الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
أهمية التعليم المهني والتقني
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 301 ــ 304
2025-07-10
26
كانت متطلبات العيش في الماضي السحيق محدودة جداً، ولذا فإن الواحد من الناس كان يقوم بمعظم حاجاته من كل شيء. ومع ارتقاء الإنسان في مدارج الحضارة أخذت أساليب الحياة تتعقد شيئاً فشيئاً، كما ارتقت إمكانات تحقيق الرفاهية، وزاد اعتماد الناس بعضهم على بعض مما جعل تقسيم العمل، يزداد شمولاً وعمقاً، مما ساعد على الارتقاء بمعايير الجودة والإتقان على نحو مستمر ومتجدد (1).
إن التنافس الشديد بين الشركات الصناعية على إنتاج أشياء أعلى جودة وأقل تكلفة قد فرض مستويات غير مسبوقة في جودة الأداء المهني، واستخدام أساليب وأدوات تقنية في منتهى التطور والتقدم، وأخذت ظاهرة (الأتمتة) في الانتشار لتعبر عن كل ذلك.
إن مهمة (العلم) أن يرتاد آفاق المجهول، ويكشف السنن، ويحلل العوامل المتشابكة للظواهر المختلفة ... لكن هذا كله لا يؤدي إلى تحسين نوعية الحياة على نحو ملموس ما لم يترجم إلى تطبيقات عملية، ويتجسد في أساليب ووسائل، توفر الراحة للناس، وهذا ما ينجبه اللقاء السعيد بين العلوم النظرية وبين الممارسات المهنية والتقنية.
هناك إلى جانب التعليم المهني التعليم التقني، ووضع حدود فاصلة بينهما على نحو صارم غير ممكن، إلا أنه يمكن القول: إن التعليم المهني يستهدف - في الغالب - تعليم صنعة أو حرفة للمنخرطين فيه، وهو يستخدم في ذلك آلات أقل تعقيداً، ويكون اعتماده على النظريات العلمية الحديثة أقل.
أما التعليم التقني، فإنه يستهدف إيجاد طبقة وسطى بين المهندسين والعلماء من جهة، وبين العمال المهرة من جهة أخرى. إنه - في أعلى مستوياته - الأسلوب الذي يحاول الكشف عن مدى إمكانية تحويل الأفكار والاكتشافات العلمية إلى نظم جديدة وإلى مصنوعات ومخترعات مادية ملموسة، وهو في سبيل ذلك لا يستخدم الأدوات والطرق المتطورة فحسب، بل يصنع ما يساعده على بلوغ غاياته. إن كثيراً مما نقوله عن التعليم المهني ينطبق على التعليم التقني، حيث إنهما يشكلان درجتين من استثمار العلوم البحتة والمزج بينهما وبين الخبرات والمواد على نحو مبدع.
إن حاجة أمة الإسلام إلى التعليم التقني والمهني ذات بعدين: بعد ثقافي فكري، وبعد اقتصادي معيشي.
أما البعد الثقافي الفكري، فإن أهميته تتجلى في أن التعليم التقني يشكل الأرضية التي تتلاقى عليها إشراقات الفكر - بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من جموح ومثالية - مع قوانين الطبيعة بكل ما تحتوي عليه من صلابة وصرامة وهذا التلاقي يساعد على تحييد كل الأفكار التي هي من قبيل الأوهام، والتي لا تقبل التجسيد في واقع محقق بسبب رفض نواميس الوجود وسننه لها ذاك التلاقي يكشف من وجه آخر من خلال التجارب المصاحبة عن آفاق واسعة المدى لما يمكن أن ينفتح أمام العقل البشري من مسارب الإبداع والتجديد إن التعليم المهني والتقني، يعزز ثقة الإنسان بنفسه، حيث يمكنه من السيطرة على الأشياء وفهم العلاقات القائمة بينها، واستثمارها على أفضل وجه. ولعل من ثمرات رسوخ هذا النوع من التعليم غرس الامتثال للأنظمة والقوانين السارية حيث يتولد شعور عميق لدى طلابه بضرورة الانصياع لأمر النظم الحياتية المختلفة، وهذا ما أشعر أن حاجتنا ماسة إليه.
أما البعد الاقتصادي المعيشي، فإن إلقاء نظرة واحدة على ما تم إنجازه في المجال الصناعي، يعد كافياً لتعريف الناس بأهمية التعليم المهني والتقني، فالدول الصناعية هي التي تقود الحضارة، وهي التي تملي شروط العيش على الأمم الأخرى، أضف إلى هذا أن هناك أعداداً ضخمة من الشباب، لا يجدون أية فرصة للعمل بسبب ضعف الصناعة، وبسبب عدم إتقان الواحد منهم لأية حرفة أو مهنة يكتسب من ورائها رزقه. وقد كانت العرب تسمى مهنة الرجل (ضيعة) لأنه يضيع من دونها؛ وهذا ما يواجهه كثير من الشباب اليوم، حيث وجدوا أن العلم الذي تلقوه في المدارس، لا يتناسب مع حاجات سوق العمل؛ مما دفع كثيراً منهم إلى الانحراف أو التسكع في الشوارع أو الهجرة من بلده.
إن التعليم المهني والتقني، أمسى أداة فعالة لتحسين شروط الوجود الإنساني، كما أمسى أداة تحرير من طائفة من العبوديات، وأداة للتغيير والتجديد، ولذا فإن النهوض به يمثل ضرورة ملحة، لا تقبل التأجيل.
إن هناك الكثير من المغريات بذكر الكثير من ميزات التعليم المهني والتقني، وسيكون جديراً بها، إلا أن علينا ألا ننسى أن أي فرع من فروع التعليم يظل ضرورياً لنمو الحياة، لكنه لن يكون سوى تنظيم فرعي داخل التشكيلة التنموية الكبرى، وحين يعيش بلد من البلدان في أجواء تشهد انحباساً في التنمية؛ فإن من السهل أن يجد الآلاف من الفنيين والتقنيين والعمال المهرة أنفسهم خارج سوق العمل على نحو ما يجري الآن لخريجي الكليات النظرية وهذا واضح في بلد مثل (مصر). وعندما انهار الاتحاد السوفياتي وتخلصت الدولة هناك من أوهام الدولة العظمى وجد الملايين من علمائها وتقنييها - والذين أعدوا أفضل إعداد - أنفسهم من دون أي عمل. إن نمو هذا النوع من التعليم يجب أن يكون تعبيراً عن الاستجابة لطلب خطط التنمية التي تعتمد التركيز على الصناعة، وليس على الزراعة أو التجارة، كما تعتمد التركيز على المحلي عوضاً عن المستورد؛ إنه في مقام العربة لا الحصان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ كان العرب على الرغم من بعدهم عن الصنائع يملكون الإحساس بماهية إتقان الصناعات والمهن، قال ابن منظور في تعريف المهنة: (إنها الحذق في الخدمة والعمل ونحوه) اللسان: مهن.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
