سلسلة في مفاهيم الفيزياء
الجزء السابع والثلاثون: وعي متعدد في عوالم متفرعة: الزمن والراصد في تفسير إيفرت
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
يُقدّم تفسير العوالم المتعددة رؤية جديدة لما نختبره نفسيًا في إدراكنا للزمن؛ إذ يرى أن عقلنا الواعي يفرز الواقع بناءً على إدراكه اللحظي، ويخلق اتجاهًا للزمن من خلال تتابع الوعي. هناك ماضٍ واحد يبدو فريدًا لنا، ولكن هناك احتمالات متعددة للمستقبل. في كل مرة نجري فيها ملاحظة كمومية، يتفرّع وعينا إلى عدد من المسارات يعادل عدد النتائج الممكنة لتلك الملاحظة. قد يرى البعض في هذا التفسير ملامح ضبابية وظليّة للمستقبل، لكنه منسجم مع طبيعة الاحتمال في ميكانيكا الكم.
تستند هذه النظرية إلى ملاحظة أن ميكانيكا الكم تتضمن نمطين مختلفين من تغير الحالة الكمومية:
تطور حتمي سلس تحكمه معادلة شرودنغر.
تغير مفاجئ يُعرف بالـ"اختزال" أثناء عملية القياس، حيث تُنتقى نتيجة واحدة من بين عدة نتائج ممكنة.
تكمن المشكلة في أسئلة لم تُجب عنها النظرية التقليدية:
ما هو القياس ومن يقرّر نتيجته وهل يمكن لهذا التغير أن يحدث لحظيًا عبر مسافات شاسعة
تفسير إيفرت يقترح حلاً غير تقليدي: لا يوجد اختزال على الإطلاق. فكل النتائج الممكنة تتحقق فعليًا، لكن في فروع مختلفة من الكون. عند إجراء قياس، لا "تختار" الطبيعة نتيجة واحدة، بل ينقسم الكون إلى نسخ متعددة، كل منها يحتوي على واحدة من هذه النتائج. كل فرع يحوي نسخة من الراصد، تدرك نتيجتها دون وعي بالفروع الأخرى.
هكذا، لا حاجة لاختزال أو اختيار خارجي. كل شيء يتفرع بطريقة حتمية، والوعي لا يدرك إلا فرعًا واحدًا من هذه الفروع.
خلاصة ما طرح في المقالات السابقة:
لقد ناقشنا إمكانية أن تكون عملية القياس الكمومي مرتبطة بوجود راصد واعٍ. فالعوالم التي لا تحتوي على راصدين، يُفترض أن تستمر في تطورها وفق قوانين ميكانيكا الكم، دون اختزال. أما إذا دخل الوعي إلى المعادلة، فيحدث ما نعتبره "الاختزال"، رغم أن هذا لا يمكن تفسيره ضمن النظرية نفسها.
عندما فكرنا في المراحل المبكرة للكون، حيث لم تكن هناك عقول تشبه عقولنا، اضطررنا إلى افتراض وجود وعي غير مادي وعي مطلق، يمكن وصفه بمفهوم الله سبحانه وتعالى، بما لا يتعارض مع السياق العلمي التأملي.
في المقابل، يطرح تفسير إيفرت بديلًا: لا حاجة لراصد واعٍ يختزل الدالة الموجية، لأن جميع النتائج تبقى موجودة، وإن كان الراصد لا يعي إلا نتيجة واحدة منها. ورغم ما يبدو من تناقض مع الحدس، لا توجد موانع علمية صلبة تقف ضده.
ورغم الطابع الغامض لبعض هذه الفقرات، تبقى هذه النقاشات ذات صلة وثيقة بالمفاهيم الفيزيائية الحديثة، خاصة تلك التي لا تزال قيد الاستكشاف، وقد تفتح أبوابًا جديدة في مستقبل العلم.
في ختام مقال له، قال الفيزيائي الأمريكي هنري ستاب (Henry Stapp):
"لقد منح العلم أدوات لحل مشكلاته الكبرى. وما تبقى من تحديات جوهرية بات في مجال الفكر ذاته."
"إن القوة الحاسمة اليوم هي قوة الأفكار. والتغير في تصور الإنسان لذاته علميًا، لا بد أن يؤدي في النهاية إلى تقليص النزعات الفردية، وتعزيز الانسجام والتعاون مع الآخرين ومع الطبيعة، في رحلة الاكتشاف الإبداعي لعجائب جديدة."
فهل نبالغ عندما نعتقد أن الأفكار قد تكون الفيزياء القادمة
يتبع في الجزء الثامن والثلاثين...







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN