سلسلة مفاهيم في الفيزياء
الجزء الثالث والستون: قراءات متعددة في تفسير الكم: من كوبنهاغن إلى العوالم المتعددة
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
3/10/2025
في المقالة السابقة، عرضنا السمات الرئيسة لما يُعرف بـ تفسير كوبنهاغن.
إنه تفسير يُعد من أبسط المقاربات، ويقدّم إجابات محدودة على عدد من الأسئلة الكبرى.
وأي شخص يتأمل هذه الأسئلة اليوم سيجد أنه من غير المرجّح أن يرضى بتلك الإجابات.
ومع ذلك، أصبح هذا التفسير هو النموذج التقليدي المقبول في الفيزياء لعقود طويلة.
لقد رأينا سابقًا أسبابًا موضوعية جعلت الأمور تسير في هذا الاتجاه:
فالنظرية كانت انتصارًا علميًا باهرًا، ولم يكن هناك من يمتلك إجابات بديلة أفضل،
فاستراح الجميع في ظل ما قاله بور سواء أجاب عن الأسئلة حقًا، أم اكتفى بالقول إن طرحها غير مشروع
ومع الانتقال الآن إلى بعض مقاربات التفسير الأخرى في ميكانيكا الكم، نستعرض أربع رؤى مميزة لعدد من المفكرين والباحثين:
أولًا: رأي بايجلز (Baggott)
يرسم بايجلز صورة مجازية لمجموعة من المحلات التي يعرض كل منها تفسيره الخاص لنظرية الكم.
لكنه لا يدعو لشراء أيٍّ منها، بل يرى أن كل تفسير يحتوي على جزء من الحقيقة.
ويقدم تحليلًا غنيًا وحيويًا حول صعوبة تمثيل واقع واحد عندما لا نرى إلا جزءًا منه، كما في حالة المادة المظلمة التي تظل غير مرئية مباشرة.
كتابه يقدم أيضًا عرضًا مقروءًا وواضحًا لجوانب متعددة من الفيزياء الحديثة.
ثانيًا: رأي ديسبنيا (dEspagnat)
رؤية ديسبنيا ذات طابع فلسفي أعمق.
يركّز كثيرًا على تبعات تجارب Aspect التي أكدت تنبؤات تجربة EPR الكمومية.
ويقدّم مثالًا كلاسيكيًا يُظهر اللامحلية الغريبة للطبيعة كما تكشفها هذه النتائج.
رغم اعترافه، كسواه، بصعوبة استيعاب الرسالة الكاملة لميكانيكا الكم،
فهو يعتقد أن إسهام الفيزياء لم يُستنفد بعد، إذ يقول:
"عندما يُقال إن الفيزياء تفسر تقريبًا كل الظواهر، فإن الإسهام الرئيسي لهذا العلم في المعرفة الأساسية لم يُصَغ بعد.
المساهمة الحقيقية تكمن في التمييز الذي تُحدثه الفيزياء بين الكينونة (Being) والأشياء، أو بين الواقع والظواهر."
ويؤمن بوجود واقع، لكنه ليس واقع الحياة اليومية، بل ما يسميه هو بـ "الواقع البعيد" (far reality) .
ثالثًا: رأي غريبين (Gribbin)
يتبنى غريبين تفسير العوالم المتعددة بقوة،
ويرى فيه وسيلة معقولة لتفسير التراكب وعدم اختزال الدالة الموجية.
رابعًا: رأي والاس غاردن (Wallace Garden)
يستخدم غاردن أدوات المنطق واللغة لتحليل النظرية.
يستعرض ما يُعرف بـ المنطق الكمومي، وهو هيكل رياضي يفترض أنه يتسق مع نتائج التجربة،
ويُنتج إجابات من نوع: "نعم"، "لا"، و"غير قابل للحسم" (Undecidable)، بدلًا من المنطق الثنائي المعتاد.
ويستنتج غاردن:
"هذا التفسير المنطقي لميكانيكا الكم يمكن أن يُقدّم قدراً من المعقولية.
من الحكمة أن نرى غرائب الكم كنتيجة لوصف ضعيف، بدلًا من اعتبارها خصائص غريبة للواقع ذاته.
من المنطقي أكثر أن نُسلّم بأن نظريتنا غير كافية، بدلًا من الادعاء بأن الواقع هو الغريب.
علينا أن نقبل ميكانيكا الكم كأنجح نظرية حالية، لكن نواصل السعي نحو نظرية أفضل عن الواقع."
وختامًا، نضع اقتباسين يعكسان روح هذا المقال:
"من الأفضل مناقشة سؤال دون حسمه، من أن تحسم سؤالًا دون مناقشته."
J. Joubert
وملاحظة شهيرة لـ ريتشارد فاينمان أحد أعظم العقول في ميكانيكا الكم:
"لا أحد يفهم حقًا ميكانيكا الكم."
نتابع في الجزء الرابع والستين.







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN