سلسلة مفاهيم في الفيزياء
الجزء الواحد والستون: صانعو الكم في مواجهة نتائجهم: شهادات من الداخل
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
30/9/2025
لم نُعر، في هذه السلسلة، اهتمامًا كبيرًا للتسلسل التاريخي لنشوء نظرية الكم. فحين تكون الأفكار جديدة، كثيرًا ما تُرتكب أخطاء، ويُسلك العديد من الطرق المسدودة، وغالبًا ما يتم التغاضي عن السمات التي تحمل الأهمية الحقيقية. لذلك، نادرًا ما يكون التاريخ دليلًا جيّدًا لفهم النظرية كما نعرفها الآن.
ومع ذلك، من المفيد بل ومن المثير للاهتمام أن نلقي نظرة سريعة على كيف فهِم روّاد نظرية الكم ما كانوا يفعلونه.
أشرنا في أجزاء سابقة إلى أن أينشتاين دون منازع أبرز علماء القرن العشرين كان دائمًا غير راضٍ عن ميكانيكا الكم . فقد اعتبرها، بوجه ما، نظرية غير مكتملة.
في البداية، تركزت اعتراضاته حول ما بدا له غيابًا للسببية، وتعارضًا مع الحدس الكلاسيكي بسبب مبدأ عدم اليقين.
وقد خاض جدلًا طويلًا ومعروفًا مع نيلز بور حول هذه المسائل جدل يمكن القول إنه لم يُحسم أبدًا.
لكن الأكثر عمقًا هو أن أينشتاين كان من أوائل من أدركوا أن هناك مشكلات مفهومية أعمق بكثير مما يبدو على السطح، وإن لم يستطع تقديم حل حاسم لها.
ومن المفارقة المؤثرة أنه، بعد سنوات طويلة من كونه أول من أدخل العالم إلى فكرة الفوتونات، عاد ليُصرّح بأنه لا يزال لا يفهم تمامًا ما هي.
الأكثر إثارة للدهشة، ربما، هو موقف شرودنغر صاحب المعادلة التي تُعد العمود الفقري العملي لنظرية الكم، والتي تحتوي حلولها على معظم البنية العلمية الحديثة.
في عام 1926، خلال زيارة إلى كوبنهاغن لإجراء مناقشات مع بور وهايزنبرغ، قال:
"إذا كان كل هذا الهراء الكمومي سيبقى فعلاً، فسوف أندم أنني تورطت يومًا في ميكانيكا الكم."
هذا التصريح المأخوذ من الألمانية ورد في كتاب The Philosophy of Quantum Mechanics لـ جيمر، ص. 57.
كلمة "الهراء" هنا، على الأرجح، تُشير إلى فكرة اختزال الدالة الموجية، وهي الظاهرة التي أدرك شرودنغر أنها لا تجد تفسيرًا ضمن النظرية نفسها.
تمامًا كأينشتاين، كان يرى في ذلك نقصًا جوهريًا.
ولتصوير المأزق بوضوح، قدم في عام 1935 تجربته الفكرية الشهيرة المعروفة بـ "قطة شرودنغر"، والتي ناقشناها في مقالات سابقة.
رأى أنه من العبث أن يُقال إن القطة تكون في حالة غير مؤكدة بين الموت والحياة إلى أن يراها مراقب واعٍ.
ومن هنا، خلُص إلى أن ميكانيكا الكم لا يمكن أن تكون وصفًا كاملاً للواقع.
ثم نأتي إلى لويس دي برولي، الذي كان أول من اقترح وجود موجة مرتبطة بمسار الجسيم، وهو من مهد الطريق إلى المفهوم الموجي للجسيمات.
لكنه أيضًا لم يكن راضيًا عن المسار الذي اتخذته النظرية.
رفض، بشكل واضح، الفكرة القائلة بأن الجسيم لا يسلك مسارًا محددًا، وكان يرى أن للدالة الموجية دورًا واقعيًا كمرشد ديناميكي لمسار الجسيم، وهي الفكرة التي ألهمت لاحقًا بعض نماذج المتغيرات الخفية.
وهكذا، من بين أربعة من أبرز من أطلقوا شرارة نظرية الكم بلانك، أينشتاين، شرودنغر، ودي برولي نجد أن ثلاثة منهم ظلّوا غير راضين عن الطريقة التي تطورت بها النظرية، ولا عن النموذج التقليدي الذي تم تبنيه لاحقًا.
أما هذا النموذج التقليدي، فقد تأثر أساسًا بأفكار نيلز بور، وفيرنر هايزنبرغ، وماكس بورن بدرجة أقل، وهو ما أصبح يُعرف باسم "تفسير كوبنهاغن" .
نتابع في الجزء الثاني والستين.







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN