تعتبر الفيروسات من أصغر الكائنات الحية التي لا يمكنها التكاثر بمفردها، حيث تعتمد على الخلايا المضيفة لأداء هذه المهمة. على الرغم من أنها غالباً ما تُنسب إلى المسببات للأمراض، إلا إنها تؤدي دوراً مهماً في التأثير على الجينات بطريقة قد تكون مفيدة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى تشكل تهديداً خطيراً. الفيروسات قد تساهم في تحولات جينية تساعد في العلاج الجيني أو التحسين الزراعي، ولكنها قد تسبب أيضاً تغييرات ضارة في جينات الخلايا، مما يؤدي إلى أمراض مثل السرطان.
أحد التطبيقات الإيجابية للفيروسات يتمثل في استخدامها في العلاج الجيني. حيث تستخدم الفيروسات القهقرية (Retroviruses) كأداة لتوصيل الجينات إلى خلايا المرضى الذين يعانون من أمراض وراثية مثل التليف الكيسي أو الهيموفيليا. في دراسة أجراها Cavazzana-Calvo et al. في 2010 أكدت فعالية العلاج الجيني باستخدام الفيروسات القهقرية في أمراض الدم الوراثية مثل فقر الدم المنجلي، مما يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الأمراض المستعصية.
لكن الفيروسات لا تقتصر فوائدها على العلاج الجيني فقط بل قد تمثل أيضاً تهديداً لصحة الإنسان. على سبيل المثال، فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) من الفيروسات التي تسبب تحولات جينية في خلايا عنق الرحم وقد تؤدي هذه التحولات إلى السرطان. في دراسة تم اجرائها في جامعة هونغ كونغ عام 2020 أظهرت أن الإصابة بـ HPV قد تسهم في تغييرات جينية في الخلايا مما يزيد من خطر تطور الأورام. هذا يبرز التأثير السلبي الذي قد تتركه الفيروسات في بعض الحالات ويوضح كيف يمكن أن تؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة مثل السرطان.
أيضاً، الفيروسات تلعب دوراً كبيراً في انتقال الجينات بين الكائنات الحية وخاصة في عالم الميكروبات. في بعض الحالات تحمل الفيروسات جينات من كائنات حية أخرى، مما يؤدي إلى ظهور خصائص جديدة مثل مقاومة الأمراض. في دراسة نشرت في مجلة Nature Reviews Microbiology في 2017 بحثت في تأثير الفيروسات على انتشار الجينات المقاومة للمضادات الحيوية بين البكتيريا، مما يشكل تحدياً في مكافحة الأمراض المعدية.
لكن الفيروسات لا تقتصر على التأثير في الكائنات الحية الدقيقة فقط، بل يمكن أيضاً أن تستخدم في البحوث الزراعية. حيث تساعد الفيروسات في تحفيز التغيرات الجينية في المحاصيل الزراعية، بهدف تحسين مقاومتها للأمراض وزيادة إنتاجها. في دراسة نشرت عام 2020 في مجلة Plant Cell Tissue and Organ Culture تم استعراض كيفية استخدام الفيروسات لنقل جينات مفيدة إلى النباتات، مما يسهم في تحسين المحاصيل الزراعية وزيادة الإنتاج الغذائي. كما أظهرت دراسة Tiwari et al. في 2017 كيف يمكن استخدام الفيروسات لتحسين مقاومة المحاصيل الزراعية للأمراض.
في النهاية، الفيروسات تلعب دوراً معقداً في التحول الجيني للكائنات الحية. قد تكون مفيدة في بعض التطبيقات مثل العلاج الجيني والزراعة، لكنها في الوقت نفسه قد تشكل تهديداً للصحة العامة من خلال التأثير على الخلايا وزيادة مقاومة الميكروبات للأدوية. هذا يعكس الحاجة إلى مواصلة البحث لضمان استخدام الفيروسات بشكل آمن وفعال مع الحد من مخاطرها السلبية على الإنسان والبيئة.







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN