورِجْلَهُ التي يَمْشِي بِهَا. إذَا دَعَانِي أجَبْتُهُ، وإذَا سَألَنِي أعْطَيْتُهُ. وَ مَا تَرَدَّدْتُ في شَيءٍ أنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي في مَوْتِ مُوْمِنٍ يَكْرَهُ المَوْتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ .
و نقل المجلسيّ رضوان الله عليه نفس هذا الحديث عن «المحاسن» في «بحار الأنوار» سنداً ورواية.[34]
و رواه الكلينيّ بمضمون مشابه، ولكن بسندين مختلفين:
الأوّل: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، وأبو على الأشعريّ عن محمّد بن عبد الجبّار: وجميعاً عن ابن فضّال، عن علي بن عقبة عن حمّاد بن بشير، قال: سمعت أبا عبد الله (الصادق) عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله عزّ وجلّ: مَنْ أهَانَ لي وَلِيَّاً فَقَدْ أرْصَدَ لِمُحَارَبَتِي. ومَا تَقَرَّبَ إلى عَبْدٌ بِشَيءٍ أحَبَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وإنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّافِلَةِ حتى احِبَّهُ؛ فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ، ولِسَانَهُ الذي يَنْطِقُ بِهِ، ويَدَهُ التي يَبْطِشُ بِهَا.
أن دَعَانِي أجَبْتُهُ، وأن سَألَنِي أعْطَيْتُهُ. ومَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي عَنْ مَوْتِ المُؤْمِنِ يَكْرَهُ المَوْتَ وأكْرَهُ مَسَاءَتَهُ[35].
الثاني: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيد القمّاط، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر (الباقر) عليه السلام أنّه قال: لمّا اسْرِيَ بِالنَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ قَالَ: يَا رَبِّ مَا حَالُ المُؤْمِنِ عِنْدَكَ؟!
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَنْ أهَانَ لي وَلِيَّاً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالمُحَارَبَةِ! وأنَا أسْرَعُ شَيءٍ إلَى نُصْرَةِ أوْلِيَائِي. ومَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي عَنْ وَفَاةِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ وأكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.
إن مِنْ عِبَادِيَ المُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الغِنَي ولَوْ صَرَفْتُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَهَلَكَ. وأن مِنْ عِبَادِيَ المُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الفَقْرُ، ولَوْ صَرَفْتُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَهَلَكَ.
وَ مَا يَتَقَرَّبُ إلى عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِشَيءٍ أحَبَّ إلى مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وإنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّافِلَةِ حتى احِبَّهُ؛ فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ إذاً سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ، ولِسَانَهُ الذي يَنْطِقُ بِهِ، ويَدَهُ التي يَبْطِشُ بِهَا.
إن دَعَانِي أجَبْتُهُ؛ وأن سَألَنِي أعْطَيْتُهُ[36].
وقد ذكر العلّامة المجلسيّ رضوان الله عليه، شرحاً مبسوطاً وجميلًا عند توضيحه وشرحه لهذه الرواية في كتاب «مرآة العقول» نورد هنا مقتطفات من ذلك الشرح ما يناسب هذا البحث: (هذا الحديث صحيح السند).
تحقيق الشيخ البهائيّ حول خبر «لَا يَزَالُ العَبْدُ» حسب نقل المجلسيّ:
قال الشيخ البهائيّ برّد الله مضجعه: هذا الحديث صحيح السند، وهو من الأحاديث المشهورة بين الخاصّة والعامّة. وقد رووه في صحاحهم بأدنى تغيير هكذا.[37]
وقد أطنب المرحوم الشيخ البهائيّ أعلى الله درجته، في مقام شرح وتفسير هذا الحديث، بعد ذِكر هذه الرواية هنا، مُورِداً مقتطفات من كلام الحكماء والصوفيّة. ثمّ قام بنقل كلام للمحقّق الشريف في حاشية تفسير «الكشّاف» وذلك في آخر البحث، إلى أن قال: وإنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ: النوافل جميع الأفعال غير الواجبة، وأمّا تخصيصها بالصلوات المندوبة فعُرفٌ طارٍ. ومعنى محبّة الله سبحانه للعبد هو كشف الحجاب عن قلبه وتمكينه من أن يطأ على بساط قربه، فإنّ ما يُوصف به سبحانه إنّما يؤخذ باعتبار الغايات لا باعتبار المبادي. وعلامة حبّه سبحانه للعبد، توفيقه للتجافي عن دار الغرور، والترقّي إلى عالم النور، والانس بالله، والوحشة عمّا سواه، وصيرورة جميع الهموم همّاً واحداً.
وقال بعض العارفين: إذَا أرَدْتَ أن تَعْرِفَ مَقَامَكَ، فَانْظُرْ فِيمَا أقَامَكَ.
وقد قال معلّقاً على هذه الفقرة: «فإذا أحببته كنت إذاً سمعه الذي يسمع به».
تمسّك بعض الصوفيّة والاتّحاديّة والحلوليّة والملاحدة بظواهر تلك العبارات وأعرضوا عن بواطن هذه الاستعارات، فضلّوا وأضلّوا، مع أن عقل جميع اولي الألباب يحكم باستحالة اتّحاد شيء مع أشياء كثيرة متباينة الحقائق ومختلفة الآثار، وأيضاً ما ذكروه من الكفر الصريح لا يختص بالمحبّين والعارفين، فهم يحكمون باتّحاده تعالى بجميع أصناف الموجودات، حتى الكلاب والخنازير والقاذورات، {سُبْحانَهُ وتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً}.
نقل المجلسيّ رحمه الله أدقّ المعاني لمضمون خبر «لَا يَزَالُ العَبْدُ»:
وهنا، يختم العلّامة المجلسيّ كلام الشيخ قدّس سرّه، ثمّ يشرع هو بشرح وتفصيل هذا الحديث قائلًا: فهذه الأخبار نافية لمذاهبهم الفاسدة الخبيثة لا مثبتة لها، ولها عند أهل الإيمان وأصحاب البيان وأرباب اللسان معان واضحة ظاهرة تقبلها الأذهان ومبنيّة على مجازات واستعارات شائعة في الحديث والقرآن، ومشتملة على نكات بليغة استحسنها أرباب المعاني، ولا تنافي عقائد أهل الإيمان، وهي كثيرة نومئ هنا إلى بعضها.
الأوّل: ما ذكره الشيخ البهائيّ قدّس سرّه وإن داهن في أوّل كلامه حيث قال: لأصحاب القلوب في هذا المقام كلمات سنيّة وإشارات سريّة وتلويحات ذوقيّة تعطر مشامّ الأرواح وتحيي رميم الأشباح، لا يهتدي إلى معناها ولا يطّلع على مغزاها إلّا من أتعب بدنه في الرياضات وعنّي نفسه بالمجاهدات حتى ذاق مشربهم وعرف مطلبهم، وأمّا من لم يفهم تلك الرموز ولم يهتد إلى هاتيك الكنوز لعكوفه على الحظوظ الدنيّة وانهماكه في اللذّات البدنيّة فهو عند سماع تلك الكلمات على خطر عظيم من التردّي في غياهب الإلحاد والوقوع في مهاوي الحلول والاتّحاد، تعالى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوَّاً كَبيراً.
وقال الشيخ البهائيّ رحمه الله عندها: فنقول: هذا مبالغة في القرب وبيان لاستيلاء سلطان المحبّة على ظاهر العبد وباطنه وسرّه وعلانيّته، فالمراد والله اعلم: أنّي إذا أحببت عبدي جذبته إلى محلّ الانس وصرفته إلى عالَم القدس وصيّرت فكره مستغرقاً في أسرار الملكوت وحواسّه مقصورة على اجتلاء أنوار الجبروت، فيثبت حينئذٍ في مقام القرب قدمه ويمتزج بالمحبّة لحمه ودمه، إلى أن يغيب عن نفسه ويذهل عن حسّه فيتلاشى الأغيار في نظره حتى أكون له بمنزلة سمعه وبصره كما قال من قال:
جُنُونِي فِيكَ لَا يَخْفَي *** ونَارِي مِنْكَ لَا تَخْبُو
فَأنْتَ السَّمْعُ والأبْصَارُ *** والأرْكَانُ والقَلْبُ
وقال رحمه الله: يَبْطِشُ بِهَا، بالكسر والضمّ اي يأخذ بها، وأصل البطش الأخذ بالعنف والسطوة- انتهى كلام الشيخ رحمه الله.
هنا يورد العلّامة المجلسيّ رحمه الله مضافاً إلى هذا الوجه، خمسة أوجه أخرى غيرها، ويستحسن الوجه الخامس بالخصوص، ويقول في الوجه السادس: ما هو أرفع وأوقع وأحلى وأدقّ وألطف وأخفى ممّا مضى، وهو أن العارف لمّا تخلّى من شهواته وإرادته وتجلّى محبّة الحقّ على عقله وروحه ومسامعه ومشاعره وفوّض جميع اموره إليه وسلّم ورضي بكلّ ما قضى ربّه عليه يصير الربّ سبحانه متصرّفاً في عقله وقلبه وقواه، ويدير اموره على ما يحبّه ويرضاه، فيريد الأشياء بمشيّة مولاه كما قال سبحانه مخاطباً لهم: {وَما تَشاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ}.[38]
كما ورد في تأويل هذه الآية في غوامض الأخبار عن معادن الحِكَم والأسرار والأئمّة الأخيار.
و روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم: قَلْبُ المُؤْمِنِ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرَّحْمَنِ؛ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ.
وكذلك، يتصرّف ربّه الأعلى منه في ساير الجوارح والقوى، كما قال سبحانه مخاطباً لنبيّه المصطفى:{وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ اللَّهَ رَمى}.[39]
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}.[40]
فلذلك صارت طاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله، فاتّضح بذلك معنى قوله تعالى: «كُنْتُ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ وأنَّهُ بِهِ يَسْمَعُ ويُبْصِرُ». فكذا، ساير المشاعر تدرك بنوره وتنويره، وساير الجوارح تتحرّك بتيسّره وتدبيره، كما قال تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى}.[41]
وقريب منه ما ذكره الحكماء في اتّصال النفس بالعقول المفارقة، والأنوار المجرّدة على زعمهم، حيث قالوا: قد تصير النفس لشدّة اتّصالها بالعقل الفعّال بحيث يصير العقل بمنزلة الروح للنفس، والنفس بمنزلة البدن للعقل، فيلاحظ المعقولات في لوح العقل، ويدبّر العقل نفسه كتدبير النفس للبدن، ولذا يظهر منه الغرائب التي يعجز عنها ساير الناس كإحياء الموتى وشقّ القمر وأمثالهما.
تحقيق الميرزا رفيعا حول خبر «لَا يَزَالُ العَبْدُ»:
قال صاحب «الشجرة الإلهيّة»[42]: كما أن في النفس في حال التعلّق بالبدن تتوهّم أنّها هي البدن، أو أنّها فيه وإن لم تكن هو ولا فيه، فكذلك النفس الكاملة إذا فارقت البدن وقطعت تعلّقها من شدّة قوّتها ونوريّتها وعلاقتها العشقيّة مع نور الأنوار والأنوار العقليّة، تتوهّم أنّها هي فتصير الأنوار مظاهراً للنفوس المفارقة كما كانت الأبدان أيضاً، فهذا هو معنى الاتّحاد لا بمعنى صيرورة الشيئين شيئاً واحداً فإنّه باطل- انتهى.
نقل المجلسيّ لتحقيق المحقّق الطوسيّ وغيره حول حديث «لَا يَزَالُ العَبْدُ»:
حتّى يصل المجلسى إلى قوله: قال المحقّق الطوسيّ قدّس الله سرّه القُدُّوسيّ: العارف إذا انقطع عن نفسه واتّصل بالحقّ رأى كلّ قدرة مستغرقة في قدرته المتعلّقة بجميع المقدورات، وكلّ علم مستغرقاً في علمه الذي لا يعزب عنه شيء من الموجودات، وكلّ إرادة مستغرقة في إرادته التي لا يتأبّى عنها شيء من الممكنات، بل كلّ وجود وكلّ كمال وجود فهو صادر عنه فائض من لدنه.
فصار الحقّ حينئذٍ بصره الذي يبصر به، وسمعه الذي يسمع به، وقدرته التي بها يفعل، وعلمه الذي به يعلم، وجوده الذي به يجود، فصار العارف حينئذٍ متخلّقاً بأخلاق الله في الحقيقة.
وقال بعض المحقّقين في شرح هذا الخبر أيضاً: معنى محبّة الله كشفه الحجاب عن قلبه وتمكينه إيّاه من قربه، ومعنى المحبّة من العبد ميل نفسه إلى الشيء لكمال إدراكه فيه بحيث يحمّلها على ما يقرّبها إليه، فإذا علم العبد أن الكمال الحقيقيّ ليس إلّا للّه، وأن كلّ ما يراه كمالًا من نفسه أو من غيره فهو من الله وبالله وإلى الله لم يكن حبّه إلّا للّه وفي الله. وذلك يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقرّبه إليه واتّباعه لكلّ وسيلة موصلة إلى معرفته ومحبّته، قال الله تعالى لرسوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.[43]
فإنّ متابعة الرسول في عبادته وسيرته وأخلاقه وأحواله ونوافله، يحصل القرب إلى الله، وبالقرب يحصل محبّة الله إيّاه.
وقال بعض العارفين بزعمه: إذا تجلّى الله سبحانه بذاته لأحد يرى كلّ الذوات والصفات والأفعال متلاشية في أشعّة ذاته وصفاته وأفعاله، ويجد نفسه مع جميع المخلوقات كأنّها مدبّرة لها وهي أعضاؤها، ولا يلمّ بواحد منها إلّا ويراه ملمّاً به، ويرى ذاته الذات الواحدة، وصفته صفتها، وفعله فعلها لاستهلاكه بالكلّيّة في عين التوحيد، وليس للإنسان وراء هذه الرتبة مقام في التوحيد.
ولمّا انجذب بصيرة الروح إلى مشاهدة جمال الذات استتر نور العقل الفارق بين الأشياء في غلبة نور الذات القديمة، وارتفع التميّز بين القِدَم والحدوث لزهوق الباطل عند مجيء الحقّ.
وقيل: إلى هذا المعنى يشير ما ورد في الحديث النبويّ: على مَمْسُوسٌ في ذَاتِ اللهِ.
ولعلّ هذا هو السرّ في صدور بعض الكلمات الغريبة من مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة البيان وأمثالها- انتهى.
ويقول المجلسيّ في ختام هذا البحث الذي ينتهي هنا: الاكتفاء بما أسلفنا وأومأنا، وترك الخوض في تلك المسالك الخطيرة أولى وأحوط وأحرى، واللهُ المُوَفِّقُ لِلْهُدَى).[44]
الروايات المرويّة في كتب الخاصّة في حديث «لَا يَزَالُ العَبْدُ»:
وقد اعتبر الشيخ بهاء الدين العامليّ رحمه الله هذه الرواية، واحدة من الروايات الأربعين الصحيحة في كتابه «الأربعين». وقد نقلها بسند متّصل عن الكلينيّ، كما فعل المجلسيّ، ثمّ اختتمه بشرح جميل مرّت مقتطفات منه.[45]
وقد ذكر أيضاً، السيّد على خان الحسينيّ الحسنى المدنيّ الشيرازيّ المعروف بالكبير، هذه الرواية في «شرح الصحيفة المباركة الكاملة السجّاديّة».[46] وكذا فعل السيّد حسن الشيرازيّ في كتابه «كلمة الله».[47]
وأورد ذلك أيضاً، الغزّاليّ في كتابه «إحياء العلوم» في باب المحبّة والشوق إلى الله.[48]
واستشهد السيّد حيدر الآمليّ بهذا الحديث في كتاب «جامع الأسرار ومنبع الأنوار» الذي طُبع بتصحيح هنري كوربن، في أربعة مواضع:
الأوّل: في صفحة 204، برقم (393): أمَّا قَوْلُهُ تعالى فِيهِ (أيْ مَقَامِ الوَحْدَةِ الذَّاتِيَّةِ) فَكَقَوْلِهِ في الحَدِيثِ القُدْسِيّ: لَا يَزَالُ العَبْدُ- إلى آخره.
الثاني: في صفحة 249، برقم (495): قُلْنَا: جَوَابُكَ في هَذَا السُّؤَالِ مِنْ طُرُقِهِمْ (هُوَ) في غَايَةِ الوُضُوحِ؛ وهُوَ أنَّهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ إذَا أثْبَتْنَا أن الإمَامَ يَجِبُ أن يَكُونَ مَعْصُوماً ومَنْصُوصاً (عَلَيْهِ)- إلى آخره.
الثالث: في صفحة 605، برقم (1269): وحَقُّ اليَقِينِ هُوَ أوَّلُ دُخولِهِمْ في البَقَاءِ الحَقِيقِيّ الحَاصِلِ بَعْدَ الفَنَاءِ الكُلِّيّ المُسَمَّى بِالفَرْقِ بَعْدَ الجَمْعِ، الذي هُوَ مَقَامُ التَّكْمِيلِ والرُّجُوعِ إلَى الكَثْرَةِ بِاللهِ لَا بِهِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ اللَّهَ رَمى}. ولِقَوْلِهِ في الحَديثِ القُدْسِيّ- إلى آخره.
الرابع: في صفحة 675، برقم (119): وهَذَا هُوَ مَقَامُ مُشَاهَدَةِ العَبْدِ نَفْسَهُ مَعَ كَثْرَتِهَا في مِرْآةِ الحَقِّ وَاحِدَة- إلى آخره.
وهؤلاء هم من الخاصّة الذين نقلوا هذه الرواية في الكتب المذكورة، ويتّضح من كتاب «سرّ العالمين»، أن الغزّاليّ كان قد تشيّع في آخر عمره، وقد استوفينا البحث في هذا الأمر في الجزء الثامن من «معرفة الإمام» من سلسلة العلوم والمعارف الإسلاميّة.[49]
وقد تمّ بحث هذا الحديث المبارك من قبل العبد الحقير، مؤلّف هذا الكتاب «معرفة الله» في أماكن عدّة في سلسلة العلوم والمعارف الإسلاميّة هذه: الجزء التاسع من «معرفة الإمام»[50] وا لجزء الثاني من «معرفة المعاد»[51] وكذلك في «مهر تابان» (الشمس الساطعة)[52]، و«التوحيد العلميّ والعينيّ».[53]
الروايات المرويّة في كتب العامّة في حديث: «لَا يَزَالُ العَبْدُ»:
ومن العامّة، رواه البخاريّ في كتاب «الرقاق»، باب التواضع.[54]
وذكره أيضاً الراغب الإصفهانيّ في «المفردات» في كتاب القاف، في مادّة قرب بقوله: وعلى هذا القرب، نبّه عليه الصلاة والسلام فيما ذكر عن الله تعالى: مَنْ تَقَرَّبَ إلى شِبْراً، تَقَرَّبْتُ إليه ذِرَاعاً.
وعنه قوله أيضاً: مَا تَقَرَّبَ إلى عَبْدٌ بِمِثْلِ أدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ- إلى آخر الخبر.[55]
وقد رواه أحمد بن حنبل عن عبد الواحد، مولى عروة، عن عروة، عن عائشة، وقد بحث الشيخ عزيز الدين النسفيّ هذا الحديث في ثلاثة مواضع من كتاب «الإنسان الكامل»:
الأوّل: خلال بحثه في العقل ودرجاته، فهو يعتبر أن العقل الأعلى والأرقى موجود لدى مَن تحقّق في شأنه الحديث القدسيّ: كُنْتُ لَهُ سَمْعاً وبَصَراً ويَداً ولِسَاناً، بِي يَسْمَعُ وبِي يُبْصِرُ وبِي يَبْطِشُ وبِي يَنْطِقُ.
الثاني: وخلال بحثه في المشكاة، فهو يطنب في الشرح حتى يصل إلى هذا الحديث.
الثالث: وخلال بحثه في لقاء الله، يستشهد بهذا الحديث.[56]
ويقول الملّا حسين الواعظ الكاشفيّ في «الرسالة العليّة» عند ذكره لمقام القرب: قال الله تعالى:{وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}. وعندها يذكر هذا الحديث القدسيّ.[57]
شرح وتفسير حديث «لَا يَزَالُ العَبْدُ» في كتب أعلام العرفان:
ويذكر الملّا عبد الرزّاق الكاشانيّ في «شرح منازل السائرين» في قسم الحقائق، في باب الحياة: «وأصل المحبّة هو العلم بالآيات والأخبار الواردة في المحبّة والشوق والإرادة كما في قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ}. [5/ 54] {وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}. [2/ 165] {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}. [3/ 31] وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم حاكياً عن ربّه عزّ وجلّ: لَا يَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ- إلى آخر الحديث، وأن أحَبَّ العِبَادِ إلَى اللهِ الأخْفِيَاءُ الأتْقِيَاءُ.[58] مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ[59].
وقد تطرّق أبو مظفّر منصور السمعانيّ في كتاب «روح الأرواح» إلى ذكر وشرح هذا الحديث القدسيّ في ثلاثة مواضع: في باب «الحقّ المبين» و«الواجد» و«المنتقم».[60]
واستشهد الشيخ نجم الدين الرازيّ به في موضعين من كتاب «مرصاد العباد»، وقال في الموضع الثاني في مقام تجلّي الالوهيّة: «أن محمّداً عليه الصلاة هو مصداق لتجلّي الالوهيّة، حتى أضحى الوجود المحمّديّ إثباتاً لوجود الذات الإلهيّة حيث يقول تعالى: أن {الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}.
لم ينل أحد من الأنبياء عليهم السلام هذا الشرف والمنزلة الرفيعة، ولكن كلّ من عزم على أن يأكل من هذه المائدة، فله أن يسعى للدنو من مضيّفه، والتقرّب إليه أكثر فأكثر كما في قوله سبحانه لَا يَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ. [حتّى آخر الحديث].
وهذه السعادة إنّما هي من خاصّيّة تجلّي الذات الإلهيّة».[61]
واستشهد كذلك الشيخ نجم الدين الرازيّ بهذا الخبر في أحد المواضع في رسالة «العشق والعقل»، حيث يستدلّ على عدم قدرة العقل في متابعة هذا الطريق، إلى أن يقول: «ومن هنا، فلا سبيل إلّا بطيّ طريق العشق، حيث يتجرّد العشق من الحروف، ويرتدي حلّة الجذبة، فيجتاز السالك بجذبة واحدة مقام قاب قوسين ليصل به إلى مرتبة الوجود، وتضعه في مقام أوْ أدْنَى وعلى بساط القرب، حيث: جَذْبَةٌ مِنْ جَذَبَاتِ الحَقِّ تُوَازِي عَمَلَ الثَّقَلَيْنِ.
أي أنّه لا يمكن الوصول إلى ما يوازي عمل الثقلين إلّا بالجذبة. وأن ينسلخ من مرحلة فَاذْكُرُونِي، ويتجلى جمال مرحلة أذْكُرْكُمْ، فيكون الذاكر مذكوراً، والعاشق معشوقاً، وحينما يوصل العشق العاشق بمعشوقه، فإنّ العشق يبقى بصفة (الدلالة) على الباب والعاشق يَقْدِم إلى حضرة وصال المعشوق بصفة الفَرَاشة، ووجوده يسكبه على قدم شعلة شمع جلال المعشوق حتى يُضيّف المعشوق العاشقَ المحترقَ بنور جماله. فيتجلّى الوجود المجازيّ للعاشق، والوجود الحقيقيّ للمعشوق من مكمن كُنْتُ كَنْزاً مَخْفِيَّاً فلا يبقى من العاشق إلّا اسمه.
شعر:
عشق آمد وشد چو خونم اندر رگ وپوست *** تا كرد مرا تهى وپر كرد ز دوست
اجزاى وجود من همه دوست گرفت *** نامى است ز من بر من وباقى همه اوست[62]
فيكون هذا هو معنى لَا يَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ [حتّى آخر الرواية]».[63]
وقد استند الهجويريّ الغزنويّ في كتابه «كشف المحجوب» إلى هذا الخبر في موضعَيْن اثنين.[64] واستدلّ الملّا مسكين في تفسير «حدائق الحقائق» بهذه الرواية في موضع واحد.[65]
وذكر كلّ من عبد الحليم محمود ومحمود بن شريف هذا الحديث القدسيّ في مقدّمتهما في شرح «الحِكَم العطائيّة» للشيخ أحمد زرّوق خلال بيان وتعداد مدارج الإنسان.[66]
أبيات ابن الفارض حول حديث: «لَا يَزَالُ العَبْدُ»:
وقد نظّم ابن الفارض المصريّ أبياتاً تفيد معنى هذا الحديث في كتابه «نظم السلوك»:
وَ جَاءَ حَدِيثِي في اتِّحَادِيَ ثَابِتٌ *** رِوَايَتُهُ في النَّقْلِ غَيْرُ ضَعِيفَةِ
يُشِيرُ بِحُبِّ الحَقِّ بَعْدَ تَقَرُّبٍ *** إلَيْهِ بِنَفْلٍ أوْ أدَاءِ فَريضَةِ
وَ مَوْضِعُ تَنْبِيهِ الإشَارةِ ظَاهِرٌ *** بِكُنْتُ لَهُ سَمْعاً كَنُورِ الظَّهِيرَةِ
تَسَبَّبْتُ في التَّوْحِيدِ حتى وَجَدْتُهُ *** ووَاسِطَةُ الأسْبَابِ إحدى أدِلَّتِي
وَ وَحَّدْتُ في الأسْبَابِ حتى فَقَدْتُهَا *** ورَابِطَةُ التَّوْحِيدِ أجْدَي وَسِيلَتِي
وَ جَرَّدْتُ نَفْسِي عَنْهُمَا فَتَجَرَّدَتْ *** ولَمْ تَكُ يَوْماً قَطُّ غَيْرَ وَحِيدَةِ
وَ غُصْتُ بِحَارَ الجَمْعِ بَلْ خُضْتُها عَلَى انْ *** فرَادِيَ فَاسْتَخْرَجْتُ كُلَّ يَتِيمَةِ
لأسْمَعَ أفْعَالِي بِسَمْعٍ بَصِيرَةٍ *** وأشْهَدَ أقْوَالِي بِعَيْنٍ سَمِيعَةِ[67]
واستدلّ كذلك سعيد الدين سعيد الفرغانيّ بهذا الحديث في موضعين من شرحَيْه العربيّ والفارسيّ للتائيّة: الأوّل في شرحه لقول ابن الفارض:
جَوَاهِرُ أنْبَاءٍ، زَوَاهِرُ وُصْلَةٍ *** طَوَاهِرُ أبْنَاءٍ، قَوَاهِرُ صَوْلَةِ[68]
والثاني في شرحه لقول هذا العارف: وَجَاءَ حَدِيثِي في اتِّحَادِيَ ثَابِتٌ *** رِوَايَتُهُ في النَّقْلِ غَيْرُ ضَعِيفَةِ.
وقد ذكر هذا البيت، وبيتين آخرين بعده، سبقت الإشارة إليهما هنا، واستدلّ بهذا الخبر في موضعين أثناء شرحٍ وافٍ لهما، ولأنّ شرحه، في الحقيقة، هو شرحٌ للحديث الذي نحن بصدده، فما أجمل أن ننقل هنا عباراته، حتى نتعرّف أكثر على مفاد ومحتوى هذا الحديث، وأن نستوعب واقع معنى أبيات ابن الفارض بشكل أفضل
شرح الفرغانيّ لأشعار ابن الفارض حول حديث «لَا يَزَالُ العَبْدُ»:
يقول الفرغانيّ[69]: «يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: «وَ جَاءَ حَدِيثِي...» أن يَكُونَ عَلَى (ترجمة سعد الدين الفرغانيّ وبيان مقامه العلميّ[70]) لِسَانِ الجَمْعِ الإلَهِيّ؛ فَإنَّ هَذَا حَدِيثٌ إلَهِيّ. ويَحْتَمِلُ أن يَكُونَ على لِسَانِ الجَمْعِ المُحَمَّديّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ.
ويُشير ذلك الحديث على تحقّق محبّة الحقّ لي ومحبّتي له، وذلك بعد طلبي للتقرّب والزلفى إلى الحقّ بأداء النوافل والفرائض والعبادات. ويبدو موضع الإشارة في هذا الحديث إلى الاتّحاد واضحاً وجَدّ جليّ وصريح كنور الشمس الوضّاح في صدر النهار وكبد السماء؛ وذلك ممّا قَصَدَه بقوله: كُنْتُ لَهُ سَمْعاً.
وأمّا لفظ الحديث، كما ورد في «صحيح البخاريّ» ومسلم فهو: مَا تَقَرَّبَ إلى عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلى مِنْ أدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. ولَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ؛ فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ، ولِسَانَهُ الذي يَنْطِقُ بِهِ، ورِجْلَهُ التي يَمْشِي بِهَا- الحديث.
واعلم، أن المحبّة شدّة الرغبة الباطنيّة من أجل الوصول إلى كمالٍ من الكمالات، وحقيقتها: الآصرة القويّة الوحدانيّة بين الطالب والمطلوب، ومعناها: تسلّط عوامل الاتّحاد أو الاشتراك، ممّا يستلزم زوال عوامل التفاضل أو الاختلاف بين الطالب والمطلوب.
والمحبّ هو من تظهر فيه هذه الآصرة أوّلًا، وتتغلّب وتتسلّط عليه حتى يقوم الطالب بإزالة عوامل التفاضل عن نفسه، أو عمّا يطلب. وأصل هذه المحبّة، هو حقيقة فَأحْبَبْتُ أن اعْرَفَ، حيث كانت ذات الحقّ الواحدة مُحبّة، وكان المحبوب كمال وجوده وظهور الكمالات الأسمائيّة له، وتعكس مرآة المحبوب، الحقيقة الإنسانيّة، صورةً ومعنى، ولا شيء غيرها. لِكَمَالِ جَمْعِيَّتِهَا وتَمَامِ مُضَاهَاتِهَا وقَابِليَّتِهَا، وقُصُورِ غَيْرِهَا عَنْ ذَلِكَ.
وَإليه الإشَارَةُ فِيمَا رُوِيَ مِنَ الحَدِيثِ الإلَهِيّ خِطَاباً لِمُحَمَّدٍ صلى اللهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وسَلَّمَ: لَوْلَاكَ لَمَا خَلَقْتُ الكَوْنَ.
وبحكم هذه المحبّة، تعيّن تجلٍّ من الله، بصورة إجماليّة في باطن تلك الحقيقة الإنسانيّة في جوهرها، والتي تشير إلى البرزخيّة والجمعيّة بين الواحديّة والأحديّة أوّلًا، وبين العلم بالعالم وبين الوجود ثانياً، ثمّ سار وتنزّل من باطن تلك الحقيقة الإنسانيّة في صورٍ تفصيليّة، والتي هي عبارة حقائق العالم، لكمال الظهور الذي كان هو المحبوب الأوّل، حتى يصل إلى هذه الصورة العنصريّة الإنسانيّة، وهي الصورة الإجماليّة الواقعيّة لتلك الحقيقة الإنسانيّة.
وأمّا مرآة الجمعيّة وكمال ظهور ذلك التجلّي، فواقع الوحدانيّة لذلك النزوع والمحبّة، تزامن مع هذا التجلّي، وهي مستترة في باطنه.
ولمّا كان ذلك التجلّي وحدانيّاً، كان لزاماً أن يكون محلّه ومرآته وظهوره في هذا النزول، أمراً وحدانيّاً كذلك، وما كان لغير العدالة والاعتدال الموحّدين للكثرة في هذه المراتب، بل في عالم التركيب والكثرة من أثر وظلّ وصورة من حقيقة الوحدة، ولا جرم أن مرآة ظهور ذلك التجلّي في كلّ مرتبة، هي أمر معتدل، حتى تكون مرآته، حقيقة وسطيّة، وعدالة إمكان كلّ ممكن في عالم المعاني والأرواح، وذلك بين جهة الوجوب وجهة المحال. وأمّا في عالم المثال والحسّ، فلم يكن مظهر ذلك التجلّي إلّا مزاجاً معتدلًا من الطبيعة والعناصر والمولّدات، وحصيلة هذه الجملة من مراتب الاعتدالات، هو إظهار الاعتدال الإنسانيّ الموجود في الوسط، وصورة الوحدة والعدالة لذلك هي البرزخيّة الاولى والثانية.
ولمّا كان ظهور ذلك التجلّي في نزوله، في جملة هذه المراتب، ولأنّه تلبّس بصور إنسانيّة تفصيليّة وإجماليّة، فقد اجتمعت حوله أحكام الكثرة والتعيّنات، والنسب والإضافات، والتي هي من مستلزمات الأجزاء والأطراف، وآثار الانحراف، فخرج كلّ حكم من تلك الأحكام على صورة أمل وامنية وطلب لذّة وشهوة، وأرادت التغلّب على حُكم الوحدة والبساطة وصورة الجمعيّة وعدالتها وتوجيهها نحو أوصاف الكثرة والتركيب وأحكام الانحرافات والتغلّب عليها. وكان أمر الشجرة، والهبوط من الجنّة، صورة وأثراً لتلك الغلبة.
فتطلّبت تلك المحبّة الوحدانية- وهي الآصرة المستترة في باطن التجلّي- وضع ميزان اعتداليّ يمثّل الشريعة والطريقة، لتربط هذا الإنسان المتعرّض للمحبوب بالواسطة، بجملة من الإرادات والمقاصد والحركات والسكنات الخاصّة بها، وبالوحدة والعدالة، ظاهراً وباطناً.
معنى «سَمِعَ الله لمنْ حَمِدَهُ» هو كلام الله على لسان عبده:
وتستتر حقيقة هذه المحبّة في الباطن، وهي لسان هذا الميزان الذي هو عين الفرائض، بحكم انتشار وحدة الأمر {وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ} فإنَّ مُطْلَقَ الأمْرِ يَقْتَضِي الفَرَضِيَّةَ، فيسري أثر هذه المحبّة في باطن أجزاء عمود الميزان وكفّتيه، اللتين هما بمثابة سنن ونوافل هذا الميزان، فتغدو حُجُب الحقيقة الإنسانيّة ضعيفة وشفّافة ولطيفة، تلك الحقيقة التي تكون بمرتبة المحبوبيّة بحكم العناية اللاعليّة في الأزل، والتي غلبت عليه بحكم الوجوب والوحدة، وبحكم استعداده الكامل زمان السير والمرور عبر المراتب تنازلياً، طرأت الحجب الضعيفة والشفّافة واللطيفة عليه، فإذا تيسّر أداء الفرائض بإخلاص وبالكامل بسبب محبوبيّته، فبمجرّد أداء تلك الفرائض ظاهراً وباطناً ترتفع الحُجُب، وحينها، يظهر حكم حقيقة تلك المحبّة والوحدة الحقيقيّة فيه، والتي باطنها لسان في قلبه، فتجذبه نحوها رغم إرادته، وتجعل منه مرآة كمال ظهورها، حتى يظهر الحكم السابق فَأحْبَبْتُ فيه بواسطتها، وتكون نتيجة ذلك الظهور أن اللهَ قَالَ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ.
و ذلك تحقيق قوله: مَا تَقَرَّبَ إلى عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلى مِنْ أدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. ذلك أن لا شيء من الميزان أقرب إلى الوحدة من لسان الميزان؛ وكذا لا شيء أقرب إلى الوحدة الحقيقيّة للمحبّة من أداء الفرائض عند سريان وحدة الأمر فيه.
وأمّا إذا كان ذلك موجوداً من قبل في مبدأ الحكم والاستعداد الإنسانيّ، في زمان مروره ونزوله عبر المراتب، فستجتمع حوله قيود وصفات الكثرة الإنسانيّة وبكثافة، وتتغلّب على حكم وحدته، فسيحتاج ذلك الشخص إلى رياضة ومجاهدة كثيرتين، ولا تتيسّر استقامة واعتدال ذلك الميزان الذي يمثّل أداء الفرائض قلباً وقالباً، إلّا بملازمة السنن والنوافل من الأذكار والأعمال وشتّى أنواع القُرُبات، التي تخالفها النفس، شرط توفّر الإخلاص ومجانبة الشبهات وصغائر الرياء، وترك جميع اللذّات والشهوات النفسيّة التي تتوقّف عليها استقامة ميزان الشريعة والطريقة بصورة كاملة. كما جاء في الحديث: إن أوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ الصَّلَاةُ؛ فَإنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أفْلَحَ وأنْجَحَ، وأن فَسَدَتْ خَابَ وخَسِرَ. وأن انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْئاً قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وتعالى: انْظُرُوا! هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكْمَلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ؟! ثُمَّ يَكُونَ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ.
يدلّ ظاهر الحديث على أن النوافل هي مكمّلات للفرائض.
وعلى هذا، فيلزم على السالك الذي وقع في رتبة المحبّ منذ الأزل المداومة على هذه السنن والنوافل، حتى يتسنّى له بعد ملازمته للإخلاص والتوحيد في العمل الاقتراب من لسان الميزان، ويتمكّن أثر المحبّة الكامن في كفّتي وأجزاء عمود ميزان الشريعة والطريقة من إزالة كلّ صوَر وأحكام انحرافات نفس هذا السالك، حتى تعتدل كفّتا الميزان وعموده. وحينئذٍ، يظهر القلب الذي هو محلّ ذلك اللسان المذكور، ويظهر فيه ذلك التجلّي الوجوديّ بوحدته الحقيقيّة، ويزيل ذلك الأثر من المحبّة الذي تزامن مع هذا التجلّي واللسان ورافقهما كلّ حُكم امتيازيّ فيما بين الوجود المضاف إلى النفس والقوى والمدارك الباقية فيه، ويُظهر بدلًا من ذلك حكم عوامل الاتّحاد.
فينكشف حينئذٍ هذا المعنى لهذا السائر المحبّ، في الحقيقة، بظهور حكم المحبّة الذي هو إزالة للأحكام الامتيازيّة للنسب والإضافات أن هذا الوجود الواحد الذي كان سمعه وبصره ولسانه ويده ورِجله حتى هذه اللحظة، وأنّه لم يكن يسمع إلّا بنور الوجود الواحد الحقّ، ولم يكن ليري ولا لينطق ولا يبطش ولا يسير إلّا به.
وقد كان محجوباً عن هذا العلم حتى الآن بسبب تقيّده بأحكام تلك النسب والإضافات التي هي أحكام امتيازيّة، فارتفعت الحجب والموانع بسبب حقيقة المحبّة التي أزالت تلك القيود، وانكشفت حقيقة هذا العمل ساطعة وضّاءة.
وهذا هو معنى قوله: ولَا يَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ؛ فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ ولِسَانَهُ ويَدَهُ- (الحديث).
وإذن، ففي هذا الحديث الصحيح دلالة صريحة على صحّة وثبوت ما ادّعيته في التوحيد؛ واللهُ المُلْهِمُ لِلصَّوَابِ.[71]
معنى «كُنْتُ سَمْعَهُ وَ...» هو انكشاف تجلّي وجود الله في أفعال السالك.
أشعار المغربيّ والحكيم السبزواريّ في حقيقة الفَناء في وجود الحقّ:
وعلى أساس فناء الصفات واندكاك عالم الوجود في عالم الحقّ، يصرّح العارف الجليل المغربيّ بقوله:
ديدهاى وام كنم از تو، به رويت نگرم *** زانكه شايسته ديدار تو نبود نظرم
چون ترا هر نفسى جلوه به حُسنى دگر است *** هر نفس زان نگران در تو به چشمى دگرم
توئى از منظر چشمم نگران بر رخ خويش *** كه توئى مردمك ديده ونور بصرم[72]
هر كه بىرسم واثر گشت به كويش پى برد *** من بىرسم واثر ناشده، پى مىنبرم
تا زمن هست اثر، از تو نيابم اثري *** كاشكى در دو جهان هيچ نبودى اثرم
نتوانم به سر كوى تو كردن پرواز *** تا ز اقبال تو حاصل نبود بال وپرم
بوى جانبخش تو همراه نسيم سحر است *** زان سبب مردهي انفاس نسيم سحرم
يار هنگام سحر بر دل ما كرد گذر *** گفت چون جلوهكنان بر دل تو مىگذرم
مغربى آينه دل ز غبار دو جهان
پاك بزْداى كه پيوسته در او مىنگرم
ونظم الحكيم الجليل الحاجّ ملّا هادي السبزواريّ شعراً قال فيه:
اى به ره جستجوى، نعره زنان دوست دوست *** گر به حرم ور به دير، كيست جز او، اوست اوست
پرده ندارد جمال غير صفات جلال *** نيست بر اين رخ نقاب، نيست بر اين مغز پوست
جامه دران گل از آن نعره زنان بلبلان *** غنچه بپيچد به خود، خون به دلش تو به توست
دم چو فرورفتهاست، هوست چو بيرون رود *** يعنى از او در همه هر نفسىهاى وهوست
يار به كوى دل است، كوى چو سرگشته گوى *** بحر به جوى است وجوى اين همه در جستجوست
با همه پنهانيش هست در اعيان عِيان *** با همه بىرنگيش در همه ز او رنگ وبوست[73]
يار در اين انجمن يوسف سيمين بدن *** آينه خانه جهان، او به همه رو به روست
پرده حجازى بساز يا به عراقى نواز *** غير يكى نيست راز؛ مختلف از گفتگوست
مخزن اسرارِ اوست سرّ سويداى دل *** در پيَش اسرار باز در به در وكو به كوست[74]
روي آية الله المرحوم الحاجّ ميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ هذا الحديث على صورتَيْن. فقد قال: فَلَوْ كَانَ العَمَلُ عَمَلًا فَلَا بُدَّ أن يُثْمِرَ نُوراً ومَعْرِفَةً في القَلْبِ. فَلَا يَزَالُ يَزْدَادُ نُورُهُ حتى يَكُونَ مَحْسُوساً لِكُلِّ أحَدٍ. أ مَا سَمِعْتَ مَا في الحَدِيثِ القُدْسِيّ: لَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ العَبْدُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى أجْعَلَهُ مِثْلِي- إلى آخره.
وَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ العَبْدُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ وكُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ- إلى آخره.[75]
معنى كلام الإمام الصادق عليه السلام «حتى سَمِعْتُهَا مِنَ المتَكَلم بِهَا»:
و يصف المحقّق الفيض الكاشانيّ سماع الإمام جعفر الصادق عليه السلام كلامه هو كلام الله وبإذن الله بما يلي: وَعَنْهُ عليه السلام: أنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَالَةٍ لَحِقَتْهُ في الصَّلَاةِ حتى خَرَّ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا أفَاقَ قِيلَ لَهُ في ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا زِلْتُ ارَدِّدُ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى قَلْبِي حتى سَمِعْتُهَا مِنَ المُتَكَلِّمِ بِهَا، فَلَمْ يَثْبُتْ جِسْمِي لِمُعَايَنَةِ قُدْرَتِهِ.[76]
ويقول المحقّق الفيض أيضاً في هذا الكتاب[77]: «و قد أخبر جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام عن أعلى درجات هذه الحالة بقوله: واللهِ لَقَدْ تَجَلَّى اللهُ لِخَلْقِهِ في كَلَامِهِ ولَكِنْ لَا يُبْصِرُونَ.[78] وبعدها بصفحة واحدة يورد الفيض هنا نفس الرواية السابقة التي نقلها في «أسرار الصلاة».
يقول السيّد ابن طاووس رحمه الله في كتاب «فلاح السائل»[79]: فَقَدْ رُوِيَ أن مَوْلَانَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] كَانَ يَتْلُو القُرْآنَ في صَلَاتِهِ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا أفَاقَ سُئِلَ: مَا الذي أوْجَبَ مَا انْتَهَتْ حَالُكَ إليه؟ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: مَا زِلْتُ اكَرِّرُ آيَاتِ القُرْآنِ حتى بَلَغْتُ إلَى حَالٍ كَأنَّنِي سَمِعْتُ مُشَافَهَةً مِمَّنْ أنْزَلَهَا، عَلَى المُكَاشَفَةِ والعِيَانِ، فَلَمْ تَقُمِ القُوَّةُ البَشَرِيَّةُ بِمُكَاشَفَةِ الجَلَالَةِ الإلَهِيَّةِ.
وبعدها يقول السيّد في توضيحه: «أنت الذي لا تعرف حقيقة هذا الأمر، إيّاك وأن تستبعد ذلك، أو يوسوس الشيطان لك فيجعلك تشكّ أو تتردّد في قبول هذا الذي نرويه لك. فعليك أن تؤمن بذلك، أ فلم تسمع بقول البارئ جلَّ جلاله: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وخَرَّ مُوسى صَعِقاً}.
ويحكي آية الله الحاجّ ميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ في رسالة «لقاء الله»[80] وكذلك في كتاب «أسرار الصلاة»[81] نفس عبارة السيّد في «فلاح السائل»، ويقول في ص 212 من هذه الطبعة (و في ص 93 من الطبعة القديمة): «و الارتقاء هو أن تسمو به القراءة صعوداً حتى يصل إلى الحالة التي يسمع بها كلام الله كما رأيت في قراءة الإمام الصادق عليه السلام في الجملة التي يقول فيها: حتى سَمِعْتُهَا مِنَ المُتَكَلِّمِ بِهَا».
وفي ص 242 من هذه الطبعة (ص 107 من الطبعة القديمة) يقول: ومِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ مِنْ غَشْوَةِ الصَّادِقِ عليه السلام عِنْدَ تَكْرَارِ {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}؛ وما روي عن الإمام السجّاد عليه السلام: إ ذَا قَرَأهُ، يُكَرِّرُهُ حتى يَكَادُ أن يَمُوتَ».
الطرق العديدة عن الخاصّة والعامّة للخبر الصادقيّ: «مَا زِلْتُ...»:
يروي المجلسي رضوان الله عليه في «بحار الأنوار»[82] عن «فلاح السائل»: «قال صاحب كتاب «زهرة المهج وتواريخ الحجج» بسنده عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن ابن أبي يعفور أنّه قال: قَالَ مَوْلَانَا الصَّادِقُ عليه السلام: كَانَ علي بن الحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ اقْشَعَرَّ جِلْدُهُ واصْفَرَّ لَوْنُهُ وارْتَعَدَ كَالسَّعَفَةِ»[83].
وبنفس المعنى يروي الكلينيّ أن مولانا زين العابدين عليه السلام كَانَ إذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، يُكَرِّرُهَا في قِرَاءَتِهِ حتى كَانَ يَظُّنُّ مَنْ يَرَاهُ أنَّهُ قَدْ أشْرَفَ عَلَى مَمَاتِهِ.
