سلسلة في مفاهيم الفيزياء
الجزء الثامن والثلاثون: المتغيرات الخفية واستعادة الحتمية في عالم الكم
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
13/8/2025
في مقال سابق، رأينا أنه من الممكن تكرار تجربة عدة مرات تحت ظروف تبدو متطابقة تمامًا، ومع ذلك نحصل على نتائج مختلفة. فعلى سبيل المثال، يمكننا توجيه جسيمات متطابقة جميعها بنفس السرعات إلى حواجز محتملة متطابقة، فنجد أن بعضها ينعكس، وبعضها الآخر يعبر الحاجز. إن الشروط الابتدائية وحدها لا تحدد بشكل فريد النتيجة النهائية.
تقبل ميكانيكا الكم، كما أوضحنا في مقالات سابقة، هذا النقص في الحتمية؛ إذ إن معرفة الدالة الموجية الابتدائية لا يسمح إلا بتقديم عبارات احتمالية حول نتائج القياسات المستقبلية.
من هذا المنطلق، تستمد نظريات المتغيرات الخفية (Hidden-variable theories) دافعها الرئيسي من الرغبة في إزالة هذه العشوائية. تفترض هذه النظريات أن الحالات الابتدائية التي تبدو متطابقة قد تكون، في الحقيقة، مختلفة؛ ويُفسَّر هذا الفرق عبر متغيرات إضافية غير محددة ولهذا توصف بأنها "خفيّة".
في هذه النظريات، الحالات الكمومية التقليدية لا تمثل وصفًا دقيقًا للنظام، بل تمثل متوسطات إحصائية لعدد من الحالات الواقعية التي تحكمها تلك المتغيرات الخفية. وإذا ما أمكن تحديد هذه المتغيرات، فإن النتائج النهائية لأي تجربة يمكن أن تُستنتج بشكل حتمي من الحالات الابتدائية.
بالتالي، فإن الحتمية الكلاسيكية ستُستعاد، حيث سيكون لكل جسيم موضع وزخم محدد في كل لحظة. وستفقد الدالة الموجية موقعها كممثل وحيد وكامل للحالة الفيزيائية، مما قد يسمح بتجاوز بعض مشكلات اختزال الدالة الموجية.
لكن لا يمكن اعتبار أي نظرية من هذا النوع مُرضية ما لم تتوافق مع كافة المشاهدات التجريبية، وخصوصًا تلك التي أكدت صحة تنبؤات ميكانيكا الكم. والسؤال هنا: هل يجب أن تتطابق مثل هذه النظريات تمامًا مع الكم في كل الجوانب، أم يمكنها أن تنحرف قليلاً طالما ظلت متفقة مع التجربة ضمن حدود الدقة الحالية
عادةً ما يسعى الباحثون إلى صياغة نظريات متغيرات خفية تحاكي الكم تمامًا في نتائجها، لكنها تضيف معلومات أعمق على سبيل المثال، تحديد مسبق للجسيم الذي سينعكس أو يعبر حاجزًا معينًا. المطلوب، إذن، هو نظرية لا تقل دقة عن الكم في ما يمكن قياسه، لكنها تقدّم أكثر مما تقدّمه نظرية الكم التقليدية.
ورغم أن عددًا من الفيزيائيين يعتبر هذه المسألة غير جوهرية، فإن من بقي من القراء معنا حتى الآن لا بد أن يكون من أولئك الذين يرون في السعي وراء الحقيقة الواقعية قيمة فكرية حقيقية. ولهذا فإنهم سيجدون في هذه التساؤلات معنى وجدوى.
في الواقع، هناك أسباب براغماتية لمواصلة هذا البحث: فوجود تفسيرات مختلفة للظواهر حتى وإن بدت متكافئة من منظور التجربة الحالية قد يتيح في المستقبل تصميم تجارب جديدة قادرة على التمييز بين تلك التفسيرات. كما أن فهمًا أعمق لأسس ميكانيكا الكم قد يساعد في حل عدد من المعضلات التي لا تزال تؤرق الفيزياء الأساسية.
نتابع في الجزء التاسع والثلاثين







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN