Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
في ظلال سامرّاء حكاية النور الأخير

منذ ساعتين
في 2025/12/20م
عدد المشاهدات :12

كانت سامرّاء تغفو على ضفاف دجلة كعروسٍ حزينة، تُخفي في طيّات أسوارها سرًّا عظيمًا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم. في دارٍ متواضعة، لا يُميّزها عن سواها سوى نورٌ خفيٌّ يتسلّل من نوافذها كأنفاس الفجر، كان يُقيم رجلٌ جمع الله فيه حكمة الأنبياء وصبر الأولياء.
الحسن بن علي العسكري، ذلك الاسم الذي كان يُهمس به في المحاريب، ويُكتب بماء الذهب في صفحات القلوب، لم يكن مجرّد إمامٍ للشيعة، بل كان منارةً للحق في زمنٍ استشرى فيه الظلم كالدخان الأسود.
في ليلةٍ من ليالي سامرّاء الباردة، حيث تعوي الريح بين أزقّتها كأنها تنوح على قادمٍ محتوم، جلس عبيد الله بن خاقان، وزير الخليفة المعتمد، في مجلسه الفاخر. أمامه تقاريرُ جواسيسه التي تتحدث عن ذلك الرجل الذي يزوره الناس خفيةً .
"كيف لرجلٍ محاصرٍ أن يملك قلوب الناس؟" تساءل الوزير بصوتٍ يقطر حنقًا، "نُحصي عليه أنفاسه، ونراقب داره كما يُراقب الصقر فريسته، ومع ذلك يزداد الناس له حُبًّا وللسلطان بُغضًا!"
لم يكن يدري أنّ الحصار لا يُطفئ نور الحق، بل يجعله أكثر توهّجًا، كالنجم الذي يزداد بريقه في سواد الليل الدامس.
في صبيحة يومٍ شتوي، دخل شابٌ من أتباع الإمام إلى داره، قلبه يرتعش من الخوف والشوق معًا. كان قد قطع المسافات الطويلة متخفّيًا، حاملاً أسئلةً تُثقل كاهله عن مستقبلٍ غامضٍ ينتظر الأمة.
نظر إليه الإمام بعينين تحملان عمق البحار وصفاء السماء، وقال بصوتٍ هادئٍ كنسيم الفجر: "يا بُني، إنّ الإمامة ليست تاجًا يُوضع على الرؤوس، بل أمانةٌ تُحمل على الأكتاف. وإنّ أثقل ما في هذه الأمانة أن ترى الحقّ مُستباحًا والباطل منتصرًا، وأنت تعلم أنّ الله يُمهل ولا يُهمل."
ثم أردف، وفي صوته رجعُ صدى نبويّ: "سيأتي زمانٌ يغيب فيه الإمام عن الأعين لا عن القلوب، يكون فيه كالشمس خلف السحاب، تُضيء ولا تُرى. وما ذاك إلا حين يشتدّ الظلام ويعظم البلاء."
رأى الشاب دمعةً تترقرق في عين الإمام، فأدرك أنّ وداعًا قريبًا يلوح في الأفق.
في قصر الخلافة، كان المعتمد العباسي يُدير كأسًا من الخمر بين أصابعه، بينما يستمع لتقارير جواسيسه. كلّما ذُكر اسم الحسن العسكري، اشتعلت في صدره نيران الحسد والخوف.
"إنّه يُفتي والناس تأخذ بفتواه، يُعلّم والطلاب يُحيطون به كالفراش حول الضياء، يُصلّي والمصلّون يقتدون به... إنّه إمامٌ بلا عرش، وملكٌ بلا تاج!" قال أحد المقرّبين.
صمت الخليفة طويلاً، ثم قال بصوتٍ مُخيف: "إذا كان الإمام هو من يملك قلوب الناس، فليس الخليفة إلا ظلاً باهتًا على جدار السلطة. وما دام هذا الرجل حيًّا، فإنّ عرشي يقف على أرضٍ مُتزلزلة."
وهكذا، أُعدّت الجرعة القاتلة بأيدٍ خائنة، ودُسّ السمّ في طعام الإمام، تمامًا كما دُسّ السمّ لآبائه الطاهرين من قبل.
بدأ المرض يدبّ في جسد الإمام. كان يعلم ما حدث، لكنّه لم يجزع ولم يشكُ، بل واجه قضاء الله بقلبٍ راضٍ وصبرٍ جميل.
دخلت عليه والدته، والخوف قد رسم على وجهها تجاعيد الحزن. نظر إليها بحنانٍ وقال: "يا أماه، لا تجزعي، فإنّ لله أمرًا هو بالغه. وإنّ ما يُصيبنا إنما هو امتحانٌ واصطفاء."
ثم التفت إلى ابنه الصغير محمد، ذي الخمس سنوات، الذي كان يقف في الزاوية كشجرةٍ صغيرة تترقّب العاصفة. مدّ يده إليه وقال بصوتٍ فيه من الحزن والفخر معًا: "أنت الحجّة على الناس من بعدي، أنت المهدي الذي بشّر به النبي الأعظم. سيُخفيك الله عن الأعين حتى يأذن لك بالظهور. فكن لله وليًّا، وللحقّ نصيرًا، وللباطل كاسرًا."
تفاقم المرض وثقُل على الإمام، حتى بدأت روحه الطاهرة تستعدّ للرحيل إلى بارئها. أحاطت به السلطة من كلّ جانب، بعثوا الأطباء والقضاة والشهود، ليس رحمةً به، بل خوفًا من ولده الموعود.
كانوا يريدون أن يتأكّدوا من موته، وأن يقبضوا على الخلف من بعده. لكنّ مشيئة الله كانت أعلى من مكرهم، فقد احتجب الصبي بعناية إلهية، وغاب عن أعينهم كما يغيب القمر خلف السحب الكثيفة.
في تلك اللحظات الأخيرة، همس الإمام بكلماتٍ لا يسمعها إلا من حضر من خواصّه: "الحمد لله الذي أتمّ نعمته علينا بكم، وشرّفنا بكم في الدنيا والآخرة. اللهم إنّا نشهدك أنّا قد بلّغنا ما أمرتنا به، وحفظنا الأمانة التي ائتمنتنا عليها."
ثم فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها، تاركةً جسدًا مُنهكًا بالسمّ والظلم، لكنّها حملت معها إرثًا لا يُقدّر بثمن من العلم والحكمة والإيمان.
حُمل الجسد الطاهر إلى جوار أبيه الإمام الهادي، في تلك الأرض التي شهدت آخر أيامهما. كان الدفن سريعًا، خشية أن يجتمع الناس ويثوروا على الظلم الذي وقع.
وقف الناس من بعيد، لا يجرؤون على الاقتراب، لكنّ دموعهم كانت تنهمر كالأمطار، ودعواتهم كانت تصعد إلى السماء كالبخور.
أحد كبار السنّ من أهالي سامرّاء، وكان قد عرف الإمام عن قُرب، قال لمن حوله وهو يبكي: "والله لقد فقدنا اليوم رجلاً لو وُزن بجميع أهل الأرض لرجح بهم علمًا وحلمًا وزهدًا. لقد كان معدن الحكمة وموضع الرحمة، يُطعم الجائع ويُعلّم الجاهل ويُواسي الحزين."
مرّت الأيام والسنون، وبقيت قصة الإمام الحسن العسكري نبراسًا يُضيء دروب الحائرين. لم يكن استشهاده نهاية، بل كان بداية لعصرٍ جديد، عصر الغيبة الذي يمتدّ إلى يومنا هذا.
كلّما زار المؤمنون ضريحه في سامرّاء، تذكّروا رجلاً عاش ثمانية وعشرين عامًا، لكنّه ترك من الحكمة ما يكفي لقرون. تذكّروا إمامًا محاصرًا مُراقبًا، لكنّه كان أحرّ الناس قلبًا وأنقاهم روحًا.
وبقي سؤال يتردد في أروقة التاريخ: كيف لسمٍّ أن يقتل نورًا؟ كيف لظلمٍ أن يُطفئ حقًّا؟
الجواب بسيط: إنّ الأجساد قد تُغتال، لكنّ المبادئ تبقى خالدة. وإنّ الدماء الزكية التي أُريقت ظلمًا، إنما تُسقي شجرة الحق فتنمو وتزدهر مع كلّ جيل.
فسلامٌ على الإمام الحسن العسكري يوم وُلد، ويوم استُشهد، ويوم يُبعث حيًّا في قلوب المؤمنين إلى يوم الدين.
"ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا"
وَيْكَأَنَّ الذهبَ لا يحمي أحدًا
بقلم الكاتب : وائل الوائلي
نهض فجرُ المدينة ببطءٍ حالم، كطائرٍ يروّض جناحيه قبل الطيران. خرج الناسُ إلى الطرقات يحدّقون في موكبٍ يشقّ الفجر ببريقٍ لامع، تتوه على صفحته الأنوار كما تتوه الفراشات حول نارٍ لا تدرك احتراقها. كان قارون يتهادى بثيابٍ تشعّ كأنّها لفافة نورٍ من نجمٍ محتبس، وخلفه خزائن تُجرّ على عجلات من ذهب، تتماوج... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