وَرُوِيَ أن مَوْلَانَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: كَانَ يَتْلُو القُرْآنَ في صَلَاتِهِ فَغُشِيَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا أفَاقَ سُئِلَ مَا الذي أوْجَبَ مَا انْتَهَتْ حَالُهُ إليه، فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: مَا زِلْتُ اكَرِّرُ آيَاتِ القُرْآنِ حتى بَلَغْتُ إلَى حَالٍ كَأنَّنِي سَمِعْتُهَا مُشَافَهَةً مِمَّنْ أنْزَلَهَا»[84]. انتهت رواية المجلسيّ رحمه الله.
ويروي الكلينيّ في «اصول الكافي»[85] عن علي بن إبراهيم، بإسناده عن الزُّهريّ قال: «قَالَ علي بن الحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: لَوْ مَاتَ مَنْ بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لَمَا اسْتَوْحَشْتُ بَعْدَ أن يَكُونَ القُرْآنُ مَعِي. وكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا قَرَأ «مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» يُكَرِّرُهَا حتى كَادَ أن يَمُوتَ.
يقول الملّا عبد الرزّاق الكاشانيّ في كتاب «الاصطلاحات» على هامش «شرح منازل السائرين» في «مائة باب» للخواجة عبد الله الأنصاريّ: المُطَّلَعُ هُوَ مَقامُ شُهُودِ المُتَكَلِّمِ عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَاتِ كَلَامِهِ مُتَجَلِّياً بِالصِّفَةِ التي هي مَصْدَرُ تِلْكَ الآيَةِ. قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ [عَلَيْهِمَا السَّلَامُ]: لَقَدْ تَجَلَّى اللهُ لِعِبَادِهِ في كَلَامِهِ ولَكنْ لَا يُبْصِرُونَ. وكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ في الصَّلَاةِ فَخَّرَ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: مَا زِلْتُ اكَرِّرُهَا حتى سَمِعْتُ مِنْ قَائِلِهَا.
قالَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ شِهَابُ الدِّينِ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ: كَانَ لِسَانُ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ عليه السلام في ذَلِكَ الوَقْتِ كَشَجَرةِ موسى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ نِدَائِهِ مِنْهَا بِأنِّي أنَا اللهُ. ولَعَمْرِي أن المُطَّلَعَ أعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وهُوَ مَقَامُ شُهُودِ الحَقِّ في كُلِّ شَيءٍ مُتَجَلِّياً بِصِفَاتِهِ التي ذَلِكَ الشَّيِءُ مَظْهَرُهَا؛ لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ في الحَدِيثِ النَّبَوِيّ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ]: «مَا مِنْ آيَةٍ إلَّا ولَهَا ظَهْرٌ وبَطْنٌ، ولِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ ولِكُلِّ حَدٍّ مُطَّلَعٌ» خَصُّوهُ بِذَلِكَ.[86]
يقول الغزّاليّ في «إحياء العلوم»[87]: وأخبر جعفر بن محمّد الصادق رضي الله عنه عن عظمة قراءة القرآن قَالَ: واللهِ لَقَدْ تَجَلَّى اللهُ عَزَّ وجَلَّ لِخَلْقِهِ في كَلَامِهِ ولَكِنَّهُمْ لَا يُبصِرُونَ. وقَالَ أيْضاً وقَدْ سَألُوهُ عَنْ حَالَةٍ لَحِقَتْهُ في الصَّلَاةِ- حتى آخر الرواية المروية في «فلاح السائل» وعندها يقول: «و عليه ففي مثل هذه الدرجة، تزداد حلاوة القراءة ولذّة المناجاة حتى يقول أحد الحكماء: لقد اعتدتُ على قراءة القرآن ولكن بدون أن أشعر بحلاوة ذلك، حتى صرتُ أقرأه بشكلٍ وكأنّي أسمعهُ بصورة مباشرة من لسان النبيّ وهو يتلوه على أصحابه. وبعد ذلك، ارتقيتُ مرتبة أعلى، وذلك بقراءته بشكل يجعلني وكأنّي أسمعُ جبرائيل عليه السلام وهو يلقيه على النبيّ، وبعدها أكون في حالة وكأنّي أسمعهُ من الناطق بالقرآن نفسه. وهنا، أشعرُ بلذّة ونعيم لا أقوى عليهما ولا أتملّك نفسي»- انتهى كلام الغزّاليّ.
يقول مؤلّف «كشف الغايات في شرح ما اكتنفت عليه التجلّيات»[88]، هو شرح على كتاب «التجلّيات الإلهيّة» لمحيي الدين بن عربي: كَانَ الإمَامُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ذَاتَ يَوْمٍ في الصَّلَاةِ، فَخَرَّ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ. فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا زِلْتُ اكَرِّرُ آيَةً حتى سَمِعْتُ مِنْ قَائِلِهَا، فَكَانَ بِي مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ. (عن «عوارف المعارف» للسهرورديّ و«إحياء العلوم»).
يقول الحكيم السبزواريّ في «ديوان أسرار»[89]:
شورش عشق تو در هيچ سرى نيست كه نيست *** منظر روى تو زيب بصرى نيست كه نيست
نيست يك مرغ دلى، كش نفكندى به قفس *** تير بيداد تو تا پر به پرى نيست كه نيست
ز فغانم ز فراق رخ وزلفت به فغان *** سگ كويت همه شب تا سحرى نيست كه نيست
نه همين از غم او سينهي ما صد چاك است *** داغ او لاله صفت بر جگرى نيست كه نيست[90]
موسئى نيست كه دعوى أنا الحقّ شنود *** ور نه اين زمزمه اندر شجرى نيست كه نيست
چشم ما ديدهي خفّاش بود ور نه ترا *** پرتو حسن به ديوار ودرى نيست كه نيست
گوش اسرار شنو نيست وگر نه اسرار *** برش از عالم معنى خبرى نيست كه نيست
[1] ذيل الآية 26، من السورة 38: ص.
[2] الآيتان 27 و28، من السورة 38: ص.
[3] الآية 106، من السورة 12: يوسف.
[4] «الميزان في تفسير القرآن» ج 13، ص 405 إلى 407.
[5] فقرات مأخوذة من الدعاء العظيم الشأن المعروف بدعاء الصباح. ذكره المجلسيّ رضوان الله عليه في «بحار الأنوار» طبعة الكمبانيّ: ج 19، ص 135 و136، والطبعة الإسلاميّة: ج 94، ص 242 إلى 246. وقال: هذا الدعاء هو ممّا انتخبه السيّد ابن باقي والذي رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام. وقال في آخره:
«بيان: هذا الدعاء من الأدعية المشهورة، ولم أجده في الكتب المعتبرة إلّا في «مصباح السيّد ابن الباقي» رحمه الله، ووجدتُ منه نسخة قرأه المولى الفاضل مولانا درويش محمّد الإصبهانيّ جَدّ والدي من قِبل امّه على العلّامة مروِّج المَذهب نور الدين علي بن عبد العالي الكركيّ قدّس الله روحه فأجازه».
ثمّ أورد المجلسيّ صورة إجازة المحقّق الكركيّ المؤرّخة سنة تسع وثلاثين وتسعمائة، وقال: «و وجدتُ في بعض الكتب سنداً له هكذا: قال الشريف يحيي بن قاسم العلويّ: ظفرتُ بسفينة طويلة مكتوب فيها بخطّ سيّدي وجَدّي أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين ليث بني غالب علي بن أبي طالب عليه أفضل التحيّات ما هذه صورته: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا دعاء علّمني رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يدعو به في كلّ صباح وهو: اللهُمَّ يا مَنْ دَلَعَ لِسانَ الصَّباحِ- إلى آخره، وكتبَ في آخره: كتبه علي بن أبي طالب في آخر نهار الخميس حادي عشر شهر ذي الحجّة سنة خمس وعشرين من الهجرة.
و قال الشريف: نقلته من خطّه المبارك، وكان مكتوباً بالقلم الكوفيّ على الرقّ في السابع والعشرين من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وسبعمائة».
و ذكر المجلسيّ هنا بياناً مفصّلًا في شرح هذا الدعاء وتفسيره، من طبعة الكمبانيّ، ص 136 إلى 141، ومن طبعة الإسلاميّة، ص 247 إلى 263. وقال في آخره: «و اعلَمْ أنّا قد أوردنا هذا الدعاء الشريف مع شرحه في كتاب الصلاة في أبواب أدعية الصباح والمساء، وإنّما كرّرناه للفاصلة الكثيرة، ولشدّة مناسبته بهذا المقام أيضاً».
نعم، وقد ذكر الشيخ عبد الله السماهيجيّ في «الصحيفة العَلويّة» وقد طبعها كاتب النسخة المطبوعة في (باسمه اي) باسم فخر الأشراف سنة 1320 هـ، وكتب الصفحات من 181 إلى 218 والخاصّة بدعاء الصباح بالخطّ الكوفيّ وخطّ النسخ.
و قال المحدّث العظيم العلّامة الحاجّ الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ قدّس سرّه في «الذريعة» ج 15، ص 22: «الصحيفة العَلويّة والتحفة المرتضويّة»: من جَمْع المولى الأجلّ الشيخ عبد الله بن صالح بن جمعة بن علي بن أحمد بن ناصر بن محمّد بن عبد الله البحرانيّ السماهيجيّ مولداً الماحوزيّ تحصيلًا، المُتوفّي ليلة الأربعاء 9 جمادي الآخرة 1135 هـ، جمعها من كُتب الأصحاب مرسلًا من دون ذِكر سند، ومجموع أدعيتها 156 دعاء».
و قال أيضاً في ص 23 من ذلك الكتاب ما مفاده: «الصحيفة العَلويّة الثانية جمعها شيخنا النوريّ الحاجّ ميرزا حسين (المتوفّى سنة 1320 هـ)، وتشتمل على 103 دعاء من أدعية أمير المؤمنين عليه السلام نظّمها كتتمّة واستدراك للصحيفة الاولي».
[6] روي العلّامة المجلسيّ رضوان الله عليه هذا الدعاء في «بحار الأنوار» طبعة الكمبانيّ: ج 20، ص 245 إلى 250، والإسلاميّة: ج 98، ص 82 إلى 93، عن كتاب «الإقبال» (ص 67 إلى 75- التعليقة) برواية السيّد ابن طاووس وسنده إلى محمّد بن هارون بن موسى التلعُكبرى بسنده عن حسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثماليّ أنّه قال: كان علي بن الحسين صلوات الله عليهما يصلّي عامّة ليلته في شهر رمضان، فإذا كان السَّحَر دعا بهذا الدعاء.
و روي كذلك الشيخ الطوسيّ في «مصباح المتهجّد» ص 401 إلى 413، الطبعة الحجريّة، بنصّه كما نُقِل عن كتاب «الإقبال»، عن أبي حمزة الثماليّ.
[7] يقول: «متى غِبتَ عن القلب حتى أتمنّاكَ، أو كنتَ خفيّاً فأبحثَ عنك.
لم تَغِبْ عنّي حتى أطلبَ حُضورَكَ، ولم تختفِ حتى أكشفُ عنكَ النقاب.
لقد خرجتَ (عَلَيَّ) بمائة ألف مَظهر، فتطلعتُ إليكَ بمائة ألف باصرة.
أصبحت عيناي- بجهد مائة مرّة- تصنع المرايا، حتى أجعلك تعشق بنظرة واحدة.
أنظر إلى قامتك في مرآة عيني حتى اخبرَكَ عن العالَم العُلويّ واطلِعُكَ على أنبائه.
ليتكَ تمرّ نشواناً بدلال على الحَرَم والدير، حتى أجعلَ منكَ قِبلةً للمؤمن والراهب.
أتمنّى أن أزيحَ عنكَ اللثام ليلةً، فاصيغَ منكَ شمساً للكعبة وقمراً للكنيسة».
[8] يقول: «لو وقعتْ بقبضتي ذؤابتا شعرك اللتان على شكل صليب، لجعلتُ منهما آلاف السلاسل لقدمي.
و لو اعطيتُ يوم القيامة السدرة وطوبى، لقدّمتُهما كلتيهما قرباناً لقامتكَ الساحرة في آن واحد.
يزداد عملي في مصنع العشق جمالًا ورقّةً، كلّما ألقيتُ نظرةً على وجهكَ الوضّاح.
لقد ذاعَ سِرّي وفُضِحتُ في العالمين من فرط حبّي (لكَ)، وأخافُ، لا سمح الله، أن (اجبَرَ فـ) أفضحَ سرّكَ.
لو مررتَ على وثاقي ورميتني بنظرة واحدة، لجعلتُ منكَ أميراً للجيش».
[9] جاء في «كشف الظنون» ج 1، ص 675: «الحِكَم العطائيّة» للشيخ تاج الدين أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم، المعروف بابن عطاء الله الإسكندرانيّ الشاذليّ المالكيّ، المتوفّى بالقاهرة سنة تسع وسبعمائة (709)، أوّلها: مِن علامةِ الاعتمادِ على العملِ، نقصانُ الرجاءِ عند وجود الزلَلِ- إلى آخره. وهي حِكَم منثورة على لسان أهل الطريقة.
و لمّا صنّفها عرضها على شيخه أبي العبّاس المُرسيّ فتأمّلها وقال له: لقد أتيتَ يا بنيّ في هذه الكرّاسة بمقاصد الأحياء وزيادة، ولذلك تَعشّقها أرباب الذوق لما رقّ لهم من معانيها وراقَ، وبسطوا القول فيها وشرحوها كثيراً. فمن المؤلّفات عليها شرح شهاب الدين أحمد بن محمّد البرلسيّ[ البُرنسيّ] المعروف بـ (زرّوق) وهو شرح ممزوج أوّله: الحمدُ للّهِ الذي شَرَّفَ عبادَه- إلى آخره. وذكر في بعض شروحه أن الحِكَم مرتّب بعضها على بعض فكلّ كلمة منها توطئة لما بعدها وشرح لما قبلها.
و أنّه درسَ الحِكَم خمسة عشر درساً وكتبَ كلّ مرّة شرحاً من ظهر القلب كلّه بعبارة أخرى، وقيل أن للشيخ زرّوق ثلاثة شروح على الحِكَم، لكنّ الأصحّ ما كتبه نفسه». وهنا يشير صاحب «كشف الظنون» ضمن بحث تفصيليّ إلى عدد الشروح التي كُتِبَتْ على كتاب «الحِكَم العطائيّة».
نعم، وأمّا أشهر ما هو معروف من الشروح على ذلك الكتاب هو شرح الشيخ أحمد زرّوق المطبوع من قِبَل مكتبة النجاح في طرابلس الغرب بتحقيق اثنين من العلماء. وقد جاء في مقدّمة هذين العالِمَيْن ما مَفاده: كان (الشيخ تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم، المعروف بابن عطاء الله الإسكندرانيّ الشاذليّ المالكيّ) تلميذ المُرسيّ أبي العبّاس المعروف، وقد كتب الشيخ زرّوق ثلاثين شرحاً على هذا الكتاب، وهذا هو الشرح السابع عشر منها. وقال في «شذرات الذهب»: وكتب أكثر من ثلاثين شرحاً على «الحكم العطائيّة». وُلِدَ الشيخ أحمد زرّوق في يوم الخميس الثامن عشر من شهر ذي الحجّة الحرام سنة ثمانمائة وستّة وأربعين (للهجرة) وكانت وفاته في سنة ثمانمائة وتسعة وتسعين.
[10] يقول: «ما نظرتُ إلى شيء إلّا وصورتك فيه، يا ساتراً وجهك، كم كنتَ تبدو كثيراً».
[11] يقول: «أن الحبيب مُتجلٍّ من وراء الباب والجدار، (فافهموا) يا اولي الأبصار.
أ تَبحثُ عن الشمعة وهذي الشمس مشرقة (في كبد السماء)؟، وهو ذا النهار مُضيء وأنتَ تَرزح في ليل مُدلَهمّ.
إذا أنتَ تخلّصت من ظُلمات نفسك، سترى العالَم كلّه مشارق للأنوار.
أ تطلبُ من أعمى أن يقودك وتطلب عصا تعتمد عليها في هذا الطريق الواضح والمُمَهَّد؟
افتح عينيكَ وانظُر إلى البستان، وإلى الماء الرقراق وهو يتخلّل الطين والأشواك».
[12] يقول:
«انظر إلى الآلاف المؤلّفة من الألوان الزاهية للزهور والورود في (هذه) الروضة (الغَنّاء) فكلّها من صنع ذلك الماء العديم اللون.
ابدأ في طَلَبِ المدينة عن طريق العشق، واحمِلْ معك زاداً ومؤونة للسير في هذا الطريق.
و رُبّةَ أعمالٍ كثيرة تَسهُل بالعشق، ويصعب على العقل فهمها أو إدراكها.
الهَج باسم الحبيب بالغدوّ والآصال، وابحَثْ عنه بالعيّش والإبكار.
و لو قال لك (الحبيب) لن تراني، مائة مرّة، (فلا تيأس) واستمرّ بمسيرك نحوه (و لا تُضيّع هدفك) وارتَقِبْ اللقاء (و الوصال).
حتّى تصِلَ إلى مكانٍ حيث لا وجود للأوهام أو الأفكار.
[13] يقول: «فستحصل في محفل هناك على زادٍ لم يُقدَّر لجبرئيل الحصول عليه.
فهو ذا الطريق، وهو ذا زاد الطريق، وذلك هو المنزل (و المقام)، فلو كنت رجلًا تُريد خوض الغمار تعال إذن وهات ما عندك.
و إذا لم تكن رجلًا كما هو مع الرجال (الذين عجزوا عن ذلك)، فردِّد إذن عبارة «يا حبيب يا حبيب!» وحُكَّ خلف اذنك (بَطراً).
يا «هاتف!» أن أرباب المعرفة وأساطينها الذين تحسبهم أحياناً سُكارى وأحياناً أخرى تظنّهم صحاة.
إنّما ذلك بفعل الخمر وسُقاتها والمجون والمطربين والرهبان والدير والشاهد والزنّار.
إن في ثنايا عملهم هذا تكتم أسرارٌ، يُظهرونها أحياناً من خلال الإيماءات (و الإشارات)».
[14] يقول: «ستعلمُ إن أنت كشفت سرّهم، أن هذا هو سرّ الأسرار.
وجود واحد ولا شيء غيره، وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا هُو».
ديوان «السيّد أحمد هاتف الأصفهانيّ» البند الأخير من ترجيع بنده.
[15] «الحِكَم العطائيّة، والمناجات الإلهيّة» والذي يجيء بعده كذلك «الحِكَم العطائيّة الصغرى» طبعة المكتبة العربيّة بدمشق، أحمد عُبَيد، الطبعة الثانية (1 رجب سنة 1394 هـ) ص 80 إلى 90؛ ولكنّنا انتقينا نصّ العبارات تلك من «شرح حِكم ابن عطاء الله» تأليف الشيخ أحمد زرّوق (و الذي طُبِع بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور محمود بن شريف في مكتبة النجاح- طرابلس الغرب، الاستاذ محمّد نور الدين بريون) من ص 448 إلى 473. وكما يظهر من مقدّمة هذين المحقّقَيْن على الكتاب، أن الشيخ زرّوق (أحمد بن أحمد بن محمّد) كان من فاس (المغرب).
[16] «بحار الأنوار» ج 20، ص 282، باب أعمال خصوص يوم عرفة وليلتها وأدعيتها زائداً على ما مرّ في طيّ الباب السابق، طبعة الكمبانيّ؛ وفي الطبعة الإسلاميّة: ج 98، ص 214.
[17] «بحار الأنوار» ج 20، ص 287، الطبعة القديمة (الكمبانيّ)؛ وفي طبعة المكتبة الإسلاميّة: ج 98، ص 227 و228.
[18] «البلد الأمين» للشيخ إبراهيم الكفعميّ، ص 251 إلى 258، منشورات مكتبة الصدوق- طهران.
[19] «زاد المعاد» للعلّامة الملّا محمّد باقر المجلسيّ الثاني رحمه الله، ص 91 إلى 96، طبعة قديمة جدّاً بقلم أحمد التبريزيّ؛ وطبعة المرحوم الحاجّ الشيخ فضل الله النوريّ رحمه الله، بقلم مصطفى النجم آباديّ: ص 209 إلى 222.
[20] «الإقبال» ص 339 إلى 350، الطبعة الحجريّة؛ «مفاتيح الجنان» ص 271، طبعة الإسلاميّة، سنة 1379 هـ.
[21] «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون» لحاجي خليفة كاتب الچلبيّ: ج 1، ص 675، العمود الأيمن؛ ومقدّمة «شرح الحِكَم العطائيّة» ص 13.
[22] يقول: «هلمّ يا ساق واسقنا فقد أزال الحبيب الحجاب وبان، وأضاء فَرط جماله وحُسنه سراج خلوة العشّاق.
و ازدادَ شمع محيّا الحبيب المشتعل ضياءً ونوراً وأضحى هذا الشيخ العجوز شابّاً يافعاً من جديد.
و قد غمز العشق غمزة وأغرى إغراءً بحيث وقع قاضي الشرع كذلك في شباكه واحتار في المحبوب، وأغدق الحبيبُ علينا من حبّه حتى هَجَرَنا الأعداء وفارقونا».
[23] يقول: «أن الله سبحانه أرسل أنفاراً مُستعدّين للتضحية بأنفسهم كعيسى ابن مريم عليهما السلام، لكي يُزيل عنّا إصر الهجر والفراق الذي أثقل كاهلنا ولوّع قلوبنا، ويُخلّصنا من الغَمّ.
فاحذر العبارات الرنّانة والكلام المعسول الخادع، كأنّ ثغره فُستقةً ضاحكة معجونة بالسكّر.
إن كلّ مَن اعتاد على الدلال والاغترار بقامته وقوامه في مقابل القمر والشمس، جلس جانباً وكسدت بضاعته وامتهن مهنة أخرى بعد أن خرجتَ أنت علينا وبدا جمالك وحُسنك.
لقد دوّي صوت العشق وملأ صداه أركان السماوات السبع، فانظرْ إلى السفيه القليل العقل الذي اعتبر هذه القصّة حكاية عابرة لا أهمّيّة لها.
يا حافظ! مَن ذا الذي علّمك هذا النمط من الحديث السماويّ والشِّعر الراقي، اللذان حرزا محبوبك وحفظا معشوقك فطفق يحملهما معه كالتميمة؟».
«ديوان حافظ» ص 119، الغزليّة رقم 86، طبعة منشورات صفي على شاه.
[24] مقطع من الآية 67، من السورة 39: الزمر، وتمام الآية: {وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ والْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ والسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
[25] يقول: «فلو نظرتَ جيّداً في الأمر هذا لرأيت أنّه الباصر والبصير والإبصار.
بان في الحديث القدسيّ وظهر أن المؤمن بي يسمع وبي يبصر».
«گلشن راز» ص 14، بخطّ النستعليق لعماد الأردبيليّ، سنة 1333 شمسيّ، المصادف سنة 1374 هـ. ق.
[26] يقول: «لقد كان للعشق في كلّ آن ظهور آخر، ويُبدي من ذلك صورة مختلفة عن الأخرى.
و كلّما ظهر في ناحية من نواحي الكون، ظهر بوجه آخر من مكان آخر».
[27] مقطع من الآية 17، من السورة 8: الأنفال، وتمام الآية: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ اللَّهَ رَمى ولِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
[28] صدر الآية 10، من السورة 48: الفتح، وتمام الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ومَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}.
[29] وللحديث القدسيّ ميزة أخرى هي أنّه لا يجب اعتباره معجزة للنبيّ، ولذا فإنّ القرآن الكريم لا يُعتَبر من الأحاديث القدسيّة.
[30] يقول:
«فمن حصل على هذه السعادة *** كان تراب قدمه للفَلَك وسادة
فمن لم يجتز النفس جميعاً كلّها *** لم ينل شيئاً منها ولا من درّها
هي تخلو من (أنا) و(نحن) *** فمن أحبّها عادي نفسه علىعَلَن»
[31] يقول: «هو اسمٌ منّي على، والباقي كلّه هو».
[32] أورد السيّد حيدر الآمليّ هذا الحديث في «جامع الأسرار» ص 204؛ «شرح گلشن راز» بتصحيح وتنقيح كيوان سميعي، ص 113 إلى 115.
[33] «لقاء الله» ص 24.
[34] «بحار الأنوار» ج 15، ص 29، باب حُبّ الله تعالى، طبعة الكمبانيّ القديمة؛ الطبعة الإسلاميّة: ج 70، ص 22، حديث رقم 21.
[35] «اصول الكافي» ج 2، ص 352، حديث رقم 7، من كتاب الإيمان والكفر، باب من آذى المسلمين واحتقرهم.
[36] «اصول الكافي» ج 2، ص 352، حديث رقم 8.
و روي هذا الحديث كذلك بدون سند ثقة الإسلام الشيخ أبو الفضل على الطبرسيّ المتوفّى أوائل القرن السابع الهجريّ، في كتاب «مشكاة الأنوار في غُرر الأخبار» الطبعة الثانية، المطبعة (الحيدريّة)- النجف الأشرف، في ص 146 و147، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام. وقد ذكر الحقير المسكين هذا الحديث أيضاً في كتاب «التوحيد العلميّ والعينيّ» ص 299، مع ذِكر أسناد عدّة له في التعليقة.
[37] قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: أن اللهَ تعالى قَالَ: مَنْ عَادَى لي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. ومَا يَتَقَرَّبُ إلى عَبْدِي بِشَيءٍ أحَبَّ إلى مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. ومَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوافِلِ حتى احِبَّهُ؛ فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ التي يَبْطِشُ بِهَا، ورِجْلَهُ التي يَمْشِي بِهَا. أن سَألَني لُاعْطِيَنَّهُ، وأن اسْتَعَاذَنِي لُاعِيذَنَّهُ. ومَا تَرَدَّدْتُ في شَيءٍ أنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدي في قَبْضِ نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ وأكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، ولَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ.
[38] صدر الآية 30، من السورة 76: الإنسان. وتمام الآية: {وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً}.
[39] مقطع من الآية 17، من السورة 8: الأنفال. وتمام الآية: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ اللَّهَ رَمى ولِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
[40] صدر الآية 10، من السورة 48: الفتح. وتمام الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ومَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}.
[41] الآيات 5 إلى 7، من السورة 92: الليل. وتمام الآية: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطى واتَّقى ، وصَدَّقَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى}.
[42] وجاء في «الذريعة» ج 13، ص 28، برقم 89 أن: «شجرة الهيّه» هو كتاب بالفارسيّة في اصول الدين للحكيم المتكلِّم السيّد رفيع الدين محمّد بن حيدر الحسنى الطباطبائيّ المعروف بـ (ميرزا رفيعا)، وهو من شيوخ المجلسيّ. توفّي في سنة 1082 أو 1099 هـ. وكان المشار إليه قد ألّف ذلك الكتاب للشاه صفيّ الصفويّ سنة 1047 هـ».
[43] صدر الآية 31، من السورة 3: آل عمران. وتمام الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
[44] «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول» ج 10، ص 383 إلى 396، حديث 8، كتاب الإيمان والكفر، باب من آذى المسلمين واحتقرهم، الطبعة الثانية، سنة 1404 هـ.
[45] كتاب «الأربعين» ص 295 إلى 303، الحديث 35، الطبعة الحجريّة (ناصري)، سنة 1272 هـ.
[46] «رياض السالكين» ج 6، ص 157، في شرح الدعاء الخامس والأربعين، طبعة رابطة المدرّسين.
[47] «كلمة الله» ص 68، حديث رقم 67، تحت عنوان (زُلفى المؤمن)، وذكر مصادره في ص 519 عن «المحاسن» للبرقيّ، و«الكافي» للكلينيّ في ثلاثة مواضع.
[48] «إحياء العلوم» ج 4، ص 263، طبعة دار الكتب العربيّة الكبرى، مطبعة ميمنة- مصر، سنة 1334 هجرية قمرية.
[49] «معرفة الإمام» ج 8، من الدرس 118 إلى 120.
[50] «معرفة الإمام» ج 9، من الدرس 131 إلى 134.
[51] «المصدر السابق» ج 2، المجلس 9.
[52] انظر: «الشمس الساطعة» البحث الفلسفيّ.
[53] خلال التذييل على المكتوب السادس للمرحوم السيّد، ص 299.
[54] «صحيح البخاريّ» ج 8، ص 105، طبعة بولاق.
[55] «المفردات في غريب القرآن» ص 399، العمود الأيسر، تحقيق السيّد محمّد سيّد الجيلانيّ، مطبعة مصطفى البابيّ الحلبيّ.
[56] «الإنسان الكامل» للنسفيّ، بتصحيح ومقدّمة فرانسوا ماريجان موله، طبعة تابان، سنة 1341، الصفحات: 136 و285 و305 على التوالي. قال بخصوص الموضع الثالث هذا ما ترجمته:
« (21) يا أيّها الدرويش! لن يكون بإمكان السالك معرفة أيّ شيء ورؤيته كما هو ما لم يتشرّف بلقاء الله. وليس للسالك شغلًا شاغلًا غير معرفة الله ورؤيته، ومعرفة صفاته ورؤيتها. فمَن لم يرى الله ولم يعرف صفاته فهو كمَن جاء (إلى الدنيا) أعمى وخرج (منها) أعمى. فإذا وصل السالك إلى نور الله فقد خلّف وراءه كلّ الرياضات والمجاهدات الصعبة، ووصل إلى المقام الذي يقول عنه الله: كُنْتُ لَهُ سَمْعاً وبَصَراً ويَداً ولِسَاناً، وبِي يَسْمَعُ وبِي يُبْصِرُ وبِي يَبْطِشُ وبِي يَنْطِقُ. وكذا فقد وصل إلى المقام الذي قال عنه رسول الله عليه السلام: اتَّقُوا فَرَاسَةَ المُؤْمِنِ، فَإنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللهِ. وعند وصول السالك إلى نور الله فهو حينئذٍ سائر في طريق نور الله. فقد كان حتى تلك اللحظة سائراً في طريق نور العقل؛ وهو ذا عمل العقل قد انتهى؛ وهو الآن سائر في طريق نور الله. ويسير طوراً في طريق نور الله حيث تزال كلّ الحُجُب النورانيّة والظلمانيّة من أمام السالك، فيرى الأخير الله ويعرفه. إذن فلا يمكن رؤية نور الله أو معرفته إلّا بنور منه أيضاً».
[57] «الرسالة العليّة في الأحاديث النبويّة» (شرح أربعين حديثاً نبويّاً بتصحيح السيّد جلال الدين الارمَويّ المحدِّث). هذا وقد توفّي الكاشفيّ سنة 910.
نعم، فهذه الرواية موجودة في ص 170 و171 من هذه الرسالة. وجاء في كتاب «تشيّع وتصوّف (= التشيّع والتصوّف) تأليف الدكتور كامل مصطفى الشيبيّ، وترجمة ذكاوتي القراكوزلو، ص 325، ضمن بيان ترجمة أحوال الكاشفيّ ما يلي:
«و يبدو أن الواعظ الكاشفيّ كان من الأفذاذ النوادر الذين لم يجد المذهب أو الطريقة أو التعصّب سبيلًا إلى أنفسهم فكان طرازاً غريباً من الرجال، شبيهاً برجل من الشيعة اشتهر بتلك السماحة أيضاً هو بهاء الدِّين العامليّ. ومع أن الواعظ الكاشفيّ كان صوفيّاً نَقشبَنديّاً وفقيهاً حنفيّاً ألّف في الفقه الحنفيّ رسالة برأسها («هديّة العارفين» ج 1، ص 316- التعليقة)، كتب سنة 908 أوّل وأهمّ رسالة في مجالس العزاء الحسينيّ سمّاها «روضة الشهداء في مقاتل أهل البيت».
[58] «سنن ابن ماجة» (كتاب الفتن، الباب 16، من ترجّى له السلامة من الفتن: 2/ 1321) عن الرسول الكريم... أن اللهَ يُحِبُّ الأبْرَارَ الأتْقِيَاءَ الأخْفِيَاءَ، الَّذِينَ إذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وإذَا حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا ولَمْ يُعْرَفُوا- التعليقة).
[59] «الجامع الصغير» للسيوطيّ (باب الميم: 2/ 160) و«معاني الأخبار» باب معنى ما روى أن من أحبّ لقاء الله.(التعليقة)؛ وشرح الكاشانيّ لـ «منازل السائرين» للخواجة عبد الله الأنصاريّ، ص 528، منشورات بيدار.
[60] «رَوح الأرواح في شرح أسماء الملك الفتّاح» بتصحيح نجيب مائل الهرويّ، ص 442، 499، 552، «انتشارات علمي وفرهنگي » (= المنشورات العلميّة والثقافيّة).
[61] «مرصاد العباد» ص 208، 320، و321، طبعة بنگاه ترجمه ونشر كتاب.
[62] يقول: «جاء الحبّ وصار دمي في عروقي *** فأفرغني ثمّ ملأني من حبّ صَدوقِ
و صار الحبيب كلّ همّي ووجودي *** فما أبقي لي غير اسمي دون وجودي»
[63] رسالة «عشق وعقل» ص 64 إلى 66، و117 و118، (معيار الصدق في مصداق العشق)، طبعة بنگاه ترجمه ونشر كتاب. ويقول معلّق الكتاب:
«حديث قدسيّ مشهور مرويّ على وجوه مختلفة. ذكره الهُجويريّ في «كشف المحجوب» ص 393، طبعة لينينغراد، وجاء ذِكره في «إحياء العلوم» و«الجامع الصغير» و«إتحاف السادة المتّقين». وقد أشار مولانا جلال الدين إلى مضمون هذا الحديث في «المثنويّ» حيث قال:
رو كه بى يَسمَع وبى يُبصِر توئي *** سرّ توئى چه جاى صاحب سرّ توئي
آنكه بى يَسمَع وبى يُبصِر شده است *** در حقِ اين بنده آن هم بيهُده است
يقول: «اذهَبْ، فأنتَ مَن قيل عنه (بي يَسمَع وبي يُبصر)، وأنتَ السرّ لأنّك أنت صاحب السرّ. إن مَقام (بي يَسمَع وبي يُبصر) لا يمكن إطلاقه على هذا العبد جزافاً».
[64] «كشف المحجوب» تصنيف أبو الحسن علي بن عثمان الجُلابيّ الهُجويريّ الغزنويّ، بتصحيح و. جوكوفسكي، ص 326 و393، طبعة مكتبة طهوري.
[65] تفسير «حدائق الحقائق» لمعين الدين الفَراهي الهَرَويّ، ص 278، منشورات أمير كبير.
[66] «حِكَم ابن عطاء الله» شرح الشيخ أحمد زرّوق، ص 4، طبعة طرابلس الغرب، مكتبة النجاح، حيث يقول: وفي حديث قدسيّ يقول سبحانه: عَبْدِي! اعْبُدْنِي أجْعَلْكَ رَبَّانِيّاً، تَقُولُ لِلشَيءٍ كُنْ فَيَكونُ. وفي حديث قدسيّ آخر يقول (الحديث إلى آخره).
[67] - «ديوان ابن الفارض» ص 142، الطبعة الاولى، 1372 هـ؛ وطبعة بيروت 1382 هـ؛ «نظم السلوك» البيت 719 إلى 726؛ وقد ورد البيت الخامس في كِلا النسختين هكذا: أجدى وسيلةٍ. وفي الشرح العربيّ للفرغانيّ في ج 2، ص 201: أجدى وسيلتي وهو الصحيح.
