الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
أهداف تربوية / روح الكفاح والمثابرة
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 78 ــ 81
2025-07-08
20
إن طبيعة الالتزام الصارم بالتعاليم الربانية، شكل عظيم من أشكال الاستمرار في بذل الجهد ومكافحة الأهواء والشهوات؛ حيث يضبط المسلم الملتزم إيقاع حركته ومشاعره ضبطاً تاماً وفق مراد الله - تبارك وتعالى ـ والمشكلة في هذا الصدد مع نوعين من المسلمين:
نوع لا يعرف مذاق الاستمرارية والمثابرة، لا في شؤون دينه، ولا شؤون دنياه؛ فهو أقرب إلى أن يكون بدائياً فوضوياً.
ونوع يلتزم بأمور دينه التزاماً منقوصاً، حيث لم يستطع توسيع قاعدة الالتزام، وروح الدأب والكفاح لتشمل جميع جوانب حياته؛ فترى لديه قصوراً في تدينه، ونوعاً من الجمود والاضطراب في معالجة أمور دنياه؛ مع أن الذي يعمق النظر يرى أنه لا يمكن الفصل بين أمور الدين وأمور الدنيا لا على مستوى الفكر، ولا على مستوى السلوك؛ فالبنية العميقة للشخص لا بد أن تتجلى فيهما معاً.
ولعلنا نلمس في هذه المسألة النقاط التالية:
ا- حتى يمتلك الناشئة روح الكفاح والمثابرة على بذل الجهد، وضبط النزعات والميول، فإنهم بحاجة إلى امتلاك عقل مفتوح، وشحنة عظيمة من الأمل والتفاؤل؛ فالمستحيل درجات ومنه ما هو مطلق، ومنه ما هو نسبي. وما من معضلة إلا وهي قابلة للتغلب عليها كلياً أو جزئياً، وفي النهاية فإن المرء يستطيع أن يعايشها، ويتكيف معها، وبذلك يكون أقوى منها. وكما يقول أحد الفلاسفة فلنغرس في نفوس شبابنا أن أعظم الكتب، لم يؤلف بعد، وأن أعظم اللوحات الفنية لم تنقش بعد، وأن أحسن الحكومات ما زالت في مخاض، وأن ذلك كله سيتم على أيديهم هم (1).
إن الكمال الذي ننشده ليس بنية مكتملة محددة المعالم، نستحوذ عليها ونرتاح، وإنما هو شيء يلمع ويبرق في الأفق، والاستحواذ عليه ليس أكثر من مناهزته بصورة دائبة دائمة، وبأشكال من التصفية والمراجعة والإنضاج.
تعلمنا التجربة التاريخية الأممية أن الظروف المادية، لا تشكل أبداً حواجز لا تقهر، أو عوائق لا يمكن التغلب عليها؛ فكثير ممن سطر قصصاً عجيبة من النجاح والتفوق بدؤوا من الصفر، وفي ظروف قاسية، ثم استطاعوا من خلال الجهد المتواصل أن يكونوا أفضل بكثير ممن ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب! وهذا يدل على أن (القصور) على مستوى الفرد، وعلى مستوى المؤسسات هو العقبة الكؤود؛ والتغلب عليها ليس مستحيلاً، إذا ما توفرت الشجاعة وإرادة العطاء والمثابرة.
ب- تعود العبقرية في كل مجالات الحياة إلى نوع من التفوق في الإمكانات الذهنية ولكن لا يمكن للتفوق في الفهم والخيال والتحليل والتركيب والربط، أن يصنع شيئاً ما لم يشفع بالقدرة على المثابرة والتركيز.
وقد حار كثير من العلماء في تفسير ظاهرة (العبقرية) لدى بعض الناس، وذهبوا في تفسيرها كل مذهب، وكان من رأي بعضهم مثل (أريكسون) أن مفتاح فهم ظاهرة العبقرية يكمن بتميز العباقرة، ليس عن طريق اختبار الذكاء العالي، ولكن بميزة المثابرة الدؤوبة على تنمية المعرفة خاصة التركيز على حقل واحد، وبأخلاقية عمل خاصة من الطموح والمتابعة والاهتمام والانضباط الذاتي والبدء المبكر منذ الطفولة، ولفترة عمل مكثف تراكمي، لا تقل عن عشر سنوات في حقل بعينه (2).
إن (أديسون) الذي سجل أكبر عدد من المخترعات في العصر الحديث ـ قال حين سئل عن العبقرية: إنها 1 % إلهام و99 % عرق جبين. وعلى هذا فإن التفوق والإنجاز العالي والإتيان بالطرائف والغرائب هو في المقام الأول وليد الاجتهاد والمتابعة المبصرة والمنظمة.
إن لدى كل طفل من أطفالنا قدراً من العبقرية، وإن علينا أن نكتشف ذلك، ونرعاه وننميه ونتابعه وهذا من مسؤولياتنا ذات الأهمية والأولوية.
ج- إن كل المؤشرات المتوفرة تقول: إن مشاق الحياة في ازدياد ـ على الرغم من تكاثر المرفهات - وما هو مطلوب للعيش الطيب، يزداد ندرة، وليس المقام هنا مقام تفصيل ولن يكون بمقدور الأمة أن تفعل شيئاً عظيماً ما لم تدرب الناشئة لديها على أن يعدوا أنفسهم للحياة الجديدة، إن الصحابة - رضوان الله عليهم - ومن تلاهم من بناة الحضارة الإسلامية العتيدة قد تحملوا من المشاق وشظف العيش في مجاهدتهم لنشر هذا الدين ما لا يوصف مع قلة عتادهم ومحدودية إمكاناتهم، وتفوق أعدائهم؛ وإن علينا أن نعلم الناشئة كيف يستخلصون الروح والمثل من ذلك.
والذي يقرأ في سيرهم يتبين له بوضوح أنهم كانوا لا يسألون أنفسهم أبداً عما تبقى من الطريق، ولا عن تكاليف ذلك، وكانوا يدعمون روحهم المتوثبة تلك بثقة غير محدودة بنصر الله - تعالى - وعونه. وقد كان لهم ذلك على نحو فذ وفريدا.
وفي العصر الحديث تعد اليابان النموذج العالمي للنجاح الباهر في ظروف هي الأقسى، ومع موارد شديدة الشح. وكانت وسيلتها إلى ذلك، هي المثابرة والإصرار ويذكر أحد الكتاب الذين حاولوا النفاذ إلى أعماق التربية اليابانية أن من المرغوب فيه أن يتعلم الطفل في بدايات التعليم الابتدائي أن يتحمل المشاق، وفي السنوات المتوسطة، يتعلم الإصرار والاستمرار؛ ليحقق المطلوب منه في صبر وعزم في السنوات الأخيرة من التعليم الثانوي يتعلم ألا يقف سلباً أمام المصاعب والعقبات، وأن يجد الحلول متغلباً على ما يجد من مشكلات، وألا يخاف الإخفاق بعد أن يبذل الجهد اللازم (3).
واعتقد أن علينا أن نستفيد من هذه التجربة، وأن نقنن ذلك في صورة منعكسة على المناهج المدرسية وأخلاقيات العمل وأدبيات التربية.
إن من الحيوي للأمم الناهضة ألا تبحث دائماً عن الطرق السهلة في الوصول إلى أهدافها، وأن تربي أطفالها على تقدير العمل الشاق، ولو كانت نتائجه محدودة، أو غير مرئية في البداية؛ فذلك ضروري لتنمية شكيمتهم، وتصليب عزيمتهم. وكثيراً ما نلاقي من يبحث عن العطالة والبطالة من خلال عرضه صور الإخفاق عند زيد وعبيد، مع أن في مقابل كل صورة إخفاق صوراً عديدة للنجاح. إن العمل في حد ذاته قيمة، وإن الذي يبذل جهوداً كبيرة للحصول على أمر ما أفضل - مهما كانت النتائج - من ذلك الذي اجتاحه اليأس، وأقعده عن العمل؛ فمن الإخفاق يتعلم الإنسان ويكفي أنه يسبر الطرق المسدودة، ويمتلك حاسة الاستشعار لمواطن العلل والقصور. إن العمل بملء القلب وتركيز العقل والفكر هو ما يحتاج إليه أطفالنا اليوم إذا ما أردنا لهم أن يبدؤوا البداية الصحيحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ لماذا نعلم: 195، ولا ينبغي فهم هذا الكلام من خلال منظور حرفي؛ فهو رمزي في المقام الأول.
2ـ جريدة الرياض، في 6 / 3 / 1418، من مقال عن صناعة العبقرية للدكتور خالص جلبي.
3ـ التربية والتحدي: 39.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