كان هناك رجل يُدعى سامر، يعمل موظفًا في دائرة الأراضي. كان سامر معروفًا بنزاهته... المزيد
لغة العرب لسان * أبنائك تميز بالضاد لغة العرب نشيدك غنى * حتى البلبل الغراد لغة... المزيد
في زاوية خافتة من بيت بسيط، جلس يوسف يحدق في شجرة الليمون التي غرستها يداه قبل... المزيد
يا هادي الخير لقبت أنت * وأبنك بالعسكرين النجباء يا هادي الخير نشأت على * مائدة... المزيد
الْتَّضَارِيْسُ إِنَّ الْـعُـيُوْنَ الَّـتِـيْ سَـالَـتْ تُـوَدِّعُـكُمْ ... المزيد
كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد يصف قومه...
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها شاهقٌ، وعينيها...
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط التاريخ أسماءٌ...
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان...


منذ 3 ايام
2025/12/17
منذ أن رفع الإنسان رأسه إلى السماء، كان البرق أحد أكثر الظواهر إثارة للدهشة...
منذ 6 ايام
2025/12/14
لو جلست يومًا على شاطئ البحر لساعة أو ساعتين ستلاحظ أن الماء لا يبقى على حاله....
منذ 6 ايام
2025/12/14
سلسلة مفاهيم في الفيزياء (ج82): فيزياء الوجود الكامل: من ميكانيكا الكم إلى التصور...