الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
اختيار المعلم وإعداده
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 155 ــ 161
2025-07-07
31
إن التعليم هو الوسيلة الأساسية التي تستخدمها الأمم في تكوين أبنائها في جميع المجالات، وعلى كل المستويات. هذا التكوين الذي يشتمل على تعريفهم بعقائدهم ومبادئهم وتراث أمتهم، ورؤيتها العامة للحياة، كما يشتمل على تزويدهم بالخبرات والمهارات التي تمكنهم من فهم عصرهم، والإسهام في دفع عجلة التقدم ... والذي سيقوم بكل ذلك هو (المعلم) الذي ينبغي أن يكون مستوعباً لمضمون الرسالة التي سيوصلها لطلابه، على نحو يمكنه من الارتقاء بهم، ودفعهم إلى السير حتى نهاية الطريق.
إن كل معلم هو بمعنى ما (مصلح) والمصلحون في هذه الأمة، هم أناس حققوا الصلاح في أنفسهم، وتملكوا من الطاقة والخبرة والمقصد الحسن ما يمكنهم من إشاعة الخير والاستقامة والمعرفة في مجتمعاتهم، وهي بذلك أشبه بحواريي الأنبياء، ومهامهم في الحياة جزء من مهام نبيهم (عليه السلام).
إذا استحضر المشرفون على اختيار المعلمين وإعدادهم هذا المفهوم، فإنه سيكون بإمكانهم اختيار النوعية الصالحة لهذا العلم العظيم، وتأهليهم للقيام به.
حسن المطلع نصف الفوز:
كثيراً ما تكون الخطوة الأولى أهم عمل في مسير طويل؛ ولا ينطبق هذا على شيء كما ينطبق على موضوع اختيار (المعلم) حيث إن المطلوب منه أكثر بكثير من نقل المعلومات من كتاب إلى طالب وحين يكون هناك قصور ظاهر في الاستعداد أو مكونات الشخصية، فإن فائدة التعليم والتدريب، ستكون محدودة.
كثيرون أولئك الذين يقضون وقتاً غير قصير في التأمل والفحص والمقارنة عند عزمهم على شراء منزل أو سيارة. وبعضهم يفعل ذلك عند شراء قميص أو حذاء وكثير من الكليات - مع الأسف الشديد - لا تمنح نفسها من الوقت لاختيار (معلم المستقبل) ما يمنحه الناس أنفسهم عند شراء سلعة معمرة، مع الفارق الضخم بين الأمرين!
إن لدى بعض الجهات التعليمية انطباعاً، مفاده: أن كل من أخذ ساعات محددة في تخصص ما صار صالحاً للعمل في تدريس ذلك التخصص للناشئة، وهذا هو سبب التراخي في مسألة اختيار المدرسين، مع أن الكفاءة في مجال علمي معين، ما هي سوى شرط واحد من شروط عديدة.
بعض الأشخاص، لديهم مزاج حاد، فهم يثورون لأتفه الأسباب، وبعضهم مصاب ببعض عيوب النطق، وبعضهم يشكو القماءة والقصر المفرط ... وهذا كله يعوق أداءهم الجيد في مهنة التدريس.
إلى جانب هذا كيف ستكون الحال إذا كان علينا أن نحارب انتشار التدخين بين الطلاب - مثلاً - وكان مدير المدرسة، أو كثير من المدرسين ممن يدخن؟! وكيف سنرسخ أداء شعيرة (الصلاة) في سلوك الطلاب إذا كان بعض المعلمين لا يقوم بأدائها، وهكذا...
إن تعليقنا الآمال العريضة على (التعليم) يتطلب مزيداً من الاهتمام باختيار المعلمين، وهذا لن يتبلور إلا من خلال تقنين (اختبار شخصية) جيد، يثبت من خلاله المتقدمون لمهنة التعليم أنهم يملكون الاستعدادات والقابليات الملائمة لممارسة المهنة إلى جانب درجة حسنة من الاستيعاب للتخصص الذي سيقومون بتدريسه. وهذا هو السبيل الأمثل لتزويد المؤسسات التعليمية بحاجاتها من المستويات الجيدة من المدرسين، إذا ما أريد لها أن تقدم التدريب والتعليم المطلوبين في عصرنا الحاضر.
إن من واجب كليات التربية ومعاهد المعلمين القيام بمقابلات واختبارات دقيقة وموزونة لاختيار منسوبيها، كما ينبغي تقديم تدريب مهني كاف لخريجي كليات الآداب قبل الموافقة على انخراطهم في سلك التعلم.
وبعد كل هذا فإن أولوية التعيين ينبغي أن تكون لأولئك الذين يحصلون على أعلى التقديرات. وقد يكون من الملائم تعيين من يحصلون على تقدير (ممتاز) عند التخرج في مرتبة وظيفية أعلى.
الإعداد المستمر:
إن العلاقة بين المعلم وبين الكليات والمعاهد التي دربته كثيراً ما تنتهي عند تخرجه وانخراطه في التدريس، وكأن تلك المؤسسات، قد قدمت للمتخرجين فيها كل ما يتطلبه التدريس الجيد في زمن كثير التحول، سريع التغير!
أما المدارس فموقفها ليس بعيداً عن موقف الكليات، فهي لا تعمل إلا أقل القليل في سبيل تحسين مستوى الأداء لمن يعمل فيها. ولعلنا نلمس في هذه المسألة النقاط التالية:
1ـ إن أهمية التدريب المستمر للمعلمين تعود إلى اعتبارات عديدة منها:
أـ إن هناك إجماعاً عالمياً على أن التنمية الروحية والفكرية والمهنية، ربما تكون الوسيلة الأكثر نجاعة، والأقل كلفة بالنسبة إلى الدول النامية التي لا تملك الكثير من الإمكانات المادية؛ فالارتقاء الفكري والروحي والمهاري، لا يكاد يحد بحدود في المجال أو الإيقاع والإمكانات البشرية الضخمة المتوفرة في العالم الإسلامي هي فرصتنا ومشكلتنا في أن واحد. وإن إهمال تدريبها والارتقاء بها، يجعلها كجيش ضخم لم يتم تدريبه، ولا تسليحه على النحو المطلوب مما يحوله من قوة ردع وفتح إلى هدف سهل للعدو!.
ب- مدة صلاحية المعلومات التي تقدم للطلاب، صارت أقصر من ذي قبل؛ مما يتطلب تجديدها على نحو مستمر. وإن وسائل الاتصال والوسائل الإعلامية، قد كونت (ذائقة) معرفية جديدة لدى الناشئة، تقوم على الانصراف عن كل ما ليس عمليا، وكل ما لا يخدم الحياة المعاصرة، وعلى المعلمين أن يستوعبوا ذلك، ويتجاوبوا معه، وهذا لن يتم من دون تدريب وإعادة تأهيل.
ج- إن مرور عشر سنوات على تخريج المعلم، ومزاولته المهنة كاف لجعل معلوماته في التخصص تتقلص إلى حدود المعلومات التي يقدمها من خلال المواد والمناهج التي يدرسها الطلاب. وهذا الوضع ذو أبعاد سيئة على عملية التدريس فالمعلومات التي تقدمها الكتب المدرسية أشبه بهيكل عظمي، والاقتصار عليها يجعل فهمها شاقا، كما أنه يكون ضيق الأفق لدى الطلاب بالإضافة إلى أن موقف المدرس أمامهم يصبح ضعيفاً نظراً لتقارب مستوى معرفته مع مستوى ما تقدمه الكتب المدرسية.
2- لا ينبغي أن يهدف التدريب المستمر والإعداد المتواصل للمعلم إلى تحسين أدائه داخل حجرة التدريس، وإنما إلى تحسين حالة المدرس العامة، من حيث إنه يؤهله للقيام بمهام عمله برؤية أرحب وبكفاءة أعلى، وبمطالب متزايدة من شخصه (1).
إن زماننا هذا هو زمان ضياع الأهداف الكلية لأنشطة البشر؛ وهناك أسباب عدة تجعل المعلم المثالي، لا يدرك طبيعة مهنته بوضوح؛ وطالما انهمك المعلمون بأداء واجباتهم اليومية منشغلين عن أي شيء آخر. ولذا فإن على الإعداد المستمر أن يستهدف تحسین جوانب عديدة في شخصية المعلم، نجملها في الآتي:
أ- حتى يكون لعناء الأساتذة والطلاب مغزی واضح، فإن المعلمين بحاجة ماسة إلى تعميق معرفتهم بفلسفة العلوم التي يدرسونها، والإضافات التي يمكن أن تسديها إلى حياة الناس، ومكانة تلك التخصصات في النسق المعرفي العام؛ فالمعرفة في الأصل واحدة، وقد قسمها الإنسان بغية تسهيل استيعابها، وعلى المعلمين أن يتعلموا كيفية إعادة تركيبها من خلال رؤية شاملة ورحبة للحياة والكون. وهذا حين يتم سيساعد على توظيف المعرفة، وجعلها أكثر عملية.
ب- إن طول ممارسة أية مهنة، يقتل روح المبادرة، ويرسخ النمطية؛ وهذا يعني أن التدريب المستمر للمعلمين يجب أن يستهدف ـ فيما يستهدف ـ کسر الرتابة، وحفز القابليات والاستعدادات للترحيب بالجديد واستخدامه.
وهناك مؤشرات عدة إلى أن الدورات التدريبية تمد همم المتدربين بوقود جدید، وتجعل عقولهم أكثر انفتاحا. وهذا بالنسبة للمعلم أكثر أهمية، حيث إن القطاع التعليمي بطبيعته يميل إلى الركود، وإيجاد آليات لتثبيت الحالة الحاضرة.
ج- إن التدريس الجيد هو نتاج معلومات وفيرة وأسلوب ملائم لإيصالها؛ ولذا فإن تحسن أسلوب التعليم ينبغي أن يستحوذ على اهتمامات القائمين على المؤسسات التعليمية. وقد يتم ذلك من خلال اطلاع المتدربين على الحقائق والمعلومات الجديدة في تخصصاتهم. ويمكن لإدارات التطوير التربوي أن تزود المدرسين في مطلع كل عام بمعلومات وافية حول المعلومات الجديدة، وحول البحوث والدراسات الحديثة التي جرت حول المواد المختلفة بالإضافة إلى هذا فإن هناك بحوثاً متجددة، وخبرات نامية حول أساليب التدريس الناجعة، وينبغي أن يلم المعلمون بطرف منها إلى جانب إجراء حوارات مستفيضة حولها، بغية الارتقاء بطرق إيصال المعلومات للطلاب.
د- من الملاحظ أن المشكلات التي يتعرض لها الطلاب في حياتهم العامة آخذة في التفاقم، وهي تؤدي إلى ضعف استيعابهم لما يلقى عليهم، كما أنها تحدث متاعب جديدة للمعلمين، أثناء إدارتهم لفصولهم. ومواجهة ذلك تجعل المعلم بحاجة إلى اكتساب معلومات وخبرات إدارية ونفسية واجتماعية وطبية، وبإمكان برامج الإعداد المستمر أن تؤمن ذلك.
3- العصر الحديث أوجد مشكلات كثيرة، ووفر وسائل أيضاً لمواجهتها، وإن تطور وسائل الاتصال على النحو الملموس اليوم، سيمكن من تقديم برامج كثيرة للتدريب بيسر وسهولة. ومما يمكن ذكره حول برامج الإعداد المستمر للمعلم، ووسائل ذلك ما يلي:
أ- إيجاد نوع من الارتباط بين المعلم وبين المعهد أو الكلية التي تخرج فيها. وهذا يتم عن طريق عقد اختبار إعادة تقويم يعقد كل خمس سنوات لكل أولئك الذين يعملون في سلك التعليم، ويتم ذلك في المؤسسة التي تخرج فيها المعلم، ويكون ذلك الاختبار شاملاً لمعلومات مهمة في التخصص إلى جانب معلومات ثقافية عامة، وأخرى تربوية ونفسية يحتاجها عادة من يمارس مهنة التعليم. وهذا الأسلوب تتبعه بعض الدول ـ مثل أمريكا - مع (الأطباء) حيث لا تجدد رخصة مزاولة المهنة إلا بعد أن يؤدي الطبيب امتحاناً كل عشر سنوات، وهو امتحان شاق وعالي المعايير. وحين تتوقف ترقية المدرس على النجاح في ذلك الاختبار، فإنه سيستعد له، وينجح بالتالي فيه، وسيكون ذلك لفائدته وفائدة طلابه.
ب- مهما كان التعليم الذي تلقاه المعلم قبل التخرج جيدا، فإنه سيجد نوعاً من المفارقة بين ما تعلمه وبين ما يمارسه، كما أن المعلم حديث التخرج، يواجه عادة العديد من المشكلات التي لم يكن يتوقعها؛ ولذا فإن الأمر قد يحتاج إلى نوع من الارتباط بين المدرسين القدامى والجدد حتى يستفيد الجدد من تجارب زملائهم القدامى وخبراتهم. وهذا ما يتم في اليابان حيث يشرف مدرس قدیم ذو خبرة على زميله الجديد خلال سنة عمله الأولى، بالإضافة إلى أن جميع المدرسين الجدد، يجتمعون مرتين أو ثلاث مرات شهرياً مع مدير المدرسة والزملاء القدامى للمناقشة حول أساليب التدريس، ولتلقي النصائح التربوية والتوجيهات. وإلى جانب ذلك هناك اجتماعات دورية لمدرسي الصف الواحد للمذاكرة في شؤونه (2)
ج- يمكن القول إن تدريب المعلمين، ومتابعة إعدادهم، صار اليوم أسهل من ذي قبل؛ إذ يمكن تدريب أعداد كبيرة منهم بوسائل قليلة التكلفة، ودون الحاجة إلى انتقالهم من مكان إلى آخر. وعلى سبيل المثال يمكن أن تخصص بعض المحطات الإذاعية و(التلفازية) ساعة في أحد أيام الأسبوع لمدرسي إحدى المواد، ويتم تفريغ جداول الأساتذة الذين يقومون بتدريس تلك المادة على مستوى القطر، حيث يتم بث بعض المعلومات الخاصة بالمادة، كما يتم إجراء حوار حي بين الأساتذة والمدربين أو الجهات التعليمية المهتمة على الهاتف أو عبر الأقمار الصناعية. ويفعل ذلك مع جميع المواد حسب جداول محددة ومعروفة.
الصين من الدول التي استخدمت الأقمار الصناعية منذ أمد في تدريب المدرسين وتعليمهم بعض المواد (3).
من الوسائل أيضاً وجود كلية في كل جامعة إقليمية، تكون مهمتها تقديم دورات منتظمة مسائية أو صيفية خاصة بالمدرسين. وتعد تركيا من الدول التي تهتم بتدريب المدرسين أثناء الخدمة، وكثير من مؤسسات التعليم العالي، تقدم لهم برامج ودورات تدريبية، وتقدم لهم شهادات، يحدد فيها البرنامج التدريبي ومدته، ويعطى للمعلم الحاصل عليها عدد من الامتيازات (4).
في اليابان يقدم 86% من معاهد التعليم العالي برامج لتدريب المعلمين، مما يجعلها من أكثر الدول تقدماً في هذا المجال (5).
بالإضافة إلى ما ذكرناه ينبغي أن يكون هناك بعض البرامج التي ينخرط فيها المعلم عن طريق المراسلة والمتابعة، ويتدرب من خلال ما يرسل إليه من كتب وأشرطة.. في اعتقادي أننا سنجد الكثير مما يمكن عمله للارتقاء بالمعلمين بشرط أن نعي ما يعنيه ذلك للارتقاء بالأمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ أنظر: الإدارة، 1: 332.
2ـ التربية والتحدي: 156.
3ـ تطور التربية في الصين: 49.
4ـ نظام التعليم في تركيا: 155.
5ـ التربية والتحدي: 155.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