[68] عن «مشارق الدراري» المشروح بالفارسيّة ص 457، والذي ذكر هذا الحديث في ص 46.
[69] ولبيان عظمة المقام العِلميّ للفرغانيّ والقيمة الأدبيّة لكلامه، نكتفي هنا بذِكر ما قاله آية الله مير سيّد حامد حسين الموسويّ النيشابوريّ الهنديّ في كتاب «عبقات الأنوار» ج 1، من المجلّد (12): سند حديث الثقلينِ والموجود في القسم الثاني حسب طبعة مؤسّسة نشر نفائس المخطوطات (إصفهان)، من ص 473 إلى 475، برقم 113. فقد قال آية الله النيشابوريّ الهنديّ ما ترجمته:
«و أمّا إثبات سعيد الدين محمّد بن أحمد الفرغانيّ لحديث الثقليْنِ فقد قال في شرحه بالفارسيّة على القصيدة التائيّة لابن الفارض عن تفسيره للبيت التالي:
وَ أوْضَحَ بِالتَّأوِيلِ مَا كَانَ مُشْكُلًا *** عَلِيّ بِعِلْمٍ نَالَهُ بِالوَصِيَّةِ
ما يلي: لقد أوضح على بالتأويل ما قد أشكلَ من المعنى وأشبه فيه من مراد القرآن والحديث على غيره من الصحابة وخاصّة عمر؛ وهو الذي كان يُردّد دوماً (مقولته المشهورة) بهذا الخصوص: لَوْ لَا على لَهَلَكَ عُمَرُ. مع أن (عليّاً) كان قد تطرّق إلى هذه المشكلات وحلّها بالعِلم الذي كان قد ورثه عن المصطفى بواسطة الوصيّة التي قال فيها: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللهِ وعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي! اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي، ثلاث مرّات، ثمّ عاد وكرّر قوله: أنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى غَيْرَ أنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي. وبواسطة قوله: أنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وعلى بَابُهَا- انتهي كلام الفرغانيّ.
و محامد العلّامة الفرغانيّ المبهرة ومعاليه المُزهرة واضحة لكلّ مَن يبحث في كتاب «عبرٌ في خَبر مَن غبر» للذهبيّ، و«نفحات الانس» لعبد الرحمن الجاميّ، و«كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار» لمحمود بن سليمان الكَفويّ، و«كشف الظنون» لمصطفي بن عبد الله القُسطنطينيّ، وغير ذلك من الكتب الأخرى. وقد سَبقَ بِعون الله المُنيلِ في مجلّد حديثِ مدينةِ العلمِ، بيانُها بالتفصيلِ. وهنا نكتفي بالإشارة إلى ما قاله عبد الرحمن الجاميّ في كتاب «نفحات الانس»، وهو (ما ترجمته):
و كان الشيخ سعيد الدين الفرغانيّ رحمه الله تعالى من أكمل أرباب العرفان وأكابر أصحاب الذوق والوجدان. فلم يُبيّن أحد مسائل عِلم الحقيقة بهذه الدقّة والصحّة كما فعله هو في ديباجة «شرح القصيدة التائيّة الفارضيّة». فقد قام أوّلًا بشرحها بالفارسيّة، ثمّ عرض ذلك على شيخه (الشيخ صدر الدين القَونويّ قدّس سره، فاستحسن شيخه ذلك وكتب بعض العبارات في هذا الباب، فوضع الشيخ سعيد تلك العبارات المكتوبة بعينها في ديباجته على الشرح الفارسيّ تَيمّناً وتبرّكاً. وثانياً، ولتعميم الفائدة وتتميمها، قام بنقلها إلى العربيّة وأضاف عليها فوائد كثيرة وزيادات أخرى. جزاه اللهُ عن الطالبين خيرَ الجزاء.
و له مُصَنَّفٌ آخر يُسمى بـ «مناهج العباد إلى المعاد» في أصحاب المذاهب الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين وهو في مسائل العبادات وبعض المعاملات التي لا غنى لسالكي هذا الطريق عنها؛ والتي لا يمكن سلوك طريق الحقيقة بدونها في بيان آداب الطريقة بعد إصلاح وتصحيح أحكام الشريعة. والحقّ أنّه كتاب مفيد وهو ما لا بدّ لأيّ طالبٍ ومريد- إلى آخره.
[70] فهذا الفرغانيّ، شيخُهم السعيد المسعود، وحَبرُهم الحميد المحمود؛ قد أثبتَ هذا الخبرَ النافحَ كالأزهار والورود العاطِر، كالقُتار الساطِع من العود. فالعجبُ كلُّ العجب من الجاحد العَنود، والمنكر الكَنود؛ كيف لا يَزعُه وازعٌ عن الإنكار والجُحود، ولا يَصرفهُ صارفٌ عن البغي والمُرود! واللهُ العاصمُ عن شرِّ كلِّ معاندٍ حسودٍ لدودٍ، وهو الواقي عن زيغِ كلِّ حيودٍ ميودٍ».
[71] شرح «مشارق الدراري» ص 605 إلى 610، طبعة انجمن فلسفه وعرفان اسلامي (بالفارسيّة)؛ والشرح بالعربيّة المطبوع في مصر سنة 1293 هـ: ج 2، ص 197 إلى 200.
قال العلّامة شمس الدين محمّد بن محمود الآمليّ في كتاب «نفائس الفنون» ج 2، ص 26 و27 (ما ترجمته):
«و لأنّ حقيقة المحبّة هي نوع من علاقات الاتّحاد التي تربط المحبّ بالمحبوب، وجذبة من جذبات المحبوب التي تجذب المحبَّ نحوه، فينسلخ المحبوب تدريجيّاً من جميع صفاته نتيجة هذه الجذبة وتلك العلاقة، ثمّ تسلبه ذاته بقبضة قويّة ومقتدرة وتضفي عليه ذاتاً أخرى غيرها تناسب اتّصافه بصفاته هو. وبعد ذلك، تتبدّل صفاته الموجودة داخل تلك الذات؛ كما قال الجُنيد: المحبّةُ دخولُ صفات المُحَبِّ على البدن من المُحِبِّ. وهنا يتّضح لدينا سرّ فَإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعاً وبَصَراً، وهي حقيقة
أنَا مَنْ أهْوَى ومَنْ أهْوَى أنَا *** نَحْنُ رُوحَانِ حَلُلْنَا بَدَنَا
فَإذَا أبْصَرْتَنِي أبْصَرْتَهُ *** وإذَا أبْصَرْتَهُ أبْصرْتَنَا
و مع ذلك فلا يوجد سبب معيّن للمحبّة (كما قيل) حيث:
إن المحبّةَ أمرُها عجبُ *** تُلقَي عليكَ وما لَها سببُ
ثمّ قال في ص 32: «و قال بعضهم: أن الفَناء هو الغياب عن الأشياء، والبقاء حضور مع الحقّ؛ وهذا المعنى هو نتيجة السُّكْر. فقد قال صاحب «العوارف»: الفناءُ المطلقُ المطابقُ، هو ما يَستَولي من أمر الحقّ سبحانَه على العبدِ، فيَغلبُ كونُ الحقِّ على كونه العبدَ. وهذه هي حقيقة مطلق الفَناء».
[72] يقول: «أعرني بصراً لأنظر إليك به وإن كانت عيني لا تليق النظر إليه.
إن في كلّ نَفَسٍ منك يتجلى مظهر آخر لجمالك، وفي كلّ مرّة أخافُ فيها عليك فألحظك بعيني الأخرى.
أنت ناظر إلى حُسنكَ وجمالك من نظرات عيوني، لأنّك أنت إنسان عيني وبُؤبُؤها ونور بصري».
[73] يقول: «يا مَن تصرخ في بحثك: الحبيب الحبيب، مَن ذا غيره موجود في الحَرم أو الدير؟ إنّه هوَ.
لا ستار يُغطّي الجمال سوى صفات الجلال، ولا خمار يُخفي هذا الوجه ولا قشر يحيط بهذا اللبّ.
إن الزهور تشقّ أكمامها لغناء البلابل، والبراعم تملأ قلوبها بالدم.
إن النَّفَس حين يدخل في الشهيق، ويخرج في الزفير يعني أن منه (من الله) شهيقاً وزفيراً في كلّ نفس.
إن الحبيب (موجود) في طريق القلب والطريق كأنّه حيران، واتّحد البحر بالغدير وأضحى الغدير يبحث كلّ هذا البحث.
إنّه مع اختفائه واستتاره ظاهر وعيان في الأعيان، وبالرغم من عدم تَلوُّنه فقد اقتبس كلّ شيء لونه وعبيره منه».
[74] يقول: «أن مَثَل الحبيب في حفلنا هذا كمثل يوسف ذي الجسم الفضّيّ اللون، يُشبه الحجرة المُغطّاة جدرانها بالمرايا، فأينما وَلّيتَ وجهك رأيته، فهو أمام الجميع.
اصنَع ستاراً حجازيّاً أو اعزِف لحناً عراقيّاً، فلا وجود إلّا لسرّ واحد؛ مختلف عن كلّ (ما عهدناه من) حديث.
إنّه هو مخزن الأسرار وعيبتها وهو سرّ سُوَيداء القلب، وهو الذي يعرف الأسرار جميعاً».
«ديوان حكيم حاج ملّا هادي سبزواري» المعروف بـ «الأسرار» ص 38 و39، مكتبة ثقفي، أصفهان.
[75] «أسرار الصلاة» ص 175، طبعة مطبعة الحيدريّ، سنة 1380 هجريّة قمريّة.
[76] «المحجّة البيضاء» ج 1، ص 352، طبعة مكتبة الصدوق، سنة 1339 شمسيّ (1380 ق)، كتاب «أسرار الصلاة»؛ ويقول في التعليق عليه: عن «بحار الأنوار» عن «فلاح السائل».
[77] ج 2، ص 247، كتاب آداب تلاوة القرآن.
[78] يقول في تعليقه: قد نقله الشهيد في «أسرار الصلاة» ص 204.
[79] ص 107 و108، طبعة فرهومند، سنة 1382 هجريّة قمريّة.
[80] من النسخة الخطّيّة بقلم الحقير: ص 16 و17؛ ومن النسخة المطبوعة: ص 43.
[81] الطبعة الحجريّة، أحمد شاهي: ص 84 و85؛ وطبعة فروهمند: ص 195 و196.
[82] طبعة الإسلاميّة، ج 84، ص 247، كتاب الصلاة، باب آداب الصلاة.
[83] «فلاح السائل» ص 101- التعليقة.
[84] «فلاح السائل» ص 104- التعليقة.
[85] «فلاح السائل» ص 107 و108- التعليقة.
[86] الطبعة الحجريّة، ص 120.
[87] طبعة دار الكتب العربيّة الكبرى، ج 1، ص 259.
[88] طبعة مركز نشر دانشگاهي- طهران 1408 هـ، بتحقيق عثمان إسماعيل يحيي، ص 172.
[89] ص 39 و40، طبعة كتابفروشي ثقفي- أصفهان، سنة 1338 شمسي (= 1379 ق).
[90] يقول: «ليس من رأس إلّا وفيه هياج حبّك، وليس من بصر إلّا وهو ناظر إلى طلعتك الجميلة.
لقد أسرتَ في قفصك كلّ طائر من طيور القلوب وحبسته فيه، وأن سهامك القاتلة لا تعرف الخيبة أبداً.
ما بقي صوت لعواء كلبٍ عند حيّك لارتفاع صوت صراخي وأنيني كلّ ليلة إلى وقت السَّحَر.
ليست صدورنا هي وحدها التي تمزّقت بسبب الحزن عليه وحسب، بل أن الأسى الذي خَلّفَه فينا وَضعَ علائمه واضحة على جميع الأكباد».
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
