جاء في کتاب الإمام زين العابدين، علي بن الحسين صفحة من دوره الثقافي و جهاده السياسي للشيخ محمد مهدي الآصفي: عن الصبر والثبات: كانت الأيّام صعبة، وكان بنو أميّة يتعاملون مع خصومهم من شيعة أهل البيت عليهم السلام بقسوة وضراوه، يلاحقونهم، ويضايقونهم في أرزاقهم، ويحبسونهم، ويقتلونهم، ويطاردونهم. ولقد كانت هذه الفترة واحدة من أشقّ الفترات التي مرّت على شيعة اهل البيت عليهم السلام، على أيدي عمّال بني أميّة وجلاوزتهم. فكان زين العابدين عليه السلام يجد فيهم أحياناً تذمّراً ووهنا وشكوى، وسؤالًا: متى يكون الفرج من هذا الضيق وكأنّهم كانوا يستبطؤون الفرج الذي وعدهم الله تعالى به، يمدّون أعينهم إلى فرج قريب من كلّ هذا الضيق والعسر، فلا يجدونه، فكان يقول لهم زين العابدين عليه السلام: فما تمدّون أعينكم ألستم آمنين لقد كان من قبلكم، ممن هو على ما أنتم عليه، يؤخذ فتقطع يده ورجله ويصلب ثمّ يتلو عليه السلام: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء" (البقرة 214). إن الآيّة التي استشهد بها الإمام زين العابدين عليه السلام في تثبيت أصحابه وشيعته أمام الإرهاب الأمويّ أيّة في كتاب الله، وفي ضوء هذه الآية، يستهين الإنسان بما يلقاه في جنب الله من أعداء الله، بالقياس إلى ما كان يلقاه أصحاب الأنبياء عليهم السلام من قبلنا، أتلوها عليكم، فاسمعوها: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة 214). إنّ الطريق إلى الجنّة طريق صعب عسير، لا ينالها الناس إلا بعد اجتياز الطريق الصعب العسير، طريق ذات الشوكة. يقول تعالى: "وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ" (آل عمران 141-142). إنّ الناس ينشطرون من قبل أن تقوم الساعة وقبل أن يدخل المؤمنون الجنّة إلى شطرين، الذين جاهدوا وصابروا، والذين أخلدوا إلى الأرض وتثاقلوا عن الجهاد وجزعوا عن القتال ورضوا بالحياة الدنيا، فيرزق الله المؤمنين الذين علم الله منهم الجهاد والمصابرة الجنّة، والذين أَسَفَّوّا، وأخلدوا إلى الحياة الدنيا، ورضوا بها مرجوون لرحمة الله، إن شاء غفر لهم، وإن شاء حاسبهم وعاقبهم على خلودهم إلى الدنيا، وتثاقلهم عن القتال في سبيل الله. يقول تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ" (التوبة 16). ولا يدخل الناس الجنة إلا بعد أن يفرز الله (يعلم الله) الذين جاهدوا منهم، وأخلصوا ولاءهم لله تعالى، ولم يتّخذوا من دون الله ورسوله والمؤمنين أولياء يسرّون إليهم بولائهم وحبّهم (وليجة) في السرّ، فإن الله تعالى خبير بسرّهم وعلنهم.
وعن العوامل الثلاث: (الذكر، والتقوى، والزهد) يقول الشيخ الآصفي رحمه الله في كتابه: ذكر الله تعالى (الذكر). وكفّ النفس عمّا حرّم الله (التقوى). والتحرّر عن التعلّق بالدنيا وطيباتها (الزهد). بهذه العوامل الثلاث يفتح الله قلوب عباده للحكمة وتتنزّل على قلوبهم الحكمة من عند الله. ولعلّ الآيّة الكريمة من سورة (البقرة 282) تشير إلى ذلك: "وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ". وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: من خزائن الغيب تظهر الحكمة. إن هذا القسم من الحكمة تنزل على قلب الإنسان من عند الله، إذا حضّر العبد قلبه لاستقبال الحكمة من عند الله، واستقاها من مصادر الوحي. ولا يجوز ولا يصح أن نأخذ هذا القسم من الحكمة من أيّ يد، إلا أن نطمئنّ إلى نظافتها وسلامتها وأمانتها وارتباطها بمصادر الوحي، ولو كان ذلك عبر وسائط عديدة.
وعن دعاء كميل نموذج: (إلهي وسيّدي، لأيّ الأمور إليك أشكو، ولما منها أضجّ وأبكي، لأليم العذاب وشدّته، أم لطول البلاء ومدّته... فهبني يا إلهي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك). ومن ذلك الدعاء الذي علّمه عليّ بن الحسين عليه السلام لأبي حمزة الثماليّ رحمه الله: (وَانْقُلْني إلى دَرَجَةِ الَّتوْبَةِ الَيْكَ، وَاعِنّي بِالْبُكاءِ عَلى نَفْسي، فَقَدْ افْنَيْتُ بِالتَّسْويفِ وَالآمالِ عُمْري، وَقَدْ نَزَلْتُ مَنْزِلَةَ الآيِسينَ مِنْ خَيْري، فَمَنْ يَكُونُ اسْوَأ حالًا مِنّي إنْ انَا نُقِلْتُ عَلى مِثْلِ حالي، إلى قَبْري، لَمْ امَهِّدْهُ لِرَقْدَتي، وَلَمْ افْرُشْهُ بِالْعَمَلِ الصّالِحِ لِضَجْعَتي وَمالي لا ابْكي وَلا ادْري إلى ما يَكُونُ مَصيري وَارى نَفْسي تُخادِعُني، وَايّامي تُخاتِلُني، وَقَدْ خَفَقَتْ عِنْدَ رَأسي اجْنِحَةُ الْمَوْتِ، فَمالي لا ابْكي ابْكي لِخُروجِ نَفْسي، ابْكي لِظُلْمَةِ قَبْري، ابْكي لِضيقِ لَحَدي، ابْكي لِسُؤالِ مُنْكَر وَنَكير ايّايَ، ابْكي لِخُرُوجي مِنْ قَبْري عُرْياناً ذَليلًا حامِلًا ثِقْلي عَلى ظَهْري، انْظُرُ مَرَّةً عَنْ يَميني وَاخْرى عَنْ شِمالي، اذِ الْخَلائِقِ في شَأن غَيْرِ شَأني "لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ" (عبس 37-41) و ذلة). وفي أدعيّة الإمام زين العابدين عليه السلام الكثير من هذا الخطاب الدعائي الوعظي المزدوج.
جاء في کتاب الإمام زين العابدين، علي بن الحسين صفحة من دوره الثقافي و جهاده السياسي للشيخ محمد مهدي الآصفي: روى ثقة الإسلام الكلينيّ في الروضة بسنده المتصل إلى سعيد بن المسيّب، قال: كان عليّ بن الحسين عليه السلام يعظ الناس، ويزهّدهم في الدنيا، ويرغّبهم في الآخرة في كلّ جمعة في مسجد رسول الله، وقد حُفِظَ عنه وكُتب عنه، وكان يقول فيما يقول: (فاحذروا أيّها الناس من الذنوب والمعاصي، ما قد نهاكم الله عنها، وحذّركموها في كتابه الصادق والبيان الناطق، ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده، عندما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللّذات في هذه الدنيا، فإن الله عزّ وجلّ يقول: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ" (الأعراف 201). وأشعروا قلوبكم خوف الله، وتذكّروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه، كما قد خوّفكم من شديد العقاب. فإنّه من خاف شيئاً حذره، ومن حذر شيئاً تركه. و لا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الدنيا الذين مكروا السيئّات، فإن الله يقول في محكم كتابه: "أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ" (النحل: 45-47) فاحذروا ما حذّركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب. والله لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم، فإن السعيد من وُعظ بغيره، ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: "وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً" (الأنبياء 11). وإنما عنى بالقريّة أهلها حيث يقول: "وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ" (الأنبياء 11)، فقال عزّ وجلّ: "فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ" (الأنبياء 13- 15). وأيم الله، إن هذه عظة لكم وتخويف إن اتّعظتم وخفتم، ثمّ رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عزّ وجلّ: "وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ" (الأنبياء 46)).
ويستطرد الشيخ الآصفي رحمه الله في كتابه عن كلام الامام علي زين العابدين عليه السلام: (وأشعروا قلوبكم خوف الله، وتذكّروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه، كما قد خوّفكم من شديد العقاب. فإنّه من خاف شيئاً حذره، ومن حذر شيئاً تركه. و لا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الدنيا الذين مكروا السيئّات، فإن الله يقول في محكم كتابه: "أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ" (النحل 45-47) فاحذروا ما حذّركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب. والله لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم، فإن السعيد من وُعظ بغيره، ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً" (الأنبياء: 11). وإنما عنى بالقريّة أهلها حيث يقول: وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ" (الأنبياء 11)، فقال عزّ وجلّ: "فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ" (الأنبياء 13- 15). وأيم الله، إن هذه عظة لكم وتخويف إن اتّعظتم وخفتم، ثمّ رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عزّ وجلّ: "وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ" (الأنبياء 46) فإن قلتم أيّها الناس: إن الله عزّ وجلّ إنما عني بهذا أهل الشرك. فكيف ذلك وهو يقول: "وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ" (الأنبياء 47). إعلموا عباد الله، إن أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين، ولا ينشر لهم الدواوين، وإنما يُحشرون إلى جهنم زُمراً، وإنما تُنصب الموازين وتُنشر الدواوين لأهل الإسلام).







وائل الوائلي
منذ 9 ساعات
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN